لا تعتمد علاقات الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية على مقدار ما يبيعه السعوديون للأمريكيين من النفط الخام، وليس هذا الأمر أيضاً هو ما يجعلهما حليفين منذ عام 1945؛ لأن المملكة تبيع النفط لعدة دول أخرى، ولكن المهم هو دور السعودية -كونها ثاني أكبر منتج للنفط في العالم- في إبقاء الدولار عملة “تقويم للنفط” لدى أوبك؛ مما يعني أن العملة الأمريكية هي الاحتياط الرئيس لتلك الدول، فالتفاهم الأمريكي-السعودي منذ السبعينيات خلق ظاهرة “البترودولار” وما نتج عنها من طلب عالمي على الدولار الأمريكي وعلى الأوراق المالية المقومة بالدولار الأمريكي التي تعتمد عليها حكومات الولايات المتحدة في تمويل ميزانياتها؛ لأنها قد ضمنت على الدوام الإقبال على عملتها.

وبحسب مصادر مختلفة منها مجلة “بلومبيرغ” الأمريكية المتخصصة في التجارة والأعمال، فإن الدولار الأمريكي تحول إلى عملة عالمية بعد المؤتمر الذي انعقد في تموز عام 1944 والمعروف بمؤتمر “بريتون وودز” في الولايات المتحدة الأمريكية بحضور ممثلين لأربع وأربعين دولة، لوضع الخطط من أجل استقرار النظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية؛ ونتج عن المؤتمر تأسيس منظمتين دوليتين هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي تلك المدة كانت الولايات المتحدة -لوحدها- تمتلك ما يقارب ثلثي ذهب العالم، حيث بقي الدولار الأمريكي العملة الوحيدة في العالم المغطاة بالذهب (كمية محددة من العملة الورقية لها ما يقابلها من كمية محددة من الذهب)؛ لأن دول العالم خلال الحرب العالمية الأولى والثانية وبعدهما واجهت أزمات اقتصادية هائلة سببت تخليها عن تغطية عملاتها بالذهب، فتم الاتفاق في هذا المؤتمر على تحديد سعر الدولار مقابل الذهب (أونصة واحدة من الذهب عادلت 35 دولارا)؛ وعلى إثر ذلك توجهت دول العالم إلى جمع الدولار الأمريكي بغية استبداله بالذهب الأمريكي وقت ما تشاء تلك الدول؛ وبالتالي صار الدولار احتياطي النقد العالمي.

وحينما دخلت الولايات في حرب فيتنام (1956-1975)، وجدت نفسها أنها بحاجة إلى مبالغ كبيرة جداً لتمويل العمليات العسكرية، ولأن النقد لم يكن كافياً اضطرت الحكومة الأمريكية إلى طباعة كميات كبيرة من ورق الدولار دون تغطيتها بالذهب كما كان متفقاً في مؤتمر “بريتون وودز” عام 1944؛ لعدم وجود ما يكفي من الذهب، من دون أن تخبر دول العالم. ومن العام 1950 إلى 1969 تعافى اقتصادا ألمانيا واليابان عبر مراحل، وبالمقابل انخفضت حصة الولايات المتحدة من الناتج الاقتصادي العالمي بنحوٍ كبير من 35% إلى 27%، وتسبب ميزان المدفوعات السلبي، والدين العام المتزايد بسبب حرب فيتنام إلى تضخم نقدي في قيمة الدولار بنحوٍ متزايد خلال الستينيات، وكانت الدول الاوربية ومنها فرنسا، تنظر إلى نظام “بريتون وودز” على أنه “امتياز باهظ لأمريكا”؛ لأنه أدّى إلى نظام مالي غير عادل، إذ رأى فيه الأوربيون أنهم يدعمون مستويات المعيشة الأمريكية ويدعمون الشركات المتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة. وفي ما يخصُّ الأمريكيين فلم يكن طباعة الدولار يكلف سوى بضع سنتات لإنتاج ورقة نقدية بقيمة 100 دولار، ولكن على البلدان الأخرى أن تقدم بنحوٍ حقيقي ما قيمته 100 دولار من السلع الفعلية للحصول على ورقة نقدية واحدة.

