المظاهرات في محافظة البصرة في صيف عام 2018

سجاد جياد، باحث ومحلل سياسي – بغداد.

في نهاية عام 2019 -ومع استمرار الاحتجاجات في الضغط على النخب السياسية في بغداد- كانت الأمور تسير كالمعتاد في البصرة، وعلى الرغم من المظاهرات، والاعتصامات، وقطع الطرق المؤدية إلى العديد من حقول النفط وميناء أم قصر[1]، لم يكن هناك تأثير كبير على قطاع النفط العراقي. في الواقع، خلال عام 2019، بلغت صادرات نفط البصرة حوالي 98% من عائدات الحكومة الاتحادية بمتوسط ​​شهري يبلغ حوالي 6.5 مليار دولار. وكما يظهر الرسم البياني رقم (1)، سجلت الحكومة في بغداد عائدات تتراوح بين 6 مليارات دولار و8 مليارات دولار شهرياً خلال العامين الماضيين، بنحو حصري -تقريباً- من صادرات نفط البصرة.

الرسم البياني رقم (1) صادرات وإيرادات النفط العراقي كمتوسطات شهرية من كانون الثاني 2015 إلى تشرين الثاني 2019[2].

مع توليد محافظة البصرة لمليارات الدولارات للبلاد، فإن السخرية من انتشار الفقر ونقص الخدمات الأساسية في المنطقة لم تكن غائبة عن سكان المحافظة. قبل أشهر من اندلاع الاحتجاجات في صيف عام 2018، كان الناس يشكون من إهمال الحكومة الاتحادية لمجموعة من القضايا من توفير الوظائف إلى تقديم الخدمات وفرض الأمن[3]. وبمجرد انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش في كانون الأول عام 2017، كان المواطنون في البصرة حريصين على الإشارة إلى أن نفط محافظتهم أبقى العراق على قدميه، لكنهم لم يروا بعد أي فوائد منه. على هذا النحو، عندما بدأت الاحتجاجات في صيف عام 2018 وخريف عام 2019، استهدفت حقول النفط والبنى التحتية نفسها التي تولد مليارات الدولارات شهرياً لإبقاء الحكومة واقفة على قدميها. وعلى الرغم من تهديدات الإرهاب والتوترات الإقليمية، فإن البصرة هي التي ستحدد مصير العراق، والمتظاهرون يعرفون ذلك جيداً.

إن المشكلات التي تواجه البصرة ليست جديدة، إذ ابتليت المحافظة بالعديد منها منذ عام 2003 [4]. من بعض النواحي، تمثل قضايا البصرة البلد ككل، لكن حقيقة أن نفطها هو شريان الحياة للاقتصاد الوطني الذي منع الانهيار التام. يتمثل جزء من المشكلة في الديناميكية الاتحادية المحلية التي لم تساعد في إيجاد حل للفساد باعتماد الشفافية والمساءلة [5]. من الناحية النظرية، فإن الحكومة المحلية في البصرة مسؤولة عن تقديم الخدمات، واستثمار الموازنة، وتوفير الأمن.

كان للدفع نحو اللامركزية في السلطة الإدارية دعماً دولياً، لكنه يأتي أيضاً مع خطر تفاقم قضايا الحكم [6] إذا كان الإعداد غير كاف. سرّعت حكومة العبادي من الاتجاه نحو اللامركزية، لكن النتائج حتى الآن كانت مخيبة للآمال [7]. ويبدو أن حكومة عبد المهدي قد خفقت في هذا المجال، ولاسيما مع الاحتجاجات الأخيرة والضغوط التي أدت إلى تعليق عمل مجالس المحافظات [8].

حينما تشترك الحكومات الاتحادية والمحلية في المسؤوليات، يتضرر السكان المحليين بالدرجة الأولى من المشكلات بين الحكومتين. في شهر آب عام 2018، أُدخل أكثر من 100 ألف شخص إلى المستشفيات في البصرة بسبب مياه الشرب الملوثة [9]. ويشترك في مشروع تحسين المياه والصرف الصحي في البصرة نحو 8 وزارات وإدارات اتحادية، إلى جانب 6 مديريات محلية ومكتب المحافظ. وحينما تحدث المشكلات، من غير الواضح من هو المسؤول عنها، وعلى الرغم من تخصيص مليارات الدولارات وإنفاقها على تقديم الخدمة، إلا أن عدم الكفاءة في العمل أمر واضح جداً [10]. في هذه الحالة، لم تساعد اللامركزية على حل المشكلة، وربما جعلت الأمور أسوأ، وهذا هو السبب وراء مطالبة العديد من المتظاهرين بإلغاء مجالس المحافظات، مطالبين على ما يبدو بالمزيد من المركزية.

إن إعادة الثقة ليس بالأمر السهل، ومن المحتمل أن تستمر الاحتجاجات في البصرة والعراق ككل لبعض الوقت. ومع ذلك، هناك حلول يمكن لواضعي السياسات والجهات الفاعلة المؤثرة اتباعها للتخفيف من حدة الوضع على المدى البعيد، منها:

أولاً: يجب صياغة قانون انتخابي جديد يقسم العراق إلى دوائر انتخابية يُنتحب فيها نواب وأعضاء مجالس المحافظات على المستوى المحلي لتمثيل مناطقهم بنحو أفضل.

