د. هند جمعة علي – تدريسية في معهد الإدارة في الرصافة
مقدمة
تُعدُّ منطقة غرب إفريقيا والساحل ساحة للتنافس على النفوذ والهيمنة بين روسيا وفرنسا، وذلك في ضوء عديد من المقومات والمحددات الخاصة بأهمية المنطقة الإستراتيجية وبعض القضايا المحورية مثل: الأمن، والإرهاب، والهجرة، والتنمية، والاستثمارات التي يشكِّل التفاعل معها منطلقاً مهماً للحصول على موطئ قدم في المنطقة، وما عزَّز ذلك اتهام الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) لروسيا، في عام 2020، باتباع إستراتيجية تهدف إلى تأجيج المشاعر المعادية لفرنسا في القارة الإفريقية. إذ أخذت منطقة الساحل تشهد تنافساً من جانب الطرفين، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية؛ بهدف تحقيق موطئ قدم لها في المنطقة الغنية بالموارد، والثروات الطبيعية؛ ممَّا يجعلها هدفاً جاذباً لاهتمام عديد من القوى الدولية مستقبلاً.
وقد اكتسبت القارة الإفريقية ودولها المختلفة اهتماماً خاصاً من جانب القوى الدولية في أعقاب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، إذ بدا أنَّ القوى الدولية ساعية إلى نقل جزء من صراعها للسيطرة على النظام الدولي إلى القارة الإفريقية، ففضلاً عن محاولات هذه القوى تعويض الخسائر التي منيت بها من جراء الحرب الروسية-الأوكرانية، والعقوبات المفروضة على روسيا، وخصوصاً فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، فقد نظرت هذه القوى إلى التقارب مع دول القارة بوصفها إحدى أدوات الانتصار في هذا الصراع. وبعد مرور عام من الحرب الروسية-الأوكرانية.
 تدهورت العلاقات تدهوراً مطرداً بين الدولة الروسية والدول الغربية منذ عام 2014، وخصوصاً بين روسيا وفرنسا اللتين كانت علاقاتها تشهد بالفعل تقلبات وانعطافات في القضية الليبية، وإنَّ الرغبة الروسية في استثمار مساحة مرتبطة بقوة بفرنسا تبرز هذا التنافس، ويؤدِّي هذا إلى صراع حقيقي على النفوذ بين البلدين في منطقة هي إستراتيجية بصورة خاصة لهما. إذن يبرز التساؤل الآتي: إلى أيِّ مدًى؟ وبأيِّ وسيلة ترسخ روسيا نفوذها في مساحة تتمتع فيها فرنسا بنفوذ تاريخي؟ وللإجابة على التساؤل في أعلاه من المهم التطرُّق إلى ما تتمتَّع به هذه المنطقة من أهمية إستراتيجية تؤهِّلها لتكون محل صراع وتنازع بين القوى الدولية في محاور عديدة، وهي على النحو الآتي:
المحور الأول: أهمية منطقة غرب إفريقيا والساحل الإفريقي
تنبع الأهمية الجيوسياسية لإفريقيا؛ لموقعها الإستراتيجي الذي يُعدُّ ممراً مهماً في طرق المواصلات العالمية، وسيطرتها على أهم الأذرع المائية من وجهة الملاحة الدولية، وبما تملكه من ثروات وموارد طبيعية، لا سيَّما منطقة غرب إفريقيا، لكن بسبب نقص الإمكانيات المادية والفنية والتكنولوجية والكوادر البشرية للدول الإفريقية، وتنامي أطماع الدول العظمى، وتقاطع مصالحها ونفوذها، تعاني المنطقة من استقطاب حادٍّ متعدد الأطراف، وتحول الإقليم إلى مسرح لحالة من الصراع الدولي المحموم لأكثر من قرنين من الزمن، وحديثاً تصادم النفوذ الأميركي والأوروبي، وتنامي النفوذ الصيني والروسي واستفحالهما، كما أنَّنا لا نغفل الوجود والنفوذ التركي الذي كان له وجود تاريخي في المنطقة منذ عهد الدولة العثمانية منذ قرون، وشرع في إيجاد موطئ قدم له بحثاً عن مصالح ونفوذ جديد له فيها.
يمتد الساحل الإفريقي ليشمل كامل المسافة من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، وتمثِّل هذه المنطقة نطاقاً جغرافياً، ومنفعاً اقتصادياً وعسکرياً محط تنافس لعديد من الفواعل الدولية والأطماع الخارجية، وذلك عن طريق استغلال ما تعانيه المنطقة من تحديات أمنية؛ نتيجة استشراء الاضطرابات، وحالة عدم الاستقرار فيها؛ ونظراً للأهمية الاقتصادية والإستراتيجية التي تتمتع بها غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، فإنَّها تُعدُّ منفذاً بحرياً مهماً بوصفها أحد الممرات النفطية على المستوى العالمي؛ إذ تُعدُّ البوابة المركزية لناقلات النفط، ومعبر وشريان رئيس للتجارة الدولية؛ نتيجة امتداد معابرها المائية، کما تُعدُّ ممراً للتحرکات الأمنية لبعض القوى الكبرى المتجهة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، ومنبع ثرواتي ضخم يجعلها أحد أبرز المناطق أهمية على مستوى العالم.

لقراءة المزيد اضغط هنا