وفي شباط فبراير 1965 أعلن الرئيس الفرنسي شارل ديغول عزمه على استبدال احتياطيات الدولار الأمريكي في البنك المركزي الفرنسي بالذهب الأمريكي حسب اتفاقية عام 1944؛ وبحلول عام 1966، كانت البنوك المركزية غير الأميركية تحتفظ بـ (14 مليار دولار)، في حين لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى (13.2 مليار دولار من احتياطي الذهب)، ومن بين هذه الاحتياطيات، لم يكن سوى (3.2 مليار دولار) قادراً على تغطية الحيازات الأجنبية بينما كان المتبقي يغطي الحيازات المحلية، وحينما طلبت فرنسا -رسمياً- من الولايات المتحدة عام 1971 استبدال الدولار الموجود لدى البنك المركزي الفرنسي بالذهب الأمريكي -على مبدأ أونصة ذهب مقابل 35 دولاراً- فوجئ الجميع بعدم قدرة الولايات المتحدة على السداد، فتلك الأزمة المالية الأمريكية مع فرنسا جعلت جميع الدول التي تستخدم الدولار كعملة احتياط تطالب ضمانات من الحكومة الأمريكية.

ولما كانت الحكومة الأمريكية غير قادرة على استبدال الذهب بالدولار أو تقديم الضمانات، أعلنت عن عدم التزامها بتحويل الدولار إلى ذهب، وعرفت تلك الأزمة بـ “صدمة نيكسون” التي اتخذ فيها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في عام 1971 سلسلة من الإجراءات الاقتصادية، كان أهمها إلغاء استبدال الدولار بالذهب دون إلغاء نظام “بريتون وودز” للتبادل المالي الدولي، وأعلن نيكسون عزمه على استئناف التحويل المباشر للدولار بالذهب بعد تنفيذ إصلاحات على نظام “بريتون وودز”، لكن جميع محاولات الإصلاح لم تنجح. وبحلول عام 1973 فقدت اتفاقية “بريتون وودز” قيمتها، وبعدها صار الدولار عملة ورقية مضمونة من قبل الحكومة الأمريكية فقط شأنها شأن أية عملة أخرى.

وحينما فقد الدولار معياره الذهبي -لعدم وجود ما يكفي من الذهب الأمريكي- كان على الأمريكيين التحرك بسرعة حتى لا يخسروا كل تلك المزايا الجيوسياسية الكبيرة، وحسب الرؤية الأمريكية فلم تكن الأهمية في أن تكون الصادرات الأمريكية هي الأكثر في العالم، ولكن أن تكون الصادرات في العالم بالدولار؛ وفي نهاية المطاف استمرار الطلب على هذه العملة، وإذا كانت مشكلة الأمريكيين هي في كيفية الحفاظ على استمرار طلب العالم للدولار مع عدم كفاية الذهب الأمريكي، فإن الحل البديل هو العثور على منتج يطالب به العالم كله، والتأكد من بيع هذا المنتج بالدولار وليس بالضرورة أن يكون هذا المنتج أمريكي الصنع، فكان النفط هو البديل.

النفط العربي والاقتصاد الأمريكي

اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، ووقفت الدول العربية المصدرة للنفط إلى جانب مصر وفرضت حظراً نفطياً ضد الدول المؤيدة لإسرائيل ولاسيما الولايات المتحدة، وبدأ الحظر من شهر تشرين الأول 1973 لغاية آذار 1974، وقد تسبب الحظر في أزمة اقتصادية، وزيادة في التضخم، وهبوط حاد لأسواق الأسهم الأمريكية والغربية. وبعد رفع الحظر العربي وفي تلك الأجواء المتوترة، أرسل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وفداً برئاسة وزير الخزانة في جولة إلى عدد من الدول الأوروبية والشرق أوسطية، والمهمة الأساسية كانت في إقناع قيادة المملكة العربية السعودية بـ”عدم” استخدام النفط كسلاح اقتصادي، وإقناع السعوديين بتمويل العجز الأمريكي -بسبب حرب فيتنام- من الثروة النفطية، وقال الرئيس الأمريكي لوزير الخزانة إن “الفشل لن يعرض اقتصاد أميركا للخطر فحسب، بل يمكن أيضاً أن يعطي الاتحاد السوفيتي الفرصة لتحقيق مزيد من التقدم في العالم العربي”.

