صدر عن مركز البيان للدراسات والتخطيط كتاب جديد تناول احتجاجات تشرين ضمن دراسة ميدانية معمقة اجراها كل من الدكتور فارس كمال نظمي والدكتور مازن حاتم.
وجاء في مستخلص الكتاب الذي حمل عنوان: “احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها”:
الموجة الاحتجاجية التي انطلقت في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 ثم تجددت بزخم أكبر في الخامس والعشرين منه في بغداد ومحافظات الجنوب والفرات الأوسط في العراق، إنما شكّلت لحظة احتجاجية فارقة في كثافتها و زخمها وتضحياتها لإحداث التغيير السياسي، بالمقايسة مع موجات أخرى سبقتها منذ 2010. وقد سعت الدراسة الميدانية الحالية لاختبار أربع فرضيات أساسية عبر البحث في فينومينولوجيا (ظاهراتية) الاحتجاج التشريني، أي إظهار أنساق الإدراك السياسي لدى المحتجين بافتراض أن جزءاً أساسياً من ديناميات الاحتجاج الثوري لا يمكن أن يُفهم أو يُشخّص إلا في ضوء إدراكات الناس الذاتية أنفسهم. فقد تألفت عينة الدراسة من (1020) محتجاً ومحتجة من متظاهري ومعتصمي ساحة التحرير في بغداد، تمت مقابلتهم ميدانياً خلال المدة من 25 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، باستخدام استبانة مؤلفة من مقدمة معلوماتية عن الخلفيات الاجتماعية- الاقتصادية للمحتجين (10 بنود)، يعقبها (24) سؤالاً مغلقاً بخيارات محدودة، و(4) أسئلة مفتوحة. وبذلك تم مزج الأسلوبين النوعي والكمي، والاستفادة من التقنيات الإحصائية لاستنطاق المضامين المستترة الناشئة عن العلاقات الجدلية بين الخلفيات الفئوية للمحتجين وبين إدراكاتهم ومواقفهم وتوقعاتهم. وقد خلصت الدراسة في مجملها التحليلي النهائي إلى مجموعة متشعبة من الاستنتاجات، كان أبرزها الارتفاع الملحوظ في المستوى التعليمي لهؤلاء المحتجين، ومن كونهم يمثلون فئة الشباب بنسبة عالية، إلا أنهم يعانون من حرمان مطلق يتمثل بارتفاع حاد في نسبة الفقر والبطالة، ومن تدهور اقتصادي شديد على المستويين الفردي والأسري. فبالمقايسة مع معدلات الأوضاع الاقتصادية لعموم العراق، تنحدر أوضاعهم بنسب تتراوح بين الضعف والثلاثة أضعاف. وإلى جانب هذا الحرمان المطلق يرتفع مستوى الحرمان النسبي لديهم بدرجة مشابهة، وهذا يعني أن حرمانهم كان مركباً يمتزج فيه الحرمان المطلق بالحرمان النسبي. أما عن أهداف الاحتجاج، فقد اتضح أن أهدافهم ذات الطابع الجذري الشامل (أريد وطن/ محاربة الفساد/ تغيير النظام السياسي) تتفوق على بقية أهدافهم ذات الطابع الإصلاحي المطلبي الجزئي (تحسين الخدمات/ الحصول على حصتي من النفط/ إصلاح الحكومة/ الحصول على عمل/ دخول المنطقة الخضراء). كما خلصت الدراسة إلى إثبات فرضياتها الأربعة القائلة بأن احتجاجات تشرين انبثقت بتأثير نزعة شبابية وجودية عميقة تفاعلت فيها النزعة الوطنية بالنزعة الطبقية المساواتية، وأنها تعدّ حلقة متصلة بنائياً ووظيفياً بالاحتجاجات التي سبقتها، كما مثلت هذه الاحتجاجات توكيداً للطابعَ الأيديولوجي غير المنهجي للاحتجاج، فيما مثّل «الخيار السلمي» ستراتيجية إدراكية- سلوكية بعيدة المدى اتخذها المحتجون التشرينيون جمعياً لوضع حد فاصل بين هوية الضحية (هويتهم) وهوية القاتل (السلطة) دونما تداخلات. كما أضيفت فرضية خامسة جديدة مستقاة من نتائج الدراسة تؤكد وجود تمايز واضح في إدراكات المحتجين بين الدين الاجتماعي بوصفه خياراً معتقدياً وقيمياً وسلوكياً خاصاً بالفرد وبين الدين السياسي بوصفه بنية سلطوية أنتجت أوضاعاً تستحق الرفض والاحتجاج والتغيير حد الاستماتة من وجهة نظرهم.

لتحميل الكتاب كاملا بصيغة PDF