ماثيو كرونيغ: هو نائب مدير مركز سكوكروفت للإستراتيجيات والأمن ومؤلف كتاب منطق الإستراتيجية النووية الأمريكية.
أليكساندرا مارين: هي مساعد مشروع في تدريب Forward Defense
والآن بعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوات النووية في بلاده بوضع حالة تأهب قصوى لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، فقد حان الوقت لتوخِّي الحيطة والحذر.
لا توجد مؤشرات حتى الآن تُشير إلى أنَّ الجزء الأكبر من القوات النووية الروسية في حالة تأهُّب قصوى بوصفه جزءاً من «النظام الخاص للواجبات القتالية» لموسكو. لكن الواضح، كان الأمر المتلفز الذي أصدره بوتين الأسبوع الماضي مصمماً لإخبار الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والغرب بالكف عن دعم أوكرانيا -أو المخاطرة بعواقب لا يمكن تصورها-. في حين كانت واشنطن وحلفاؤها على حقٍّ في تجنُّب المبالغة في رد الفعل حتى الآن، فمن المرجَّح أن يواصل بوتين بتلويحه النووي، وما يزال هناك خطر من أنَّه قد يستخدم القوة النووية في أوكرانيا.
مع أنَّ الإعلان كان تطوُّراً يُنذر بالخطر، إلا أنَّه كان متوقعاً. تُعدُّ الإشارات النووية جزءاً أساسياً من الإستراتيجية العسكرية لروسيا وصورتها الذاتية كقوة عظمى. يُظهر الكرملين علامات على تنفيذ ما يسمى بإستراتيجية التصعيد لخفض التصعيد الآن، وهذا الأمر لا يفاجئ من هم على دراية بالعقيدة الروسية. على الغرب أن يدرك هذا على حقيقته، وهو  صورة من صور الابتزاز النووي الذي لا ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها الاستسلام له.
جعلت موسكو -ولسنوات- من الأسلحة النووية حجر الزاوية لعقيدتها العسكرية. أبدى الاتحاد الروسي -في حالة اندلاع حرب كبرى- استعداده للتهديد بشن هجوم نووي «لخفض التصعيد» لتحقيق أهدافه. أوضح بوتين -لتحقيق هذه الغاية- خلال الأزمات أنَّه قد يهدِّد (أو، في الحالات المتطرفة، ينفِّذ) ضربة نووية غير إستراتيجية مبكِّرة على أمل إنهاء المواجهة بشروط مؤاتية للكرملين.
أبدت روسيا -على عكس الولايات المتحدة- استعدادها لاتخاذ هذه الخطوة، حتى لو كانت الأزمة من صنعها. تكمن ترسانة روسيا من الرؤوس الحربية النووية التكتيكية الجاهزة للمعركة في قلب هذه الإستراتيجية. والأكثر إثارة للقلق، تفوق هذه الأسلحة الروسية عدد ترسانة الولايات المتحدة من الأسلحة المماثلة بحوالي عشرة إلى واحد.
الردع والتحركات الدراماتيكية
كان هذا المستوى من المواقف النووية مرئياً في الماضي. إبَّان الغزو والضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم عام 2014، تفاخر بوتين بأنَّه يريد تذكير الروس (ومن ثَمَّ الغرب) بأنَّ «روسيا هي إحدى القوى النووية الرائدة»، و «من الأفضل عدم العبث معنا». مع أنَّه لم يرفع مستوى التأهُّب النووي أبداً، إلا أنَّه قال لاحقاً إنَّه كان يفكِّر في القيام بذلك.
صُمِّمت حالة الاستعداد المتزايدة هذه -على الأرجح- تماماً مثل تهديدات بوتين الصريحة في خطابه قبل الغزو والممارسات الأخيرة للقوات الإستراتيجية الروسية؛ لردع الناتو عن التدخُّل المباشر في أوكرانيا. لم تظهر كل من الولايات المتحدة والحلف أي رغبة في الدخول في الصراع بصورة مباشرة، وقد عُدَّ بيان بوتين بشأن حالة التأهُّب النووي الروسي للتأكُّد من استمرار الحال على هذا النحو.
أصدر بوتين تهديدات نووية؛ لأنَّه فُوجِئ بقوة استجابة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ووحدتهما، وإحباطه من التقدُّم العسكري الروسي الأبطأ من المتوقَّع. يحاول بوتين -مع هذه التهديدات النووية- زرع الانقسامات داخل الحلف، ودَفْع البيت الأبيض إلى التراجع. لكن كانت التحرُّكات الغربية لمساعدة أوكرانيا دراماتيكية. تعهدت ألمانيا بزيادة إنفاقها الدفاعي بمقدار مئة مليار يورو، ومع الحظر السابق على شحنات الأسلحة إلى منطقة حرب نشطة، فقد أعلنت ألمانيا، إلى جانب أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي، عن شحنات أسلحة. حتى تركيا، التي أبدت سابقاً تردُّداً في تقييد الحركة الروسية عبر مضيق البوسفور والدردنيل، مستعدة الآن لإغلاق الممرات أمام بعض السفن الحربية الروسية.
قد يراهن بوتين على أنَّ الأفعال تتحدَّث أعلى من الأقوال، ويمكن للتحذير النووي أن يخيفَ الزعماء الغربيين خوفاً أكثر فاعلية، ويوقفوا دعمهم لأوكرانيا. ومع هذا الابتزاز النووي، إلَّا أنَّ على الناتو أن يستمرَّ في الوقوف بقوة. لا يُريد بوتين والولايات المتحدة خوض حرب نووية. الولايات المتحدة قوة نووية عظمى، ومن شأن التراشق النووي مع البنتاغون أن يؤدِّي إلى عواقب وخيمة لبوتين. حينما سُئِلَ عمَّا إذا كان يجب على الغرب القلق بشأن احتمال نشوب حرب نووية، أجاب الرئيس الأمريكي جو بايدن بذكاء وحزم، «لا». ردَّدت القيادة الإستراتيجية الأمريكية هذا الشعور، قائلة: ما تزال الولايات المتحدة بـــــ «موقف ملائم» لردع روسيا.

لقراءة المزيد اضغط هنا