سيد سلمان صفوي، رئيس المركز الدولي لدراسات السلام–IPSC.

المقدمة:

إن رغبة إيران والصين لتكوين علاقة استراتيجية بينهما لمدة 25 عاماً باتت علنية في الآونة الأخيرة، إذ إنها إلى جانب المحادثات الإيرانية الروسية للاتفاق على العلاقة الاستراتيجية الجديدة، والتفاعلات الاقتصادية بين إيران والهند، تدلّ على التحوّل الحاصل في السياسة الخارجية الإيرانية نحو الشرق بنحو عام، وتجاه آسيا بنحو خاص. يلخّص هذا المقال السبب التأريخي الذي يكمن وراء تحول سياسة إيران الخارجية نحو آسيا. ولكي نصل إلى فهم أفضل للتحول الحاصل في سياسة إيران الخارجية نحو آسيا، من الضروري أن نلقي لمحة موجزة عن سياسة إيران الخارجية من العهد الصفوي حتى الوقت الحاضر.

الدولة الصفوية (1501-1736م):

لقد تأسست العلاقات الإيرانية-الأوروبية خلال العهد الصفوي على يد الشاه إسماعيل الصفوي وبلغت ذروتها في عهد الشاه عباس، وكان الطرفان بحاجة إلى بعضهما البعض من أجل مواجهة سلطة الحكومة العثمانية، وتوازن القوى في العلاقات الدولية. وخلال هذه الفترة، أقيمت علاقات بناءة وإيجابية بين إيران وبريطانيا، بحيث يمكن اعتبارها الفترة الذهبية للعلاقات الإيرانية-البريطانية.

وخلال هذه الفترة، تعاونت إيران وبريطانيا بنجاح لطرد البرتغاليين من ميناء جمبرون (بندر عباس) وقام الأخوان شيرلي بإنشاء المدفعية للجيش الإيراني؛ وقد أدى تعاونهما إلى كبح جماح الاستعمار البرتغالي، وطرد البرتغاليين من الخليج، والحد من تطور القوة العثمانية وتوسعها في أوروبا. وخلال العهد الصفوي، كانت الإمبراطورية العثمانية والأوزبك أعظم الأعداء الأجانب لإيران.

الدولة القاجارية (1789-1925م):

لقد حكمت الدولة القاجارية إيران من عام 1789 حتى 1925، بأسوأ فترة في تأريخ إيران المعاصر.

بدأت فترة من العلاقات الظالمة بين أوروبا وإيران خلال العهد القاجاري، إذ كانت لديهم علاقات استعمارية مع إيران، وفصلت بريطانيا وروسيا أجزاء كبيرة من إيران. وخلال الحرب العالمية الأولى -وعلى الرغم من حياد إيران- إلّا أن الجيوش الروسية والبريطانية احتلت أجزاء من الأراضي الإيرانية. وأدت المجاعة الكبرى (1917-1919م) والأمراض المتفشية الناجمة عن سياستهم العدوانية إلى وفاة نحو مليوني إيراني. (Abrahamian, A History of Modern Iran, 2008, p. 196) وكانت العلاقات التداخلية للقوى الاستعمارية الثلاث، روسيا وبريطانيا وفرنسا في العهد القاجاري، طبعت صورة سلبية لأوروبا في أذهان الإيرانيين.

العهد البهلوي:

أقامت بريطانيا والولايات المتحدة علاقات غير عادلة مع إيران خلال العهد البهلوي منذ عام 1925 حتى عام 1978، وأصبحت الولايات المتحدة على وجه الخصوص، المستعمر الرئيس لإيران عام 1963 (عند بداية الثورة البيضاء التي نفذت من قبل الشاه بأوامر أمريكية).

وفي الحالات التي أرادت فيها الحكومة الإيرانية مواجهتهما، حصل العكس وواجه البلدان إيران. لقد أطاحت الحكومة البريطانية برضا شاه من السلطة.  وخلال الحرب العالمية الثانية، احتلت الجيوش السوفيتية والبريطانية والأمريكية إيران. وقتل مئات الآلاف من الإيرانيين خلال هذه الفترة بسبب المجاعة. وقامت الحكومتان البريطانية والأمريكية بانقلاب ضد محمد مصدق في عام (1953) وعزلته من منصب رئيس الوزراء. وفصلوا البحرين عن إيران خلال هذه الفترة بدعم بريطاني عام (1970)، وهو حدث مرير جداً للإيرانيين.

