موقع تجارت نيوز الايراني

ماذا نعرف عن اتفاقية إيران والصين؟

بدأ الحديث عن تفاهم إيران والصين منذ 27 حزيران 2020، حينما قال محمود أحمدي نجاد في خطاب له: إن “الحكومة الإيرانية بصدد إبرام اتفاقية سرية لمدة خمسة وعشرين عاماً مع حكومة أجنبية، وأي اتفاق يُبرم سرياً دون أخذ رغبة الشعب الإيراني وإرادته بالحسبان، ولا يراعي مصالح الدولة والشعب، هو اتفاق غير شرعي ولن يعترف به الشعب الإيراني”.

أثارت تصريحات أحمدي نجاد هذه موجة من التساؤلات حول تفاهم إيران والصين، وأفضت إلى نشر العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل التلغرام والانستغرام والتويتر وغيرها، وجميعها تتحدث عن مسألة إرسال الصين خمسة آلاف جندي إلى ايران، وقيام الصين بشراء النفط الإيراني بسعر زهيد، وسيطرتها على جزيرة كيش و… لكن ما حقيقة تفاهم إيران والصين؟

ما العائد الذي ستحصل عليه إيران وأي فائدة ستعود على الصين؟ ما تأثير الاتفاق على اقتصاد إيران، واقتصاد الصين؟

سنسلط الضوء في هذه المقالة على اتفاقية إيران والصين وسنتناول بالبحث جوانب هذا الاتفاق الاقتصادية وتأثيره على الاقتصاد الإيراني.

جرى طرح اتفاق “التعاون الاستراتيجي بين ايران والصين لمدة خمسة وعشرون عاماً” لأول مرة قبل خمسة أعوام عندما التقى آية الله السيد علي الخامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ. وكان هذا اللقاء قد جرى قبل أحد عشر يوماً من إبرام الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 بتأريخ 14 تموز 2015.

من أين يبدأ تفاهم إيران والصين؟

كتبت وكالة “تابناك” الإخبارية يوم 23 / 6 / 2020 في هذا الشأن: “بحثت الحكومة يوم الإثنين خلال اجتماع ترأسه الرئيس الإيراني حسن روحاني البرنامج النهائي لمشروع التعاون الشامل بين ايران والصين لمدة خمسة وعشرين عاماً وأقرته، خلال هذا الاجتماع تم تكليف وزارة الخارجية بإجراء المفاوضات النهائية مع الجانب الصيني على أساس المصالح المتبادلة الطويلة الأمد وإبرام هذا الاتفاق بين الجانبين.

جرى طرح اتفاق “التعاون الاستراتيجي بين ايران والصين لمدة خمسة وعشرون عاماً” لأول مرة قبل خمسة أعوام عندما التقى آية الله السيد علي الخامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيراني رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ. وجرى هذا اللقاء قبل أحد عشر يوماً من إبرام الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 بتاريخ 14 تموز 2015.

نشر نص الاتفاق

نشر نص الاتفاق الشامل للتعاون الاستراتيجي بين ايران والصين قبل أربعة أعوام ونصف على الموقع الإلكتروني الرسمي للرئيس الإيراني باللغة الإنكليزية، جاء تاريخ نشر نص الاتفاق يوم 23 كانون الأول عام 2016 بعد ستة أشهر تقريباً من زيارة الرئيس الصيني إلى ايران، ولم يذكر في هذا النص أعداد وأرقام وتفاصيل هذا الاتفاق، واُكتفي بنشر النقاط الرئيسة العامة.

تفاهم إيران والصين أو اتفاقية إيران والصين

كما يتضح من خلال العنوان ومن نص الاتفاق المنشور من قبل الحكومة الإيرانية، أن الاتفاق بين إيران والصين هو “تفاهم” وليس “اتفاقية”.

في الحقيقة تحدث التفاهمات قبل إبرامها وتوقيع الاتفاقيات، في التفاهم يوافق الجانبان على مسائل التعاون الكلية بينهما ويدونون مقترحات وتوصيات في نص التفاهم؛ وعليه التفاهم لا يتضمن إلزامية تنفيذه.

الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الإيراني حسن روحاني

ويصبح التفاهم ساري المفعول عندما يُبرم الاتفاقية بين الجانبين، في الواقع، المرحلة التي تلي التفاهم تتمثل في إجراء المفاوضات وإبرام الاتفاقية. فيما يتعلق بإيران والصين فما حدث مجرد تفاهم، وحتى اللحظة لم تُبرم اتفاقية بين الجانبين تلزم إيران بإنجاز أمر ما.

نقاط بشأن اتفاقية ايران والصين نقلاً عن مصادر غير رسمية

نشرت مجلة بتروليوم إيكونيميست بتأريخ 3 أيلول 2019 تقريراً تناولت فيه تفاصيل اتفاق التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة خمسة وعشرون عاماً، حيث زعمت في تقريرها أن الصين خلال هذه الاتفاقية ستقوم باستثمار 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز الإيراني و120 مليار دولار في قطاع النقل الإيراني، في المقابل تحظى الشركات الصينية بالأولوية في تنفيذ المشاريع، وسوف يُرسل خمسة آلاف جندي صيني إلى ايران بهدف تأمين الحماية للمشاريع. هذه الأرقام التي تتضمنها اتفاقية إيران والصين نُشرت بالاستناد إلى مصادر غير رسمية، وحتى اللحظة لم تُوكد من قبل الحكومتين الإيرانية والصينية.

لماذا الأرقام مهمة؟

لا يشاهد في نص الاتفاقية أثر لأي عدد أو رقم، لأنه الاتفاقية لم تبرم حتى اللحظة، اتفاق ايران والصين يتضمن مجرد بنود كلية ولا يحتوي أي أعداد أو أرقام وتفاصيل حتى يمكن إصدار حكم بشأنه وإبداي الرأي حوله.

في الوقت الراهن لم يتم إبرام اتفاقية بين الجانبين حتى الآن حتى تلتزم ايران والصين بتعهدات حيالها وتصبحان ملزمتين بتنفيذها وإجرائها. هذه الوثيقة مجرد إطار عام يحدد مجالات التعاون، ويمكن الاطلاع على الأعداد والأرقام بعد أن تتحول الوثيقة إلى مشاريع واضحة يتم الاتفاق عليها بين الهيئات ومختلف المؤسسات الإيرانية مع المؤسسات والهيئات الصينية؛ لذلك في ظروف لا توجد فيها مشاريع فعلية، لا يمكن الاعتداد بحتمية الأعداد والأرقام والركون إليها.

تأثير العقوبات الأمريكية على تنفيذ الاتفاق بين إيران والصين

يطرح بحث مسألة تفاهم التعاون الشامل بين ايران والصين بالتزامن مع الاتفاق النووي الإيراني “برجام”، لا تبدو واضحاً مسألة انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني وعودتها إلى فرض عقوبات سنة 2018، فهل سيكون لها تأثير على اتفاقية التفاهم هذه أو لا. قبل انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني، كان أمام ايران والصين فرصة امتدت لثلاث سنوات حتى ينهيان إعداد وثيقة التعاون التي تمتد لخمسة وعشرين عاماً، لكن على أي حال لا يمكن اعتبار العقوبات الأمريكية غير مؤثرة على التعاون الاقتصادي بين ايران والصين.

لكن بعد فرض العقوبات الولايات المتحدة الأحادية الجانب، خرجت كبرى شركات الاستثمار الصينية من إيران أيضاً، حيث أعلنت إيران رسمياً يوم 6 / 10/ 2019 أن شركة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي) أعلنت انسحابها من تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي للغاز، بعد مرور عام عزت الشركة الصينية سبب انسحابها من الاستثمار في حقل بارس الجنوبي للغاز إلى العقوبات، قبل ذلك كان شركة توتال الفرنسية أعلنت انسحابها أيضاً من الائتلاف التجاري الإيراني الفرنسي الصيني في المرحلة 11 من تطوير حقل بارس الجنوبي للغاز.

