لجين البلداوي: محاضرة عراقية تركز في التعددية الثقافية والمصالحة الوطنية وصنع السلام.

مع ازدياد حالات التطبيع بين الدول العربية في المنطقة وإسرائيل، يرغب العديد من اليهود من أصول عراقية باستعادة جنسيتهم العراقية.

بينما تشهد المنطقة موجة جديدة من التطبيع مع إسرائيل، يبحث يهود العراق عن فرصة لزيارة وطنهم الأم، بعد أن تمكن الإسرائيليون الآن من زيارة الإمارات العربية المتحدة[1].

تقول المحللة السياسية اليهودية من أصول عراقية ليندا مينوهين عبد العزيز التي غادرت العراق عام 1971 في مقطع فيديو نشرته على صفحتها على فيسبوك: “احتفلنا بأولى رحلة جوية من تل أبيب إلى أبو ظبي. نحن ننتظر بشغف الوقت الذي يمكننا فيه السفر من تل أبيب إلى بغداد، ونرحب بكم أيضاً هنا في إسرائيل”[2]. وبعد قرابة 70 عاماً على تجريدهم من جنسيتهم وطردهم قسراً من وطنهم، لم ينس يهود العراق وطنهم ولا يفوتون فرصة للمطالبة باستعادة الجنسية العراقية[3].

وكتب نائب رئيس مجلس النواب لليهود البريطانيين ونائب الرئيس السابق للمؤتمر اليهودي الأوروبي إدوين شكر في رسالة يوم 19 آب موجهة إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي: “عشية اجتماعاتكم مع الإدارة الأمريكية في واشنطن، أرجو أن تسمحوا لي أن أعرض عليكم هذا الطلب، مع الأمل الصادق في أن تتخذوا موقفاً شجاعاً لضمان تحقيق العدالة للمجتمع اليهودي العراقي الذي عانى عقوداً من الزمن”.

يبلغ عدد الجالية اليهودية العراقية حوالي 150 ألفاً في العام 1947[4]، وخلص إحصاء أُجري في أوائل القرن العشرين إلى أن 40% من إجمالي سكان العاصمة بغداد كانوا من اليهود[5]. وبعد تجريدهم من جنسيتهم وترحيلهم قسراً، كان الخيار الوحيد للغالبية العظمى من اليهود العراقيين هو الهجرة إلى الأراضي المحتلة.

اليوم، يبلغ عدد اليهود من أصل عراقي في إسرائيل -المعروفين أيضاً باسم بافليم (العبرية للبابليين)- ما يقرب من نصف مليون. وأتيحت الفرصة لعدد قليل منهم للاستقرار في أوروبا وأمريكا الشمالية. ويعد شكر من بين هؤلاء القلائل، الذي بقيت عائلته في العراق حتى صيف عام 1971 ومنحت لاحقاً حق اللجوء إلى المملكة المتحدة، حيث تعيش منذ ذلك الحين.

قال شكر للكاظمي في رسالته: “نشعر أن الوقت قد حان لوضع حد لسياسة الإقصاء على أساس العرق أو الدين”. وزار شكر العراق عدة مرات وذهب إلى بغداد والموصل وحتى مدينة النجف الشيعية المقدسة، وزار عدة أماكن مقدسة يهودية في أجزاء مختلفة من العراق من الشمال إلى أقصى الجنوب، وأنتج فيلماً بعنوان “تذكروا بغداد”[6] عن آخر يهود العراق، ويحكي الفلم قصة وطنهم.

سألت المونيتور شكر عن نية المطالبة باستعادة جنسيته، ورد قائلاً: “ولدت في بغداد في 23 تموز عام 1955 لأبوين عراقيين، ويعيش أجدادي على هذه الأرض منذ عام 586 قبل الميلاد، إن حقي في الجنسية يضمنه الدستور العراقي”.

بعد الإطاحة بحزب البعث في العراق عام 2003، عُدّل قانون الجنسية العراقي في عام 2006، وينص القانون الجديد على حق استعادة الجنسية للعراقيين الذين فقدوا جنسيتهم نتيجة عوامل سياسية، أو عرقية، أو طائفية. لكن المادة 17/2 من هذا القانون تستبعد صراحة اليهود من هذا الإجراء. وقال شكر: “لا يمكن للعراق أن يبدأ في بناء مجتمع مدني يتمتع المواطن فيه بحقوقه حتى يتصالح مع الظلم الذي يتعرض له كثير من مكوناته بما في ذلك اليهود، وحان الوقت لبدء هذه العملية”. وتعتقد مينوهين أن المطالبة بالحق في المواطنة هي “مسألة أخلاقية” لليهود. وهم لا يفكرون في العودة إلى العراق، ولاسيما في هذه الظروف الحرجة، لكنهم يرغبون في الحفاظ على اتصال ببلدهم. واضافت: “اُستبعد اليهود من العودة إلى العراق، على الرغم من أنهم كانوا السكان الأصليين لبلاد ما بين النهرين ولديهم تأريخ يعود إلى 2600 عام، وقد شاركوا في بناء العراق في جميع الفترات ولاسيما في العصر الحديث”.

