نعوم ريدان: باحثة تركز على التطورات السياسية والأمنية التي يمكن أن تعطل تدفق النفط في منطقة الشرق الأوسط.

لدى العراق -وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك- مجموعة من التحديات التي ما تزال في تزايد مستمر. وانطلاقاً من الاحتجاجات المعارضة للحكومة والمواجهة المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران، وصولاً إلى تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات على العراق، قد أثار مخاوف كبيرة في الأشهر الأخيرة بشأن انقطاع وصول الإمدادات من جنوب العراق، ومما يزيد الأمر سوءاً هو مواجهة العراق لأزمة تقع خارج حدوده لم يتوقعها أحد، التي يمكن أن تؤثر على مبيعاته للنفط.

في تقريرها الصادر في كانون الثاني 2020، وصفت وكالة الطاقة الدولية (IEA) العراق بأنه “مورد قد يكون معرضاً للخطر”؛ بسبب المخاطر الجيوسياسية، وألقت الوكالة اللوم على التوترات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، والاحتجاجات المناهضة للحكومة. ويعتمد العراق اعتماداً كبيراً على عائدات النفط التي تشكل نحو 90%، وستعاني البلاد بنحوٍ كبير فيما إذا انخفضت صادرات النفط الخام بحدة، ولاسيما مع تقلب أسعار النفط. ومع ذلك، لم تؤد التوترات الإقليمية ولا الاحتجاجات إلى الاضطرابات المتخيلة التي كان يخشاها بعضهم، وبدأت المخاوف بشأن انقطاع تدفق النفط من جنوب العراق في التلاشي تدريجياً في منتصف شهر كانون الثاني.

تفشي فايروس كورونا الذي ضرب الأسواق العالمية 

انتقل التركيز من الاضطرابات المحتملة في إمدادات النفط في الخليج العربي إلى تأثير الفايروس على طلب الصين للنفط. وبصفتها أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، تعد الصين مستهلكاً رئيساً للخام العراقي -النفط الصادر من البصرة على وجه الخصوص-. وعلى وفق موقع (TankerTrackers.com)، فإن أغلبية صادرات العراق من النفط الخام الجنوبي في كانون الأول ذهبت إلى الصين بنسبة 33.40%، والهند بنسبة 28.42%. ويعدّ كل من المملكة العربية السعودية والعراق الموردين الرئيسيين للصين في الخليج العربي. في عام 2019 ذهب معظم النفط الخام عبر مضيق هرمز إلى آسيا، حيث كانت الصين أكبر مستورد بواقع 3.7 مليون برميل يومياً، على وفق بيانات شركة بلومبيرغ.

في أوائل شهر كانون الثاني، أُثيرت أسئلة عن تأثير التطورات الأمنية في العراق على بيع خام البصرة إلى مصافي التكرير الآسيوية، بما في ذلك الصينيون. والسؤال المعاكس الآن هو: إذا لم يتم احتواء تفشي فيروس كورونا قريباً، فكيف سيؤثر انخفاض الطلب الصيني على النفط، مصحوباً بتراجع أسعار النفط، على مورد رئيسي للنفط مثل العراق الذي يعتمد بشدة على مبيعات النفط؟

وفي الواقع فإن ميزانية العراق ستعاني مع توقف الإيرادات، ولن تكون الحكومة قادرة على التملص من التبعات غير السارة التي قد تحدث بعد توقف إيراداتها النفطية.

“مشكلات هيكلية”

قال أحمد الطبقجلي – المحلل المالي وكبير زملاء معهد الدراسات الإقليمية والدولية (IRIS) في السليمانية-: “سيكون هناك عجز في ميزانية العراق المخصص في دفع رواتب موظفيها الحكوميين”. وخلال مقابلة عبر الهاتف، أشار الطبقجلي إلى أن العراق -على مدى السنوات القليلة الماضية- “قام ببناء احتياطاته الأجنبية؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط، لكنه سيحتاج إلى تلك الاحتياطيات (ليس لدفع الرواتب)، بل لأن البلاد تعتمد على استيراد السلع والمنتجات”. فضلاً عن ذلك، لا تمتلك البلاد مخففات الصدمات المالية للتعامل مع تأثير الانخفاض الحاد في الصادرات وكذلك أسعار النفط. في كانون الثاني، انخفضت عائدات النفط الفيدرالية العراقية، وعلى وفق تقرير نفط العراق، انخفضت العائدات بنحو 8% مقارنة بشهر كانون الأول لتستقر عند 6.195 مليار دولار؛ بسبب انخفاض صادرات النفط الخام وانخفاض أسعاره. وكان ذلك قبل أن يتفشى فيروس كورونا في الأسواق العالمية.

لقد سلط الباحثون والمحللون العراقيون الضوء على مشكلة خاصة بكشوفات المرتبات العامة منذ عام 2003، وقد تتسببت هذه المشكلة بضرر كبير للحكومة العراقية ما لم تعالجها سريعاً. يقول علي المولوي -رئيس قسم الأبحاث في مركز البيان للدراسات والتخطيط ومقره بغداد- في ورقة بحثية نشرت العام الماضي أن “أحد الدروس الرئيسية المستفادة من الأزمة المالية التي ظهرت في عام 2014 هو اعتماد العراق على النفط الذي يصاحبه تقلب أسعار النفط يشير إلى أن البلاد لم تعد قادرة على تحمل نفقات الأجور العامة دون توقع عواقب وخيمة”. ويشير المولوي إلى أن تلك العواقب تشمل إخفاقها في تكريس موارد كافية لإعادة بناء البنية التحتية التي تضررت بشدة على مدار سنوات من العنف، والأهم من ذلك، عجز الحكومة عن معالجة الخدمات العامة الحيوية -وهي مشكلة حرجة تفاقم من حدة الاحتجاجات-.

