ضي مضر ابو غنيم: باحثة في قسم دراسات المرأة – مركز البيان للدراسات والتخطيط
لم تنتشر ثقافة حقوق الإنسان قبل 2003 كما انتشرت بعد هذا التاريخ، ومع التزامات العراق الدولية بهذا الشأن التي اندرجت في (13) معاهدة واتفاقية وقَّعها العراق أو صادق عليها للمدَّة من 1970-2001، إلَّا أنَّ النظام الجديد بعد 2003 ساهم في تطوُّر مفهوم حقوق الإنسان عن طريق تضمين مبادئ حقوق الإنسان في الجوانب التشريعية والتنفيذية والقضائية بصورة أوسع، فضلاً عن انتشار منظمات المجتمع المدني التي لم يكن لها وجود حقيقي آنذاك، إذِ اقتصر المجتمع المدني حينها على المنظمات والنقابات والاتحادات التي تمثِّل نظام الحزب الواحد، وتنفِّذ أجنداته وتعليماته بقيادات حزبية، وتحت مراقبة مستمرة، ممَّا عزَّز وجود هذه المنظمات في المجتمع العراقي بعد 2003، وعزَّز -أيضاً- فكرة حقوق الإنسان بصورة أكبر عن طريق مساحة العمل المتاحة لها، والحرية في تنفيذ برامجها وفعالياتها من دون تدخُّل يُذكَر، إذ بلغ عددها أكثر من سبع آلاف منظمة وَفْق بعض الإحصاءات، ووَفْق ما أفادت به مستشارة الديمقراطية الأقدم في سفارة الولايات المتحدة في بغداد (لوسي شانغ) فإنَّ المساعدات التي قُدِّمَتْ لمنظمات المجتمع المدني في العراق قد بلغت (850) مليون دولار أمريكي.
من اللافت للانتباه أنَّ هنالك جهود حثيثة ومدعومة بمبالغ كبيرة من أجل تشجيع مبادئ حقوق الإنسان في العراق، وهو حقيقة ما نراه في نشاط المنظمات المعنية بهذا الشأن وبرامجها، عن طريق ما تقوم به من ورش وندوات وحملات مدافعة وغيرها من آليات مبنية على أساس الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيزها، ومن مبدأ ضرورة النظر للموضوع من أكثر من زاوية، يعرض هذا البحث التساؤل حول مدى ما حقَّقت هذه البرامج في خلق قيادات ومدافعين/ات تتبنَّى مبدأ حقوق الإنسان بصورة حقيقية ينعكس في سلوكها اليومي؟ غالباً ما يفكِّر الفرد الراغب في أن يكون جزءاً من منظومة المدافعين/ات عن حقوق الإنسان أنَّ دخوله في هذا المجال سيتيح له مساحة آمنة، وبيئة صحية ينطلق عن طريقها نحو تطبيق هذه المبادئ عبر تعلُّمه ممَّن سبقوه كخطوة أولى، وفعلاً فإنَّ هذا قد يحدث بنسبة كبيرة من دون أدنى شك، لكن لا يمكن إنكار حقيقة وجود انتهاك يمارسه المدافعون عن أنفسهم، سواءً أكان انتهاكاً بوعي أم من دونه، فعلى سبيل المثال، غالباً ما يشتكينَ المدافعات عن حقوق الإنسان من وجود زميل متحرِّش، أو قد يظهر بعضهم تناقضاً جلياً بين ما يتبناه في النشاط المدني، وبين دوره بوصف رجلاً داخل عائلته، ولا يقتصر هذا الانتهاك على الرجال فقط، بل تمارس النساء أيضاً انتهاكات رصدها البحث في الجانب الميداني منه.
أُجْرِيت هذه الدراسة على عدد من المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان في محافظة بغداد، مع الأخذ بنظر الاعتبار ثقافة هذه الشريحة في تقديم إجابات مثالية عن أسئلة البحث؛ لذا كانت أهم التحديات هي في كيفية صياغة أسئلة تنتج إجابات صادقة قدر الإمكان، من ناحية أخرى فإنَّ الملاحظة والمعايشة يمكن أن تعطي إجابات واقعية إلى حدٍّ كبير. سعت هذه الدراسة إلى فهم تأثير نشاط المدافعة في تغيير سلوكيات المدافع، وتحديد مكامن الانتهاك الذي يمارسه المدافع، وكيفية الخروج بتوصيات ومقترحات لردم هذه التناقض -إن وُجِد-، وتعزيز آليات تطبيق فعلية للمبدأ والسلوك.

لقراءة المزيد اضغط هنا