رامي الشمري
بينما تشتعل المنطقة بتوترات أمنية متصاعدة، وتقف الجبهات الإقليمية على حافة الاشتعال، يطل حدث سياسي بهدوء مشوب بالحذر: تقارب متسارع بين مصر وإيران، بعد قطيعة استمرت لعقود.
غير أن هذا الحدث، الذي قد يبدو طبيعيًا في سياق التحولات الدبلوماسية، يحمل في طياته رسائل زلزالية لإسرائيل، التي ترى فيه ما هو أكثر من مجرد إعادة علاقات… بل مقدمة لسيناريو إقليمي مقلق، وربما الشرارة الأولى لانفجار قادم.
من جليد سياسي إلى دفء دبلوماسي: ماذا يحدث بين القاهرة وطهران؟
منذ أشهر، بدأت المؤشرات تلمّح إلى تحوّل نوعي في العلاقات المصرية الإيرانية، تجلّى في:
• زيارة نادرة قام بها نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة في أكتوبر 2024، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد.
• لقاء غير مسبوق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان، على هامش قمة “البريكس” في قازان.
• محادثات جادّة لإعادة فتح السفارات وتطبيع العلاقات، بعد سنوات من الجفاء.
وقد صرّح وزير الخارجية الإيراني السابق، حسين أمير عبد اللهيان، أن هذا التقارب يتم بوساطة مباشرة من شخصية سياسية بارزة في العراق.
“العراق يلعب دورًا إيجابيًا في الوساطة بين إيران ومصر، وهناك تقدّم فعلي نحو إعادة فتح السفارات.”
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن هذه الشخصية العراقية لا تتمتع فقط بنفوذ داخلي، بل تحظى بقبول دولي نادر، وعلاقات متينة مع أطراف متضادة إقليميًا وعالميًا.
وقد سبق لها أن لعبت دورًا محوريًا في التقريب بين طهران والرياض، ما يجعلها اليوم أحد اللاعبين الصامتين الذين يعيدون تشكيل التوازنات في المنطقة.
لماذا يقلق هذا التقارب إسرائيل بشدة؟
تل أبيب تتابع هذا الملف بعين لا تغفو. وبالنسبة لها، فإن أي تقارب بين القاهرة وطهران يعني أكثر من مجرد عودة علاقات، بل تهديد مركّب لمجمل استراتيجيتها في المنطقة. ويمكن تلخيص أبرز المخاوف الإسرائيلية في أربع نقاط رئيسية:
1- فك الحصار العربي عن إيران
لسنوات، سعت إسرائيل إلى إبقاء إيران معزولة عربيًا. أما الآن، فإن عودة العلاقات مع مصر — الدولة العربية الأكبر سياسيًا وعسكريًا — تعني كسر هذا الحصار الاستراتيجي، وتآكل الرواية الإسرائيلية أمام العرب والغرب.
2- انزياح محتمل للدور المصري في غزة
طالما أدت القاهرة دور الوسيط بين حماس وإسرائيل، محافظة على حدّ من التوازن. لكن أي تفاهم مصري إيراني قد يُعيد تموضع مصر تجاه الفصائل المدعومة من طهران، ما يُقلق تل أبيب بشدة، خاصة على جبهة الجنوب.
3- تعزيز “محور المقاومة” بصيغة ناعمة
قد لا تتحول مصر إلى حليف عسكري لإيران، لكنها — حتى عبر التفاهم — قد تساهم في ترسيخ محور إقليمي جديد أقل ضجيجًا وأكثر فاعلية، يمتد تأثيره إلى ملفات كاليمن وسوريا ولبنان.
4- تصدّع “محور الاعتدال العربي”
كانت إسرائيل تراهن على تماسك محور يضم السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر، للوقوف بوجه التمدد الإيراني. لكن التطورات الأخيرة — من الرياض إلى القاهرة — تُنذر بأن هذا المحور بدأ يتفكك لصالح طهران.
هل نحن أمام شرارة تصعيد جديد في الشرق الأوسط؟
قد يبدو الحديث عن مواجهة شاملة مبالغًا فيه، لكن المؤشرات الميدانية تروي قصة مختلفة.
الشرق الأوسط بات يشبه صفيحًا ساخنًا، لا يحتاج سوى إلى شرارة… وفي نظر بعض المراقبين، فإن التقارب المصري الإيراني قد يكون هذه الشرارة، للأسباب التالية:
• فقدان إسرائيل للقدرة على التحكم بجبهات غزة ولبنان.
• فتح بوابة إيرانية جديدة على الضفة الغربية عبر القاهرة، بدلًا من طهران أو دمشق.
• تراجع قدرة واشنطن وتل أبيب على حشد موقف عربي موحّد في حال نشوب مواجهة مع إيران.
في الختام: لعبة الأمم على حافة السكين
ما يجري بين القاهرة وطهران ليس مجرد حركة دبلوماسية، بل مؤشر على لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة.
إيران تتحرك بهدوء لتوسيع نفوذها سياسيًا بعد سنوات من المواجهة والعزلة، بينما تبدو إسرائيل محاصَرة بخيارات محدودة ومخاوف متزايدة.
السؤال المطروح الآن:
هل ستتكيف إسرائيل مع هذه التحولات؟ أم تدفع الأمور نحو تصعيد ميداني يخلط الأوراق من جديد؟
ربما يكون الجواب أقرب مما نتصور… والأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف حجم النار تحت رماد الدبلوماسية.