يُعدُّ اقتراح طهران على بكين الاستثمار بالخط السككي «طهران-أصفهان» مؤشراً على فقدان الإستراتيجية والرؤية السياسية بين صناع القرار الإيراني، فبكين ليست بحاجة إلى الاستثمار بمثل هكذا مشروع.
فبعد أن زار الرئيس الإيراني «إبراهيم رئيسي» بكين أواخر فبراير من عام 2022 على رأس وفد كبير، أعلنت حكومته حينها بأنَّها تنظر إلى شرق آسيا كركيزة أساسية لسياساتها الخارجية المستقبلية، إذ تسعى طهران إلى تجنُّب العقوبات الغربية المفروضة أو الالتفاف عليها، عن طريق توطيد العلاقات، والاتكاء على القدرة الاقتصادية للمارد الصيني.
س/ ما ملامح حكومة (رئيسي) في سياسة الاتكاء على الشرق؟ وما المكاسب التي ستأتي بها؟
– يعتقد «آرش رئيسي نجاد» أنَّ أساس سياسة ارتكاز رؤية صناع القرار الإيراني على الجبهة الشرقية، يسير في طريق مليء بالعقبات والمشكلات المتجذرة، لذا يجب النظر إلى ذلك المحور في مسيرة الإستراتيجية الإيرانية بمعزل عن العلاقات مع الغرب، كما يعتقد (رئيسي نجاد) أنَّه -ومع وجود عقبات بمسير ترصين العلاقات الثنائية ومسألة التنافس مع الولايات المتحدة الأميركية- توجد عقبات داخلية تقف سداً منيعاً بوجه العلاقات الإيرانية الصينية.
وفيما يلي نسرد تفاصيل ما جاء في طيات كلام أستاذ العلاقات الدولية لجامعة طهران لصحيفة (اعتماد).
لعلَّ أحد أهم العوامل الرئيسة للحكومة الثالثة عشرة، ومنذ تسلم مهامها هي «النظر إلى الشرق»، فما المكاسب التي أتى بها ذلك التوجُّه إلى اليوم؟
– ابتداءً، يجب توضيح مسألة، وهي أنَّ مشروع التقارب الإيراني الصيني ليس وليد أفكار الحكومة الحالية، وإنَّما كان معروضاً بقوة منذ حكومة «أحمدي نجاد»، إلا أنَّ فهم تلك السياسة والترويج لها كان خاطئاً بين الأوساط الإيرانية، فالفهم المتداول داخليا هو «اتجاه إيران صوب الجبهة الشرقية جاء نتيجة لفتور العلاقة بين طهران والغرب»، وهذا يعني أنَّ سياسة الاتكاء على الجبهة الشرقية هي سياسة مستحدثة وغير متجذرة وغير مستندة لأسس قوية، وبمعنى آخر هي ردة فعل مبتكرة حديثاً، وبما أنَّ التقارب مع الصين عبارة عن ردود أفعال مبتكرة، فمن وجهة نظري لا يمكن جني ثمارها؛ لأنَّها ليست متجذرة، وإذا استطاعت طهران أن تضفي عليها الأصالة فستجني المكاسب، وبطبيعة الحال لا يمكن الحديث عن أي ثمار أو مكاسب حالياً للحكومة الحالية، ولكن في المحصلة الاعتماد في السياسات الخارجية على الجبهة الشرقية يعاني من عدم الأصالة، كما أنَّ بناء مثل هكذا رؤى مع المنطقة الشرقية، والتي تعني غالباً الصين، إذ يجب أن يكون بمعزل عن العلاقات أو العداوات الإيرانية الغربية، وألَّا تُبْنَى وَفْقاً لتوتر العلاقة مع الغرب، وأن تكون متجذرة وأصيلة.
ومن المؤسف فقد يتجسَّد في ذهن السياسي الإيراني رؤية ثلاثية الأبعاد، فالبعد الأول هو «إيران»، والثاني هو «الصين»، والثالث البعد المبهم، والأهم هو «الولايات المتحدة»، ففي الواقع لن يستطيع السياسي الإيراني أن يرى الروابط الإيرانية الصينية أكبر أوسع نطاقاً من الروابط الإيرانية الأميركية، وبهذه النظرة الضبابية تبنى العلاقة مع الشرق.
المشكلة الأخرى هي أنَّ الطرف المقابل (بكين) تعي تماماً سبب اتكاء طهران عليها، إذ تعلم أنَّ رؤية التقارب جاءت بناءً على تذبذب علاقات طهران مع الجبهة الغربية، وأنَّها تقبع تحت شروط اضطرارية ويائسة؛ لإيجاد بديل، وتكمن هنا أهمية هاتين الكلمتين «الاضطرار، واليأس»، إذ يدرك الصينيون كما الروس تماماً أنَّ طهران لم تكن لتلجأ إليهم لو لا الضرورة، وأيضا بسبب فقدان البدائل، وعدم توفر الأسس والأصالة بين البلدين، لذا تعتقد بكين أنَّ طهران ستبتعد عنها يوماً إذا ما تحركت بوصلتها تجاه العلاقة مع الغرب، وبعبارة أخرى فإنَّ بكين تعتقد أنَّ الإيرانيين يمتلكون (dna) الغرب وليس الشرق، وبالطبع فإنَّ تصوُّر الصين خاطئ حول هذا الإمر، إلا أنَّه هو السائد حالياً، وبالنتيجة فمع أنَّ إيران تتمتَّع بقدرات عظيمة ومكانة جيوإستراتيجية، وموارد هيدروكربونية غنية، كما أنَّها تقع في رقعة إستراتيجية مميزة، فضلاً عن الطاقات الشبابية، إلا أنَّ النهج الذي تنتهجه الصين حيال إيران هو نهج قصير الأمد؛ بناءً على هذه التصورات، وفي المقابل فإنَّ على الصين الاعتماد على إيران فقط، في ظلِّ اليأس والحاجة الملحة للتعاون الثنائي، نظراً إلى امتلاك الرؤية القصيرة، الشيء الذي دفع بكين إلى تجاهل كل الخطوط الحمراء حول إيران، ومن أهم مصاديق ما ذكرنا هي الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصيني «شی جین ‌پینگ» إلى المملكة العربية السعودية، وما ذكر من مطالب في البيان الختامي المشترك مع مجلس التعاون الخليجي، حول الخليج العربي والجزر الإيرانية الثلاث.

لقراءة المزيد اضغط هنا