قديماً قالوا إن المياه سر الحياة، وبالفعل ما تزال المياه تمثل الثقل الأعظم والتأثير الأبرز في متغيّرات العلاقات الدولية، فلا يمكن -بأي حال من الأحوال- تجاوز التأثير المحتمل لمتغيّر المياه في العلاقات القائمة بين الدول ولاسيما تلك التي تشترك في الأنهار التي يطلق عليها تسمية (الأنهار الدولية)، فتكون تلك الأنهار مدعاة لإثارة القلق بينها؛ لعوامل مهمة تؤثر مباشرة على مسارات علاقاتها الدولية؛ لحجم تأثيراتها على مختلف فعالياتها السياسية، والاقتصادية، والأمنية، وغيرها، وهو ما يحدث الآن في حوض نهر النيل وتأثيرات سد النهضة الإثيوبي على الأمن القومي المصري؛ نتيجة قرار إثيوبيا ببناء السد على مجرى نهر النيل، وتسبب بأزمة بينها، وبين مصر والسودان.

وكما هو معلوم أن دولتي مصر والسودان تعدُّ دول مصبّ بينما تعدُّ إثيوبيا دولة المنبع وتريد أن تتحكم بمياه نهر النيل دون أي اعتبار للاتفاقيات السابقة الموقعة من قبل حكوماتها المتعاقبة التي اشترطت إعلام دولتي المصب بأي تغيّرات على نهر النيل، فقضية المياه للمصريين تعد مسألة وجودية تتعلق بوجودهم منذ القدم، فهناك مقولة للمؤرخ الإغريقي هيرودوت يصف فيها ارتباط النيل بحياة المصريين بقوله: (مصر هبة النيل)؛ لذا تعد قضية المياه حالياً من القضايا المعقدة في عالم اليوم لتداخل مصالح الدول وتشابكها، إذ من طريقها تتخذ الدول مواقف سياسية واقتصادية تؤثر في سياسات دول ومصالح أخرى، وتؤثر قضايا المياه على الدول بتداعياتها وآثارها السلبية، فبناء السدود على مصاب الأنهار في دول المنبع يعني استخدام تلك الدولة ورقة ضغط سياسية إزاء دول المصب، فضلاً عن التدخلات الإقليمية والدولية التي تدعم دولة ضد أخرى؛ مما يزيد من تعقد حلول الأزمة وكما هو الحاصل في قضية سد النهضة، ومن هذا المنطلق تعد مسألة بناء السد من الموضوعات ذات التأثير المباشر على الأمن القومي المصري، إذ تعاني دول حوض نهر النيل من مخاطر مستقبلية حول كمية المياه الواصلة إليها ولاسيما دولتي المصب (مصر، والسودان)، وذلك إثر بناء السدود، وإن أي تغيير في حجم تدفق المياه في الدول الواقعة جنوب مصر قد يغيّر من طبيعة مجرى النيل ويهدد حاجتها المتصاعدة للمياه وتلبية متطلبات التنمية الزراعية والصناعية فيها لمواجهة مشكلة استيرادها لما يزيد عن 70% من حاجتها الغذائية، وتمثل مياه نهر النيل بحدود 97% من الموارد المائية لمصر، وهي مصدر أساس ورئيس لوجودها والحفاظ على بقائها، إذ إن معظم الدول المتشاطئة في حوض نهر النيل تمتلك بحيرات عذبة، وتتسم بهطول الأمطار وهذا يعني اكتفاءها مائياً وسد احتياجات سكانها على العكس من مصر التي تعاني من قلة الأمطار، وتبلغ حصتها 5.55 مليار متر مكعب، وتقدر أراضيها المزروعة حوالي 3.6 مليون فدان، وهي بطبيعة الحال غير كافية لسد الاحتياجات الحقيقية لسكانها، ولأجل المحافظة على نصيب الفرد من المياه عالمياً، تحتاج مصر إلى 77 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل أي بحدود 22 مليار متر مكعب كعجز مائي.

لقراءة المزيد اضغط هنا