back to top
المزيد

    مستقبل هندسة التحالفات الإقليمية والدولية جنوبي آسيا : دراسة في الصراع الكشميري الراهن

    د. أحمد عدنان كاظم الكناني/ أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد

    شهدت مقدمات هندسة التحالفات الإقليمية والدولية في منطقة جنوب آسيا تحولات غير مسبوقة خلال الفترة الحالية، خاصة بعد وقوع الهجوم الثاني والعشرين من نيسان 2025 في كشمير، مما أدى إلى وضع غير مستقر في العلاقات بين الهند وباكستان. هذا التوتر بدأ داخل الاقليم نفسه ودفع الهند نحو رد عسكري محدود أو حتى مواجهات عسكرية محدودة ضمن إطار حرب نظامية، وهو سيناريو قد لا يفضي إليه القادة الهنود، مع تحولهم فيما بعد نحو صراع شامل. تلقى اهتماماً خاصاً من صناع القرار العلاقات الاستراتيجية بين الهند والولايات المتحدة، بينما تتجه القيادة الباكستانية نحو الرد السريع بالاستعانة بالتكنولوجيا العسكرية الصينية المتقدمة، متجاوبةً بذلك مع تحديات الهند في هذا السياق. يجب مراعاة أن كلا البلدين يمتلكان ترسانة نووية، حيث يملك الهند نحو 180 رأساً نووياً مقابل 170 رأساً نووياً لباكستان، مما يجعل الهند تحتل المركز الرابع عالمياً من حيث القوة العسكرية.

    في حين تُصنَّف باكستان في المرتبة الثانية عشرة عالمياً. لذا، فإن تحليل أبعاد إعادة الصراع الكشميري الراهن ينطلق من النزاع حول المياه الحاصل بين الطرفين منذ مدة ليست بالقصيرة، بعد أن أوقفت الهند معاهدة مياه السند (تهديدات الهند بتعليق العمل بمعاهدة عام 2023). وقد بدأت الهند بطرد الدبلوماسيين الباكستانيين وسحب دبلوماسييها فوراً من باكستان، في ظل قيام باكستان بإغلاق مجالها الجوي أمام الهند وطرد الدبلوماسيين والملحقين العسكريين الهنود كجزء من مبدأ المعاملة بالمثل عند وقوع مثل هذا النوع من الأزمات المركبة. لا سيما وأن العقيدة العسكرية الباكستانية تستند إلى مبدأ استراتيجي مهم، هو الرد العسكري السريع في حال تعرضها لأي هجوم يهدد أمنها القومي. ناهيك عن صعوبة تقدير موقف المواجهات مستقبلاً حينما يتعلق الأمر بجذور الأزمة الممتدة إلى عام 1947، حيث جرى تقسيم الحدود بين الدولتين في العمق الاستراتيجي الممتد إلى داخل إقليم كشمير (تسيطر الهند على 55% من جامو وكشمير، و30% تسيطر عليه باكستان، أما الـ15% المتبقية فتسيطر عليها الصين)، مع الأخذ بالحسبان تقاسم المناطق بين الدولتين على أساس ضم الولايات ذات الغالبية الإسلامية إلى باكستان، في مقابل انضمام الغالبية الهندوسية إلى الهند بحسب موافقة سكان تلك الولايات حصرياً، باستثناء ثلاث مناطق هي: حيدر آباد، وجوناغاد، وكشمير. كما جرى ضم ولاية حيدر آباد بالقوة عندما تدخلت فيها القوات الهندية في الثالث عشر من أيلول عام 1948. ومنذ تأسيسها، تمركزت دولة باكستان حول نهر السند الاستراتيجي، حيث روافد المياه المتأتية من الشرق (جيلوم – تشيناب)، في ظل قيام الهند ببناء العديد من السدود في أعالي النهر، مما يهدد الأمن القومي الباكستاني. لا سيما وأن هذا النهر ينبع من الصين (منابع منطقة التبت الصينية) ويدخل في عمق الأراضي الكشميرية.

    بمعنى أن الأزمة من هذا النوع فيها رؤية مستقبلية بعيدة المدى يُراد منها اقلاق الصين في جوارها الجغرافي (النزاع الصيني – الهندي حول منطقة لاداخ شمالي وشرق كشمير المتنازع عليها أيضاً، والقريبة من منطقة التبت ذاتية الحكم في الصين، مع إدارة الصين للجزء الشمالي الشرقي من لاداخ المنقسم اداريا بين باكستان من جهة الشمال الغربي والهند من جهة الجنوب الشرقي) من جانب، وجعلها متأرجحة المواقف حيال حلفائها وهي تخوض مواجهة الحرب الاقتصادية – التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة ترامب الجديدة الحالية، حينما فرضت عليها رسوم جمركية وصلت إلى نسبة (145%) مقابل فرض الصين رسوم متقابلة ضد الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة (125%) من جانب آخر. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية في بادئ الأمر لم تولِ أهمية كبيرة، وبشكل متعمَّد، لما يجري من أحداث في منطقة دول جنوب آسيا، كما أن هذه المنطقة لم تكن ضمن أولويات اهتمام الرئيس الأمريكي ترامب آنذاك، بسبب انشغاله بالصين وروسيا وصراعات منطقة الشرق الأوسط المحتدمة منذ العام 2023.

    لا سيما وأنها تأخرت في إرسال أي سفراء ليمثلوها في الهند أو باكستان منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في العشرين من كانون الثاني عام 2025، بدليل أنه لم يُعيِّن سفيراً لواشنطن في الهند على مدار ثلاثة أشهر من بدء ولايته الجديدة.

    ولكن في مرحلة سابقة ولاحقة، باتت كشمير أمام واقع جغرافي حتمي، حينما وجدنا الصراع بين شطريها الهندي والباكستاني يتجدد، كما جرى منذ أكثر من سبعة عقود حتى يومنا هذا (غالبية مسلمة محكومة، وأقلية حاكمة من الهندوس داخل كشمير)، فضلاً عن تداخلاته الإثنية المُعقّدة (تأثر كشمير بمعادلة تقسيم الولايات الهندية، ليُضم الغالبية الهندوسية إلى الهند، والغالبية المسلمة إلى باكستان منذ العام 1947)، مما ينذر مستقبلاً باندلاع أزمات وصراعات متوالية تنبثق من داخل كشمير، لتنتقل على شكل دوائر جغرافية غير مستقرة تحيط بكلا الدولتين، وصولاً إلى الصين، التي تحكم منطقة ديمشوك، ووادي شاكسغام، ومنطقة أكساي شن، لا سيما وأن جميع هذه المناطق متنازع عليها مع الهند منذ العام 1962 (مخرجات الحرب الهندية – الصينية). مع الأخذ بالحسبان أن إقليم جامو وكشمير يقع ضمن مثلث الحدود المشتركة مع الصين والهند وباكستان، شريطة اعتماد النظام الإقليمي في جنوب آسيا على التوازن في هندسة العلاقات البينية، من دون أن تكون هناك قوة أحادية مهيمنة عليه ومتحكمة فيه على ما سواها، حاضراً أو مستقبلاً.

    لقراءة المزيد اضغط هنا