افتتحت إسرائيل سفارة افتراضية في العراق عام 2018[7]، وجذبت آلاف العراقيين على الفيسبوك[8].

وأشارت مينوهين إلى أن “استعادة الجنسية لليهود العراقيين تساهم في غرس التعددية الثقافية في العراق وتعزيز العدالة. وللسبب المذكور، يدفع المجتمع المدني العراقي في الواقع نحو هذا الهدف أكثر بكثير من يهود العراق أنفسهم”. وفي السياق نفسه، قال شكر للكاظمي: “الفرصة متاحة أمام سعادتكم لعكس سياسة الإقصاء والبدء بعصر بناء الجسور وإنهاء مظالم الماضي والتواصل مع العراقيين في الشتات الذين سيرحبون بفرصة المساعدة في إعادة بناء البلد”. وتحدث الكاظمي عن تحويل العراق من ساحة معركة إلى ساحة سلام وتعاون[9]، مسلطاً الضوء بنحو متكرر على هذا الهدف.

وعلى الرغم من معاناة الجالية اليهودية العراقية خلال رحلتهم المؤلمة من العراق إلى إسرائيل وأماكن أخرى[10]، لكن تمكن الكثير منهم من الحفاظ على لغتهم العربية وثقافتهم العراقية. وقال الكاتب اليهودي العراقي ديفيد باسون: ما يزال لدى يهود العراق شعور قوي بالانتماء إلى البلد الذي وُلدوا فيه هم وآباؤهم وأجدادهم. نحن جيل منقرض؛ لذا لا علاقة لأبنائنا وأحفادنا بالعراق، ونحاول تذكيرهم بأننا من العراق، ولولا بابل لما كان هناك شعب يهودي أو ديانة يهودية”.

ويوضح شكر أنه لا توجد أجندة سياسية وراء مطالب استعادة الجنسية: “العراق بالنسبة لي وطن وتراث وهوية لأنني من نسل شعب عاش في بلاد ما بين النهرين لأكثر من 2600 عام”، ويضف شكر: “أريد أن أكون قادراً على نقل هذا النسب وهذا الإرث إلى أطفالي؛ لأنه حقهم وجزء من هويتهم”. يريد اليهود العراقيون ببساطة الحفاظ على ارتباطهم بجذورهم الثقافية، بحسب ما تراه مينوهين، التي تعتقد أن هناك العديد من الفوائد للعراق إذا ما استعاد اليهود جنسيتهم.

كان يهود العراق مجتمعاً قوياً في مجالات الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا؛ وبالتالي يمكنهم المشاركة في إعادة إعمار العراق. وفضلاً عن ذلك، هناك العديد من المواقع الدينية والمعالم التأريخية التي يمكن أن تجعل العراق وجهة مرغوبة للسياحة الدينية والثقافية.

وقال شكر للكاظمي في رسالته: “يجب الحفاظ على التراث التأريخي والثقافي والاعتزاز به كرمز للحضارات المجيدة لهذه الأرض وهي هوية بلاد ما بين النهرين. منذ عام 2003، تمت سرقة ونهب التراث الديني ليهود العراق وممتلكاتهم، وأبرز مثال على ذلك هو ضريح النبي حزقيال في الكفل”. وقال شكر لـلمونيتور على اليهود أن يتمكنوا من زيارة أضرحة أنبيائهم ومقابرهم ومعالمهم التأريخية بغض النظر عن مكانة العلاقة بين العراق وإسرائيل. واختتم حديثه قائلاً: “لا ينبغي أن يتحول الخلاف السياسي إلى نزاع ديني”.


المصدر:

https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/09/iraq-jewish-israel-citizenship.html


[1] http://www.facebook.com/210288219549415/posts/730349777543254/

[2] https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2019/12/israel-arab-countries-iran-iraq-jews-property-refugees.html

[3] https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2019/02/iraq-jewish-minorities-israel.html

[4] http://www.reuters.com/article/us-israel-independence-iraq-jews/with-jews-largely-gone-from-iraq-memories-survive-in-israel-idUSKBN1HP1ID

[5] http://users.ox.ac.uk/~metheses/Alexander.pdf

[6] http://rememberbaghdad.com/the-film

[7] http://mfa.gov.il/MFAAR/TheGovernment/Pages/Israel-Iraq.aspx

[8] https://www.facebook.com/IsraelinIraqi/

[9] http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/iraq-iran-us-saudi.html

[10] https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/02/iraq-israel-jewish-protests-peace.html