مع دخول العراق عاماً مالياً جديداً، ما تزال الموزانة الاتحادية المقترحة للعام2019معلقة في البرلمان مع عدم وجود بوادر تشير إلى اقتراب الوصول إلى اتفاق يضمن تمريرها، ويشير التأخير في تمرير الموازنة إلى التعنت السياسي المتزايد في البرلمان؛ هذا غير ما تواجهه الحكومة من مشكلات في عدم اكتمالها بعد مرور أكثر من عشرة أسابيع على تولي رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي رئاستها، إذ هناك 3 مناصب وزارية شاغرة بما فيها وزارتا الداخلية والدفاع.

بدأت خلافات الموازنة في أوائل شهر تشرين الأول من العام الماضي، حينما عرض رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي مسودة أولية للموازنة من وزارة المالية، وقبل يوم واحد من تولي عبد المهدي المنصب، قُدّم مشروع قانون الموازنة إلى البرلمان، واقترح القانون أن يكون الإنفاق الكلي حوالي132ترليون دينار؛ مما يجعلها ثاني أكبر موازنة في تأريخ البلاد.

حينما اجتمع البرلمان في السادس من تشرين الثاني للعام الماضي لإجراء قراءة أولية لمشروع القانون، بدا واضحاً عدم استعداد أي من الكتل السياسية الرئيسة للمضي قدماً في الموازنة من دون إجراء تعديلات جوهرية عليها، وأبدى الائتلافان البرلمانيان الرئيسان -المهندسان لصعود عبد المهدي إلى السلطة- الفتح وسائرون، تحفظات كبيرة بشأن المسودة، مشيرين إلى ضرورة أن تعكس الموازنة أولويات البلد بدرجة أكبر ولاسيما في مجال الخدمات وخلق الوظائف([1]).

وكحل وسط، وافقت الحكومة على تشكيل لجنة مشتركة رفيعة المستوى تنظر في مطالب الكتل قبل تقديم نسخة معدلة من مشروع قانون الموازنة إلى البرلمان. وبعد ستة أسابيع، أكمل البرلمان القراءة الأولى لمشروع القانون المعدل على الرغم من إدخال تعديلات يسيرة فقط على النسخة الأصلية ([2])، وأضيف مبلغ قدره 835 مليار دينار إلى الإنفاق العام بما في ذلك إضافة زيادات كبيرة لموازنات الحشد الشعبي ووزارتي الصحة والدفاع.

ومن الواضح أن اللجنة المشتركة لم تناقش معظم القضايا التي أثارتها الكتل السياسية؛ لذا أجرت اللجنة المالية البرلمانية مراجعة شاملة لمشروع القانون، وادعت اللجنة أن الموازنة في شكلها الحالي لا تلبي تطلعات الشعب العراقي ([3])، وبعد أربعة أيام، عاود البرلمان عقد جلسة لمناقشة نتائج اللجنة ([4])، وبحسب تقرير اللجنة فمن بين 47 توصية قُدّمت إلى اللجنة المشتركة لم يُدرج سوى 9 منها فقط في مشروع القانون المعدل.

ومن بين الاعتراضات الرئيسة، لاحظت اللجنة عدة أمور: أولاً: إن الموازنة لا تختلف عن الموازنات السابقة في اعتمادها الكبير على عائدات النفط، إذ إن الدخل من المصادر غير النفطية -مثل الضرائب والجمارك- لا يشكل سوى جزء صغير من الموازنة. ثانياً: خُصّصَ الجزء الأكبر من الإنفاق للتكاليف التشغيلية، في حين خُصص أقل من ربع الموازنة الإجمالية للإنفاق الرأسمالي. ثالثاً: أثارت اللجنة مخاوف بشأن حجم العجز وتزايد الديون الخارجية والداخلية، وفيما يخص هذا، أعربت اللجنة عن تحفظاتها بشأن استمرار تمويل الشركات المملوكة للدولة التي لا تدر أرباحاً. رابعاً: دعت اللجنة إلى تخصيص مزيداً من الموارد لإعادة الإعمار والاستثمار في المناطق المحررة من داعش.

