د. محمَّد منذر جلال –   الجامعة العراقية، كلية القانون والعلوم السياسية
تقديم
تمتدُّ العلاقات ما بين تركيا والعراق إلى جذور موغلة في القدم، ولعلَّ مشتركات اليوم أكثر من خلافاتها، ما يضع البلدين أمام جدلية جديدة للعلاقة يحاول الجميع فيها أن يكون رابحاً، ويحقِّق القدر الأكبر من المصلحة انطلاقاً من واقعية بيئة الإقليم وفرضياته.
وممَّا لا شكَّ فيه فإنَّ تناول أي قضية في خضم هذه العلاقات ستؤدِّي إلى الغور في ما تريده تركيا من العراق وما يمثِّله العراق لتركيا، ولعلَّ البعد الأمني كان على الدوام هو الحاكم الأبرز لهذه العلاقة سواءً أكان الحديث هنا عن (الأكراد، المياه، الإرهاب، الأزمة السورية)  فإنَّ لكلٍّ منها بعداً أمنياً لا يمكن تجاهله، ولعلَّ ذلك هو المنطلق الأساس لورقة العمل هذه؛ لأنَّ قضية المياه اليوم أصبحت تحمل أبعاداً مستقبليةً ترتبط ابتداءً بفرضية القوة التي أوجدتها تركيا بوجودها العسكري، وتوغُّلِها في الأراضي العراقية، وإقامة أكثر من قاعدة عسكرية في مناطق شمال العراق بحجج وذرائع مختلفة، يقابلها مشاريع تنموية تعرضها تركيا لإدارة الموارد المائية، وتعدُّها مشروعاً إستراتيجياً يمكن أن يحمل أبعاداً إيجابية لكلا البلدين في المستقبل المنظور عبر توظيف التقنيات الحديثة في التخزين والاستثمار والسعي نحو تطوير نظام الترشيد وتنويع المصادر من جهة، والتحسُّب لحالات الطوارئ من جهة أخرى.
وعلى هذا الأساس سيُقسَّم البحث على ثلاثة محاور:
الأول: ما الذي نعنيه بالإدارة المتكاملة للمياه؟
الثاني: الإدارة المتكاملة في حوضي دجلة والفرات.
الثالث: معرقلات الإدارة المتكاملة للموارد المائية في العراق.
أولاً: الإدارة المتكاملة للموارد المائية
(Integrated Water Resources Management)
إنَّ الإدارة المتكاملة لموارد المياه (IWRM) هي عملية تعزِّز التطوير والإدارة المنسقين للمياه والأراضي والموارد ذات الصلة؛ لتعظيم الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بطريقة عادلة من دون المساس باستدامة النظم البيئية الحيوية.
كما تمثِّل (الإدارة المتكاملة للموارد المائية) نهجاً سياسياً متعدد القطاعات مصمَّم ليحلَّ محل النهج القطاعي التقليدي المجزِّأ لموارد المياه وإدارتها الذي أدَّى لضعف الخدمات، واستخدام الموارد استخداماً غير مستدام، إذ تستند الإدارة المتكاملة للموارد المائية على فهم أنَّ موارد المياه هي جزء لا يتجزَّأ من النظام البيئي، ومورد طبيعي، وسلعة اجتماعية واقتصادية.
تنطلق الفكرة الأساسية للإدارة المتكاملة للموارد المائية من أنَّ الاستخدامات المختلفة العديدة لموارد المياه المحدودة مترابطة، كما أنَّ الطلب الكبير على الري، وتدفُّق الصرف الملوث من الزراعة، على سبيل المثال، يعني كمية أقل من المياه العذبة للشرب، أو للاستخدام الصناعي، وحالة تلوُّث مياه الصرف الصحي البلدية والصناعية الملوِّثة للأنهار؛ ستهدِّد بالضرورة النظم البيئية، إذا كان لا بدَّ من ترك المياه في النهر لحماية مصايد الأسماك والنظم البيئية (التدفقات البيئية)، إذ يمكن تحويل القليل لزراعة المحاصيل، هنالك كثير من الأمثلة الأخرى للموضوع الأساسي القائل بأنَّ الاستخدام غير المنظَّم لموارد المياه الشحيحة هو تبذير وغير مستدام بطبيعته.
عُرِّفتِ الإدارة المتكاملة لموارد المياه (IWRM) من قبل اللجنة الفنية للشراكة العالمية للمياه (GWP) على أنَّها «عملية تعزِّز التنمية والإدارة المنسِّقة للمياه والأراضي والموارد ذات الصلة، من أجل تعظيم النتائج الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الرفاهية بطريقة عادلة من دون المساس باستدامة النظم البيئية الحيوية».

لقراءة المزيد اضغط هنا