د. فراس جاسم موسى – باحث
المقدمة:
يواجه الواقع التربوي والتعليمي في التعليم العام في العراق تحديات ومشكلات كثيرة في مختلف المكونات التربوية والتعليمة –وَفْق دراسات وبحوث وتقارير محلية ودولية- من أبرزها: نقص الأبنية المدرسية، وحاجة محتوى المناهج الدراسية إلى المراجعة المستمرة، وضعف إعداد الهيئات التعليمية والتدريسية، وتقادُم طرائق التدريس، فضلاً عن الحاجة إلى مراجعة التشريعات التربوية والتعليمية وغيرها من المشكلات والتحديات.
ونلحظ في مجال الأبنية المدرسية تزايد هذه المشكلة سنوياً، مع استمرار حركة البناء لكن بما لا يتناسب مع الحاجة الفعلية، وتزايد نسب السكان من ثَمَّ تزايد أعداد الطلبة الداخلين للمدارس، حتى بلغ عدد الأبنية التي تحتاجها وزارة التربية (9000) مبنى.
وفيما يتعلَّق بتقليدية طرائق التدريس، فمع التطوُّر الهائل في التكنولوجيا والثورة الرقمية وإستراتيجيات التعليم والانفجار المعرفي والتحوُّلات العلمية ما تزال كثير من مدراسنا تعتمد أسلوب الحفظ والتلقين واسترجاع المعلومات حين الطلب، فضلاً عن جانب آخر يتمثَّل بالتزام الأنماط السائدة في الدروس والامتحانات وغيرها.
وما يخص المناهج الدراسية التي تُعدُّ إحدى ثالوث العملية التعليمية إلى جانب الطالب والمعلم التي تحتاج إلى مراجعة مستمرة على وَفْق نظام علمي دقيق، نجد أنَّ مؤسَّساتنا التعليمية إلى الآن تعتمد إلى حدٍّ كبير المفهوم القديم للمنهج الذي يُفسر بأنَّه محتوى الكتاب المدرسي فقط، في الوقت الذي أصبح المفهوم الحديث قائم على اعتماد عناصر أخرى للمنهج هي الأهداف وطرائق التدريس والأنشطة ووسائل التقويم إلى جانب محتوى الكتاب، كما أنَّ المناهج الحالية تحتاج إلى أن تواكب حاجة السوق.
أمَّا إعداد الهيئات التعليمية والتدريسية فالملحوظ هو حاجتهم إلى اعتماد قواعد إعداد معلم القرن الحادي والعشرين باعتماد التقنيات الحديثة وشروط القبول ونظم الكليات التربوية والخبرات وغيرها؛ إذ إنَّ إعداد المعلم حالياً لا يستوعب كل هذه الشروط.
أمَّا ما يرتبط بالتشريعات التربوية والتعليمية فقد لوحظ تقادمها وحاجتها لا أقل للمراجعة بعد أن عفا عليها الزمن فبعظها صدر في سبعينيات القرن الماضي مع تسارع المتغيرات في قطاع التعليم وتغير وتطور وسائل التعليم ونظمه وبعضها يجانس نظاماً سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً سابقاً مع تغيُّر النظام الشامل سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وتطوُّر الإنسان نفسه وكما هو معلوم فالتشريع يولِّد من حاجة المجتمع.
ولكل ما تقدَّم، نسعى في هذه الورقة إلى تناول مشكلة التعليم عبر الإجابة عن السؤال الآتي: ما السياسات اللازمة لتحسين الواقع التربوي والتعليمي في العراق في ظل هذه التحديات؟
ونعني بالسياسات في محل هذه الورقة هي: الخطط والتشريعات والإجراءات كافة الخاصة بتحسين الواقع التربوي والتعليمي في العراق، وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي تقسيم الورقة إلى محورينِ رئيسينِ هما: المحور الأول يتناول المجال التشريعي، والمحور الثاني يتناول المجال التربوي– التعليمي، بحيث يتضمنان عرض أبرز التحديات التي تكتنف العملية التربوية والتعليمية في هذين المجالين، للوصول إلى الخيارات المتاحة لمواجهة هذه التحديات.
أولاً: المجال التشريعي
تضمن الدستور العراقي النافذ في أحكامه حق الأولاد في التربية والتعليم، وعدُّ التعليم عاملاً أساساً لتقدُّم المجتمع، وحق تكفله الدولة، وكذلك إلزاميته في المرحلة الابتدائية، ومكافحة الأمية، وجعل التعليم المجاني حق لكلِّ العراقيين في مختلف مراحله، فضلاً عن وجود العشرات من التشريعات التي نظمت أحكام العملية التربوية والتعليمية وأحوالها، وكان من بين أحدث هذه التشريعات قانون وزارة التربية رقم (22) لسنة 2011م وتعديلاته وقانون محو الأمية رقم (23) لسنة 2011 وقانون مكافأة نهاية الخدمة للمتقاعدين قبل نصف السنة، وإلغاء العشرات من قرارات مجلس قيادة الثورة الخاصة بالشأن التربوي التي كانت استثنائية وغير منصفة، ومنح الصلاحيات المخصصة إلى مديريات التربية العامة في كل محافظة إلى مجالس المحافظات في خطوة ديمقراطية ولامركزية في الإدارة، ولتسهيل وتسريع إجراءات المديريات العامة، فضلاً عن إنجازات تضمنتها هذه التشريعات وغيرها دفع بها مجلس النواب بالتعاون مع جهات متعددة مختصة مثل صرف مخصصات مالية تصل إلى (150000) دينار مقطوعة شهرياً للتربويين، ورفع التسكين عن الدرجات الوظيفية للإداريين العاملين في وزارة التربية، ونشاطات عديدة مثل إقامة المؤتمرات والندوات، والاجتماعات، والإجراءات الرقابية بمختلف الأدوات الرقابية، لكن مع ما مرَّ ذكره تواجه الوزارة حاجات تشريعية ذات بعدين.

لقراءة المزيد اضغط هنا