من الملاحظ أن واقع التعليم العالي في العراق يعاني من مشاكل عدة، بعضها مركبة وشائكة، وبعضها الآخر يسهل تجاوزها. فهناك من المشاكل ماهو مرتبط بالسياسة الحكومية في إدارة المؤسسات التعلمية، تحت لواء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والآخر مرتبط بالمؤسسات التعليمية ذاتها، سيما بالمناهج والمقررات الدراسية. وهناك نوع آخر من المشاكل متعلق بالطرف المباشر بالعملية التعليمية وهو التدريسي.

باعتقادنا أن المعضلة الرئيسية في واقع التعليم العالي العراقي تكمن في المركزية التي تتجلى في: الإدارة، والتعيين، وتنسيب الطلبة وفق الإستمارة الألكترونية. وهذه الجوانب قد خلقت بدورها المشكلات التالية:

أولاً: إن مركزية الإدارة قد أثرت في اختيار آلية الكفوئين للإدارة ناهيك عن تعيين البعض من غير الكفوئين.

ثانياً: كون الوزارة ملزمة بتعيين كل حامل لشهادة عليا في مؤسسات التعليم العالي، فقد أثر هذا الإجراء، وبشكل كبير في نوعية، وكفاءة الأساتذة، والكوادر التدريسية، الذين يعملون في مؤسساتنا التعليمية.

ثالثاً: إن عملية التنسيب أو القبول المركزي لطلبة البكالوريا، أو ما يعادلها من قبل وزارة التعليم العالي، قد ساهمت باختلال معادلة (مخرجات التعليم- حاجة البلد إلى الخريجين)، حيث برز الترهل في بعض تخصصات العلوم الإنسانية، والإجتماعية، بمقابل النقص الحاد في التخصصات العلمية، والكوادر المهنية. كذلك في إطار نفس التخصصات (علم الاجتماع مثلاً)، بمقابل شحة التخصصات (الخدمة الاجتماعية وعلم النفس) التي يحتاجها المجتمع فعلياً.

رابعاً: عملت الإدارة المركزية على تدني واقع جامعتنا في سلم التصنيفات العالمية للجامعات.

خامساً: من سلبيات الإدارة المركزية للتعليم العالي في العراق أيضاً، هو فرض امتحان دور ثالث للطلبة الراسبين، إضافة إلى استثناءات تعيين، ومنح امتيازات الاستثناء من القبول الجامعي أو منح درجات إضافية إلى بعض الفئات مثل (أبناء الشهداء أو ذويهم). وهذه قد أثرت على نوعية وجودة التعليم العالي ومصداقيته وهيبته إلى حدٍ ما في الداخل والخارج.

سادساً: بطبيعة الحال يتأثر واقع النشر العلمي، والدوريات العلمية التابعة للمؤسسات العلمية التعليمية العراقية سلباً، نتيجة العمل بطريقة التعيين والإدارة المركزية.

في هذه الورقة سنعمل على تسليط الضوء بشكل أكبر على مفارقة الإدارة المركزية والانسياق في (ريعية الدولة)، التي تعتمدها وزارة التعليم العالي في العراق، عوضاً عن منح نوع من اللامركزية في تعيين الأساتذة، والمدراء، ومحرري المجلات العلمية، وقبول الطلبة، وتحديد المقررات الدراسية. هذا من جانب، ومن جانب آخر، إقرار الخصخصة أو نوعٍ منها لمؤسسات التعليم العالي، من أجل عمل أكثر جدية وابتعاداً عن (الإتكالية) على الدولة. وسنعطي مجالاً للمقارنة بين الأنظمة، والتجارب المتطورة في العالم كما هو الحال في المملكة المتحدة على سبيل المثال.

لقراءة المزيد اضغط هنا