سفينة عسكرية تركية ترافق سفينة فاتح البحر المتوسط للحفر قبالة مدينة أنطاليا التركية، 30 تشرين الأول عام 2018. المصدر: رويترز.

متين غوركان، كاتب عمود في المونيتور المختصة بالشؤون التركية.

تسير حدة التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط بوتيرة متسارعة بشأن تقاسم احتياطيات الهيدروكربون في المنطقة.وتشير آخر التطورات إلى زيادة التدهور في العلاقات؛ ففي الرابع من تشرين الثاني الحالي، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعض شركات النفط الأجنبية بـ “قُطّاع الطرق البحرية”، وحذرهم من القيام بأنشطة التنقيب قرب قبرص التي تسيطر تركيا على الثلث الشمالي منها.

وفي الوقت نفسه، وقّعت قبرص والولايات المتحدة في السادس من تشرين الثاني الحالي اتفاقية لتعزيز العلاقات الأمنية الثنائية.

وفي مقال نشره الكاتب نهاية عام 2017، توقّع تصاعد التوترات بين تركيا والدول المعادية لها المتمثلة بـــــ: اليونان، وإسرائيل، ومصر، وقبرص، وتتحول إلى قضية عسكرية. وفي مقال آخر، لفت الانتباه إلى التحركات العسكرية المتزايدة في المنطقة.وتزايدت حدة الخلافات منذ سنوات وتهدد الآن بالانفجار، ولاسيما مع إعلان بعض الحكومات في المنطقة عن إنشاء مناطق اقتصادية خالصة ومتداخلة.

وفي 17 من تشرين الأول الماضي، نبّهت تركيا السفن في المنطقة بأنها ستجري مسوحات زلزالية في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​تبدأ في اليوم التالي وتستمر حتى الأول من شباط للعام المقبل. وفي 18 من الشهر نفسه، تزايدت التوترات العسكرية للسيطرة على المصالح الاقتصادية، بينما بدأت سفينة الحفر التركية والمسح الزلزالي(Barbaros) بالبحث عن النفط والغاز. إذ كانت السفينة تستكشف مناطق قامت أنقرة بترخيصها لشركة البترول التركية (TPAO)، وتقع هذه المناطق شمال مناطق الحفر التي طالبت بها قبرص.

وفي اليوم نفسه -على وفق أنقرة- حاولت فرقاطة يونانية منع السفينة التركية، لكنها لم تتمكن من ذلك؛ لتدخّل السفنِ العسكريةِ التركيةِ المرافقةِ للسفينة.

وصرح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في الرابع والعشرين من تشرين الأول لهذا العام قائلاً: “لن نتسامح أبداً مع المضايقات الجديدة، واتخذنا جميع أنواع التدابير. وأريد أن يعرف الجميع أننا لن نتسامح مع أي أحد بشأن هذا الموضوع”، وهدّد أيضاً باتخاذ إجراء عسكري إذا ما خططت اليونان لتوسيع مياهها الإقليمية في بحر إيجة. ووجه المتحدث باسم الحكومة التركية عمر سيليك رسالة مماثلة يوم 31 تشرين الأول من هذا العام، بعد يوم واحد من بدء سفينة التركية فاتح الحفرَ في مقع (ألانيا -1) على بُعد 100 كيلومتر قبالة أنطاليا، وستجري السفينة عمليات مسح وحفر لمدة 150 يوماً حتى أوائل نيسان من العام المقبل تحت حماية سفينة هجومية وغواصة تابعة للبحرية التركية.

وترافق سفينةَ فاتح سفينتان نرويجيتان للإمدادات البحرية، وأشار وزير الطاقة التركي فاتح دونميز إلى أن هناك خططاً لتقوم سفينة فاتح بأعمال حفر أخرى شمال غربي قبرص في شهر تشرين الثاني من هذا العام، وأضاف أن تركيا على وشك شراء سفينة حفر ثانية لزيادة عمليات التنقيب.

وفي غضون ذلك، اجتمع قادة من مصر واليونان والجزء اليوناني من قبرص في العشر من تشرين الأول الماضي لمناقشة المناطق الاقتصادية الخالصة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بالقرب من جزيرة كريت اليونانية، وأكد الزعماء التزامهم باستكشاف احتياطيات الغاز قبالة ساحل قبرص.