ومع ذلك قبل خمسة أعوام، شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال لقائه المرشد الإيراني قائلاً: “كما وقفنا إلى جانب إيران خلال مرحلة العقوبات، نحن مستعدون لتعزيز تعاوننا في مختلف المجالات بعد رفع العقوبات”.

مبادرة حزام واحد وطريق واحد واتفاق ايران والصين

مشروع طريق الحرير الجديد أو مبادرة الحزام والطريق الذي طرحته الصين عام 2013، هو مشروع استثماري في البنى التحتية الاقتصادية لأكثر من 60 دولة في العالم وتنمية الطريقين التجاريان “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير”، و”طريق الحرير البحري”.

تقوم ركيزة هذا المبادرة على القوة الصناعية للاقتصاد الصيني وقدرته الاستثمارية. بإمكان هذه المبادرة إلى جانب القوة العسكرية الصينية أن تفرض هيمنة هذه الدولة على آسيا الشرقية، وفي نهاية المطاف يمكن أن تقود الصين لتغدو القوة الأولى في الاقتصاد العالمي من خلال تفوقها على الطرق التجارية البرية والمائية في أوراسيا.

يعتقد الداعمون لهذه المبادرة أنها تشكل طريقاً لإحداث ثغرة في البنى التحتية للدول النامية والدول في طور التنمية، ومساعدة هذا الدول في تحقيق النمو الاقتصادي وازدهار التجارة الدولية. بينما اعتبرها المعارضين لهذه المبادرة مشروعاً استعمارياً، فالكثير من الدول المستهدفة لا تمتلك إمكانية دفع ديونها، وأن اتفاقياتها غير شفافة.

وضعت الصين نصب أعينها استثمار 900 مليار دولار في البني التحتية الاقتصادية لدول العالم بهدف نشر العولمة وتنمية الأسواق، وهذا المشروع يعد أكبر مشروع استثماري حتى الآن يتم طرحه من قبل دولة.

قمة طريق الحرير الجديد أو اجتماع الحزام والطريق، اجتماع امتد على مدار يومين استضافته العاصمة بكين خلال 14و15 مايو أيار 2017 تحت عنوان “محورية الصين” وحضره أبرز المسؤولين من مئة دولة في العالم. خلال هذا الاجتماع طالب الرئيس الصيني شي جين بينغ الدول برفض سياسة الحماية (الحمائية) وقبول مسير العولمة. في الختام وقع حشد من الزعماء الحاضرين في القمة اتفاقية طريق الحرير الجديد.

 

خارطة تبين مبادرة الحزام والطريق الصيني 

إيران بوابة نفوذ الصين إلى أسواق أوروبا

نشرت مجلة بتروليوم إيكونيميست نقلاً عن مصادر أرقاماً غير موجودة في نص الاتفاق بين ايران والصين، لکن لم يؤكد أي مصدر رسمي في الحكومة الإيرانية صحة هذه الأرقام.

يتمثل أحد الجوانب الإيجابية لهذا الاتفاق للصين في تماس هذه الدولة المباشر واللصيق في تنمية البنى التحتية الحيوية في إيران في سياق مبادرة الحزام والطريق الصينية.

صرح مصدر إيراني مطلع لمجلة بتروليوم إيكونيميست أن الصين تطمح لاستخدام اليد العاملة الإيرانية الرخيصة من أجل بناء وتصميم والإشراف على كبريات شركات الإنتاج الصينية.

وقيل حول تنمية البنى التحتية لقطاع النقل الذي تعتبر من البنود الرئيسية للاتفاقية المبرمة بين ايران والصين لمدة خمسة وعشرون عاماً، أنه ينبغي أن تتدفق المنتجات النهائية إلى أسواق الغرب، وطريق الوصول إلى هذه الأسواق يمر من الطرق التي تنشئها الصين أو تنشأ جراء التدخل الصيني المتصاعد في البنى التحتية لقطاع النقل الإيراني.

