مريم شكراني، تجارت نيوز الإيراني

ما الإشارات التنبؤية الصادرة عن المؤشرات الاقتصادية؟

كيف تظهر المؤشرات الاقتصادية السابقة لإيران وقدرة اقتصاد البلاد على المقاومة؟ هل سيكون الاقتصاد الإيراني خلال عام 2020 في وضع مماثل للعام الماضي؟

هناك عقوبات متتالية تُفرض على الاقتصاد الإيراني، والآن أصبح النمو الاقتصادي أقل من المستوى الذي كان عليه في المدة التي فرضت فيها العقوبات الأولية في عهد محمود أحمدي نجاد. ويحدث هذا في حين أنه لا توجد أي فكرة دقيقة عن مصير السياسة الخارجية الإيرانية ومستقبل الوضع الاقتصادي للبلاد. ومع ذلك، فقد مر الاقتصاد الإيراني في العقود الأربعة الماضية بسنوات من الحرب، فضلاً عن العقوبات، وربما من مراجعة هذه الأحداث، يمكننا الوصول إلى تحليل أفضل فيما يخص مستقبل الاقتصاد الإيراني.

الاقتصاد الإيراني في زمن عقوبات الأمم المتحدة

يرى الكثيرون أن التوترات السياسية كان لها تأثير مباشر على الاقتصاد الإيراني. لقد كان هذا التأثير شديداً في بعض الأحيان لدرجة أن المسؤولين الإيرانيين أشاروا إليه على أنه حرب اقتصادية. وشهدت إيران نمواً اقتصادياً سلبياً بنسبة 5/9 في المئة في عام 2019، على وفق صندوق النقد الدولي، فهذا الحجم للتراجع في الاقتصاد الإيراني أكبر مما كان عليه حينما أصدرت الأمم المتحدة قراراً ضد إيران.

لقد سجلت إيران نمواً اقتصادياً سلبياً بنسبة 7/7 في المئة في أشد الظروف خطورة في ظل العقوبات التي فُرضت على البلاد في عهد محمود أحمدي نجاد. ومع ذلك، فقد شهد اقتصاد البلاد زمناً أشد سوءاً خلال العقود الأربعة الماضية، وحدث أسوأ نمو اقتصادي في إيران خلال الحرب المفروضة، والذي أُعلن عنه بنسبة 1/15 في المئة. يبدو أن العقوبات كان لها التأثير السلبي الأكبر على الاقتصاد الإيراني ومعيشة الشعب بعد الحرب العراقية الإيرانية.

تمكنت إيران من التوصل إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو لعام 2015، وذلك بعد 20 شهراً من المفاوضات المطولة مع الولايات المتحدة وخمس دول أخرى. في الواقع، بدأت المفاوضات الرسمية حول خطة عمل مشتركة شاملة بشأن برنامج إيران النووي بقبول اتفاقية جنيف المؤقتة بشأن برنامج إيران النووي في تشرين الثاني 2013، وشغلت هذه المفاوضات إيران والولايات المتحدة والصين وألمانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا لمدة 20 شهراً. لقد وضع حسن روحاني هذه المفاوضات على جدول أعماله بعد وقت قصير من توليه منصب رئاسة الجمهورية. وعندما تولى روحاني منصبه، كان معدل التضخم 1/32 بالمئة، بحسب مركز الإحصاء الإيراني، حيث كان النمو الاقتصادي في إيران سلبياً 3/0 في المئة ومعدل البطالة بنسبة 4/10 في المئة خلال ذلك العام.

وبطبيعة الحال، لقد كانت هذه الأرقام تصحيحاً لوضع كانت إيران تواجه فيه أصعب العقوبات على الإطلاق. وفي عام 2012، كان معدل النمو الاقتصادي في إيران سلبياً بنسبة 7/7 في المئة وكانت التقارير تشير إلى أن التضخم وصل إلى 5/31 في المئة. وفي العام نفسه، أعلن مركز الإحصاء الإيراني أن معدل البطالة وصل إلى2/12 في المئة. وتُظهر نظرة على حالة المؤشرات الاقتصادية في عامي 2012 و2013 أنه مع وصول الرئيس حسن روحاني إلى السلطة، ونهجه السياسي المتمثل في دفع إيران نحو المفاوضات، تحسنت المؤشرات الاقتصادية في عام 2013. وفي عام 2014 -حينما كان وزير الخارجية محمد جواد ظريف وفريقه يمضون أيامهم في القيام بزيارات عديدة إلى أوروبا والجلوس إلى طاولة المفاوضات- كانت المؤشرات الاقتصادية ما تزال في تحسن، وقد سجلت البلاد هذا العام نمواً اقتصادياً إيجابياً بلغ 2/3 في المئة، وانخفض التضخم بمقدار النصف تقريباً؛ أي ما يعادل 8/14 بالمئة. وكان هذا في وقت بلغ فيه معدل البطالة 6/10 في المئة. وجاءت أخيراً المفاوضات المطولة لتؤتي ثمارها في عام 2015.

