تُقى عبد الرحيم: باحثة وناشطة مدنية.

يعاني المجتمع العراقي منذ عقود من الزمن بتعدد حالات العنف واتساعه عموماً حتى أصبحنا نشاهدها داخل الأسرة العراقية بين الزوجين، فمرة الزوج يعنف زوجته، ومرة تعنف الزوجة زوجها بمختلف أنواع التعنيف ما بين قتل، وحرق، وشنق، وضرب، وتعنيف لفظي، أو جنسي، أو التهديد بالأطفال، وحتى بعض الحالات وصلت إلى الابتزاز ببعض القضايا الخاصة ما بين الزوجين؛ وقد أخذت دائرة العنف تتسع فتصل إلى تعنيف الأب أو الأم للأطفال حتى الموت بأقسى أنواع التعذيب الجسدي أو بين الأبناء والآباء والإخوة والأخوات، أو الأقارب بمختلف أنواع القسوة، مع انعدام الرادع الإنساني والأخلاقي، وغياب دور الرقابة المجتمعية والقانونية، وعدم أخذ الإجراءات اللازمة قانونياً للحد من هذا الصراع.

يحلل بعضهم أتساع دائرة العنف عبر ربطها بعدة أسباب متراكمة في مجتمعنا، وأصبحت تزداد بمرور الأيام بنحو تصاعدي ملحوظ، فهناك من يشير إلى تراجع الوعي المجتمعي وانعدام التعليم والفقر والحروب والاقتتال، والبطالة، والزواج المبكر، وكثرة الإنجاب، والالتزام بكثرة مشاغل الحياة اليومية، وانقياد العقل الرجعي ببعض من العادات والتقاليد الخاطئة الدخيلة على مجتمعنا وتصدر البعض بالسيطرة العاطفية بالترويج ببعض التفسيرات الدينية الخاطئة التي تخدم المصالح الشخصية لمروجيها ولاسيما على الفئات البسيطة في المجتمع، لكن كل ذلك غير مبرر لهذا الكم الهائل من العنف؛ لأن الأسرة هي الأمان ومصدر الرحمة وأساس الثبات للتماسك المجتمعي. إن منظمات المجتمع المدني والمبادرات الإنسانية والعديد من الناشطين المدنيين يعملون لسنوات وبكل جهد ويخاطرون بأمنهم الشخصي من أجل التوعية والتثقيف لأهمية إلزام المجتمع بقانون يحمي الأسرة جميعها من أب، وأم، وأطفال، وأخ، وأخت، وأقارب، وما إلى ذلك.

نلاحظ اتساع دائرة العنف بنحو كبير ولاسيما بعد أزمة كورونا والحجر الصحي الملزم ببقاء الجميع بالبقاء في المنزل؛ حتى صدّق مجلس الوزراء على قانون الحماية من العنف الأسري وأرسله إلى مجلس النواب لتمريره؛ لنجد جزءاً من المجتمع يرفضه جملةً وتفصيلاً على الرغم من محاولات الجزء الثاني المؤيد للقانون بإقناع المعترضين على التصويت بأن يتم الاعتراض على الفقرات وليس القانون بالمجمل، لكننا نجد رفضاً قاطعاً من قبلهم لهذا القانون، حتى سمّاه بعضهم (قانون التفكك الأسري)، أو (قانون خراب الأسرة)، والعديد من المسميات الأخرى التي تسيء للقانون، ولكل من يعمل جاهداً على تحقيقه، والأهم من ذلك كله تطبيقه بكل فقراته بعد التشريع.

وبحسب مصدر من وزارة الداخلية العراقية فإن إحصائية قضايا العنف الأسري بالعراق خلال ستة أشهر من 1-1-2020 إلى 30-6-2020 بلغت أكثر من 5 آلاف حالة، توزعت كالآتي:

  • أوامر القبض 367.
  • اعتداء الزوج على الزوجة 3637.
  • اعتداء الزوجة على الزوج 453.
  • اعتداء بين الإخوة والأخوات 402.
  • اعتداء الآباء على الأبناء 183.
  • اعتداء الأبناء على الآباء 617.

والنتائج كانت:

  • 43 محكوماً.
  • 345 مفرجاً عنهم.
  • 374 رهن التحقيق.

وفي نيسان الماضي، طالبت ممثلات المرأة العراقية في البرلمان والحكومة، في بيان مشترك، بالإسراع بسن قانون يجرم العنف الأسري بعد استشراء الظاهرة مع فرض قيود في البلاد لاحتواء فيروس كورونا.

وجاءت المطالبة آنذاك بعد يوم واحد على وفاة “ملاك الزبيدي” التي أضرمت النار بجسدها في محافظة النجف جنوب العراق جرّاء تعرضها لعنف أسري من قبل زوجها وعائلته، وأثارت قضية “ملاك الزبيدي” ردود أفعال محلية ودولية إذ طالبت بعثة الأمم المتحدة وسفراء دول أوروبية العراق بمحاسبة المتورطين بالعنف الأسري، في وقت تعهدت بغداد بملاحقة المتهمين بقضية “الزبيدي”.

ففي الفصل الأول من المادة 2 يهدف قانون الحماية من العنف الأسري إلى:

1- الوقاية من العنف الأسري ومناهضته والحد من انتشاره وتنمية ثقافة الأشخاص لمواجهته.

2- تحديد أفعال العنف الأسري وحماية ضحاياه.

3- وضع التدابير الكفيلة لمواجهة العنف الأسري واحترام الكرامة الإنسانية.

4- وضع اليات لمساعدة ضحايا جريمة العنف الأسري وتأهيل كل من الضحية ومرتكب العنف.

 فجميع مواد هذا القانون أُخضعت سابقاً للدراسة، وكيفية تطبيقها بما يتناسب والمجتمع؛ لتتولى الجهة صاحبة الطلب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بموجب كتابها ذي العدد: م-ق-2-14861، والمؤرخ في 9-10-2019؛ لغرض حماية الأسرة والمجتمع من آثار العنف الأسري، وبغية الحد من الجرائم التي تقع عليه، وتأهيل ضحاياه وردع المتسبب فيه وتماشياً مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها جمهورية العراق.

وكان رأي الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء مؤيداً لإدراج الموضوع في جدول أعمال مجلس الوزراء بموجب مذكرتها ذات العدد: م.ق-2-2-بلا، والموقعة في 11-7-2020.

لتكون صيغة القرار: الموافقة على مشروع قانون الحماية من العنف الأسري الذي دققه مجلس الدولة وإحالته الى مجلس النواب استناداً إلى أحكام المادتين 61 البند أولاً، و80 البند ثانياً من الدستور العراقي مع الأخذ بالحسبان رأي الأمانة العامة لمجلس الوزراء المثبت بموجب مذكرة الدائرة القانونية ذات العدد: م.ق-2-2-بلا، والموقعة في 11-7-2020 .

فمشروع قانون الحماية من العنف الأسري على طاولة التصويت وكلنا أمل بحصوله على أكثر الأصوات لتشريعه وتطبيقه بأسرع وقت ممكن؛ كونه سيكون الغطاء القانوني للجميع، لفرض مبدأ العدالة الإنسانية التي تساعد بزيادة التماسك المجتمعي؛ ولأنه سيوفر الحماية لكل ضحية، والقصاص لكل جان.