ويبين الطبقجلي أن العراق يعاني من “مشكلة هيكلية” في نظامه السياسي المبني على “المحاصصة” وهو ما يعوق أي جهود جادة لتنفيذ الإصلاحات. وقال الطبقجلي: “هناك إرادة سياسية، لكنها إرادة موجهة نحو الحفاظ على الوضع الراهن، وليس لتغييره”. أدت المشكلة الناجمة عن هذا النظام الراسخ إلى احتجاجات ضخمة تدعو إلى إصلاحه. قيل إن  أكثر من 500 محتج قد قتلوا منذ تشرين الأول 2019.

لن تتحمل الحكومة الفيدرالية في بغداد العبء الأكبر لأزمة الميزانية بمفردها.

تعتمد حكومة إقليم كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي (KRG) في الشمال على مبيعاتها المستقلة من النفط -التي بلغ متوسطها 446 ألف برميل يوميًا في أيلول 2019 على وفق تقرير نفط العراق- وعلى صرف الرواتب العامة الفيدرالية. إذا تعرضت ميزانية بغداد لضربة بسبب الصدمات الحالية في سوق النفط بسبب فيروس كورونا، فإن حكومة إقليم كردستان ستشعر بتداعياتها، ويوضح الطبقجلي طبيعة تلك التداعيات: الأثر المباشر سيتمثل بتراجع إيراداتها النفطية المستقلة، والأثر غير المباشر سيتمثل بانخفاض التحويلات المالية من الحكومة الفدرالية. على سبيل المثال: بمجرد أن يبدأ دخل حكومة إقليم كردستان في التراجع، قد يتسبب ذلك بتأخر المدفوعات لشركات النفط الدولية، وإذا تفاقم الوضع، قد يشمل ذلك الرواتب العامة أيضاً، على وفق ما ذكره الطبقجلي.

الرد العراقي

“إذا استمر فيروس كورونا وأثّر على مستهلكي النفط، فسوف يأتي بالتأكيد بنتائج عكسية؛ لأن معظم النفط العراقي يتم تصديره إلى الشرق”، هذا ما صرحه مسؤول عراقي كبير.

اتخذت السلطات العراقية تدابير لمنع انتشار فيروس كورونا إلى البلاد، وليس هناك تأثير كبير، على الأقل حتى الآن، على مشاريع الطاقة التي تضم شركات صينية. وقال عاصم جهاد المتحدث باسم وزارة النفط العراقية في 6 شباط إن “سير العمل مستمر وليس هناك أي تأثير على العمليات في حقول النفط سواء كانت تلك الخاصة بشركات صينية أو غيرها.”

وفي الوقت نفسه، قال لؤي الخطيب (وزير الكهرباء): “لا يوجد أي تأخير في الوقت الحالي، وكل شيء يسير على الطريق الصحيح” فيما يتعلق بالمشروعات في وزارته.

وأضاف لؤي الخطيب في لقاء في 13 شباط 2020، أن التدابير الحالية هي أننا نريد التأكد من عدم انتقال الفيروس إلى العراق. لقد نصحنا العمال الصينيين في العراق بالبقاء وعدم العودة إلى الصين (في الوقت الحالي)؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك، فسيتعين عليهم (المرور عبر عملية طويلة) لتطهير أنفسهم قبل العودة. كل هذا يؤدي إلى تكاليف إضافية، لوجستيات من شأنها أن تؤخر أي مشاريع نعمل عليها. ويشمل ذلك الشركات الصينية المختلفة في العراق بما في ذلك شركة هندسة الماكينات الصينية (CMEC) التي تشارك في بناء محطة صلاح الدين للطاقة الموجودة في شمال وسط العراق.

تم الترحيب بالزيارة -التي استغرقت خمسة أيام- التي قام بها الوفد العراقي إلى الصين في أيلول الماضي، ووصفت بأنها “تأريخية”، وتشير إلى نمو العلاقات بين البلدين. تُعدّ الصين أكبر شريك تجاري للعراق وتستثمر بكثافة في صناعة الطاقة لديه. في مقابلة مع صحيفة الصباح الحكومية في أيار 2019، قال السفير الصيني في بغداد “تشانغ تاو” إن “حجم الاستثمارات الصينية في العراق كبير جداً، ويتجاوز 20 مليار دولار في قطاع النفط”.

كشفت مجموعة واسعة من العوامل الجيوسياسية عن ضعف الاقتصاد العراقي بشكله الحالي، انطلاقاً من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، والمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، وصولاً إلى فيروس كورونا. وجه كاتب المقال سؤالاً إلى الطبقجلي فيما إذا كان بإمكان الحكومة تنويع اقتصادها عوضاً من الاعتماد على مبيعات النفط. وأجابه: “لا يمكن للحكومة أن تفعل ذلك؛ لأن النظام السياسي لن يستطيع دعمه. وأحد المتطلبات الرئيسة حينما يتعلق الأمر بالقطاع الخاص هو أنه لكي يتم تطويره، يجب أن يكون هناك سيادة للقانون واحتكار السلطة للعنف”. “وهو أمر غير متوافر في العراق”.


المصدر:

http://energyfuse.org/coronavirus-another-factor-exposing-risks-to-iraqs-oil-based-economy