د. مروان سالم العلي: كلية العلوم السياسية/ جامعة الموصل، مختص في الشؤون الإستراتيجية
مقدمة
تُعدُّ عملية السلام واستدامته مطلباً عالمياً إنسانياً سعت إليه البشرية منذ وجودها، ومع الجهود المبذولة لتحقيق السلام إلا أنَّها لم تصل إلى طموحها المنشود؛ إذ إنَّه ما زالت الحروب الداخلية والخارجية والتناقضات توضِّح لنا الصراع الديني، والطائفي…إلخ، فصار من الضروري اتباع سياسات وإجراءات تُرسِّخ ثقافة السلام، ونبذ العنف والتطرُّف، وتعزيز الثقة بين أبناء الشعب الواحد، وتعزيز التعاون، والتسامح، ونشرها بين الشعوب.
إنَّ عملية بناء السلام هي عملية مستدامة وحيوية، قائمة على تفاعل القيادة والمجتمع، وعبر مستويات المجتمع المتأثِّر، إذ يتضمَّن تعريف بناء السلام واستدامته أنشطة متعدِّدة على مستويات متعدِّدة، تُنفَّذ عن طريق مجموعات ومكونات مختلفة من الأفراد في الوقت نفسه، مع أنَّ كل مستوى لها حاجات ومطالب مختلفة في أوقات مختلفة كلٌّ وَفْق حاجته، إذ إنَّ كلاً منها مرتبط بالآخرين ويعتمد عليهم.
ومن هنا تُعدُّ عملية إرساء السلام المستدام والأمن من المحاور المهمة لدى منظمة الأمم المتحدة، فهو أحد أهم أهدافها الرئيسة الذي يتضمن مقومات متعدِدة، كما تختلف مرتكزات بِناء السلام المستدام باختِلاف المجال الذي يُعْمَل به، وكذا ترتبط باختلاف طبيعة الدول والتركيبة المجتمعية لِكلِّ دولة، كما ترتبط بتحديد النِطاق الزمني، والنِطاق الموضوعي، ونوع الصراع.
وتبدأ عملية بِناء السلام على كلِّ الأصعدة فور انتهاء الحرب في المناطق التي قامت بها، وعلى الصعيدين الدولي والوطني، وعلى سبيل المثال وضع أنظمة ضبط التسليح، وزيادة عدد آليات بِناء الثقة تضمن التعاون، والسلام في الأمور الوطنية والدولية، فضلاً عن مبادرات تُقلِّل من فجوة البطالة، والفقر، وتزيد من نشر مبادئ السلام، والعمل على عملية التنمية المستدامة في كلِّ النواحي، وكذا نزع السلاح، وإعادة دمج الأشخاص الذين كانوا مرتبطين بقوات ومجموعات مسلحة، وتُعدُّ هذه أولى الخطوات العملية الأولية لعملية بناء السلام المستدام.
المرتكزات السياسية-الأمنية
إنَّ المرتكزات السياسية في تعزيز عملية بِناء السلام المستدام، والتعايش السلمي متنوعة وَفْق كلِّ نظام سياسي ووَفْق الزمان، إذ تمثِّل عملية بِناء السلام في الدولة إعادة بِناء المؤسسات العامة، عن طريقها تتمكَّن الدولة من استعادة قدرتها التي فقدتها؛ بسبب تراكُم الأزمات، كأزمة الهوية الوطنية، وأزمة الاندِماج، وغيرها، التي تتجاوز قدرة النظام أحياناً، ممَّا تطلب وضع إستراتيجيات، وتبنِّي مفاهيم متعدِّدة الأبعاد، وتُعدُّ المرتكزات السياسية الركيزة الرئيسة في بِناء السلام واستدامته في المجتمعات المتعدِّدة، وهي جوهر تحقيق مشروع التجانس، والاندِماج المجتمعي، ويمكن إيجازها على النحو الآتي:
تبنِّي تعريف الحكم الرشيد والنظام الديمقراطي
يُعبِّر الحكم الرشيد عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع، وموارده، وتطوره الاقتصادي والاجتماعي بطريقة محددة تتصف بالرشادة، والحكُم تعريف أوسع من الحكومة؛ لأنَّه يشمل أجهزة الدولة الرسمية بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، والإدارة العامة، ونشاطات وأعمال الهيئات والمؤسسات غير الرسمية، كما يتصف الحكم الرشيد بإدارة الشؤون العامة للدولة بطريقة معينة تتصف بالرشد، ويوجد للحكم الرشيد عناصر ومعايير محددة منها:
سيادة القانون: أي: يكون القانون مرجعية الجميع، سائد ومطبق على جميع المواطنين من دون استثناء، وتتحقق سيادة القانون عبر عناصر عديدة، منها: احترام القانون، والإطار الدستوري، ووجود مؤسسات ديمقراطية وطنية تعمل على تطبيق الأسس السليمة للديمقراطية وتعزيزها، والانتخابات، والتداول السلمي للسلطة، وتنظيم الحياة السياسية، وضمان أمن المواطن، وضمان الأمن الشخصي لأي مواطن.

لقراءة المزيد اضغط هنا