علي عبد الرحيم العبوديّ –  تدريسي في جامعة النهرين / كلية العلوم السياسية 
ناديا انور الخزرجي –  باحثة سياسية – جامعة النهرين / كلية العلوم السياسية
منذ بداية الاجتماعات الإنسانية، وبالتالي، ظهور ما يُسمى بالمدينة، ومن بعدها الدولة، والسمة الرئيسة للعالم هي التصارع والتنازع وعدم الاستقرار، لذا برزت نظريات كثيرة تجادل في أسباب هذا الصراع وكيفية الحد منه، ومن أبرز هذه النظريات هي النظرية الليبرالية، والنظرية الواقعية، ففي الوقت الذي نادت به «النظرية الليبرالية» بإمكانية تشكيل حكومة دولية تحد من الصراعات والحروب، جاءت «النظرية الواقعية» لتنادٍ باستحالة تكوين مثل هكذا حكومة، وذلك نظراً لاعتبارات عدة لا يسعنا أن نوردها هنا، لكن أهمها أن الدول دائما ما تبحث عن مصالحها الشخصية.
ومن هذين الطرحين الرئيسين، برزت مجموعة من الأفكار والنظريات الجديدة، نتجت عنها في المحصلة ظهور منظمات وقوانين دولية تحكم التفاعلات بين وحدات النظام الدولي، ومن أبرز هذه القوانين والتي تخص ورقتنا هذه، هما: القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي العرفي، إذ جاءت هذه القوانين ليست باعتبارها قوانين دولية تحكم وتضبط دائرة الصراعات والحروب بين وحدات النظام الدولي فحسب، بل تعاقب أيضاً من تثبت عليه مخالفة هذه القوانين عمداً، وذلك عبر ذراعها القضائي، ألا وهي، المحكمة الجنائية الدولية.
تبعاً لهذا، ونظراً لعملية الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والتي يشهدها العالم، يثير هذا تساؤلاً في أذهان العامة وغير المتخصصين، وهو: أين يقف القانون الدولي الإنساني والقوانين الدولية المختصة بحقوق الإنسان والجرائم الدولية في مواجهة هذه الإبادة والجرائم التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى هذه اللحظة؟
وللإجابة عن هذا التساؤل بشكل علمي وغير متحيز، ينبغي علينا التعرف على أهم بنود القانون الدولي الإنساني الخاصة بمثل هكذا أعمال على المستوى الدولي.
أولاً: القانون الدولي الإنساني والقوانين المناظرة له
قد يظن القارئ غير المختص وللوهلة الأولى أن القانون الدولي الإنساني هو عبارة عن قانون منظم في بنود محدودة تعالج قضايا ضمن حقوق الإنسان، إلا أن ذلك غير دقيق، فالقانون الدولي الإنساني هو عبارة عن تراكمات كبيرة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بإدارة الصراعات، والتي توجت فيما بعد اتفاقيات جنيف الأربعة عام 1949، وبالتالي، جاء البروتوكول الأول والثاني عام 1977، والثالث عام 2005، معالجة بذلك النقص الحاصل في اتفاقيات جنيف الأربعة التي أسست للقانون الدولي الإنساني.
وتبعاً لذلك، يُعرَف القانون الدولي الإنساني على أنه مجموعة من القواعد التي تهدف إلى الحد من التأثيرات الإنسانية للنزاعات المسلحة، ويُشار إليه في بعض الأحيان بقانون النزاع المسلح أو قانون الحرب. يكمن الهدف الأساسي للقانون الدولي الإنساني في تقييد وسائل وأساليب القتال التي قد تستخدمها الأطراف المتصارعة، وضمان الحماية والمعاملة الإنسانية للأفراد الذين لا يشاركون مشاركة مباشرة في العمليات العدائية أو انسحبوا عنها. بشكل موجز، يحتوي القانون الدولي الإنساني على قواعد تحدد المعايير الإنسانية الدنيا التي يجب احترامها في أي حالة نزاع مسلح.

لقراءة المزيد اضغط هنا