وفي هذا التقرير أُشير إلى مشروع خط السكك الحديدة البالغ طولها 900 كيلومتر من وسط طهران وصولاً إلى شمال شرق مشهد، وقيل في هذا الصدد أنه من المقرر إحداث قطار سريع بين طهران ومدينة قم وأصفهان؛ مما يعد الأرضية أيضاً لاتصال هذا الخط بشبكة الشمال إلى الغرب التي تعد من مدينة تبريز.

یتموضع في مدينة تبريز الكثير من المواقع النفطية الهامة، والغازية والبتروكيميائية، ومن المقرر أن تشهد نقطة انطلاق خط أنابيب غاز تبريز- أنقرة انعطافة في طريق 2300 كيلو متر طريق الحرير بين “أورومتشي” (مركز ولاية شين جيانغ الغربية في الصين) وتتحول إلى طهران، هذه الطرق تصل كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان بإيران وتصل إلى أوروبا عن طريق تركيا.

يتعيّن على الصين للوصول إلى أسواق أوروبا الشرقية وروسيا العبور من إيران، في الواقع، تعتبر ايران أهم جزء في مبادرة الحزام والطريق وبوابة لنفوذ الصين إلى أسواق أوروبا الشرقية وروسيا.

في الوقت الراهن أمام الصين خمسة وعشرون عاماً من التعاون مع إيران في مختلف المجالات، ودون أدنى شك الامتيازات الممنوحة من إيران إلى الصين في هذه الاتفاقية تعزز مكانة تواجد الصين في ايران، ولن ترغم الصين على التراجع خوفاً من العقوبات الأمريكية.

ما الفوائد التي تحصل عليها إيران من هذا الاتفاق؟

تتمتع الاتفاقية الاستراتيجية لمدة خمسة وعشرين عاماً بين إيران والصين، بثلاث مزايا لإيران: أولاً: تعدُّ الصين من الدول الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وتتمتع بحق الفيتو، روسيا هي الدولة الأخرى التي تمتلك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي أيضاً حيث أنه تم تخصيص حصة لروسيا في هذا الاتفاق أيضاً؛ وعليه ستكسب إيران إلى جانبها عبر إبرام هذا الاتفاق عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي يملكان حق النقض الفيتو.

ثانياً: إبرام الاتفاقية لمدة خمسة وعشرين عاماً مع الصين، سيتيح لإيران في نهاية المطاف أن تزيد من مستوى إنتاجها من النفط والغاز في ثلاثة حقول نفط رئيسية في البلاد. حيث وافقت الصين على تسريع وتيرة العمل في تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي للغاز. وأضافت شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) عندما غادرت شركة توتال الفرنسية إيران جراء العقوبات المفروضة عليها، 30% إلى أسهمها في مشروع تطوير حل بارس الجنوبي للغاز من أسهم شركة توتال البالغة 50.1% 0.

يتحقق العائد النهائي لإيران من إبرام الاتفاق مع الصين لمدة خمسة وعشرين عاماً في حال قبلت الصين زيادة وارداتها من النفط الإيراني. حث أشار مصدر صحفي في موقع بتروليوم إيكونيميست إلى الإحصائيات الرقمية الأخرى الناجمة عن هذا الاتفاق والتي تشمل تخزين براميل نفط أكثر على متن السفن في أطراف الصين دون الحاجة إلى تخزينها في الجمارك، وهذا الأمر يحول دون عرض إحصائياتها في البيانات الجمركية. لكن في الحقيقة ستشكل قسماً من احتياطات النفط الصينية الاستراتيجية.

في الوقت الراهن أمام الصين خمسة وعشرون عاماً من التعاون مع ايران في مختلف المجالات، ودون أدنى شك الامتيازات الممنوحة من ايران إلى الصين في هذه الاتفاقية تعزز مكانة وجود الصين في ايران، ولن ترغم الصين على التراجع خوفاً من العقوبات الأمريكية.


المصدر:

 موقع تجارت نيوز  https://b2n.ir/308926