عندما يتجه %87 ممن يحق لهم التصويت للإدلاء بأصواتهم في انتخابات تشرين الثاني عام 2015، فإن ذلك يعني ان هناك ازمة كبيرة جداً جعلت الاغلبية العظمى من الشعب تشارك في تقرير نوع الحكومة التي ستحل تلك الازمة!، تلك الازمة وإن بدت أمنية الطابع لكنها في الحقيقة صراع بين طرفين، طرف يريد ابقاء تركيا على هويتها الحالية وطرف آخر يسعى لتغير الهوية التركية، وتلك الازمة ما زالت مستمرة وتتفاقم.

القصة لا تبدأ من مطالبة الرئيس اردوغان بإقامة النظام الرئاسي بدلاً عن النظام النيابي، بل تنتهي عندها بإعطاء صلاحيات دستورية مطلقة لرئيس الجمهورية وتطبيق النظام الفيدرالي، لذا يدور جدل شديد بين الأحزاب التركية وجماهيرها عن ماهية الدستور الجديد وخشية المعارضة أن تؤدي بتركيا إلى نظام استبدادي، وحيث أن مشروع النظام الرئاسي الذي تقدم به الرئيس اردوغان يضمن استقلاليته كرئيس للجمهورية بغض النظر إن كان حزب العدالة والتنمية يمتلك اغلبية في مجلس النواب أم لا. وتشمل صلاحيات الرئيس في مشروع النظام الرئاسي، تعيين قادة القوات المسلحة ومدراء الأمن العام والمخابرات، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية والقضاة والمدعين العامين، وامتلاك حق النقض للقرارات الصادرة من مجلس النواب، ورفض الموازنة العامة، وتوقيع اتفاقيات دولية، دون وجود رئيس للوزراء، وهو نظام مشابه للنظام السياسي الامريكي.

وبذلك ستتركز جميع السلطات في يد الرئيس الذي سيهيمن على السلطات الثلاث مع أن السلطتين التشريعية والتنفيذية  تفصلان في انتخابات مختلفة ولن يستطيع الرئيس حل مجلس النواب وبنفس الوقت لا يستطيع مجلس النواب خلع الرئيس الذي سيسيطر على الجيش ضماناً ضد أي تحرك عسكري للانقلاب كما حصل مع رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس (1950ـ1960 ) الذي انتهى بإعدامه في عام 1961 بتهمة تغييره لنظام الحكم العلماني، وكان مندريس أجرى حملة تغييرات ضد النظام العلماني التي منها أعادته للآذان من التركية إلى العربية وأدخاله الدروس الدينية إلى المدارس العامة وافتتاحه أول معهد ديني ومراكز لتعليم القرآن وسماحهُ للنساء بارتداء الحجاب، بالمقابل عمل على ضم بلاده إلى حلف شمالي الأطلسي وجعل من تركيا  خط أمامي ضد السوفييت خلال الحرب الباردة وارسل قوات تركية إلى كوريا خلال الحرب الكورية ووقف ضد الحركة القومية العربية في عهد عبد الناصر وارتبط بعلاقات وثيقة مع اسرائيل، كل ذلك لم يشفع له  حيث تخلى عنه الغرب، وهو قلق يراود الاسلاميين الاتراك منذ توليهم للحكم في عام 2002.

