وفاء فوزي حمزة/ باحثة

رافق النمو المتزايد للسكان في العراق -إذ فاق (40) مليون نسمة- عدم تطوير المؤسسات الصحية الطبية بما يناسب هذه الزيادة، واستمرَّ ضعف البنية التحتية لهذه المؤسسات، وتفشِّي الفساد في قطاعاتها، تزامناً مع ظهور أنواع مختلفة من سلالات الأوبئة المعدية، والتي تخطت حدود البلدان وفتكت بعديد من الأرواح.

وما يزال العراق يتحمَّل الخسائر التي نتجت عن هذه الأوبئة على جميع الأصعدة؛ بنسبة قد تفوق تلك التي وقعت في بلدان أخرى لا تمتلك الموارد المالية المتوفرة لدى العراق، ومع استمرار فقدان الكفاءات الطبية؛ نتيجة الهجرة، وزيادة الفجوة الحاصلة بين العرض والطلب في القوة العاملة في المجال الصحي، ممَّا أدَّى إلى زيادة الاعتماد على العمالة الأجنبية، أو السفر خارج البلاد؛ لتلقِّي الخدمات الصحية.

يعمل النظام الصحي العراقي بصورته الحاضرة بسياسة محاولة العلاج بدلاً من الوقاية، أي: إنَّه ينتظر وقوع المرض، ويبدأ بعلاجه من ثَمَّ عوضاً عن تلافيه عبر تعزيز مبدأ الوقاية، وخير مثال على ذلك مشكلة أصحاب الأمراض المزمنة، وأمراض القلب، والأوعية الدموية، الذين لا تُرصد أمراضهم في وقتٍ مبكر، بما يمكن علاجها، بدلاً من الاستمرار بالمسكنات، أو تحوُّلها إلى مرض مزمن لا يبارح جسد المريض، ويحتاج إلى عناية طبية مستمرة.

اجتمعت هذه العوامل لتحدث تغييراً مستمراً؛ يعزِّز شدة التحديات الكبرى التي تواجه النظام الصحي في العراق، فضلاً عن المشاكل الصحية التي بدأت تواجه القطاع الطبي في العراق، وتزاد على مشاكله الصحية القديمة -المتمثلة بالأمراض المعدية، وارتفاع نسبة المصابين بأمراض السرطان، وأمراض نقص المناعة، ومرضى السكري، وغيرها- إذ ظهرت مشاكل أخرى تمثَّلت بضعف التوزيع الجغرافي العادل للخدمات الصحية المقدَّمة للمواطنين، وكذا ارتفاع التكلفة تجاه هذه الخدمات، ومع تخصيص ميزانيات كبيرة، وتحشيد الكوادر البشرية في القطاع الصحي عند الأزمات، إلَّا أنَّه ما زال هنالك ضعف في تقديم الرعاية الصحية الشاملة، والتي تكاد أن تكون منعدمة في المناطق النائية.

عند هذا الموضع، لا بدَّ من الالتفات إلى تجارب الدول المتقدمة، وعملها في التصدِّي لمثل هذه التحديات، إذ جنحت إلى اختراع نظام صحي رقمي ساعد على التخلُّص من عديد من المعوِّقات التي حالت دون تطبيق نظام الرعاية الصحية الشاملة.

فقد حثَّت جمعية الصحة العالمية في عام 2005() عن طريق قراراتها بشأن الصحة الإلكترونية الدولَ الأعضاء على وضع خطة إستراتيجية طويلة الأمد؛ لتطوير خدمات الصحة الإلكترونية وتنفيذها، بما فيها البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل الصحة، لتعزيز الوصول الشامل العادل وبالتكلفة الرمزية إلى جميع المواطنين، وفئات المجتمع، وقد قامت الدول الأعضاء بإنشاء رؤية مشتركة للصحة الإلكترونية، تتماشى مع الأولويات والموارد الصحية المتاحة لكل بلد، مع وضع خطة عمل، وإنشاء إطار زمني لرصد تنفيذ النظام الصحي الإلكتروني وتقييمه، وكان عدد الدول الأعضاء المشتركة في القرار المعنية (120) دولة، بما في ذلك البلدان المنخفضة ومتوسطة دخل.

قامت جمعية الصحة العالمية عام 2013 بتوحيد معايير الصحة الإلكترونية وقابلية التطبيق، وكذا النظر في وضع سياسات وآليات تشريعية مرتبطة بإستراتيجية وطنية شاملة للصحة الإلكترونية، استناداً إلى هذه القرارات، وإدراكاً للحاجة إلى تعزيز تنفيذ آليات الصحة الرقمية؛ أُقِرَّتْ بعد ذلك الإستراتيجية العالمية للصحة الرقمية 2020-2025، انطلاقاً من الثورة الرقمية التي اجتاحت العالم في عصرنا هذا، ومع إقبال الحكومات على مشاريع التحوُّل الرقمي في الأصعدة كافَّة، وأيضاً تطبيقاً للوثائق الموقعة مع الأمم المتحدة -فيما يخص العراق-، والخاصة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، برزت ضرورة تسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق هذه الأهداف خصوصاً تلك المتعلقة بالرعاية الصحية، إذ إنَّ هنالك توافق متزايد في الآراء لمجتمع الصحة العالمي على أنَّ الاستخدام الإستراتيجي والمبتكر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتطورة في القطاع الصحي؛ سيكون عاملاً أساسياً نحو ضمان استفادة مليار شخص من التغطية الصحية الشاملة، وسيتمتعون بحماية ورعاية صحية أفضل مستقبلاً.

لقراءة المزيد اضغط هنا