حيدر نعمة بخيت- كلية الإدارة والاقتصاد- جامعة الكوفة
لم تشهد الولايات المتحدة فرض رسوم كمركية بمثل هذا القدر منذ عام 1945، كما أنها تمثل أولى الخطوات نحو إنهاء مبدأ العولمة (Globalization) وعودة مبدأ الحروب التجارية وحروب الرسوم الكمركية وتقييد الصادرات، والعودة إلى الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف. كما أن هذا الإجراء سيجعل القواعد التي أُنشئت من أجلها منظمة التجارة العالمية (WTO) في حالة ارتباك كبيرة قد تُنهي دورها مستقبلاً.
يتوقع أن تفعّل تلك الإجراءات إذا ما تم المضي في تنفيذها (تم تأجيلها لمدة ثلاث أشهر باستثناء الصين)، فإن هذا الإجراء سيعيد مبادئ المعاملة بالمثل (المعاملات الانتقامية)، والحروب التجارية، والعودة إلى الأنماط الأولى في تنظيم العلاقات التجارية. هذه العوامل ستؤدي إلى اضطرابات في النمو الاقتصادي العالمي، وبالنتيجة اضطرابات في أسواق الطاقة (انهيار أسعار النفط) وتضخم في العملات (الدولار الأمريكي)، إلى جانب اضطرابات قد تُنهي التداول في البورصات العالمية بسبب ضعف التفاعلات الاقتصادية بين الوحدات التجارية.
سيواجه المستهلكون الأمريكيون تكاليف معيشة وحياة أعلى بنحو 2.5% من إنفاق الأسر، ولن تعوض الزيادة في الإنتاج المحلي والوظائف والأجور هذه الآثار السلبية في أمريكا. ويتوقع أن تنخفض أسعار الفائدة خلال هذا العام مع احتمالات التدهور. هذا الأمر سيقود إلى ركود اقتصادي أمريكي ينتقل بالعدوى ليشمل الاقتصاد العالمي.
يتوقع أن يكون أكبر المتأثرين العالميين برسوم ترامب هم الاقتصادات الآسيوية بالدرجة الأولى، ومن ثم الاقتصاد الأوروبي. ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 5.5% للبلدان الآسيوية و2% للاقتصادات الأوروبية. كما يتوقع أن تغلق العديد من المصانع في تلك البلدان التي لها سلاسل تصدير إلى الأسواق الأمريكية.
العلاقات التجارية بين العراق والولايات المتحدة شهدت نمواً معتدلاً في السنوات الأخيرة، حيث تشكل العلاقات التجارية 5.2 مليار دولار للأشهر الـ 11 الماضية. وتتركز هذه العلاقات بالدرجة الأولى على صادرات النفط (حيث يصدر العراق بمعدل يومي يتراوح بين 250 و450 ألف برميل إلى الولايات المتحدة)، ويشهد الميزان التجاري اختلالاً لصالح الولايات المتحدة.
ليس من مصلحة العراق إيجاد بدائل عن السوق الأمريكية، ولا من خلال التفاوض مع التكتلات الدولية. فالولايات المتحدة شريك مهم ومعقد في العلاقات السياسية والأمنية مع العراق، والمصلحة تقتضي التفاوض بشكل مباشر مع الإدارة الأمريكية، من خلال إعداد خيارات تعمل على تشبيك المصالح الاقتصادية بين البلدين لتشمل مساحات أوسع من العلاقات التجارية.
نظراً لحالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، سيكون أمام الحكومة العراقية ضرورة التخطيط بجدية لتعزيز دورة الدخل محلياً بدلاً من الإفراط في الاستيرادات، إلى جانب حتمية العمل على تنويع الإيرادات، والتحري عن الفرص البديلة التي تحد من التقلبات الحادة التي يُتوقع أن تصيب قطاع الطاقة التصديرية.
تنويع الشركاء التجاريين للعراق قد يفاقم مشكلة العراق مع الولايات المتحدة، خصوصاً إذا ما اتجهت سلاسل التصدير أو التوريد إلى بلدان آسيوية، ومنها بالتحديد الصين وروسيا. كما أن اللجوء إلى التكتلات الاقتصادية قد يضعف القدرة التفاوضية للعراق مع الولايات المتحدة. لذلك، فإن العراق بحاجة إلى استراتيجية ثنائية، وهو الشكل الذي ستتسم به العلاقات الاقتصادية في المرحلة القادمة.
العجز التجاري السنوي الكبير والمستمر في السلع الأمريكية أدى إلى تقليص القاعدة الصناعية لدى الولايات المتحدة، ونتج عن ذلك نقص في الحوافز لزيادة قدرات التصنيع المحلية المتقدمة، مما جعل القاعدة الصناعية الأمريكية معتمدة على الخصوم الأجانب، ومنهم الصين والدول الآسيوية وأوروبا.
وفقاً للتقديرات، تدفع الشركات الأمريكية أكثر من 200 مليار دولار سنوياً كضرائب على القيمة المضافة (VAT) للحكومات الأجنبية، ما يُمثّل ضربة مزدوجة لها، إذ تُفرض عليها الضريبة عند الحدود الأوروبية، في حين لا تدفع الشركات الأوروبية ضرائب مماثلة للولايات المتحدة على دخل صادراتها إليها.