ألقى ملك العربية السعودية، سلمان بن عبدالعزيز في العاشر من الشهر الجاري خطابا موجها  اًلى الشعب السعودي. وهو أمر اعتاد عليه ملوك العربية السعودية بعد تسنمهم مهام الحكم. يأتي خطاب الملك سلمان وسط وضع فوضوي ودموي تعيشه المنطقة، واحتمال امتداد نيران تلك الصراعات
الى العربية السعودية نفسها. ويعتقد كثير من متابعي الشأن السعودي أن البلد يواجه تحديات خطيرة تتمثل في احتمال انتقال العنف والارهاب الى اراضيه، والانخفاض الشديد في أسعار النفط الذي سيترك أثرا على مقدرة العربية السعودية على استخدام المال كورقة تأثير في سياستيها الخارجية والداخلية، ودخولها في صراع غير محسوم العواقب مع ايران، بالاضافة الى شيخوخة قيادتها وصراعها الداخلي وغيرها من أمور.

جاء الخطاب الذي نقل متلفزا بعد اكثر من شهر من مبايعة الملك سلمان ملكا في 2015/1/23 ولكن الملاحظة التي تسجل على هذا الخطاب انه لم يلق امام مجلس الشورى، وهو أمر قام به الملك الراحل عبدلله بعد ما يقارب التسعة شهر من توليه الحكم، واذا كان خطاب الملك عبدلله قد مثل برنامجا حكوميا،ً فإن خطاب الملك سلمان، هو كلمة ملكية توضح سياسته العامة لمواطنيه. وهنا يمكن فهم عدة أمور تفسر هذا الاختلاف. فإن توجه الملك سلمان مباشرة الى التلفزيون لالقاء
كلمته بدلا من القائها امام مجلس الشورى – مجلس أسسه الملك السعودي الراحل، فهد عام 2001 وأريد له أن يعطي سمعة ديمقراطية للبلد وسط ضغوط أميركية وعالمية قوية على العربية السعودية بعيد تفجيرات نيويورك وتورط مواطنيها في تلك التفجيرات – يطرح تساؤلات عن سبب ذلك. إذ يبدو أن الملك سلمان أراد أن يوجه رسالة مفادها انه لم يعد يؤمن بالآليات الديمقراطية، وإن كانت شكلية. وأن توجه العربية السعودية تحت حكمه أصبح يتحرك باتجاه اكثر استبدادا.ً وهذا
يعطي مؤشرا على أن القيادة السعودية تشعر بالقلق من الاوضاع المضطربة التي تحيط بها، وأنها تعيش اضطرابا داخليا على مستوى العائلة في توزيع السلطات، مما يستوجب ايجاد مركز قوي للسلطة فيها. وليس من المستبعد أن تلك القيادة ماتزال تعيش خوف الربيع العربي، رغم انكفائه، وتعاظم قوة تنظيم الدولة الاسلامية، وفشل سياستها في سوريا والعراق واليمن، وصراعها الخفي مع ايران.

أتى خطاب الملك سلمان مقتضباً مقارنة بخطاب سابقه الملك عبدلله. حيث جاء في 1192 كلمة مقارنة ب 7620 كلمة. وأما على مستوى المواضيع، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
لغويا،ً فإن خطاب الملك سلمان تحدث بصفة متواضعة واستخدم ضمير المفرد، بينما خطاب الملك عبدلله كان يستخدم ضمير الجمع عندما تحدث عن ذاته. ركز خطاب سلمان على القضايا الداخلية للعربية السعودية، وجعل خدمة المواطنين أساسا في سياسته. كما جاء ذكر الفساد ومحاربته مرة واحدة، وهو تقريبا استنساخ لما ذكره سابقه.