عرضت الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية الصفقة الآتية: ستشتري الولايات المتحدة النفط من المملكة وتوفر لها المساعدات والمعدات العسكرية المطلوبة. في المقابل، فإن على السعوديين ضخ المليارات العائدة من أرباح النفط إلى الخزائن الأمريكية لتمويل الإنفاق الأمريكي، ونجح وزير الخزانة الأمريكي ويليام سيمون بعد عدة اجتماعات “سرية” في التوصل إلى اتفاق مع السعوديين بأن الولايات المتحدة هي “المكان الأكثر أماناً” لاستثمار عائدات النفط السعودي، وبحسب عدة مصادر أمريكية ومنها “بلومبرغ” فقد طالب الملك فيصل بن عبد العزيز بأن تظل الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة “سرية تماماً”، على وفق ما ذكره دبلوماسي أمريكي، وبقيت الاتفاقية سرية إلى أن قامت وزارة الخزانة الأمريكية بالكشف عن الموجودات الكاملة لديها في عام 2016.

يمكن القول إجمالاً إنه جرت في عام 1973 اتصالات بين الأمريكيين والسعوديين انتهت بعرض واحد قدمه وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر للسعوديين هو: يقدم الأمريكيون الحماية العسكرية لحقول النفط السعودية، فضلاً عن تزويدهم بالأسلحة والحماية من إسرائيل؛ وفي المقابل على العائلة المالكة السعودية أن توافق على تحديد جميع مبيعات المملكة من النفط بالدولار الأمريكي، واستثمار فائض عائدات النفط في سندات الدين الأمريكية التي تستخدمها حكومة الولايات المتحدة في تمويل ميزانياتها وفي استثمارات أخرى داخل الولايات المتحدة.

وبعد حرب 1973، اجتاحت موجة غضب عارمة جميع أنحاء العالم العربي ضد الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل، وكانت أكبر مخاوف الملك فيصل هو أن تنتهي أموال النفط السعودية بنحوٍ مباشر أو غير مباشر في أيدي الإسرائيلين على شكل مساعدات من الولايات المتحدة؛ ولحل هذه المعضلة، وافق مسؤولو الخزانة الأمريكية على تجاوز السعوديين عملية المناقصة التنافسية العادية وتم استبعادهم من المزاد الرسمي وإخفاء آثار وجود السعودية في سوق الدين الحكومي في الولايات المتحدة.

وعلى وفق نشرات منظمة أوبك منذ سنة 1960، فقد بلغ إنتاج المملكة العربية السعودية من النفط في عام 1973 (7,60 مليون برميل باليوم) كجزء من إنتاج منظمة أوبك حينها البالغ (30,63 مليون برميل باليوم)، فيما كان الإنتاج العالمي كلياً ومن ضمنها أوبك (55,68 مليون برميل باليوم)، وفي عام 1974 وصل إنتاج المملكة إلى (8,48 م/ي) كجزء من الإنتاج العالمي البالغ (55,72 م/ي)، ومنها إنتاج أوبك عام (30,35 م/ي)، والجدير بالذكر أن مؤتمر أوبك -الذي يجتمع عادة في مقره بفيينا مرتين في السنة على الأقل وفي دورات استثنائية إضافية عند الاقتضاء- هو السلطة العليا للمنظمة، ويتكون من وفود يرأسها وزراء النفط في الدول الأعضاء؛ وهي تعمل على مبدأ الإجماع وللعضو الواحد صوت واحد، ومع ذلك -وبما أن المملكة العربية السعودية هي أكبر مصدر للنفط مع قدرة كافية على العمل كمنتج بديل لتحقيق التوازن في السوق العالمية- فقد صارت بمنزلة زعيمة أوبك الفعلية منذ عهد شاه إيران الذي وافق على تقويم النفط بالدولار مع بقية دول الخليج.

وبحلول عام 1975، دخلت جميع بلدان منظمة أوبك في الالتزام نفسه، وصارت تجارة النفط العالمية مقومة بالدولار الأمريكي، وفي تقرير آخر لمنظمة أوبك عن أرباح الدول الأعضاء (الثلاث عشرة)، بلغ مقدار مبيعات دول أوبك في عام 1975 (400 مليار دولار)؛ وبذلك صارت الدول المستوردة للنفط تدفع بالدولار الأمريكي لدول أوبك، وخرجت الولايات المتحدة من ازمتها المالية بعد حرب فيتنام أقوى من ذي قبل. وفي عام 1977، كانت المملكة العربية السعودية قد وضعت حوالي 20% من جميع عائداتها المحتفظ بها في الخارج داخل الولايات المتحدة، وتم منح المملكة استثناءٍ خاص حينما بدأت وزارة الخزانة الأمريكية في إصدار تقارير شهرية عن كل بلد على حدة تخص ديون الولايات المتحدة، وبدلاً من الكشف عن ممتلكات المملكة العربية السعودية، قامت الخزينة الأمريكية بتصنيفها مع 14 دولة أخرى مثل: الكويت، والإمارات العربية المتحدة، ونيجيريا تحت عنوان “المصدرون للنفط” وهو إجراء استمر لمدة 41 عاماً حتى عام 2016، ومع اعتماد الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية في استمرار تقويم النفط بالدولار، صارت المملكة جزءاً أساسياً في كل شكل من أشكال التفاعل السياسي مع الولايات المتحدة.

