سيمون تيسدال، كاتب مختص بالشؤون الخارجية في صحيفة الغارديان.

يشتعل فتيل الاحتجاجات في العديد من دول العالم، فمن تشيلي وهونغ كونغ إلى لبنان وبرشلونة تجري عملية البحث عن قواسم مشتركة وقضايا جماعية. هل ندخل عصراً جديداً من الثورة العالمية؟ أم إنه من الغباء محاولة ربط الغضب في الهند بارتفاع سعر البصل بالمظاهرات المؤيدة للديمقراطية في روسيا؟

تختلف احتجاجات كل بلد من حيث التفاصيل، لكن يبدو أن الاضطرابات الأخيرة تشترك في عامل رئيس واحد هو: الشباب. ففي معظم الحالات، يحتل الشباب مكان الصدارة في دعوات التغيير، فالانتفاضة التي غيرت بنحو غير متوقع النظام في السودان هذا العام كانت في الأساس شبابية بطبيعتها.

ومع استعداد الشباب في أي عصر لزعزعة النظام القائم، إلا أن الاختلالات الديموغرافية، والاجتماعية، والسياسية الشديدة تكثف الضغوط المفروضة اليوم، إذ يبدو الأمر كما لو أن الصدمات البيئية غير المسبوقة التي يعيشها العالم الطبيعي تقابلها ضغوط استثنائية مماثلة في المجتمع البشري.

تبلغ نسبة الشباب اليوم الذين تقل أعمارهم عن 24 عاماً حوالي 41% من سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليار نسمة، ففي أفريقيا، 41% من السكان دون سن 15 عاماً، وفي آسيا وأمريكا اللاتينية (حيث يعيش 65% من سكان العالم) تبلغ النسبة 25%، أما في البلدان المتقدمة، فتميل النسب إلى الاتجاه الآخر، ففي حين أن 16% من الأوروبيين تقل أعمارهم عن 15 عاماً، إلا أن 18% من السكان تتجاوز أعمارهم 65 عاماً، أي ضعف المتوسط ​​العالمي.

لقد وصل معظم هؤلاء الشباب -أو سيصلون- إلى سن الرشد في عالم خائف من الانهيار المالي الذي حدث في عام 2008، إذ عاش هؤلاء في زمن الركود، ومستويات المعيشة المتدهورة، والبرامج التقشفية، ونتيجة لذلك؛ فإن العديد من الاحتجاجات الحالية تتمحور عن المظالم المشتركة من عدم المساواة الاقتصادية وغياب فرص العمل. ففي تونس -مهد الربيع العربي الفاشل عام 2011-، ومؤخراً في الجزائر، قاد الاحتجاجات في الشوارع شباب عاطلون عن العمل، وطلبة غاضبون من الزيادة في الأسعار، والضرائب، وعدم تنفيذ الوعود الإصلاحية. وواجهت تشيلي والعراق اضطرابات مماثلة الأسبوع الماضي.

تمثل هذه الظاهرة العالمية من تطلعات الشباب تحدياً سياسياً، ففي كل شهر في الهند -مثلاً- يبلغ مليون شخص سن الثامنة عشرة ويمكنهم التسجيل للتصويت بالانتخابات، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سيدخل ما يقدر بنحو 27 مليون شاب سوق العمل في السنوات الخمس المقبلة، وستواجه أي حكومة، منتخبة أو غير منتخبة، لا تتمكن من توفير الوظائف، والأجور اللائقة، والإسكان مشكلة كبيرة. وتمتلك الأجيال الشابة شيئاً آخر يفتقر إليه كبار السن: إنهم متصلون مع بعضهم بعضاً، ويحصلون على التعليم، وهم أكثر صحة، ويبدو أنهم أقل ارتباطاً بالمفاهيم الاجتماعية والدين.

وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود اللغة الإنجليزية كلغة مشتركة، وعولمة الإنترنت، وإضفاء الطابع الديمقراطي على المعلومات، أصبح الشباب من مختلف الخلفيات أكثر انفتاحاً على خيارات الحياة البديلة، وأكثر انسجاماً مع الحقوق والمعايير “العالمية” مثل حرية التعبير، وغير مستعدين لإنكارهم.

تحدث الاضطرابات السياسية الناجمة عن هذا التطور الاجتماعي السريع في كل مكان، وخير مثال على ذلك “ثورة WhatsApp” في لبنان. ومع ذلك، فإن بعض الاحتجاجات، مثل الاحتجاجات في هونغ كونغ وكتالونيا، سياسية بنحو علني منذ البداية.

يواجه شباب هونغ كونغ مشكلات مألوفة من غياب فرص العمل وارتفاع الإيجارات، لكن من خلال مواجهة النظام الاستبدادي الصيني، فقد أخذوا موقع الصدارة في الكفاح ضد حكم “الرجل القوي” الاستبدادي في كل مكان، ولدى حملتهم صدى دولي، وهذا هو السبب الذي يخشاه الرئيس الصيني (شي جين بينغ).

من الصعب مشاهدة المتظاهرين وهم يخاطرون بالتعرض للتعذيب والموت من خلال تحدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وألا يربطوا بين ما يحدث في مصر وهونغ كونغ وكشمير، إذ يسعى الناس إلى التخلص من السلطة التي تفرضها الهند بقيادة (ناريندرا مودي). وحينما يسخر الشبان الفلسطينيون من جيش الدفاع الإسرائيلي بالأعلام والحجارة، أليسوا جزءاً من الكفاح العالمي نفسه من أجل تقرير المصير الديمقراطي، والحريات الأساسية، وحقوق الإنسان التي تبناها سكان موسكو الشبان الذين يعارضون حكم فلاديمير بوتين؟

في بحر الاحتجاج هذا، هناك عامل شائع يتمثل في زيادة استعداد الأنظمة غير الديمقراطية والنخب الحاكمة وطبقة الأثرياء لاستخدام القوة لسحق التهديدات التي يتعرضون لها، في حين يدينون عنف المتظاهرين. وغالباً ما يكون القمع مبرراً باسم محاربة الإرهاب، كما هو الأمر في هونغ كونغ، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وميانمار ونيكاراغوا.

وتتمثل السلبية الأخرى في الاستعداد المتزايد للحكومات المنتخبة ديمقراطياً، ولاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا، للكذب، والتلاعب، والتضليل. وإن انعدام الثقة تجاه السياسيين، وما ينتج عن ذلك من غياب الثقة تجاه الحكومات يمثل أرضية مشتركة للمظاهرات في فرنسا، والمسيرات التشيكية لمكافحة الفساد.

وربما ستدمج هذه الاحتجاجات يوماً ما في ثورة عالمية مشتركة ضد الظلم، وعدم المساواة، والخراب البيئي، والقوى القمعية. وإن الصمت الخانق الذي يخيم على كوريا الشمالية، ومنطقة (شين جيانغ) والتبت في الصين، والأماكن المظلمة والمخفية داخل سوريا، وإريتريا، وإيران، وأذربيجان يمكن أن يُخيم علينا جميعاً، وما يساعد في حمايتنا هو معارضة الشباب الصاخبة المؤكدة للحياة.


المصدر:

https://www.theguardian.com/world/2019/oct/26/young-people-predisposed-shake-up-established-order-protest