  الاحزاب التركية والانتخابات الاخيرة

في مجلس النواب الحالي في تركيا، يقود الرئيس إردوغان 317 نائباً من حزب العدالة والتنمية من أصل 550 نائباً ولكنه يحتاج إلى 330 صوت (اي 13 نائب اضافي) ليتمكن من طرح الدستور الجديد على الاستفتاء الذي يغير النظام السياسي من نيابي إلى رئاسي، والعدد الحالي لنواب حزب العدالة والتنمية لا يكفي لإجراء استفتاء عام حول النظام الرئاسي (يجب موافقة 367 نائباً داخل مجلس النواب لتغيير النظام من نيابي إلى رئاسي، أو موافقة 330 نائباً لطرح مشروع النظام الرئاسي على الشعب من خلال الاستفتاء العام). إلا أن احزاب المعارضة الثلاثة في مجلس النواب التركي (حزب الشعب الجمهوري، الحركة القومية، حزب الشعوب الديمقراطي الكردي) تعارض النظام الرئاسي رغم اصرار الرئيس اردوغان على اقامة النظام الرئاسي حسبما قال كمال قلجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري. وهو بذلك امام ثلاثة خيارات: إما الحصول على تأييد حزب معارض أو كسب نواب منشقين للحصول على الـ 13 صوت اللازم، أو.. إجراء انتخابات نيابية جديدة.

تتحدث الصحافة التركية عن معارضة بين نواب العدالة والتنمية على النظام الرئاسي وعدم اتفاق جميع نواب الحزب الحاكم مع الرئيس على تحقيق النظام الرئاسي، لذا فاردوغان يحتاج إلى أكثر من 13 نائب لتحقيق النصاب القانوني، ومن ابرز قيادات العدالة المعارضين هو الرئيس السابق عبدالله غول الذي يقود حملة داخل الحزب لثني اردوغان عن مشروعه الرئاسي. ووفقاً لبعض التقارير الصحفية التركية المقربة من رئيس الجمهورية التي تتحدث عن انتخابات نيابية مبكرة جديدة في الصيف، خصوصاً ان حزبي المعارضة (الشعب الجمهوري والحركة القومية) يعانيان من أزمات داخلية، وإذا ما نجح الرئيس أردوغان في الحصول على قرار من القضاء التركي بحل الحزب الكردي (بعد اتهامه بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني)، فإن قيام انتخابات مبكرة جديدة في تركيا ضمن الاوضاع الامنية السيئة في المناطق الكردية يجعل من حصول حزب العدالة والتنمية على 330 مقعد امراً ممكناً، غير أن السيد إردوغان يسعى للحصول على 367 مقعد لتجنب الاستفتاء الرئاسي وتغيير النظام من نيابي إلى رئاسي تحت قبة مجلس النواب.

أحد احزاب المعارضة التي خارج مجلس النواب (لان اصواته لم يتجاوز 0.2 ٪ ويحتاج %10 من الاصوات ليدخل المجلس النيابي) وهو حزب الوطن، أقام دعوى قضائية لدى المحكمة العليا ضد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (59 نائباً في اخر انتخابات جرت في تشرين الثاني 2015) مطالباً بحله بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني المصنف ضمن التنظيمات الإرهابية داخل تركيا. في الواقع، إن المستفيد الأكبر من حل الحزب الكردي هو الرئيس أردوغان لان أصوات الكرد ستؤول إليه مما سيرفع عدد نواب العدالة والتنمية إلى النسبة الضرورية للانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي.

دأب الرئيس إردوغان على اتهام نواب الحزب الكردي بأنهم الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني مطالباً في مناسبات عديدة بمحاكمتهم بتهمة الخيانة ودعم الارهاب، وفي مطلع شهر آذار الجاري تقدم رئيس الوزراء التركي إلى مجلس النواب التركي بطلب رفع الحصانة عن القياديين الخمسة الكبار لحزب الشعوب الديمقراطي تمهيداً لمحاكمتهم بتهمة الانتماء لحزب العمال الكردستاني، وفي مقدمتهم صلاح الدين دميرتاش رئيس الحزب الكردي.

يمكن القول ومن خلال نتائج الانتخابات التركية الاخيرة التي جرت مرتين في عام 2015، إن صوت الناخب الكردي داخل تركيا ينقسم إلى قسمين: أغلبية مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي واقلية مع حزب العدالة والتنمية. الاغلبية الكردية تتبنى الهوية الكردية اليسارية القومية (هوية عبدالله أوجلان) وترى في أوجلان بطلاً قومياً، لذا قامت بالتصويت لحزب الشعوب الديمقراطي الذي تربطه علاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني، في البداية طالبوا بالاستقلال عن تركيا ولكن تغيرت المطالبات إلى اقامة حكم فيدرالي على النمط الكردي العراقي.

