مقدمة
يجعل ما يحدثُ في منطقة الجزيرة السورية وشمال العراق من متوالية أحداث سياسية وعسكرية الحدثَ الإقليمي أكثر «لا يقينيةً» وغموضاً، إذ تجري أمور من الصعب توقُّعها أو تدبير استجابات مناسبة حيالها، مثل أن «يتحوَّل الموقف» بين الولايات المتحدة وتركيا، تنافراً، لكن من دون قطيعة، وتقارباً، لكن من دون توافق تام.
ومن ذلك أيضاً، أن يُظهر الكرد «تفهُّماً» و «قَبولاً» متردداً للتفاهمات والخطوات الأمريكية حيال تركيا في شمال سورية والعراق. ويُبدون استعداداً متزايداً وغير مسبوق لـ»التوافق» مع الأخيرة على «ضبط» عوامل التوتر بينهما. وتنسيق الموقف من مناطق سيطرة تركيا والجماعات الموالية لها في شمال سورية وشمال غربها. وأن يُظهر كرد العراق مزيداً من «التوافق» مع أمريكا وتركيا في المواقف حيال الدولة المركزية في بغداد، وبالطبع حيال طهران ودمشق.
ولكن تركيا والولايات المتحدة لا تلعبان بمفردهما، إذ ثمَّة سورية الرافضة للتدخُّل التركي والأمريكي، وكذلك حليفا سورية الرئيسينِ روسيا وإيران، فضلاً عن الكرد والعرب في شرق الفرات الرافضين للتدخُّل التركي، ووجود فواعل وجماعات وقوى مسلحة من لبنان والعراق وغيرهما (بإشراف الحرس الثوري الإيراني) في منطقة «خط الفرات»، وبعض مناطق الحدود بين سورية والعراق. والعراق نفسه الذي يشهد انقساماً حاداً نسبياً حيال التدخلات الأمريكية والتركية في شؤونه، وكان أَجْهَض -منذ بعض الوقت- محاولة الانفصال الكردية في الشمال، وما يزال يعاني من تجاذبات حادة مع أربيل.
تنطلق الورقة من أنَّ التوافق الأمريكي-التركي على «ضبط الموقف وإدارته» في منطقة الجزيرة السورية، ومزيد من التورُّط العسكري التركي في شمال العراق، والحضور الإسرائيلي متزايد التأثير في مناطق سيطرة “قسد” في الجزيرة السورية، ومناطق الإقليم الكردي في شمال العراق؛ يمثِّل أحد التحديات الحَرِجَة لسورية والعراق، وبالطبع إيران، وهذا ما يستدعي أو يستثير استجابات متناسبة حياله، الأمر الذي يهدِّد المنطقة بمزيد من التوتُّر والانفجار.
ويحيل الموقف في الشمال إلى محاولات تركية وأمريكية (وإسرائيلية)، كلٌّ وَفْق أولوياته، لإحداث تغييرات في السيطرة والجغرافيا والاستقطاب والتحالفات وموازين القوى، ومن ذلك مثلاً محاولة «فتح الأبواب» بين مناطق سيطرة “قسد”، بإشراف أمريكي، ومناطق جبهة النصرة، بإشراف تركي؛ والدفع لاتفاق بين «قسد» و»المجلس الوطني الكردي» السوري الموالي لتركيا، وبين «قسد» والإقليم الكردي شمال العراق المتحالف مع أمريكا وتركيا، ويمثِّل قاعدة استهداف إسرائيلية ضد إيران.
وقد يجري كل ذلك –بالنسبة لتركيا- في أفق سياسات بعيدة المدى، لضبط الموقف في منطقة الجزيرة السورية، بـ»تفكيك» أو «احتواء» الكيانية فيها، وإن لم يكن، فتهيئة الظروف (وتكييفها)؛ لجعل الوضع القائم في منطقة الجزيرة، غير معادٍ لتركيا، على غرار الإقليم الكردي في شمال العراق، بالتوازي مع اقتطاع أجزاء أخرى من الجغرافيا السورية لصالح تركيا و/أو الجماعات الموالية لها، إن أمكنها ذلك. فضلاً عن الاعتداءات التركية المتكررة في شمال العراق، وتعزيز القواعد العسكرية التركية هناك، والتهيئة لبقاء مديد فيها. ويتطلَّب ذلك التحدي استجابة مركَّبة وعاجلة ونافذة –ما أمكن- من قبل سورية والعراق والفواعل الأخرى المتضرِّرة.

لقراءة المزيد اضغط هنا