الدکتور میرمهرداد میرسنجری، أستاذ مساعد، ومحقق في الشؤون الثقافية والجيوبولتيكية.

يتكون نهر الفرات الذي يتراوح طوله بين (2800 إلى 2900) كيلومتر، من جبال إرمينيا الغربية وعلى حدود شرق تركيا، من فرعي (قره سو ومراد چاي)، ثم يندمج كلا الفرعين ويكوّنان النهر، وقد جاء هذا النهر في اللغة الأفستائية باسم (اوپرتوا)، أو منطقة قاع الماء، أو المنطقة الضحلة التي تعبر عن أهمية الفرات. أما نهر دجلة الذي يقترب طوله من (1850) كيلومتراً فينبع من السفح الجنوبي لجبل طوروس في تركيا، ويأتي إلى العراق مباشرةً، لكن نهر الفرات ينتهي من تركيا إلى سوريا ومن سوريا إلى العراق. ويندمج كلا النهرين (دجلة والفرات) في منطقة القرنة العراقية، وأبعد قليلاً يشكلان مع نهر كارون الإيراني، نهر أروند.

بدأت تركيا ببناء سدودها منذ عام 1973 بسد كوبان، وقلَّ معدل حجم الماء تدريجياً، وتغيّر من 3/15 كيلومتر مكعب إلى 4/9 كيلومتر مكعب؛ وهذا الموضوع يدلُّ على أن هذا السد ترك تأثيره المباشر على تركيا نفسها، فضلاً عن أنه طوال العقود السابقة أنشأت تركيا أكثر من 500 سد 22 منها باعتبارها منطقة فروع الفرات في تركيا ضمن المشروع العظيم المعروف باسم “جي أي بي” الشهير بجاب، وسد أتاتورك الذي يعدُّ أهم سد تركي وأوروبي وأكبرها، وخامس سد في العالم ويتمتع بأهمية بالغة، ومن الضروري أن نعلم أن مساحة بحيرته تبلغ 817 كيلومتراً فقط، وهذا يعني أن حجم الماء كبير وعظيم للغاية. فضلاً عن أن معدل سعة سد أتاتورك هي 7/48 مليار متر مكعب، وإن قارنّا هذا المعدل بأكثر من 650 سداً موجوداً في إيران، الذي يترواح مجموع سعتها 46 مليار متر مكعب، فإننا سنرى حجم الماء العظيم.

والأمر المهم الآخر هو التأثير السلبي المباشر على المجتمعات المحلية، ولاسيما كردستان تركيا، فضلاً عن الحياة في المجتمعات المحلية في سوريا، والعراق، وإيران، قد بدأت تأثيراتها، فهذا الاتجاه مغاير تماماً لبيان رعاية المجتمعات المحلية UNDRIP (الذي ينبّه على أنه يجب حتماً أن تنطبق المشروعات والبرامج العظيمة للتنمية مع حقوق المجتمعات المحلية)، والنقطة الأخرى أنه حتى مشروع بناء السد التركي يتناقض مع المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أيضاً (الذي يعلن أن الإنسان يتمتع بحقوق مؤسسية من أجل امتلاك الحرية، والمواجهة، وظروف الحياة المناسبة في بيئة تسمح له بالحياة السعيدة).

ومع أنّ من الممكن أن يكون هذا المشروع يحمل مزايا لتركيا في صورة مرحلية، إلا أنه سوف يتسبب بعيوب كثيرة للغاية في تدمير الأراضي الزراعية، والخراب، والجفاف، والتصحر في سوريا والعراق وأيضاً في إيران، فضلاً عن أن الغبار والملوثات الجوية يجب القول إن جزءاً كبيراً من مياه الأراضي العراقية ينتهي إلى حوض هور العِظِيم -الذي ثلثاه في العراق وثلثه في إيران-، وجفاف هذا الحوض له أثر مباشر على ظاهرة الرياح الرملية، فضلاً عن تأثيره السلبي على الأراضي بين دجلة والفرات التي أوجدت حضارة ما بين النهرين التأريخية القديمة -التي شملت جزءاً كبيراً من حضارة إيران العظيمة-، وكما نعلم فإنها تؤثر سلباً على هذه المساحة المنتجة للأراضي الزراعية، والمحاصيل الزراعية والماء العذب الذي يحتاجه العراق بسبب قلة المياه في نهر الفرات. وفي عقد السبعينيات شيد العراق سد القادسية في مدخل نهر الفرات نحو تركيا؛ لذا نرى أنه كان لظاهرة بناء السدود تأثير حاد على الإقليم والبيئة في بلاد المنطقة.