هناك اقلية كردية من المتدينيين السنة ترى أن (الدين قبل القومية) لذا صوتت لحزب العدالة والتنمية خصوصاً ان نواب العدالة في تلك المناطق من الكرد الاسلاميين أو المحافظين، هذه الاقلية ترى أن حزب العدالة يسعى لإنجاز تسوية سلمية كردية تركية وترى أن الرئيس أردوغان يقف ضد الثقافة القومية التركية المعادية للكرد، كذلك ضد الثقافة اليسارية المخالفة للدين، وينشر الثقافة الاسلامية. وإذا ما أضفنا ان لدى هذه الاقلية قناعة أن الرئيس أردوغان هو الوحيد القادر على الوقوف أمام عنف ونزعات القوميين الاتراك المعادين للكرد ولأي مصالحة تركية كردية.

هذه الاقلية تقدر بربع الاصوات الكردية وهي انضمت في معظمها في تحدي للقوميين الاتراك بالتصويت لحزب الشعوب الكردي ليكون أول حزب كردي يدخل مجلس النواب التركي في التاريخ وليحصل الكرد على %13 من الاصوات، لكن الرئيس إردوغان الذي كاد ان يسمح لرئيس الوزراء أحمد دواد أوغلو بتشكيل حكومة ائتلافية مع الحركة القومية، تراجع وأعلن عن انتخابات جديدة في تشرين الثاني 2015 بعد ستة أشهر من فشل الاحزاب في تشكيل حكومة ائتلافية. وخلال هذه الفترة وقعت مواجهات بين القوميين الاتراك والكرد في مناطق متفرقة خصوصاً في المناطق الكردية مما جعل من الاقلية الكردية (المتدنية) التي صوتت للشعوب الديمقراطي أن تعود وتصوت للعدالة والتنمية في تشرين الثاني ليخسر الشعوب الديمقراطي من اصواته ما يقارب من مليون صوت ذهبت إلى العدالة والتنمية (من 80 نائب إلى 59 في جولة الاعادة) ليحصل حزب العدالة على 60 مقعداً إضافياً، منها 20 مقعد من اصوات الكرد و 40 من أصوات القوميين الاتراك (من 80 نائب إلى 40 في جولة الاعادة).

جوهر الحركة القومية حالياً يقوم على عداء القضية الكردية، وإذا ما أدركنا ذلك نجد ان الناخب القومي التركي لا يهمه إلا من يواجه حركة الاستقلال الكردية أو من يرفض أي مصالحة مع الكرد وتقديم أي تنازلات لهم. لذا فإن الرئيس أردوغان توجه بمخاطبة الناخب القومي قائلاً له ’’إن عدم فوز حزب العدالة بأغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة، سيضعف من قوة المواجهة العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني‘‘ وبالمقابل فشل زعماء الحركة القومية والشعب الجمهوري في تشكيل الحكومة بسبب عدم كفاية مقاعدهم النيابية، إضافة للخلافات العميقة والتاريخية بين القوميين واليساريين الاتراك جعلت من نصف ناخبي القوميين يصوتون لصالح العدالة.

بعد الانتخابات الاولى في تموز عام 2015 التي لم يتمكن فيها حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة بشكل منفرد، وجه رئيس حزب الشعب الجمهوري اتهامات للرئيس اردوغان إتهمه فيها بتأجيج النزاع الداخلي بين الاتراك والكرد لكسب أصوات الناخبين القوميين الاتراك. وبالفعل أثرت المواجهات المسلحة بين الكرد والقوات الامنية التركية إلى رفع التوتر الداخلي في بعض المحافظات التركية خصوصاً بعد عمليات مسلحة نفذها حزب العمال والتنظيمات التابعة له ادت لمقتل رجال أمن وعسكريين، تزامنت معها تهديدات من كرد في شمال سوريا، وكانت كل تلك في مؤداها لصالح حزب العدالة والتنمية ليصوت نصف الناخبيين القوميين الاتراك لدعم حكومة العدالة في مواجهة المسلحين الكرد، وعلى جانب اخر عاد المتدينون والمحافظون الكرد ليصوتوا للعدالة والتنمية آملين في عودة السلام والاستقرار إلى مناطقهم.

