أمجد زين العابدين طعمة – قسم الدراسات السياسية في مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية
تصاعدت حدَّة التحديات والتهديدات الإرهابية غير التقليدية التي تواجه دول العالم المختلفة عموماً، والعراق خصوصاً في الآونة الأخيرة، تزامناً مع تزايد نشاطات الجماعات التي تتبنَّى الأفكار الإرهابية، والمتطرِّفة، واستخدام تكتيكات وأساليب جديدة ومبتكرة في تنظيم نفسها، والقيام بعملياتها، وحصول تحوُّل جذري في مقارباتها، وتبدُّل الفضاءات التقليدية، التي عدَّت مقرات لنشر أفكارها واستقطاب مريديها، مثل: دور العبادة، أو المقرات ذات الطابع السري، لتحتل مكانها شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من التقنيات الحديثة، ممَّا تطلب إعادة تقييمها من قبل الدول والمؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب والتطرُّف، ومن ثَمَّ وضع آليات ووسائل جديدة لمحاربة الجماعات الإرهابية، وتقليل الآثار السلبية للتهديدات غير التقليدية، وإعادة تكييف الأمن القومي، عبر تصورات تزاوج بين استخدام كلٍّ من القوة الصلبة من ناحية، والدبلوماسية والقوة الناعمة (الليِّنة) من ناحية أخرى.
ولعل ما حدث في المرحلة السابقة من نجاح بعض الجماعات الإرهابية في ترتيب نفسها، وكسب عدد كبير من الشباب المقتنع بأفكارها، ووضع الإستراتيجيات والخطط العابرة للحدود، والتي مكنتها من السيطرة على مساحات كبيرة من أراضي بعض الدول، لا سيَّما في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ومن ثَمَّ انعكاسات ذلك فيما يتعلق بتزايد التحديات، والمشكلات المختلفة، ومنها موجات النزوح والهجرة الداخلية والخارجية، فضلاً عن اعتماد بعض الجماعات على أدوات وديناميات جديدة لزيادة شرعيتها وقبولها من قبل المجتمعات المحلية، ومن ثَمَّ تحقيق أهدافها في التغلغل داخلها، أو تنفيذ مخططاتها الأخرى المتعلقة بالسيطرة، أو نشر الأفكار المتطرفة، أو تنفيذ العمليات الإرهابية داخل أراضي الدول التي تعدُّها معادية لها،  ممَّا زاد من حجم التحديات التي تواجهها الدول عامةً، وفرض عليها اللجوء إلى أساليب جديدة في محاربة الإرهاب تعتمد القوة الناعمة والدبلوماسية.
تهدف الدراسة إلى توضيح دور القوة الناعمة في تنفيذ إستراتيجية مكافحة الإرهاب الخاصة بالعراق، وكيف يمكن توظيفها لتعزيز جهود العراق في هذا المجال، وتحقيق بعض النجاحات الخاصة بمكافحة الإرهاب والتطرُّف، فيما تجيب الدراسة عن سؤال مركزي محدَّد، يتعلَّق بالدور الذي حقَّقه استخدام القوة الناعمة في محاربة الارهاب في المرحلة الماضية، وهل استفادت الحكومة العراقية من تجارب بعض الدول في هذا الإطار، وتفترض الدراسة «أنَّ للقوة الناعمة بمختلف صورها، والدبلوماسية دور مهم وأساس في جهود مكافحة الإرهاب والتطرُّف، لا سيَّما مع تصاعد حدة التهديدات غير التقليدية التي تشكلها الجماعات الإرهابية، ممَّا يتطلَّب اللجوء إلى أساليب وآليات مبتكرة في محاربتها وتقويض خطرها المحدق، وهو ما يمكن تطبيقه على التجربة العراقية في مكافحة الإرهاب».
قُسِّمَ البحث -لغرض تحقيق النتائج المرجوة من الدراسة- على مقدِّمة وثلاثة محاور وخاتمة، يبحث المحور الأول في المدخل النظري للقوة الناعمة، أمَّا المحور الثاني فيتطرَّق إلى بعض التجارب الدولية الناجحة في تطبيق القوة الناعمة في هذا المجال، فيما تناول المبحث الثالث والأخير وضع رؤية مستقبلية للتجربة العراقية فيما يتعلَّق بتوظيف القوة الناعمة في مكافحة الإرهاب.
أولاً: القوة الناعمة:
مدخل نظري
يُعدُّ مفهوم القوة من المفاهيم الأساسية والرئيسة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتعني القدرة على فعل الأشياء والتحكم في الآخرين، لجعلهم يفعلون ما لا يرغبون بفعله لولا ذلك، ونظراً لأنَّ القدرة على التحكُّم في الآخرين غالباً ما ترتبط بامتلاك بعض الموارد، فإنَّ أغلب المختصين بالشأن السياسي يعرفون القوة: بأنَّها امتلاك مجموعة من المزايا منها: (السكان، والأراضي، والموارد الطبيعية، والحجم الاقتصادي، والقوى العسكرية، والاستقرار السياسي)، وفي الوقت الحاضر، فقد أصبحت عوامل التكنولوجيا والتعليم والنمو الاقتصادي أكثر أهمية في القوة الدولية، في حين أصبحت الجغرافيا والسكان والمواد الخام أقل أهمية إلى حدٍّ ما.

لقراءة المزيد اضغط هنا