جون بي. ألترمان– مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية
لقد سمعنا عن التحوُّلات في الشرق الأوسط منذ سنوات. كان هناك التحوُّل الديمقراطي المرتجى حدوثه، والذي مُنِيَ بالفشل. كان هناك تحوُّل في مجال الطاقة يلوح في الأفق، ويمكننا أن نزعم أنَّ هناك تحولاً في سياسة المياه يجري على قدم وساق بالتزامن مع نضوب الخزان الجوفي، واستنفاد المياه السطحية، وتغيُّر المناخ، كل هذه العوامل تجتمع لتعمِّق مشكلات الجفاف لمنطقة شبه قاحلة. لكن قد يكون هناك تحوُّل عميق على قدر أهمية التحولات السابقة، ولكنَّه لا يُنَاقَش على نطاق واسع؛ إذ هو التحوُّل العمَّالي الذي قد يُعِيد ترتيب النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط بأكمله، من طهران إلى الدار البيضاء.
ترتفع نسبة بطالة الشباب بأرقامها المفزعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إذ ينتظر كثيرون سنوات عديدة للحصول على فرصة عمل أولى بعد إنهاء دراستهم. حتى في دول الخليج الغنية، تقترب بطالة الشباب من نسبة (30%). في دول مثل الأردن، تقترب نسبة البطالة من (40%). على مدى العقود الثلاثة المقبلة، إذا كانت الدول تصارع أزمات انخفاض إيرادات الدولة والنمو السكاني وركود القطاع الخاص، وإذا مضت أكثر في استخدام ورقة التوظيف الحكومي لتخفيف الضغط العام، فمن شأن هذا الفعل أن يولِّد عاصفة شاملة.
أمَّا الولايات المتحدة، فإنَّ هذا التحول في العمالة الذي يلوح في الأفق لا يتيح مجرد فرصة سانحة لأهمية المنطقة المتزايدة، بل إنَّه عامل تفاضل رئيس في عالم تتنافس فيه القوى العظمى. مع أنَّ بعضاً منها قد يجادل أنَّ تحوُّل الطاقة سيقدِّم خدمة في غير محلِّها للشرق الأوسط من الناحية الإستراتيجية في عقود عديدة؛ لأنَّ المنطقة الغاضبة ستقوِّض الاقتصاد العالمي، وتهدِّد الأمن العالمي. لدى الولايات المتحدة فرصة سانحة ليس فقط لتفادي حدوث أسوأ السيناريوهات في المنطقة، ولكن لتعزيز مصالحها في بيئة عالمية أكثر تنافسية.
إنَّ اقتصادات الشرق الأوسط متباينة، فهناك دول غنية وأخرى فقيرة، واقتصادات كبيرة وصغيرة. تنهض عائدات النفط والغاز بدور كبير لمعظم الشعوب، فهي تموِّل مباشرة عديداً من الحكومات؛ وتتحوَّل العائدات المالية الهيدروكربونية من تلك الدول إلى حوالات مالية، ومنح حكومية إلى حكومة أخرى.
في خضم هذا التباين هناك أوجه شبه، فالقطاع العام في المنطقة أكبر عادة من القطاع الخاص الضعيف. إذ يعمل كثير من العمال في وظائف غير رسمية فحسب، ولا يتمتعون بأجور ثابتة ولا مزايا. ولا تستخدم الحكومات التوظيف كصورة من صور المحسوبية، بل كاستثمار في السلام الاجتماعي. إنَّ نجاح الشركات الكبيرة أمرٌ مرجَّح ليس بسبب أسلوب إدارتها، ولكن بسبب مَن يملكها، فإمَّا أن تعود مليكتها للدولة أو لأشخاص مقربين من الدولة. لقد ثبت أنَّ التوسُّع أمر صعب للغاية لمعظم المؤسسات الخاصة الصغيرة، ممَّا يحدُّ من آثارها الإيجابية.
تنمو قوى اليد العاملة المحلية بسرعة مع تدفُّق الشباب إلى سوق العمل. على نحو استثنائي، يدخل الشرق الأوسط في فترة يكون فيها الأشخاص في سن العمل جزءاً كبيراً على نحو لا يتناسب مع حجم السكان، مع وجود أعداد صغيرة نسبياً من حديثي السن وكبار السن. في عالم مثالي، تخلق هذه الحالة «عائداً ديموغرافياً»، إذ يفوق عدد أصحاب الأجور الذين يدفعون الضرائب عدد المتقاعدين، ومَن في سن الدراسة وخارج سوق العمل. لكن العائد الديمغرافي لا يبلي حسناً عند استبعاد النساء من سوق العمل، ولا يبلي حسناً حينما لا تستطيع المنظمات أن تكون منتجة اقتصادياً.
وهنا يكمن دور الولايات المتحدة البارز. في حين أنَّ الأعمال التجارية في الولايات المتحدة لم تؤسِّس المؤسسة الحديثة، إلا أنَّ نطاق المواهب الإدارية وعمقها في الولايات المتحدة من بين الأفضل في العالم. تمتلك الشركات والمؤسسات أنظمة لتوظيف المواهب وتمييزها وتعزيزها، وتدخل في حيِّز الممارسة لتحفيز العمال. تنجزُ حكومة الولايات المتحدة -مع كل إخفاقاتها- أموراً معقدة على أحسن وجه. من بين أعظم مهاراتها مواءمة الوكالات والإدارات المتعددة لأغراض إستراتيجية، والتفكير منهجياً في الخيارات، وإجراء المفاضلات بشفافية ومساءلة.

لقراءة المزيد اضغط هنا