الاتجاهات في الموازنة

تضمّ الموازنة المقترحة لعام 2019 زيادة في الإنفاق بنسبة 28% مقارنة بالعام الماضي؛ وفي المقابل، من المتوقع ارتفاع عائدات النفط بنسبة 22% فقط؛ مما يعني أن العجز المتوقع لهذا العام أعلى من ذلك بكثير ([5])، وتمثل عائدات النفط المتوقعة نحو 89% من دخل الحكومة، على أساس أن متوسط ​​سعر البرميل هو 56 دولاراً بمتوسط صادرات قدره 3.88 مليون برميل يومياً. ومع انخفاض أسعار النفط حالياً، حثّ بعض المشرعين الحكومة على تغيير سعر النفط وصولاً إلى 45 دولاراً للبرميل.

ومن المهم أيضاً معالجة الإنفاق الفعلي في ظل تنفيذ الموازنة دون المستوى الأمثل في جميع مؤسسات الدولة. ففي بداية تشرين الثاني الماضي، بلغ الإنفاق الفعلي للنفقات التشغيلية 84%، في حين كان الإنفاق الرأسمالي 61% فقط، وتظهر سجلات وزارة المالية أنه بحلول أيلول عام 2018 حققت الحكومة بالفعل فائضاً في الموازنة قدره 15 مليار دولار؛ ويعزى هذا إلى أن الإيرادات النفطية كانت أعلى من المتوقع، إذ استندت موازنة عام 2018 إلى أن مبيعات النفط المتوقعة ستبلغ 64 مليار دولار، لكن بحلول بداية شهر تشرين الثاني، حقق العراق الفعل هذا الهدف.

الجدول 1: نظرة عامة على الاتجاهات الرئيسة للموازنة. الأرقام (مليار دينار).

  2018 2019 التغيير ٪
مجموع الإنفاق 104,158 133,108 +28%
الإنفاق الرأس مالي 23.7% 24.8% +1.1%
العجز 12,514 27,539 +120%
متوسط صادرات النفط 3.888 مليون برميل يومياً (بسعر 46 دولاراً للبرميل) 3.88 مليون برميل يومياً (بسعر 56 دولاراً للبرميل)
عائدات النفط المتوقعة 77,160 93,741 +22%
الإيرادات غير النفطية 15.2% 11.2% -4%
تعويض الموظف (الرواتب، المعاشات التقاعدية، الضمان الاجتماعي) 54,448 62,524 +15%
العدد الإجمالي للموظفين 2,885,716 2,941,986 +2%

 

ومن بين أكبر المستفيدين من الموازنة هو الحشد الشعبي، الذي نمت موازنته بنسبة 54%، وعلى الرغم من أن عدد عناصره بقي كما هو عند 122 ألفاً، بيدَ أن الزيادة في الموازنة تعكس القرار الصادر العام الماضي الذي يضمن تحقيق التساوي بين أعضاء الحشد والقوات الأمنية.

وبقيت حصة حكومة إقليم كردستان رسمياً عند نسبة 12.67% من إجمالي الإنفاق مطروحاً. وبالأرقام زادت مخصصات الموازنة لحكومة إقليم كردستان بنسبة 47% مقارنة مع عام 2018، إذ حدث تغييران مهمان بحصة حكومة إقليم كردستان في مشروع القانون المعدل لعام 2019: الأول: إزالة تقسيم الإنفاق على كل من المحافظات الثلاث في إقليم كردستان الذي أُدخل في موازنة عام 2018 لتوضيح حصة الفرد في محافظات أربيل، والسليمانية، ودهوك. وحافظت النسخة الأصلية من موازنة عام 2019 على هذا الترتيب، إلا أن النسخة المعدلة ألغت ذلك. الثاني: زيادة حصة الإنفاق إلى موظفي إقليم كردستان من 38% إلى 56%، على الرغم من بقاء عدد الموظفين نفسه عند 622 ألف موظف.