وضع الاسس العامة لسياسة العربية السعودية الخارجية، دون الدخول في التفاصيل، بينما توسع سابقه في شرح شؤون وقضايا واهتمامات السياسة الخارجية. ولم يرد ذكر العراق، ولا الخليج ولا غيرهما في خطابه الملكي، عكس ما ذكره سابقه. جاء ذكر كلمة “إرهاب” مرتين في خطاب الملك سلمان، ضمن حديثه عن سياسته الخارجية، بينما جاءت كلمة “إرهاب” و”إرهابيين” 20 مرة في خطاب سابقه . مم ا يؤشر على أ ن الملك سلمان يحاول التقليل من أهمية الموضوع، وأن الارهاب أصبح قضية غير داخلية، بينما أكد الملك عبدلله عام 2005 على أن الإرهاب خطر يهدد السعودية من الداخل. وهنا يطرح تساؤل عما إذا كانت الحكومة السعودية الجديدة تتعامل مع الارهاب على أنه شأن خارجي أو وافد من الخارج، أو أنها تريد أن ترسل رسالة تطمين للسعوديين والعالم أنها قد تخطت مشكلة الارهاب داخليا.ً
يبدو أن الملك سلمان يرى أن معركته هي معركة اقتصادية وخدمية، ولهذا ركز على أمور تخص تطوير الاقتصاد والخدمات. ولكنه وإن أشار الى انخفاض أسعار النفط، إلا أنه لم يضع افكارا لمواجهتها، سوى الاستمرار في استكشاف حقول جديدة للنفط والغاز. يعكس خطاب الملك سلمان قلقا حقيقيا لدى القيادة السعودية من احتمال تأزم الأوضاع الداخلية. حيث حفل الخطاب بالوعود وأيضا بالتأكيد على المساواة بين المواطنين وعدم التفريق بين مواطن ومواطن، ومنطقة وأخرى، بينما ركز سابقه على عدم التفريق على اساس “القوي والضعيف.” ويبدو أن هذا القلق من التأثر بالأوضاع في المنطقة العربية، الذي أخذ السعودية على حين غرة في شهر آذار عام 2011 في ذروة الربيع العربي اضطر الملك السعودي الراحل الى اتخاذ اجراءات عاجلة لضخ المال في المجتمع السعودي لاسكات اي تحرك مضاد للسلطة قد يستلهم تطلعات وافكار الشعوب التي تحركت ضد انظمتها حينذاك. حيث ضخت الحكومة السعودية حينذاك ما مقداره 35 مليار دولار ومن بين ذلك دفع راتب شهرين لموظفي الحكومة. ويبدو أن تلك السياسة حاولت أن تمتص النقمة لدى السعوديين تجاه سوء توزيع الثروة، والثراء الفاحش الذي تميز به الأمراء. ويظهر من التطبيقات التي أقدم عليها الملك سلمان، أنه مايزال يسير على نفس خطى سابقه في هذا المجال. فقد أمر هو الآخر بصرف راتب شهرين لموظفي الحكومة والمتقاعدين أيضا.ً لا يمكن التأكد بوضوح من خلال قراءة خطاب الملك سلمان، والسلوك السياسي الحالي للعربية السعودية بوجود تغير جذري في سياسة العربية السعودية الخارجية أو سياساتها الداخلية. ولكن يبدو أن العربية السعودية ماتزال تسير على مسارات ملوكها السابقين، ومن ذلك استخدام المال كورقة تأثير سياسي في الداخل السعودي وفي خارجه. ويبدو أن السعودية ستستمر في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة أينما وجد، في العراق، سوريا، لبنان، واليمن. كما أنها ستستمر في السعي لتقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة، والبحث عن حلفاء اقليميين مثل مصر، بلدان الخليج وباكستان. بالاضافة الى ذلك فإن النفط السعودي سيكون قطب الرحى في السياسات السعودية، وستستمر السعودية في أن تموضع نفسها في صدارة المصدرين للنفط في العالم، والتحكم باسعاره وانتاجه. وإن أثبت العام الحالي أن هذه النافذة الاستراتيجية
للسعودية بدأت تغلق شيئا فشيئا.ً مما سبق يمكن القول أنه لا يمكن للمراقبين للشأن السعودي تلمس وجود تغير حقيقي في الأداء السياسي للعربية السعودية. سوى ما تفرضه عليها الظروف من تحديات جديدة تضطرها الى التحرك بهذا الاتجاه أو اتخاذ ذاك المسار.