وفي العشرين من الشهر نفسه، أعلن وزير الخارجية اليوناني السابق نيكوس كوتزياس -الذي استقال من منصبه في 17 تشرين الأول الماضي- أن اليونان مستعدة لتوسيع مياهها الإقليمية من 6 أميال بحرية إلى 12 ميلاً بحرياً في البحر الأيوني؛ مما سيوسّع من سيادة اليونان غرباً، وكشف كوتزياس أيضاً أن الوزارة تستعد لتوسيع سيادة اليونان إلى 12 ميلاً بحرياً حول جزيرة كريت.لكن هذا البيان أغضب أنقرة، وتعتقد تركيا أن جهود اليونان لتوسيع مياهها الإقليمية حول جزيرة كريت هي في الواقع خطوة لتحويل مشكلة المياه الإقليمية لبحر إيجه. وإذا استمر التنافس على تقاسم احتياطيات الهيدروكربونات، فإنه يمكن أن يمتد إلى المياه الإقليمية؛ مما سيثير قضايا السيادة؛ الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى تصعيد التوترات.

أصبح شرق البحر المتوسط ​​مشكلة دولية، إذ ذكرت وسائل الإعلام التركية يوم 28 تشرين الأول الماضي أن طائراتF-16 التركية اعترضت طائرات حربية بريطانية كانت تقوم بعمليات استطلاع بالقرب من سفينة(Barbaros)، وأصدرت قبرصتصاريح استكشاف لشركة الطاقة الفرنسية العملاقة (Total SA)والإيطالية(Eni SpA)، و(ExxonMobil)، وشركة (American Noble Inc).

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة استشارات الطاقة(EC Natural Hydrocarbons Co. Ltd)تشارلز إيليناس، في نيقوسيا (قبرص) أن شركة إكسون موبيل ستبدأ الحفر هذا الشهر في الرقعة 10. ومن المتوقع أن تصل سفينة الحفر المؤجرة من إكسون موبيل في 12 تشرين الثاني إلى قبرص، على وفق مراسل يوناني.

وأوشكت المفاوضات حول خط أنابيب الغاز الطبيعي المعروف باسم (EastMed) على الانتهاء، وهو مشروع يفضله الاتحاد الأوروبي كطريقة لتنويع موارده من الطاقة، وسينقل خط الأنابيب هذا الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إلى اليونان عبر قبرص وكريت. وعبر خطوط أنابيب أخرى، سيُنقل الغاز إلى إيطاليا وبلدان أخرى جنوب شرق أوروبا.

وقد عززت مشاركة الشركة الفرنسية والإيطالية من التنبؤات بأن الغاز الطبيعي المنتج من حقول: تمار وليفياثان في إسرائيل، وزهر في مصر، وجنوب أفروديت القبرصي يمكن أن يصبح مصدراً بديلاً لإمدادات الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي. وتكمن المشكلة الأساسية في أن تركيا لم تشارك في هذا التعاون بين هذه البلدان؛ لأن أنقرة لا توافق على مطالبات المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية.

وعلى الرغم من أن أنقرة ليست جزءاً من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، إلا أن الاتفاقية تدعو إلى تحديد حدود المناطق الاقتصادية الخالصة لبلدان شرق البحر الأبيض المتوسط ​​على أساس مبدأ السيادة، ولا تقبل تركيا بالاتفاقات التي أبرمتها قبرص مع مصر، ولبنان، وإسرائيل لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، وتصرح أنقرة بأن هذه المناطق ستنتهك حقوقها.

ويعتقد بعض الخبراء أن على تركيا الإعلان عن مناطق اقتصادية خالصة بدلاً من محاولة تطوير موقع قائم على الجرف القاري، ومع ذلك، هناك آراء متصاعدة في أنقرة تقترح أن تعلن تركيا عن منطقة اقتصادية خالصة في عام 2019، وأن تدافع عن حقوقها السيادية في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بقوة أكبر.

وفي الختام، قد يكون ما تبقى من عام 2018 مثيراً للاهتمام، مع الأخذ بالحسبان وتيرة الأحداث وتصاعد العسكرة.

إن الواقع المرير الذي على الجميع أن يتذكره هو: إننا على عتبة حقبة يجب أن يحافظ فيها القادة في تركيا، واليونان، وقبرص على هدوئهم حينما يواجهون خطر المواجهة العسكرية، وهذا أكثر أهمية من الجهود الدبلوماسية في أنقرة، وأثينا، ونيقوسيا.


المصدر:

https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/11/turkey-egypt-cyprus-mediterranean-tension-escalates.html