وحين مراجعة أرقام إنتاج النفط العالمية حسب منشورات المنظمات والشركات العالمية مثل شركة “برتش بتروليوم” التي نشرت تقريراً عن الطاقة، قالت فيه إنه في شهر كانون الأول 2015: بلغ الإنتاج العالمي من النفط (91,67 م/ي)، منها إنتاج أوبك (38,22 م/ي) بنسبة (41.4%) من الإنتاج العالمي، وبلغ إنتاج السعودية وحدها (12,014 م/ي) مع عائدات سنوية معلنة بمقدار (130 مليار دولار) من ضمن عائدات أوبك البالغة (404 مليار دولار) في عام 2015 بعد أن كانت (754 مليار دولار) في عام 2014 قبل انخفاض أسعار النفط.

وتبين بعد أن كشفت وزارة الخزانة الأمريكية في أيار 2016 عن حاملي السندات الأميركية في الخارج أن الصين تستثمر (1.244 تريليون دولار) في الديون الأمريكية، تليها اليابان (1.137 تريليون دولار)، ثم دول الخليج الست مجتمعة التي تحمل سندات خزانة أمريكية تبلغ قيمتها (231.1 مليار دولار) منها (116.8 مليار دولار) للسعودية، وما أعلنته وزارة الخزانة هو استثمارات الدول الخليجية في سندات الخزانة الأمريكية فقط، ولا تشمل الاستثمارات الأخرى لهذه الدول في الولايات المتحدة، سواء أكانت حكومية أم خاصة، وبلغت موازنة الولايات المتحدة في عام 2016 بقيمة (3.871 تريليون دولار)، منها (523 مليار دولار) ميزانية الدفاع و(493 مليار دولار) لبقية الوكالات الفيدرالية و(96 مليار) النفقات الاستثنائية للعمليات العسكرية في الخارج، حسبما نشرته وزارة الخزانة الأمريكية، وتعدُّ السندات إحدى أهم وسائل التمويل المالي لحكومة الولايات المتحدة للحصول على رأس المال اللازم لتنفيذ ما لديها من مشاريع أو لتغطية ما عليها من ديون، فيما تقوم الأطراف التي تشتري السندات الأمريكية بالاستثمار لدى الولايات المتحدة كونها اكبر اقتصاد في العالم وآمنه.

8735673546

أهمية تقويم النفط بالدولار

على وفق ما ذكره موقع مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي -بمنزلة البنك المركزي الأمريكي- فإن طباعة ورقة واحدة من فئة المئة دولار تكلف خزينة الولايات المتحدة (15.5 سنت)، بمعنى أن  طباعة مليون دولار يكلف الخزينة الأمريكية (1,550 دولاراً)، وطباعة مليار دولار يكلف (155,000 دولار)، فيما على دول العالم تقديم سلعة حقيقية بقيمة مليار دولار لشراء هذا المبلغ.

على سبيل المثال، خلال عام 2016 اشترت اليابان ما يعادل (50.8 مليار دولار) من النفط وتعتمد بنحوٍ كبير على نفط الشرق الأوسط حيث استوردت 34% من احتياجاتها من النفط الخام من السعودية، وبالمجمل تستورد اليابان من دول الشرق الأوسط ما يقارب من  80% من احتياجاتها النفطية، وتبيع اليابان السيارات المنتجة لديها مقابل الدولار الأمريكي، ثم تدفع بالدولار لشراء النفط من الدول المنتجة للنفط، والدول المنتجة للنفط تعمل على تكوين احتياطي نقدي بالدولار لدعم العملة المحلية، أما الدول الأخرى غير المنتجة للنفط  فتعمل على الاحتفاظ باحتياطي نقدي من الدولار من أجل تأمين احتياجاتها المستقبلية من النفط حينما تبيع بضائع ومواد خام للحصول على الدولار لشراء النفط، وفي الأزمات الاقتصادية تلجأ هذه الدول للاقتراض من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي مع فوائد بالدولار أيضاً.