عدد النواب في مجلس النواب التركي

انتخابات تشرين الثاني 2015 انتخابات تموز 2015 الاحزاب
317 258 العدالة والتنمية
134 132 الشعب الجمهوري
40 80 الحركة القومية
59 80 الشعوب الديمقراطي

أما حزب الشعب الجمهوري اليساري ذو النزعة الأتاتوركية فإن أغلب ناخبيه ممن يؤمنون بالعقيدة اليسارية التركية الاتاتوركية ويشمل معظم العلويين الاتراك، واذا كان القوميون الاتراك والكرد خسروا اصواتاً كثيرة في انتخابات الاعادة فإن حزب الشعب الجمهوري لم يخسر بل إزدادت أصواته، وجوهر ما يراه ناخبوا حزب الشعب أن الاسلام السياسي هو أخطر بكثير من النزعة الانفصالية الكردية لذا فهم لا يكنون العداء للكرد كما هو حال القوميين الاتراك بل تربطهم علاقات ’’مسالمة‘‘ مع الكرد اليساريين، وفي إعتقادهم ان على تركيا أن تعود للحقبة اليسارية الاتاتوركية حيث لا مكان للاسلام السياسي، وان مستقبل تركيا مع اوربا وليس مع الشرق الاوسط أو البلدان الاسلامية.

 العلويون الاتراك والرئيس إردوغان

يشكل العلويون في تركيا نسبة غير قليلة من السكان وهم مؤيدون لمنهج كمال أتاتورك العلماني المتشدد الذي فصل الدين عن السياسة بعد إلغائه للخلافة العثمانية، وتشمل كلمة علوي في تركيا (الشيعي الاثنا عشري، والعلوي النصيري والبكتاشي)، ومع ان العلويون يقدرون أنفسهم بما يقارب من 25 مليوناً فيما تقدر أوساط شبه رسمية أنهم يقاربون من الستة أو السبعة مليون نسمه، لكن الاتحاد الأوروبي ومؤسسات أميركية تقدر عدد العلويون بأنهم يشكلون ما بين (15-20) مليون أي تقريباً ربع سكان تركيا موزعين بين الاتراك والكرد والعرب، يشكل الأتراك ثلثي العلويين في تركيا يليهم الكرد ثم العرب، وقد تعرض العلويون للاضطهاد لعدة قرون وللملاحقة الدينية والسياسية خلال حكم الدولة العثمانية بعد ان تم ’’تكفيرهم‘‘ واتهامهم بمساندة الدولة الصفوية في ايران.

1

وبعد اعلان كمال أتاتورك عام 1923 انهاء الخلافة العثمانية واعتماد النظام العلماني لحكم الدولة التركية، كان العلويون الأتراك من اوائل المرحبين، لكن القوميين الاتراك الذين حكموا تركيا لم يعترفوا أيضا بالهوية العلوية وحصروا التعاليم الإسلامية بالمذهب الحنفي، وفي عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تزايد الصراع على الهوية بين العلويين والقوميين فلجأ العلويون إلى الفكر الماركسي وتبنى الكثير منهم الفكر اليساري في مواجهة الفكر القومي اليميني من جهه والتوجه الإسلامي السياسي آنذاك من جهه اخرى، وكان الصراع دموياً بين الأحزاب اليسارية والقومية وعلى اثرها قام الجيش بانقلاب عسكري عام 1980 معادياً لليساريين المقربين من الاتحاد السوفيتي.

