د. فراس عباس هاشم – جامعة البصرة / كلية القانون
 
المقدمة
بدءاً أصبح العراق يدرك ضرورة إيجاد رؤى جديدة من الأفكار تؤطر موقفه من المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها البيئة الإقليمية والدولية الراهنة، وتشكل دافعاً يمكن الارتكاز عليه في توجهات الدبلوماسية العراقية في التعامل مع الأحداث الجيوسياسية المستحدثة، في نطاقات تحركاته الجغرافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منحاه تغليب سياسات مُتسقة في مواقفه تجاه قضايا الإقليم الحيوية، وتصلح لتوجيه الفعل الدبلوماسي صوب مسارات إعطاء أولوية التغيير في تحوله نحو مراكز الجذب الجيوسياسي في المنطقة، وتوظيف الفرص المتاحة لديه لتجاوز عقدة الرفض الإقليمي من خلال بناء شراكات استراتيجية في مختلف المجالات وخاصة مع دول جواره القريب أو المباشر من أجل تحسين الأداء الدبلوماسي وتطويره في المجالات المهمة، فضلاً عن ذلك، خلق سُبل التفاعل معها عبر بناء مصالح تضعه في دائرة الاهتمام الإقليمي، ولهذا السبب ينأى العراق عن محاولات عزله إقليمياً وتعطيل دوره على نحو متكرر من قبل بعض القوى الصاعدة في المنطقة.
تشكيل النموذج الجيوسياسي كأداة للفاعلية الدبلوماسية
حرياً بنا القول: يتفق الكثير من الباحثين والمتخصصين بالعلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، إن عالم القرن الحادي والعشرين قد غادر منطق التحالفات الثنائية المجردة بين دولة كبرى وأخرى صغيرة أو بين دول متوسطة المستوى، وإن انتهاء الحرب الباردة وتحول آليات الصراع في السياسة الدولية أدت إلى تبني رؤى وأنماط فكرية جديدة في سياسات الدول الخارجية، مغايرة عن منطق الصراعات والتحالفات في الحرب الباردة، وفي هذا الإطار من الأهمية بإمكاننا القول: إن فرضيات الشراكات الاستراتيجية المتعددة والتعاون والمرونة الدبلوماسية أضحت أحدى أبرز سمات السياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين .
وعلى هذا الأساس، من أجل التعامل مع الفعل الدبلوماسي بأبعاده الجيوسياسية كفعل سياسي إقليمي أو دولي في ظل الواقع الذي تعكسه التحولات الإقليمية والدولية واتجاهات تطورها، يجب ألا يكون فورياً أو مباشراً، إذ يمكن أن يستغرق فترة زمنية غير محدودة على سهم الزمن. على نحو جعل منهج التشديد هذا يتفق مع نمط التأثير غير الفوري الذي تحدثه حركة جناحي الفراشة في نظرية أثر الفراشة. من جهة أخرى، ينبغي تأكيد أن نيات الفاعل لا تشكل أي فرق في تسمية أفعاله أفعالاً سياسية إقليمية أو دولية، فحتى لو كانت نيته تقتصر على أن يكون فعله محلياً أو محدود التأثير في الآخرين، فينبغي التعامل معه كفعل سياسي دولي إذا كانت له تداعيات غير مقصودة أو غير فورية تتجاوز الدولة. وبناءً على ما سبق، وعلى نحو الإحاطة لا يمكن للعراق تفعيل دوره الدبلوماسي الخارجي من خلال إبقائه هامشياً، وإن فجوة النأي من الانخراط بقضايا المنطقة التي عرفتها بعض الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003، دفعته إلى انتهاج رؤى جيوسياسية تسمح له لإحداث تغييرات في مكانته الخارجية وتسويق ذاته.
وعلى هذا النحو جاء مشروع «طريق التنمية العراقي»، ( انظر الخريطة رقم (1)) الذي طرحه رئيس مجلس الوزراء (محمد شياع السوداني) نقطة انطلاقة جيوسياسية للتكيّف مع تطورات الأحداث الحالية في ظل حالة الأزمات المتعددة (Polycrisis)(*)، التي تشهدها البيئتين الإقليمية والدولية بفعل ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى التسويات السياسية التي ألقت بظلالها على دول الإقليم، حيث يعدُّ المشروع كأحد أدوات الحكومة العراقية في توسيع شراكات العراق الخارجية، فضلاً عن ذلك، تسويق آليات النمو الجيوسياسية في مكانة العراق كقوة فاعلة في جغرافية المنطقة.

لقراءة المزيد اضغط هنا