يعتقد بعضهم أن في حالة فشل نظام البترودولار -كما حصل مع اتفاقية 1944- فإن اقتصاد الولايات المتحدة قد يتعرض للانهيار؛ بسبب التضخم المفرط وستفقد الولايات المتحدة مكانتها، وأن الدول التي لا تتعامل بالدولار الأمريكي سوف تزدهر أكثر وسيتحول العالم إلى عالم جديد؛ ولهذا تأخذ الولايات المتحدة على محمل من الجد محاولات الصين وروسيا وإيران في التعامل بغير الدولار، فبعد افتتاح البنك المركزي الروسي فرعاً له في بكين في آذار عام 2017، عد المراقبون الاقتصاديون ذلك الأمر تطوراً كبيراً جداً يمكن أن يؤدي إلى تحالف أقوى بين بكين وموسكو وسط رغبة البلدين في تقديم معيار مالي جديد للتداول المدعوم بالذهب؛ ويهدف هذا التحالف الجديد بين الصين وروسيا إلى إضعاف الدولار الأمريكي. وقد تحدثت الصحف الروسية عن نية روسيا إصدار سندات قروض اتحادية مقومة باليوان الصيني، فتحالف روسيا والصين -وكلاهما من الموردين الكبار للذهب في العالم- ضد الدولار الأمريكي سيكون بالتأكيد مثيراً للاهتمام، ولاسيما بعد أن اعلنت الصين أنها تريد إصدار عملة مدعومة بالذهب في مرحلة ما في المستقبل.

وفي دراسة نشرتها مجلة “بلومبيرغ” الامريكية، ذكرت فيه أنه إذا استمرت الصين على المنوال نفسه من النمو الاقتصادي فإن القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً صينياً بعد أن كان القرن العشرين قرناً أمريكياً، وسيتجاوز الناتج القومي الصيني الناتج القومي الأمريكي في عام 2026 أو في عام 2030؛ إذ بلغ الناتج القومي الأمريكي عام 2015 (18 ترليون دولار) مشكلاً (22.3% من الاقتصاد العالمي) فيما بلغ الناتج القومي الصيني للعام نفسه (11.4 ترليون دولار) مشكلاً (13.4% من الاقتصاد العالمي).

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد أعلن بصراحة أنه يرى احتكار الدولار لتجارة الطاقة يضرُّ بالاقتصاد الروسي. وفي مواجهة العقوبات الغربية، يسعى بوتين إلى تقليص اعتماده الاقتصادي على الغرب؛ لذا وقعت روسيا عقدين للغاز مع الصين مع مفاوضات لتقديم أسلحة متطورة روسية  إليها، وأن روسيا بصدد الانتهاء من صفقات تجارية مهمة مع الهند وإيران؛ فكل هذا سيكون لصالح إيران أيضاً إذ أعلن الروس عن اتفاق لبناء عدة محطات جديدة للطاقة النووية فيها.

وفي تقرير صادر عن فايننشال تايمز، قالت فيه إن التحدي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة هو أنها تحتاج الأجانب كل يوم لشراء الدولار؛ حتى تحافظ على قوة العملة وتمنعها من السقوط. وفي عام 2016، باعت الولايات المتحدة للأجانب (2.7 مليار دولار يومياً) وهو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي اليومي لهولندا مثلاً، وحينما لا يميل الأجانب إلى شراء (2.7 مليار دولار يومياً) فإن ذلك سيضعف الدولار.

إذا قرر السعوديون بيع النفط بغير الدولار وتبعهم في ذلك أوبك، فإنه يمكن أن يلحق ضربة قاضية لنظام البترودولار، ولا يهم ما إذا كان السعوديون يتخلون عن عمد أو إذا حصل انهيار في المملكة؛ لأن النتيجة النهائية ستكون هي نفسها وهي التضخم الشديد، فنظام البترودولار سمح للحكومة الأميركية وللمواطنين الأميركيين بالعيش بطريقة تتجاوز وسائلهم لعقود، وستواجه الولايات المتحدة كارثة اقتصادية تكون تبعاتها جذرية في النظام المالي والاجتماعي والسياسي الأمريكي، وهو ما لن تسمح به الولايات المتحدة؛ ولذا صارت المملكة العربية السعودية جزءاً لا يتجزأ من القوة الأمريكية.


 

References

BP Statistical Review of World Energy June 2016

OPEC Revenues Fact Sheet June 14, 2016

The Federal Reserve Board

China and the United States:  Tale of Two Giant Economies