علي سرزعیم، دكتوراه في الاقتصاد، وعضو الهيئة العلمية في جامعة العلامة الطباطبائي بطهران.
تُبدي إيران وتركيا -إلى جانب العراق وسوريا- قلقهما إزاء تبعات النزعة الانفصالية في إقليم كردستان؛ لأنّ أغلب الظنّ يشير إلى أن هذا الانفصال سيكون الخطوة الأولى لرفع راية الانفصال في سائر الدول المجاورة؛ لذا فإن المبادرات المستندة إلى التحليلات السابقة للحدث التي من شأنها أن تمنع استقلال كردستان قد تكون ناجعة لهذه الدول.
من المصطلحات التي تعتمدها مناهج البحث العلمي بكثرة هي:
1- مصطلح (ex ante)، الذي يمكن ترجمته إلى السابق، أو المتقدّم.
2- مصطلح (ex post)، الذي يمكن ترجمته إلى اللاحق، أو المتأخّر.
المقصود من تعبير (ex ante) هو أنّ الخطوات التي تُتَخَذ قبل وقوع أيّ حدثٍ ما، تكون بحسب ما يتوقَّع حصوله في المستقبل، وأنّ هذه الخطوات من شأنها أن ترسم ملامح المستقبل. ولكن حين يعمل اللاعبون كلّهم بحسب توقعاتهم السابقة ستحصل نتيجةٌ ما، وإنّ هذه النتيجة تخلق وضعاً تجعل الأفراد يغيّرون الخطوات السابقة نفسها عند تعاطيهم تلك القضية؛ لأنّهم قد يتوصّلون إلى نتيجةٍ تفيد بأنّ السلوك المناسب في الظروف الحالية يختلف عن السابق، وأن مقتضيات الحدث قد تغيّرَت؛ وبهذا يكون السلوك الأنسب بحسب التحليلات السابقة مختلفاً عن السلوك المناسب المستند إلى التحليلات اللاحقة، وإنّ هذا التباين لا يعني بالضرورة التناقض.
وبناءً على هذه المقدّمة، يمكن النظر إلى الموقف الإيراني والتركي نحو النزعة الانفصالية في إقليم كردستان العراق، إذ تُبدي إيران وتركيا -إلى جانب العراق وسوريا- قلقاً كبيراً لتبعات النزعة الانفصالية في إقليم كردستان؛ لأنّ أغلب الظنّ يشير إلى أن هذا الانفصال سيكون بمنزلة الخطوة الأولى لرفع راية الانفصال في سائر الدول المجاورة؛ وعليه قد تكون المبادرات المستندة إلى التحليلات السابقة للحدث التي من شأنها أن تمنع استقلال كردستان ناجعةً لهذه الدول. ويرى قادة الدول المجاورة أن فرض العقوبات أو الضربة العسكرية قد تفرض على القادة الأكراد التراجع عن مطلبهم، أو إعادة النظر فيه، فبتراجع الأكراد في العراق ستتحقق المصلحة التركية والإيرانية، ولكن إنْ صَمَدَ إقليم كردستان -لأيّ سببٍ كان- وإنْ تحقق الاستقلال فحينها سيتغيّر الوضع؛ ووقتئذٍ سيكون الحلّ العسكري والعنف غير مشمولٍ بالسلوك الناجع الذي قد تتخذه الدول المجاورة، بل ستكون المصلحة في التعاون مع إقليم كردستان المنفصل والمستقل؛ وبعبارةٍ أخرى يكون السلوك الناجع المستند إلى التحليل اللاحق هو (التعاون).
إنّ السلوكيات الناجحة المستندة إلى التحليلات السابقة قد تكون مختلفة عن السلوكيات الناجحة المستندة إلى التحليلات اللاحقة، وإنّ هذا التباين لا يعني بالضرورة وجود تناقض في الأمر؛ فهنا قد يقول بعضهم: إذا كان التعاون هو السلوك الناجع اللاحق أليس من المنطقي أن يُتّخَذ هذا الموقف منذ البداية (في السابق)؟ فالإجابة -بحسب الشرح الذي تقدّم- تكون سلبية؛ أي: إنّ إدارة السلوك في هذا الموضوع خلال فترتَي قبل الاستقلال وبعده غير مترابطَين، ويجب ألّا يُستخلَص السلوك المستقبلي من السلوك الناجع في الفترة الأولى. لكن إذا التزم اللاعبون بتعهداتهم ولم ينجرّوا للأطماع فلن يتحقق استقلال إقليم كردستان، وهو ما يعزّز هذا الرأي.
ويفيد السؤال الآتي: هل التزام الدول المجاورة (إيران، وتركيا، والعراق، وسوريا) بتعهداتها ومواقفها للتصدي لمسألة الاستقلال قابل للاستمرار؟ والإجابة تقول: لا شكّ في أنّ لكلٍّ من هؤلاء اللاعبين علاقته الاقتصادية الخاصة مع إقليم كردستان، وأنّ هذا الأمر يحفّزهم بأنْ يتظاهروا برفض الاستقلال، وأن يتفاوضوا خلف الكواليس مع قادة الإقليم حول موضوع الاستقلال، وأن يقدِموا على مبادرات شكليّة؛ وبهذه المبادرات يعبّدون الطريق لحصول الاستقلال، وفي الوقت نفسه يحصلون على أكبر قدرٍ ممكن من الحصّة في العلاقات الاقتصادية المستقبلية.
إنّ القلق من عدم التزام أحد الأطراف بمواقفه قد يؤدّي إلى إلغاء التوافقات؛ وبالتالي ستفشل المبادرات التي ترمي إلى تحذير كردستان من الـمُضيّ في مشروع الاستقلال. وبعبارةٍ أخرى يجب التأكّد -قبل أيّ اتفاقٍ على اتخاذ أيّة خطوة تحذيرية مشتركة- بأنّ تضرُّر أيّ بلدٍ من الاستقلال هو أكثر بكثير من تحمّله، ومن امتلاك علاقة اقتصادية. وإنْ عَلِمَ اللاعب السياسي بهذا الأمر فحينها يمكن أن نعدّ المبادرات المتقابلة في وضعية السابق -قبل حدوث الاستقلال- سلوكيات ناجعة. ولا ريب في أن الحفاظ على هذا التوافق لاتخاذ موقف مشترك ضدّ النزعة الانفصالية مشروط باستمرارية التواصل؛ بغية الاطمئنان من الالتزام المشترك بهذا التوافق.
المصدر: مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمكتب رئاسة الجمهورية الإيرانية