ويشكوا العلويون حالياً من تهميشهم وعدم الاعتراف بهم كأقلية مسلمة خصوصاً وان الدولة العثمانية لم تكن تعترف بهم كمسلمين، لذا فليس لهم ممثل في رئاسة الشؤون الدينية ولا تعترف الدولة التركية بمرجعياتهم الدينية ويجبر أطفالهم في المدارس على دراسة المذهب الحنفي في مناهج مادة الدين، ويشكون ايضا في قيام حزب العدالة والتنمية باستبعادهم عن المناصب المهمة في الجيش والأمن العام.

بعد ترأس السيد إردوغان للحكومة التركية منذ عام 2002 أعلن عن تبنى سياسة اسماها بـ” الانفتاح العلوي‘‘ لأنهاء حالة التوتر الاجتماعي بين الاتراك السنة والاتراك العلويين ولتوحيد تركيا اجتماعيا، اضافة إلى رغبة السيد إردوغان بضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي التي تطلب من تركيا احترام حقوق الأقليات الدينية والقومية. لكن هذا ’’الانفتاح العلوي‘‘ لم يقدم حلولاً جذرية كالاعتراف بالعلويين كمسلمين أو تمثيلهم في الشؤون الدينية، ولا يوجد تشريع قانوني يسمح بوجود بيوت العبادة العلوية ومساواتها بدور العبادة الإسلامية والمسيحية واليهودية. هذا الاصرار من قبل الاتراك العلويين للاعتراف بهم كمسلمين غايته الحصول على مكاسب سياسية واجتماعية وسط تنامي التيار السلفي المتشدد داخل تركيا.

ومع قيام الحرب الاهلية السورية ووقوف الرئيس اردوغان علناً ضد الرئيس بشار الاسد واتهامه بانه ’’علوي‘‘ دكتاتور، شعر العلويون في تركيا بأنهم مستهدفون خصوصاً ان السياسة الخارجية التركية صارت ذات بعد طائفي تدعم احزاب سنية سورية ضد الرئيس بشار الأسد الذي ينتمي للطائفة العلوية، وفي خضم ذلك أعلن الرئيس اردوغان عن تسمية الجسر الثالث على البوسفور بين شقي اسطنبول  اسم السلطان “ياووز سليم” المعروف تاريخياً بارتكابه لمذابح ضد العلويين قبل 500 عام خلال حرب العثمانيين مع الصفويين.

العلاقة بين العلويين واردوغان تقوم على اللاثقة التامة، فالرئيس اردوغان استخدم مصطلح ’’علويون بلا علي‘‘ أي انهم لا يمتون بأي صلة للامام علي بن أبي طالب، واتهمهم اردوغان بأنهم مجرد العوبة في مخطط خارجي منذ مائة عام ضد تركيا، فيما رد عليه النائب العلوي حسين آيغون قائلا ’’اردوغان معاوية عصرنا‘‘، اما صحيفة جمهورييت التركية اليسارية فقالت ان اردوغان يحارب من اجل احياء دولة عثمانية صارت من التاريخ، هذا الاتهام باستثمار الطائفية السياسية من قبل الرئيس اردوغان لم يكن فقط من قبل العلويين بل جاء أيضاً من قبل القوميين الاتراك، إذ قال دولت بهتشلي زعيم الحركة القومية ان ’’أردوغان خلق أرضية توتر وصراع واستقطاب طائفي وعرقي‘‘.

ويصوت معظم العلويين في تركيا الى حزب الشعب الجمهوري أكبر احزاب المعارضة التركية الذي رئيسه كمال قلجدار أوغلو نفسه علوي المذهب، لذا نرى ان حزب الشعب الجمهوري يتخذ مواقف معارضة لاردوغان وداود اوغلو تجاه الازمة السورية فيما يعلن بعضهم تأييده المطلق للرئيس السوري بشار الاسد. من جهه اخرى ينتمي معظم السنة الاتراك إلى حزب العدالة والتنمية لتزداد حالة التصادم الاجتماعي الطائفي بين الفريقين.