على الرغم من أن إطالة أمد المفاوضات كان له تأثير على اقتصاد البلاد، وأن الشكوك بشأن نتائج المفاوضات خلقت بعض عدم اليقين للجهات الصناعية والنشطاء الاقتصاديين، لقد أظهرت هذه الشكوك تأثيرها في شكل نمو اقتصادي سلبي بنسبة 6/1 في المئة، وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل البطالة 4/0 في المئة ليصل إلى 11 في المئة. ومع ذلك، استمر التضخم في الانخفاض، ليقف عند نسبة 3/11 في المئة.

عمر الاتفاق النووي القصير والتقلبات الاقتصادية الحادة

لقد تزامن التوقيع على الاتفاق النووي مع تهافت الوفود التجارية الأجنبية إلى إيران، وفي ذلك الوقت، أخبرت الفنادق الدولية في طهران وسائل الإعلام أن غرفها قد تم حجزها حتى نهاية العام (2015)، وتم التوقيع على العديد من الاتفاقيات التجارية مع إيران. وبلغ معدل النمو الاقتصادي في هذا العام نسبة 5/12 في المئة. على الرغم من أنه في العام التالي، أي في عام 2016، اتزن رقم النمو الاقتصادي بنسبة 7/3 في المئة، لكن التضخم استمر في الانخفاض، حيث تراجع إلى 2/8 في المئة في عام 2017. لقد كان هذا أدنى معدل تضخم في العقد الماضي من عام 2007 إلى 2017. هذه المؤشرات لم تغير معدل البطالة كثيراً، لأن عملية خلق فرص العمل تتطلب المزيد من الوقت ولا يمكنها التكيف بسرعة مع المؤشرات الاقتصادية الأخرى.

لقد كان عام 2017 عام ارتباك للاقتصاد الإيراني وتوقف خلاله الاستثمار الأجنبي ولم يكن لدى الشركات المحلية رؤية واضحة للتخطيط، ولهذا السبب، نما الاقتصاد ببطء وأصبح سلبياً أيضاً. وفي هذا العام، تم الإعلان عن نمو سلبي بنسبة 8/4 في المئة للاقتصاد الإيراني.

ومع ذلك، فإن الاتفاق النووي لم يعش طويلاً، ومع وداع أوباما للبيت الأبيض وانتخاب الرئيس دونالد ترامب، تغيرت السياسة الخارجية الأمريكية بنحو كبير، إذ لم تسلم إيران من هذا التغيير في الاتجاه.

إلى أين يتجه الاقتصاد الإيراني؟

بدأت التلويحات بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في أيلول 2017، ومنذ تشرين الأول من ذلك العام، أُدرجت بجدية على أجندة إدارة ترامب. وفي هذا العام، كان المستثمرون الأجانب الذين قاموا بتوقيع عقود واتفاقيات مع إيران إثر الاتفاق النووي، أصبحت لديهم شكوك جدية بشأن بدء العمل التجاري وأرجأوا باستمرار الوفاء بالتزاماتهم، للتأكد بطريقة أو بأخرى من مصير استثماراتهم في إيران. من ناحية أخرى، ركز ترامب على الصين كمنافس جدي للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، وكان الإيرانيون يشككون في شدة تحركات الرئيس الأمريكي بشأن الاتفاق النووي، ولعل هذا هو السبب في أننا نرى أن معدل التضخم في السوق المحلية الإيرانية ما يزال في انخفاض، ومع ذلك، لقد كان عام 2017 عاماً من الارتباك والحيرة للاقتصاد الإيراني، بحيث توقف خلاله الاستثمار الأجنبي ولم يكن لدى الشركات المحلية رؤية واضحة للتخطيط؛ ولهذا السبب، نما الاقتصاد ببطء وأصبح سلبياً أيضاً، وفي هذا العام، أُعلن عن نمو سلبي بنسبة 8/4 في المئة للاقتصاد الإيراني.

وأخيراً، في 8 أيار 2018، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام كاميرات القنوات العالمية إن الاتفاق النووي يعدّ اتفاقاً مخزياً للولايات المتحدة، وينسحب منه رسمياً. لقد أوضح هذا الحدث الأوضاع بالنسبة للاقتصاد الإيراني وأعقبته سلسلة من العقوبات ضد إيران. وفي عام 2018، عندما تركت إيران أحد أسوأ الأرقام خلال العقود الأربعة الماضية، حيث بلغ نموها الاقتصادي السلبي نسبة 5/9 في المئة، أعلن المركز الإحصائي الإيراني عن معدل بطالة يبلغ 12 في المئة ومعدل تضخم قدره 9/26 في المئة. وأصبح الوضع أكثر توتراً في عام 2019، بل أدى إلى مواجهة سطحية بين إيران والولايات المتحدة، ووصل معدل التضخم إلى 40 في المئة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الجهاز الدبلوماسي الإيراني الذي يشكك في إعادة انتخاب دونالد ترامب في تشرين الثاني 2020، اتخذ نهجاً انكماشياً، وأصبح من غير الواضح إلى أين ستقود المعادلات السياسية الأمريكية وقرارات المسؤولين الإيرانيين الاقتصاد الإيراني.


المصدر:

موقع تجارت نيوز    https://b2n.ir/267928