بعد إجراء التعديلات التي أدخلتها اللجنة المالية في مجلس النواب على مسودة قانون الموازنة الاتحادية الذي قدمته الحكومة العراقية، أقرَّ البرلمان الموازنة العامة لعام 2018[1] في الثالث من آذار، وتضمّنت الموازنة إجراء تقليص في الإنفاق في مجالي الأمن والدفاع؛ وزيادة الاستثمارات في قطاعات الكهرباء والصحة؛ وتغيير مهم في حساب مخصصات إقليم كردستان.

وارتفع إجمالي الإنفاق إلى 104 تريليونات دينار بنسبة 3.5% مقارنة بالعام الماضي، وقد قدّرت الحكومة ​سعر بيع النفط عند 46 دولاراً للبرميل، مع افتراض أن معدل الصادرات ستصل إلى 3.888 مليون برميل يومياً. وبما أن أسعار النفط تجاوزت 60 دولاراً للبرميل الواحد ومع اقتراب الإنتاج من الوصول إلى 3.8 مليون برميل في اليوم، فمن المرجح أن تتجاوز العائدات النفطية الأهداف المحددة في الموازنة.

وعلى الرغم من انخفاض الإنفاق للمشاريع الاستثمارية عن السنة الماضية إلى حوالي 24%، فقد انخفض العجز المتوقع بنحوٍ كبير (بنسبة 42%)؛ بسبب زيادة الإيرادات النفطية وغير النفطية.

  2017 (مليار دينار) 2018 (مليار دينار) الفرق

 

إجمالي الإنفاق 100،671 104،158 + 3.5%
حصة إنفاق المشاريع الاستثمارية 25.1% 23.7% -1.4%
العجز 21،660 12،514 -42%
معدل ​​صادرات النفط 3.75 مليون برميل يومياً (بسعر 42 دولاراً للبرميل) 3.888 مليون برميل يومياً (بسعر 46 دولاراً للبرميل)  
عائدات النفط المتوقعة 67،950 77،160 + 13.5%
حصة الإيرادات غير النفطية 14% 16% + 2%

 

وتشكل الرواتب الحكومية حصة أصغر من الإنفاق هذا العام بنسبة (33.4%) مقارنة بالعام الماضي إذ كانت نسبتها (35.5 %)، بينما تم تقليص الإنفاق على المعاشات التقاعدية والدعم الاجتماعي بدرجة قليلة.

  2017 (مليار دينار) 2018 (مليار دينار)
الرواتب 35،773 34،802
المعاشات + الدعم الاجتماعي 15،747 15،162

 

مخصصات موازنة إقليم كردستان

لقد كان من بين أكثر التغييرات المثيرة للجدل في موازنة هذا العام قرار تقليل حصة إقليم كردستان البالغة نسبتها 17%، وتحديد نسبة تتماشى مع نسب المحافظات العراقية الأخرى، وقد نجم هذا عن انخفاض كبير في حصص المحافظات الكردية. في عام 2017 بلغت حصة حكومة إقليم كردستان من الموازنة -بعد استبعاد النفقات السيادية- حوالي 11.6 تريليون دينار، بينما حددت الموازنة لهذا العام حصص المحافظات الكردية الثلاث بــ 6.6 تريليون دينار حسب أعداد السكان في كل محافظة. وعلى الرغم من عدم ذكر مقدار الحصة المعدلة البالغة 12.67% في قانون الموازنة، إلا أن حصة إقليم كردستان في الإنفاق على استيراد الوقود، والأدوية، وحصة البطاقة التموينية -كما هو منصوص عليه في الجدول (د) من ملحق قانون الموازنة- تساوي بالفعل 12.67%. وبقي عدد موظفي حكومة إقليم كردستان على حاله عند أكثر من 682،000 موظف، ويلزم قانون الموازنة الحكومة المركزية على دفع رواتبهم بشرط أن تصدّر حكومة إقليم كردستان ما لا يقل عن 250 ألف برميل يومياً من النفط الخام المنتج من حقولها لتسويقها عن طريق شركة (سومو) حصراً.

  2017 (مليار دينار) 2018 (مليار دينار)
إنفاق حكومة إقليم كردستان (ناقص النفقات السيادية) 11،605 6،598

 

حصة الإنفاق الإجمالي الفعلي 11.5 % 6.3 %

 

إجمالي عدد موظفي حكومة إقليم كردستان 682،021

 

 

التقليل من مصاريف الأمن والدفاع

أدّى تقليل العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش إلى تخفيضات كبيرة في الإنفاق على الأمن والدفاع لعام 2018. وفي حين حافظت موازنة الحشد الشعبي على تمويل 122،000 منتسب، إلا أن مخصصات الإنفاق انخفضت بنسبة 12% مقارنة بالعام الماضي؛ ويرجع ذلك في الغالب إلى انخفاض الإنفاق على المشاريع الاستثمارية. وفي الوقت عينه، انخفضت موازنة وزارة الداخلية بنسبة 6.5%، مع تخفيض عدد الموظفين من 595000 إلى 587000. وتبيّن المقارنة بين موازنة هذه السنة مع عام 2017 أن موازنة وزارة الدفاع انخفضت بنسبة 15% تقريباً وبحدود 4000 موظف معظمهم من ذوي المناصب رفيعة المستوى ويعود ذلك جزئياً إلى إحالة بعضٍ منهم على التقاعد.

