شكَّل وصول المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي إلى طهران في 3 مارس/ آذار الجاري؛ لإجراء مناقشات بشأن برنامج إيران النووي مع مسؤولي الطاقة الذرية الإيرانية، بعد اكتشاف جزيئات من اليورانيوم المخصَّب بمستوى قريب من صنع قنبلة نووية، تحولاً خطيراً في البرنامج النووي الإيراني، إذ أشار تقرير غير معدٍّ للنشر للوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع الشهر الجاري إلى أنَّه اكْتُشِفَت جزئيات من اليورانيوم المخصَّب بنسبة (83,7%)، أي: أقل بقليل من (90%) اللازمة لإنتاج قنبلة نووية في مصنع فوردو الواقع تحت الأرض على بعد (100) كيلومتر جنوب العاصمة طهران.
يمكن القول إنَّه في حالة ثبوت صحة هذا التقرير، فإنَّه مع امتلاك إيران كميات كافية من اليورانيوم المخصَّب بنسبة (83,7%)، جنباً إلى جنب مع امتلاكها لأجهزة الطرد المركزي المتطورة، ستصبح حيازتها للمواد الانشطارية اللازمة لصنع القنبلة مسألة أيام، أو أسابيع قليلة في أبعد الأحوال، وهو سيناريو غير مسبوق في تاريخ الأزمة النووية الإيرانية، ما سيعرض بدوره عديداً من الأسئلة حول التداعيات الداخلية والإقليمية والدولية التي ستثيرها عملية تحوُّل إيران لدولة نووية، وماهية الخيارات التي قد يذهب مناوئي إيران نحوها للرد على إيران، والأهم من كل ذلك؛ كيف ستتعاطى القوى الإقليمية التي تجد نفسها في حالة منافسة إستراتيجية مع إيران؟ مع هذا المشهد، الذي سينهض بدور مهم في إعادة تشكيل التوازن الإستراتيجي بالشرق الأوسط.
طموح إيراني قيد التحقق
قد يتبادر هنا تساؤل مهم؛ لماذا تمتلك قوى إقليمية عديدة: كالهند وباكستان قدرات نووية، من دون أن يكون لإيران الحق في ذلك. يكمن في هذا الإطار الفرق الجوهري بين إيران وهذه القوى، وهو أنَّ إيران توائم بين مشروعها الإقليمي وسلاحها النووي، أي: إنَّها صاحبة مشاريع سياسية خارج حدودها، تتضمن رسائل دينية وعقائدية، وهذه الحالة غير موجودة في القوى النووية الأخرى التي ضربنا بها المثال، ممَّا يجعل حيازة إيران للسلاح النووي إلى جانب مشروعها الإقليمي أمراً لا يمكن القياس عليه مع القوى الأخرى، إذ تنظر إيران للعالم الخارجي بنظرة فلسفية معقدة محكومة بنهاية التاريخ، والصراع بين الخير (إيران) والشر (الولايات المتحدة، وإسرائيل)، ومن ثَمَّ كيف ستبدو عليه الصورة فيما لو امتلكت السلاح النووي؟
تؤشر الإجراءات الإيرانية النووية منذ انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 18 مايو/ أيار 2018، بحالة عدم مبالاة لالتزاماتها النووية مع المجتمع الدولي، إذ تخلَّت عن كثيرٍ من الإجراءات الفنية والتقنية بمفاعلاتها النووية، كما أنَّها صعَّدت أكثر بعد اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، إذ زادت من نسب تخصيب اليورانيوم، كما زادت من عدد أجهزة الطرد المركزي من الجيل السادس، فضلاً عن إنتاجها كميات غير قليلة من اليورانيوم المعدني، وهي إجراءات تؤشر لجدية إيرانية حقيقية في المضي قدماً نحو امتلاك القدرات النووية. مع التعهدات المستمرة التي قدمتها وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، بأنَّ البرنامج النووي الإيراني لا يطمح للحصول على السلاح النووي، مستندةً إلى الفتوى النووية التي سبق أن أعلن عنها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في أكتوبر/ تشرين الأول 2003.
إذ إنَّه رد على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، برَّرت إيران -التي تنفي رغبتها بحيازة السلاح النووي- الأمر بالإشارة إلى «تقلُّبات لا إرادية» أثناء عملية التخصيب، مؤكدةً في الوقت نفسه على «عدم قيامها بأي محاولة للتخصيب بما يتجاوز 60%». وفي سياق فتوى المرشد الأعلى السيد الخامنئي فإنَّه حتى الفتوى النووية بدأت توضع أمامها كثيراً من علامات الاستفهام اليوم، إذ تعهَّد المرشد في وقت سابق، بألَّا ترضخ بلاده للضغوط، وأكَّد أنَّ إيران «يمكنها تطوير السلاح النووي، لكنَّها لا تريد ذلك»، ولن تغيُّر نهجها من الاتفاق حول برنامجها، وأضاف أنَّ إيران «لن ترضخ للضغوط الخارجية، وإذا قرَّرت إيران صناعة السلاح النووي لا يمكن للنظام الصهيوني، ومن أكبر منه منعها عن ذلك». ومن ثَمَّ فإنَّ هذا يعني أنَّ فتوى المرشد ليست ثابتة، فيما لو اقتضت الضرورة الإيرانية -ويمكن تغييرها وَفْقاً للظروف، فقد غيَّر مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، موقفه، وأصدر فتاوى مغايرة حول عدد من القضايا الداخلية والخارجية سابقاً.
وفي هذا السياق؛ تواجه إيران واقعاً جيوسياسياً معقداً للغاية، ولتجاوز هذا التعقيد؛ سعت إيران لنسج علاقات تحالفية مع مجمل الجماعات والحركات في الشرق الأوسط، وأطَّرت علاقاتها التحالفية مع هذه الأطراف تحت مسمى (محور المقاومة)، إذ أصبح لهذه الجماعات والحركات دور مهم في صنع القرار السياسي والأمني في الدول التي توجد فيها، وخفَّفت كثيراً من الضغوط الأمريكية عن إيران، سواءً عبر استهداف المصالح الأمريكية، أم عبر أمن حلفائها.

لقراءة المزيد اضغط هنا