ووصل الامر بالرئيس إردوغان انه قال ذات مرة وهو يخاطب رئيس حزب الشعب الجمهوري اكبر أحزاب المعارضة في مجلس النواب قائلاً ’’انت علوي، لماذا لا تعلن للناس عقيدتك‘‘، وتلك المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس دولة في تركيا عن الطائفية منذ سقوط الدولة العثمانية. وفي احداث تسريب المكالمات الهاتفية لاردوغان التي نشرها اتباع المعارض فتح الله غولن، وصف اردوغان قاضي في المحكمة العليا بصورة غاضبة أنه ’’علوي‘‘ لانه رفض ادانه صاحب مؤسسة دوغان الإعلامية التي نشرت اراء معارضة لسياسة العدالة والتنمية. ولم يقتصر الامر على اردوغان، بل ان ايمرله ايسلر نائب رئيس الوزراء قال ’’ لا نعتبر العَلوية تابعة للإسلام ودور عبادتهم ليست دور عبادة واذا كانوا مسلمين فعليهم الذهاب إلى المساجد‘‘. ورد عليه زعماء العلويين الذين اعتبروا ذلك محاولة لتغير عقيدتهم إلى مذهب السنة.

الباحث التركي فايق بولوت رأى ان هناك سببين لسياسة اردوغان تجاه العلويين، الاول ما تعلمه اردوغان وبقية قادة العدالة والتنمية عن العلوية من ادبيات الاخوان المسلمين خصوصاً وانهم تتلمذوا في حزب الرفاه الاسلامي، وهم بذلك يحاولون تغير القناعات الدينية للعلويين وجذبهم نحو مذهب الحنفية لاسباب سياسية بحتة واهمها تجريد حزب الشعب الجمهوري الذي يستند بشكل اساسي على الجماهير العلوية في الانتخابات. اضافة لما سبق، فان اللعب بالطائفية السياسية يجذب المتطرفين اكثر داخل جماهير العدالة والتنمية خصوصاً عندما يتحدث الرئيس اردوغان وكأنه زعيم طائفة وليس كرئيس دولة.

هذا الصراع الطائفي السياسي اظهر من خلال مسح اجراه مركز دراسات تركي ارقاماً مقلقة عن تنامي الطائفية بين الاتراك، فقد نشر مركز السياسة العامة والاستراتيجية في انقرة تحت عنوان ’’مسح الاتجاهات الاجتماعية في تركيا‘‘ بتاريخ 12-1-2016 مسحاً تم أجراءه على 1500 شخص من مختلف أنحاء تركيا خلال تشرين الثاني 2015، جاء فيه أن 9.3 ٪ من المشاركين قالوا إن داعش ليست تنظيماً إرهابياً بينما قال 4.5 ٪ إنهم يؤيدونها، وقال 21٪ إن التنظيم يمثل الإسلام بينما قال 8.9 ٪ إنهم يرون التنظيم كدولة.

لذا يمكن القول، ان الرئيس إردوغان يرى انه يسير بخطى واثقة لتغيير النظام السياسي التركي من برلماني إلى رئاسي عبر بوابتين هما تأجيج النزاع القومي التركي الكردي وإثارة الخلاف الطائفي السني العلوي، وهو بذلك سيضمن اصوات جماهير حزب العدالة والتنمية مضافاً إليها معظم اصوات القوميين وبعض اصوات الكرد الاسلاميين مع تشتيت اصوات الكرد القوميين واليساريين، وإن بقى حزب الشعب الجمهوري محافظاً على نسبته بمجلس النواب … وما لا يراه إردوغان ان ازدياد نسب التطرف القومي والطائفي في المجتمع التركي يهدد السلم الاجتماعي التركي الكردي والسني العلوي، حيث بنت هذه السياسات عزلة اجتماعية قومية بين الترك والكرد وعزلة طائفية بين السنة والعلويين ومع استمرار التوتر الطائفي والقومي فإن كل ما بناه الرئيس إردوغان من عام 2002 يتعرض للخطر، وهو ما دعا الرئيس السابق عبدالله غول إلى التحذير من ان مستقبل تركيا في خطر.