  2017 (مليار دينار) 2018 (مليار دينار) الفرق
وزارة الداخلية 10،758 10،067 -6.5%
وزارة الدفاع 8،781 7،487 – 15%
الحشد الشعبي 1،917 1،682 – 12%

 

الاستثمار في الخدمات الأساسية مع عودة النازحين إلى ديارهم

من بين أبرز القطاعات التي تلقت زيادات كبيرة في الإنفاق هي قطاعا: الكهرباء والصحة، إذ تضاعفت موازنة وزارة الكهرباء بأكثر من الضعف، إذ ارتفع الإنفاق على المشاريع الاستثمارية من 844 مليار دينار في عام 2017 إلى 3،148 مليار هذا العام؛ ويرجع ذلك جزئياً إلى الاستثمارات الخارجية كالحصول على قرض بقيمة 400 مليون دولار من شركة جنرال إلكتريك.

وزارة الكهرباء 2017 2018 الفرق
الإنفاق التشغيلي 2،117 3،147 + 49%
الإنفاق على المشاريع الاستثمارية 844 3،148 + 273%
إجمالي الإنفاق 2،961 6،295 + 113%
عدد الموظفين 1،314 2،076 + 58%

وقد عُزِّزت موازنة وزارة الصحة والبيئة عبر زيادة الإنفاق على المشاريع الاستثمارية. وﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔسه، اﻧﺧﻔض اﻹﻧﻔﺎق ﻋﻟﯽ اﻟﻧﺎزحين ﻧظراً إلى أن عدداً كبيراً قد عادوا إلى مناطق سكناهم خلال العام الماضي، وأثر تخفيض موازنة وزارة الهجرة والمهجرين بنسبة 50% بشكل أساس على الإنفاق التشغيلي. اليوم، يوجد 700،000 نازح أقل مقارنةً بهذا الوقت من العام الماضي، وقد ازداد عدد العائدين إلى ديارهم من 1.6 مليون في شهر آذار عام 2017 إلى 3.5 مليون اليوم.

الجدل حول الضريبة

ومن بين التعديلات الأكثر إثارة للجدل في البرلمان على مشروع قانون الموازنة المقترح من قبل الحكومة هي المادة 27 التي تلغي ضريبة 3.8% على الرواتب والمعاشات التقاعدية التي قُدِّمت في العام الماضي كوسيلة لزيادة الإيرادات غير النفطية. وعلى وفق القانون الجديد، سيتم تعويض الموظفين بأثر رجعي عن أي استقطاعات منذ بداية هذا العام، وعلى الرغم من أن التعديل قد قُدّم من قبل البرلمان بنحو شبه أكيد لأغراض انتخابية، إلا أن هذه الخطوة ستضع الحكومة في موقف صعب مع صندوق النقد الدولي، إذ كان من المقرر إجراء المراجعة الثالثة للترتيبات الاحتياطية (SBA) مع صندوق النقد في شهر تشرين الأول من عام 2017 لكن لم يتم الانتهاء منها إلى الآن، وقد أبدى صندوق النقد الدولي استياءه من الموازنة الحالية؛ بسبب حجم الأموال المخصصة لحكومة إقليم كردستان والغاء ضريبة 3.8%[2].

لقد ارتفعت الإيرادات غير النفطية بنحوٍ طفيف بنسبة 2% في موازنة هذا العام، ويمكن للحكومة اتباع خيارين لتصحيح بعض أوجه القصور: فإما الطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا لإلغاء التعديلات التي لم يوافق عليها من قبل الحكومة، والتي من المرجح أن تحدث بعد انتخابات أيار، وإما وضع موازنة تكميلية في وقت لاحق من العام بمجرد اكتمال عملية تشكيل الحكومة الجديدة. وبالمحصلة يجب على الحكومة أن تأخذ في الحسبان التعهدات التي قدمتها الجهات المانحة الدولية في مؤتمر الكويت في شهر شباط؛ مما يشير إلى أن الموازنة التكميلية أمرٌ لا مفر منه.

في الختام، نستطيع القول إن طبيعة موازنة 2018 تؤشر لحقيقتين في العراق: أولاهما: نهاية الحرب على داعش وما تبعها من اهتمام حكومي متزايد في ملف الإعمار والخدمات، وثانيهما: محاولات أعضاء مجلس النواب لإرضاء قواعدهم الجماهيرية مع قرب موعد الانتخابات النيابية.


[1]– يمكن الاطلاع على النص النهائي لقانون الموازنة هنا  https://goo.gl/6j5iSp. لم تُنشر المرافقات بعد، لكن الباحث تمكن من الحصول على نسخة منها، وتستند الأرقام المفصلة في هذه المقالة إلى المرافقات الرسمية لقانون الموازنة الاتحادية لعام 2018.

[2]-Iraq Oil Report, IMF opposes budget, putting billions in financing at risk https://www.iraqoilreport.com/news/imf-opposes-budget-putting-billions-financing-risk-28115/