والموضوع الآخر هو أنه قد تم تعديل اتفاقية حقوق الاستفادة من المجاري المائية الدولية غير القابلة للملاحة في عام 1997 بواسطة الأمم المتحدة، ونقضت تركيا المواد 5، 6، 7 بنحوٍ كامل. وهذه البنود تذكر أنه ليس لدول المنبع الحق في إحداث وتنفيذ مشاريع بنية تحتية في منبع النهر (التي ستتسبب في ظهور مشكلات ومضار جادة لدول المصب)؛ وبالتالي يتناقض موقف تركيا مع UNDRIP وUNCCD والمادة الأولى من حقوق الإنسان، وكذلك تخالف العنوانين الخامس والسادس من حقوق اتفاقية المجاري المائية الدولية غير الملاحة.

وفي النهاية، أن المسألة المهمة هي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الناشئة من نقص المياه في المنطقة، وكما توقع الخبراء فسوف يتزايد الطلب على الماء في منطقة الشرق الأوسط 60% بحلول عام 2045. وهذه النسبة من الزيادة تدل على أن أزمة الماء حتمية في المستقبل، والإدارة الصحيحة لمصادر المياه هي أكثر وظائف الدول والحكومات أصلية. وليكن في اعتبارنا أنه خلال السبع سنوات بين 2003 و2010 نقص مجموع مياه نهري دجلة والفرات 114 كيلومتراً مكعباً؛ وهذان النقصان، قد أدى تأثيراً مباشراً على الأراضي الزراعية، والجفاف، والعواصف الرملية، والأزمات الاقتصادية، والأزمات الاجتماعية، والأزمات البيئية في تركيا، وسوف يسبب بالمزيد. وبالتأكيد لو لم تقع هذه الظاهرة موضع اهتمام، ولم يتم مواجهتها، فإننا سوف نشهد في المستقبل انعكاسات سلبية كثيرة. وكذلك فإن الكثير من هذه العواصف تثور من مناطق ملوثة بالأسلحة الكيماوية والأسلحة الإشعاعية في حرب أمريكا مع العراق 2003، وبالتأكيد سوف تلحق تأثيرات سلبية فضلاً عن أن المشكلات الفيزيقية لتنفس الشعب الذي يقع تحت التأثير، مشكلات كيميائية وإشعاعية بالشعب وخاصة الشعب الإيراني.

إن إدارة مصادر المياه وكذلك الاستفادة من القدرات الدولية بإمكانهما أن يكون لهما تأثير بالغ في منع وتقليل الانعكاسات المضادة للبيئة لبناء السدود في تركيا، وليس صحيحاً بأي وجه أننا نريد من إيران أن تقوم بنشاطات مرحلية وقصيرة المدى مثل زراعة الأشجار في العراق؛ وهذا الأمر لن يكون له أي مردود آخر سوى إهدار المال ورؤوس الأموال. بينما من الضروري أن يتم الانتباه إلى مساعدة المؤسسات الدولية والأمم المتحدة في الاستفادة من المصادر المائية ولاسيما تلك الأزمات البيئية المتجاوزة للشعوب. ولا ننسَى أن دولة العراق الحالية -الأراضي التأريخية التي تم فتحها بواسطة كوروش سنة 530 قبل الميلاد والتي كانت أرض بابل التأريخية- تقع بجوار نهر دجلة، وتدل على ماضٍ تأريخي لهذه المنطقة، وكانت متناغمة ومتزامنة مع الاستفادة من الطبيعة والهبات الطبيعية بنحوٍ كامل، ولكن اليوم لا يشاهد أي أثر من الاستفادة الصحيحة.

لذا على مسؤولي بناء السدود والأفراد والمتعهدين -الذين ربما ينظرون إلى مصالح قصيرة المدى أن يستفيدوا استفادة قصوى من هذه المصالح- أن يهتموا بنظرة القادمين وحكم القادمين. فمشروع بناء السدود المعادية للبيئة في تركيا، ومشاريع بناء السدود المعادية للبيئة في إيران متشابهة تماماً، وليس لها أي آثار سوى التخريب والفناء في أراضي المنبع، وأراضي المصب ومناطق السهول التي تقع في حيز مصب النهرين والتأثير السلبي. ولا ننسى أنه يقع أكثر من 500 ألف كيلومتر مربع من مساحة مصب الفرات، و375 ألف كيلومتر مربع من مساحة مصبِّ دجلة تحت التأثير المباشر لبناء السدود في تركيا بنحوٍ كامل، ويجب أن تحل هذه المشكلة بأساليب مختلفة وبالاستفادة من الوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية.


 

المصدر: مؤسسة “آینده پژوهی جهان اسلام”، جامعة الشهید بهشتی.

http://conf.iiwfs.com/index.php/conference-news/79