هناك علاقة جدلية ما بين السياسة والنفط، وخصوصاً في بلدان الشرق الأوسط التي تعتمد على المواد الهيدروكربونية، حتى أصبح العامل النفطي من أبرز المتغيرات المؤثرة والمهمة في رسم السياسات العامة لهذه الدول، فضلاً عن الأهمية الاقتصادية التي يحظى بها النفط، والتي يمكن عن طريقها قياس قوة الدولة، وحجم التأثير الذي تمارسه، وقدرة التفاعل في موازين القوة، وكذلك قوة وجود هذه الدول واستمرارها،  لا سيَّما القوة الاقتصادية التي عُدَّ النفط المحرِّك الأساسي لها في الدول الريعية، مثل العراق التي تعتمد على إيرادات النفط في صورة أولية وأساسية؛ لتمويل متطلبات الإنفاق الحكومي، وتمويل الموازنات العامة للحكومات منذ اكتشاف النفط في العراق عام 1909 إلى يومنا هذا.
العراق والنفط
امتلاك العراق لعامل النفط أفضى عليه قوة اقتصادية وتأثيرية كبيرة لا سيَّما في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك احتياطات نفط كبيرة جداً، وتنتج ما يقارب ثلث الإنتاج العالمي من النفط وتحتوي ما يقارب (65%) من احتياطيات النفط العالمية، وخصوصاً المنطقة الإقليمية للعراق التي تُعدُّ أهم المناطق النفطية، ووَفْقاً لمؤشرات منظمة أوابك تقدر الاحتياطي النفطي العراقي لسنة 2020، ما يقارب (148,400.00) مليون برميل سنوياً، وذلك وَفْقاً للاستكشافات الحاصلة في الأراضي العراقية على النفط، فتشير بعض الدراسات إلى أنَّ ما يقارب (85%) من أرض صحراء العراق لم يُسْتَكشف بها عن النفط، ومن ثَمَّ هذه النسبة قابلة للزيادة في حال زيادة حملة الاستكشافات، هذا الأمر شكَّل عنصر اعتماد كبير من الحكومات المتعاقبة على النفط في التمويل الحكومي والنفقات الحكومية وتمويل الموازنات العامة على حساب القطاعات الأخرى كالصناعة والزراعة والتكنولوجية التي أصبحت شبه معدومة بالكامل، ولا سيَّما بعد عام 2003، إذ أصبح النفط هو العامل الأساسي في تمويل الحكومة لسد الاحتياجات ودوام استمرارها، لا سيَّما إذا علمنا أنَّ نسبة الإيرادات النفطية في الموازنة الحكومية السنوية لعام 2021 بلغت ما يقارب (82%) والإيرادات غير النفطية للعام نفسه بلغت ما يقارب (18%)، الاعتماد على النفط كمورد أساسي للدولة فيه كثير من السلبيات والتي قد تفوق الإيجابيات والتي ممكن حصرها في أنَّ النفط مورد سريع التصريف ويوفر لدولة أمرين فقط؛ الأول: السرعة في استحصال النقد الأجنبي التي يسمح لدول سداد التزاماتها الداخلية، والثاني: ضمان استمرار التدفقات النقدية الخارجية التي تكون على صورة قروض أو تحويلات سيولة من الدول والمنظمات الاقتصادية الدولية التي تساهم في معالجة الأزمات المالية للدولة، إلا أنَّ سلبيات الاعتماد على النفط كبيرة، وقد تهدِّد وجود كيان الدولة ومن هذه السلبيات:
هوية الاقتصاد: تُعدُّ صورة النظام الاقتصادي عنصراً مهماً جداً في طريقة التعامل، ورسم السياسات النقدية والاقتصادية التي يتعامل بها هذا النظام وكذلك استحصال الإيرادات وتشجيع الصادرات، بعد العام 2003، غابت هوية النظام الاقتصادي العراقي غياباً كاملاً، ولم تعد ملاح هوية النظام ما هي، أهي اشتراكية أم هي رأسمالية أم هي مختلطة؟ هذا الأمر الذي يدخل الدولة في صراع مع الإيرادات والنفقات، وفي عراق بعد 2003 أصبح الاعتماد اعتماداً كاملاً على الإيرادات النفطية التي تمول النفقات الحكومية، وتشكل الموازنات السنوية دون أن تكون هناك أي مصادر دخل أخرى متبعة وَفْق نظام اقتصادي واقعي حقيقي متكامل.

لقراءة المزيد اضغط هنا