وسيستمر المشرعون الكرد بالضغط من أجل الحصول على 17% ([6]) من الموازنة، لكنّ هذا يبدو صعب التحقيق. وقد ألمح رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي أنه بدلاً من إعادة التفاوض بشأن حصة الإقليم، ستتابع الحكومة العمل على الوصول إلى تسوية سياسية ومالية أوسع تشمل صفقة حول صادرات النفط كوسيلة للوصول إلى حل وسط.

الجدول 2: مقارنة موازنات الوزارات والمؤسسات الرئيسة. الأرقام (مليار دينار).

  2018 2019 التغيير ٪
وزارة الداخلية 10,067 11,270 +12%
وزارة الدفاع 7,487 9,056 +21%
الحشد الشعبي 1,682 2,593 +54%
وزارة الكهرباء 6,129 10,057 10,057
وزارة الصحة 1,919 3,292 +72%
حصة إقليم كردستان 6,637 9,783 +47%

 

وكما هو الحال في الوقت الحالي، فمن غير المرجح أن تمرر الموازنة قريباً، ويكمن أكبر عائق في الطبيعة السياسة العراقية المتجزئة. ومع وجود الكثير من المطالب والتماسك الداخلي القليل داخل البرلمان، سيكون من الصعب على الحكومة إرضاء الأطراف الكافية للحصول على دعم الأغلبية لتمرير مشروع قانون الموازنة في البرلمان. وتشير التقارير إلى أنه خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء عام 2018، اتخذ قرار بإجراء المزيد من التغييرات على مشروع قانون الموازنة ([7]). ومن غير الواضح متى ستفي حكومة عبد المهدي بمطالب التكتلات الرئيسة، أو ما إذا كان الاتفاق على الموازنة سيرتبط باتفاق أوسع على المناصب الوزارية الشاغرة أم لا.

وإن ما يتضح بجلاء من المناقشات البرلمانية بشأن الموازنة هو الكيفية التي أصبحت من طريقها المطالب غير متناسقة ومتناقضة. فمن ناحية، يشعر المشرعون بالقلق إزاء الحجم المتزايد للإنفاق والعجز، بينما ينادون في الوقت نفسه بخلق فرص للعمل في القطاع العام. وبالمثل، ترغب اللجنة المالية بأن تشجع الموازنة النمو في القطاع الخاص، لكنها التزمت بضمان تثبيت العقود للعاملين في القطاع العام ([8]).

ويعد هذا الانقسام بين الالتزام بالإصلاحات المالية والسياسية لتلبية المطالب الشعبية للمواطنين رمزاً للوعكة العامة التي عانت منها العملية السياسة قي مرحلة انتهاء الحرب على داعش.


[1]- مجلس النواب، ملخص الجلسة البرلمانية، 6 تشرين الثاني عام 2018 https://goo.gl/cnKmjk .

[2]- مجلس النواب، ملخص الجلسة البرلمانية، 20كانون الأولعام 2018 https://goo.gl/Vo74eg

[3]- مجلس النواب، ملخص اجتماع اللجنة المالية البرلمانية، 20 كانون الأول عام 2018 https://goo.gl/RXMeZb

[4]-مجلس النواب، ملخص الجلسة البرلمانية، 24 كانون الأول عام 2018 https://goo.gl/uzWqKC

[5]- اطلع على تحليل الكاتب لموازنة عام 2018 https://www.bayancenter.org/en/2018/03/1461/

[6]-شبكة أخبار العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني: الكتل الكردستانية لن تصوت لصالح موازنة عام 2019، 30 كانون الأول عام 2018 https://goo.gl/KgKnhE

[7]- صوت العراق، مجلس الوزراء يتخذ عدة قرارات بما في ذلك قرارات تخص الموازنة، 31 كانون الأول عام 2018 https://goo.gl/evzhuK

[8]- مجلس النواب، ملخص اجتماع الجنة المالية البرلمانية ، 23 كانون الأول عام 2018 https://goo.gl/qxvHqk