جوليان بارنز ديسي: مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
هيو لوفات: زميل سياسات أقدم
المقدمة
ينبثقُ شرقٌ أوسطيٌّ جديدٌ على خلفية قرار الولايات المتحدة المتمثِّل بتقليص وجودها العسكري والدبلوماسي وإثبات الذات المتزايد للدول الإقليمية، والتغلغل الروسي والصيني الكبير في شؤون الشرق الأوسط. يمكن أن تحد التحولات الجيوسياسية من هيمنة واشنطن طويلة الأمد في الشرق الأوسط، وخلق نظام جديد متعدد الأقطاب. تسارعت هذه التحولات بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا، واشتداد المنافسة العالمية بين القوى العظمى. بعد أن اعتادت أوروبا منذ مدَّة طويلة على التحرُّك بالتوازي مع الولايات المتحدة، وهي تواجه -الآن- جاراً جنوبياً يتسم بالتحدي والنزعة التنافسية بصورة كبيرة.
ضاعفت الحرب الروسية على أوكرانيا من شدَّة المنافسة على النفوذ في المنطقة بين الدول الأوربية ومنافسيها الإستراتيجيين الصين وروسيا. كما تسبَّب الغزو الروسي بإرباك أسواق الطاقة والغذاء العالمية، والتي من شأنها أن تفاقم من الأزمات الإنسانية في وقت يعاني فيه الشرق الأوسط من انهيار اقتصادي واسع النطاق، وفي بعض الحالات، تعاني بعض الدول من الإفلاس. قد يكون لهذا الوضع السيِّئ تداعيات على القضايا المتعلِّقة بالهجرة والإرهاب -وهما تحدِّيان لطالما هيمنا على المخاوف الأوروبية في المنطقة-. كما أكَّدتِ الحربُ الأهميةَ المتزايدة للشرق الأوسط بوصفه مصدراً للطاقة، إذ تتدافع الدول الأوروبية لتقليل اعتمادها على النفط والغاز الروسي.
كلَّما تدخَّلت أوروبا أكثر في الشرق الأوسط ستزداد نقط ضعفها. تجد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نفسها في موقع قوي، مع وجود مصادر جديدة للضغط لاستخدامها ضد العواصم الأوروبية أثناء تحصنُّها بالقوى العالمية. يُعقِّدُ إحجامُ إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن الاصطفاف مع الغرب بشأن أوكرانيا -فضلاً عن جهود بكين المتسارعة لدفع ثمن نفط الشرق الأوسط باليوان بدلاً من الدولار الأمريكي– المشهدَ الجيوسياسي أكثر. يُزاد على ذلك احتمال أن تستخدم روسيا وجودها في دول مثل ليبيا وسوريا للردِّ على الدول الأوروبية لدعمها أوكرانيا. قد يؤدِّي الانهيار المحتمل للمفاوضات النووية الإيرانية إلى تعزيز هذه الديناميكيات.
إنَّ للتحوُّل الجيوسياسي في الشرق الأوسط تداعيات وخيمة على أوروبا، ولكن ما تزال النظرة السائدة عن الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية على أنَّها جهات فاعلة غير مهمة في المنطقة. جعل الاعتماد الطويل الأمد للدول الأوربية على الولايات المتحدة ونقط ضعفها التي يمكن التنبُّؤ بها -وهي الانقسام وعدم القدرة على التدخُّل في المنافسة بين القوى العظمى– في كثير من الأحيان غير قادرة على خلق التطورات.
إنَّ هذا الوضع بحاجة إلى التغيير؛ إذ يسعى الأوروبيُّون إلى تقديم أنفسهم بوصفهم أطرافاً فاعلةً أكثر استعداداً وقدرة على الدخول في النظام العالمي التنافسي، فَهُم بحاجة إلى معالجة الكيفيات التي يؤثِّر بها الشرق الأوسط على المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية الأساسية.
يسلِّطُ تطويرُ نظامٍ إقليميٍّ متعددِ الأقطاب الضوءَ على حاجة الأوروبيِّين ليكونوا فاعلين إقليميين، ويتمتعون بتأثير أكبر، وعلى خلاف المتوقَّع، إذ لديهم فرصة سانحة للنهوض بهذا الدور. هذا هو المشهد الجديد، إذ لا توجد قوة واحدة مهيمنة، يمكن أن يوفِّر مساحة لتجمعات الدول الأوروبية ذات التفكير المماثل، بما في ذلك النرويج والمملكة المتحدة، لتعزيز المصالح الأوروبية بصورة أكثر فاعلية. سيعتمد كثير على ما إذا كان يمكن للأوروبيِّين تجنُّب المعاملات التبادلية الضيقة -مدفوعة بصورة خاصة بالاحتياجات الجديدة للطاقة- عن طريق صياغة مواقف أكثر إستراتيجية وجماعية بشأن القضايا الرئيسة. يظهر رد الدول الأوروبية على الحرب في أوكرانيا أنَّها تستطيع تبنِّي سياسة خارجية متماسكة وحازمة عند الحاجة، إذ إنَّهم بحاجة إلى تكرار هذا الجهد مع جيرانهم في الجنوب.

لقراءة المزيد اضغط هنا