الثورة الإسلامية (1979):

لقد غيّرت الثورة الإسلامية في إيران، الدبلوماسية الايرانية والعلاقات الخارجية والسياسة الخارجية بالكامل. وأعلنت إيران أنها تنتهج سياسة لا شرقية ولا غربية. فهي لا تريد غزو بلد ما، وأنها لا تقبل نفوذ الدول الأجنبية وهيمنتها على مصير الأمة الإيرانية. لقد كانت الولايات المتحدة الخاسر الأكبر في الثورة الإيرانية. لأنه تم اخراجها من إيران، وفقدت السوق الإيرانية أيضاً، وأن إيران أعلنت معارضتها للهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط منذ البداية.

يمكن تقسيم فترة الأربعين عاماً من الحكم لجمهورية إيران الإسلامية إلى الفترات التالية من حيث السياسة الخارجية:

فترة الحرب العراقية-الإيرانية:

خلال الحرب المفروضة التي قادها نظام صدام الديكتاتوري ضد الأمة والأراضي الإيرانية منذ عام 1980حتى عام 1988، دعمت كل القوى الكبرى في العالم تقريباً جيش صدام، باستثناء الصين واليابان. واستشهد أكثر من مئتي ألف إيراني بأسلحة سوفيتية وغربية متطورة في هذه الحرب، ودُمرت ما يعادل مليارات الدولارات من البنية التحتية الاقتصادية لإيران. وكان لهذه الفترة تأثير مهم على عقلية الإيرانيين، واستنتجوا بأنه عليهم أن يكونوا مكتفين ذاتياً من الناحية العسكرية، وأن الأنظمة الغربية والعربية الرجعية تنوي إضعاف إيران. وخلال هذه الفترة، باعت كوريا الشمالية والصين فقط أسلحة لإيران من أجل توفير احتياجاتها الدفاعية. وقد باعت اليابان سيارات تويوتا والقوارب السريعة.

فترة حكم الرئيس رفسنجاني حتى حسن روحاني: جهود الدولة الإيرانية لنزع فتيل التوترات مع الولايات المتحدة:

لقد أثر انهيار الاتحاد السوفيتي في 26 كانون الأول 1991 على توازن القوى في العلاقات الدولية.

مع رحیل السيد الخميني في العام 1989 وتولي آية الله رفسنجاني منصب رئاسة الجمهورية، حاولت الحكومات الإيرانية المتعاقبة تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا منذ عام 1989 حتى 2017، وانتهجت سياسة نزع فتيل التوترات، خاصة في فترة رئاسة رفسنجاني والسيد محمد خاتمي.

تعاونت إيران مع الأمريكيين للإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان. وفي المقابل، وصف جورج دبليو بوش إيران بأنها جزء من “محور الشر”. وتم فرض عقوبات مشددة ضد إيران بذريعة السياسة النووية خلال ولاية باراك أوباما، ولكن بعد مفاوضات مطولة، تم التوقيع على اتفاق نووي مع الولايات المتحدة وأوروبا خلال فترة رئاسة حسن روحاني في عام 2015. لقد أوفت إيران بجميع التزاماتها النووية، لكن الغربيين لم يفوا بجميع التزاماتهم.

فترة رئاسة ترامب حتى الآن:

 لقد كان انسحاب ترامب عن الاتفاق النووي في 8 أيار 2018 بمنزلة الطلقة المميتة والقاتلة في جسد فكرة التفاؤل بشأن إمكانية إقامة علاقة طويلة الأمد مع الحكومة الأمريكية. وأعاد ترامب فرض عقوبات شديدة على إيران على الرغم من الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس الأمريكي السابق.

 لقد أدى سراب العلاقة المتوازنة بين الولايات المتحدة وإيران وعدم قدرة أوروبا على الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي مع إيران، ولاسيما في مجال العلاقات الاقتصادية، إلى تحول إيران في سياستها الخارجية نحو شرق آسيا. وإن مهندس هذا التحول في السياسة الخارجية الإيرانية هو آية الله خامنئي.

الخاتمة:

إن تحول سياسة إيران الخارجية نحو آسيا هو النتيجة المريرة للعلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية غير المواتية للدول الغربية مع إيران على مدى المئتي سنة الماضية. من الطبيعي أن يتم إبرام أي اتفاقيات جديدة مع الصين وروسيا والهند على وفق الدروس المستقاة من الاتفاق النووي وسجلات الأداء للدول المذكورة آنفاً. ولاسيما أنه يجب تحديد كيفية تغريمهم إذا لم يفوا بالتزاماتهم، وكيف يؤثر عدم الامتثال لأحد الالتزامات على البنود الأخرى للاتفاق.

المصدر:

 المركز الدولي لدراسات السلام–IPSC