back to top
المزيد

    المرأة العاملة ولبنان ما بعد جائحة (كورونا)

    لين منذر

    لين منذر: اختصاصية النوع الاجتماعي في الأعمال، ودكتوراه في ريادة الأعمال النسائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

    حينما شُخِّصت أول حالة إصابة بفيروس (كورونا) في لبنان في فبراير 2020، كان النظام المصرفي فعليّاً في دوامة قاتلة سبقت الجائحة بأربعة أشهر، واليوم تمر البلاد بمعاناة تضخُّم مفرط -فقدت الليرة اللبنانية 90 في المئة من قيمتها-، وتواجه أيضاً معدَّلات بطالة مرتفعة، وانخفاض الأجور، والضعف الهائل للقوة الشرائية، وتُعدُّ الأزمة الاقتصادية من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن الثامن عشر.

    لقد تضرَّرت النساء اللبنانيات وخصوصاً النساء العاملات بشدَّة من الوباء والأزمات المتزامنة (وبطرائق عديدة متصلة ببعضها) وعلى وجه التحديد تواجه النساء العاملات ازدياداً في مسؤوليات الرعاية غير المدفوعة وتفاوتات متزايدة في الفرص والدخل.

    تقديم الرعاية من دون مقابل

    في حين يُعدُّ لبنان بلداً متقدماً في كثير من النواحي مقارنةً بالدول الأخرى في المنطقة، كانت النساء اللبنانيات خاضعات خضوعاً كبيراً للأعراف الاجتماعية المقيدة المتعلقة بالأدوار الجندرية على مدى أجيال، إذ يُتوقَّع من النساء التوفيق بين وظائفهن ومسؤولياتهن المنزلية بما في ذلك الطهي والتنظيف، ورعاية أطفالهن وكبار السن، بالقليل من المساعدة.

    لقد أدَّى الوباء والأزمة الاقتصادية إلى زيادة الرعاية غير مدفوعة الأجر وغيرها من الأعمال المنزلية المتوقعة من النساء في لبنان، ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، أفادت 81٪ من النساء اللبنانيات أنَّ واجباتهنَّ المنزلية زادت أثناء الوباء مقارنة بـ 64٪ من الرجال، إذ كانت الأضرار النفسية التي أصابت العديد من النساء مدمَّرة، ووفقاً للأحاديث المتناقلة، ونظراً لعدم أو قِلَّة إجراء الأبحاث في البلاد حالياً، فيبدو أنَّ حالات الاكتئاب بين النساء قدِ ارتفعت بسرعة هائلة.

    الفرص غير المتكافئة

    كما ذكرنا فقبل الوباء عانى لبنان من أكبر الفجوات الجندرية في العالم، إذِ احتلَّ المرتبة 132 من أصل 158 دولة في تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2021، إذ يُهيمن الرجال على سوق العمل اللبناني فهم يشغلون أكثر من ثلاث أرباع الوظائف، في حين تشغل النساء حوالي ربع الوظائف -وهي واحدة من أدنى النسب في العالم-.

    لقد أثَّر تسريح العمال بسبب الوباء بصورة غير متناسبة على النساء، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ أرباب العمل يفضِّلون الاحتفاظ بالرجال (ظنّاً بأنَّهم يقومون بالشيء الصحيح)؛ لأنَّهم يعدُّونهم المعيل الرئيس للعائلة، وفي مثال معبر حينما أعلنتِ الحكومة اللبنانية لأول مرة عن عمليات الإغلاق الوبائي وإغلاق المدارس، أرسلت بعض الشركات موظفاتها إلى المنزل أولاً لإكمال “واجبات الرعاية المنزلية”، ممَّا زاد من تعزيز الممارسات التمييزية الجندرية وزيادة مستويات البطالة بين الإناث بعد الإغلاق.

    عدم المساواة في مستويات الدخل

    لطالما كان عدم المساواة في الدخل حقيقة من حقائق الحياة في لبنان، فنسبة 10٪ من اللبنانيين الأثرياء يمتلكون 70٪ من إجمالي الثروة -ولكنَّه أيضاً قائم على أسس جندرية بصورة كبيرة، إذ تواجه النساء التمييز في الضرائب والمزايا الاجتماعية، وعلى سبيل المثال تدفع النساء المتزوجات ضرائب دخل أكثر من الرجال؛ لأنَّهن يعاملنَ على أنَّهنَّ عازبات ويتقاضينَ أجوراً أقل بنسبة 27 في المئة من الرجال في الوضع نفسه على الرغم من قوانين العمل التي تحظر هذه الممارسة التمييزية.

    أصبح عدم المساواة في الدخل أسوأ بالنسبة للعديد من النساء العاملات في ظلِّ الوباء، إذ خفَّضت بعض الشركات رواتب النساء أكثر ممَّا فعلت للرجال، ووفقاً لإحدى الدراسات أفادت النساء أنَّ متوسَّط ​​دخلهنَّ انخفض أثناء الجائحة من 408.000 ليرة لبنانية (23 دولاراً أمريكياً بأسعار السوق الحالية) إلى 95000 ليرة لبنانية (5 دولارات أمريكية) شهرياً، مقارنة بـ 479000 ليرة لبنانية (27 دولاراً أمريكياً) إلى 103000 ليرة (6 دولارات أمريكية) للرجال، وفي عام 2020 وحده أبلغت 48% من النساء عن تسريحهنَّ من العمل مقارنةً بـ 40% من الرجال، وذكرت 7% من النساء أنَّه خُفِّضت أجورهنَّ مقارنة بـ 3% فقط من الرجال.

    مستقبل المرأة العاملة في لبنان

    على الرغم من الحالة المزرية للحكومة والاقتصاد في لبنان يجب على القطاع العام أن يسعى جاهداً لإعادة أكبر عدد ممكن من النساء إلى القوى العاملة في مرحلة ما بعد الوباء، ولتحقيق ذلك يجب على الحكومة تطبيق قانون المساواة في الأجور؛ لزيادة المشاركة الاقتصادية للمرأة وانتشال الأسر من براثن الفقر، ومن الناحية المثالية يجب على الحكومة أيضاً توفير الوصول إلى رعاية الأطفال عالية الجودة بتكلفة معقولة.

    ولنكن واقعيِّين فإنَّ هذه مجرَّد أماني في الوقت الحالي، إذ يجب على الشركات أن تأخذ على عاتقها إعادة النساء إلى منظماتهنَّ، ويجب على أصحاب العمل توفير المرونة للمرأة حتى يتمكنَّ من إدارة عملهنَّ وتوقعات الأسرة بصورة أفضل.

    والأفضل من ذلك في أعقاب الوباء يجب على القطَّاعين العام والخاص في لبنان تنسيق السياسات والاستراتيجيات؛ لزيادة المشاركة الاقتصادية للمرأة، وقد تكون هذه خطوة جيدة لإعادة بناء أسس مجتمع أكثر مساواة وإنصافاً بعد مدَّة الوباء والأزمات الاقتصادية.

    المصدر:

    https://www.wilsoncenter.org/blog-post/working-women-and-post-covid-lebanon