ثانياً: يجب إجراء انتخابات المحافظات في أقرب وقت بعد ذلك لتشكيل حكومة محلية جديدة ومواءمة السياسات المحلية بنحو أفضل مع التغييرات الوطنية (أجريت انتخابات المحافظات الأخيرة في عام 2013، وأجريت انتخابات مجالس النواب مرتين منذ ذلك الحين وتغيرت الخريطة السياسية الوطنية كثيراً، لكن هذا لم ينعكس على المستوى المحلي).

ثالثاً: يجب أن يسمح القانون الانتخابي الجديد بانتخاب المحافظ بنحو مباشر من قبل المواطنين لتكون المساءلة أكثر وضوحاً.

سيتمكن المواطنون حينئذ من الضغط على الحكومة المحلية لتحسين تقديم الخدمات، واستثمار الموازنات بنحو فعال، وتقليل الفساد، مع مكافأة الأداء الجيد بإعادة الانتخاب وعقاب الأداء السيّئ عبر ترك المنصب. وبمجرد مساءلة السياسيين على مستوى المحافظة، سيضطرون للعمل على تحسين الظروف أو مواجهة خطر فقدان مناصبهم. في الوقت الحالي لا يوجد مثل هذا الضغط، والإطار المتشابك للامركزية يعني أن المواطنين غير متأكدين من المسؤول. ودون إيجاد مثل هذا الإصلاح على المستوى السياسي، لن تكون هناك طريقة لإعادة ثقة المواطنين بالنظام الديمقراطي في البصرة وبقية العراق.

ويمثل النمو السكاني أحد التحديات المهمة، إذ يقدر عدد سكان محافظة البصرة بأكثر من 5 ملايين نسمة، ويقيم ما لا يقل عن 4 ملايين شخص في مدينة البصرة [11] (من المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع). يتجاوز معدل النمو السكاني الرقم الوطني الذي تبلغ نسبته 2% الذي توقعته وزارة التخطيط، وقد أدت الآثار الضارة للتغيّر البيئي إلى الهجرة السريعة من الريف إلى الحضر، وتضخم مناطق الإسكان العشوائي والمدن العشوائية. إن الزيادة الهائلة في الطلب على الماء والكهرباء، فضلاً عن الخدمات الأخرى مثل الصحة والتعليم، وخلق فرص العمل، وتحقيق نمو اقتصادي محلي أمر لا يمكن الإيفاء به بنحوٍ كافٍ في أي مكان.

إن آثار جائحة فيروس كورونا على العراق بنحو عام والبصرة بنحو خاص غير واضحة حتى الآن. ومن المتوقع أن يؤدي هبوط أسعار النفط إلى أزمة اقتصادية ومالية حادة مع وجود فراغ سياسي في القيادة، بسبب الفشل في تشكيل حكومة جديدة في بغداد منذ شهر كانون الأول من عام 2019. ولا تبشر التوترات الأمنية المتزايدة بوضع أفضل على المدى القصير، ومن المحتمل أن تشهد أشهر الصيف مزيداً من النقص في إمدادات الكهرباء والمياه؛ مما سيؤدي إلى اندلاع مظاهرات كبيرة من قبل السكان الغاضبين في البصرة.

وبينما ينتظر سكان البصرة الإصلاحات التي تحسن الحكم، سيستمر انتزاع ذهبهم الأسود دون تحقيق أي تقدم ملحوظ في الخدمات المقدمة لهم، إذا لم تتحقق التحسينات الملموسة في الحياة اليومية للناس بالسرعة الكافية، فقد يقرر السكان اتخاذ مظاهر احتجاج أكثر تطرفاً؛ مما يعيق قدرة بغداد على دفع الرواتب، ويجبر المزيد من الأشخاص على الخروج إلى الشوارع.


المصدر:

https://blogs.lse.ac.uk/mec/2020/04/02/failure-of-governance-in-basra-puts-all-of-iraq-at-risk/

[1]https://www.iraqoilreport.com/news/as-protesters-call-for-general-strike-oil-disruptions-loom-42254/

[2]-https://www.iraqoilreport.com/news/iraq-oil-exports-reverse-two-month-decline-42275/

[3]-https://www.wsj.com/articles/after-defeating-islamic-state-iraqs-shiites-turn-ire-toward-government-1520856000

[4]-https://www.cfr.org/backgrounder/challenge-iraqs-other-cities-basra

[5]-https://blogs.lse.ac.uk/mec/2018/03/11/functioning-federalism-in-iraq-a-critical-perspective

[6]http://documents.worldbank.org/curated/en/583111468043159983/pdf/Iraq-Decentralization-JIT-Assessment-Report-March-2016-FINAL.pdf

[7]https://www.mei.edu/sites/default/files/2019-09/Decentralization%20and%20its%20Discontents%20in%20Iraq.pdf

[8]https://blogs.lse.ac.uk/mec/2019/12/02/is-the-decentralisation-process-in-iraq-being-reversed/

[9]https://www.hrw.org/report/2019/07/22/basra-thirsty/iraqs-failure-manage-water-crisis

[10]http://documents.worldbank.org/curated/en/611781468253505876/pdf/Republic-of-Iraq-Public-expenditure-review-toward-more-efficient-spending-for-better-service-delivery.pdf

[11]https://blogs.unicef.org/blog/basra-oil-abundance-little-water-drink/