كيفين غالاغر: أستاذ في سياسة التنمية العالمية في كلية باردي Pardee للدراسات العالمية بجامعة بوسطن.

سيتوجه وزراء مالية عدة دول من العالم إلى واشنطن لحضور الاجتماعات الربيعية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في نيسان 2017، وللمرة الأولى منذ تأسيس الأخيرين، يبدو من الواضح أن بعض الوزراء لن يكونوا موضع ترحيب في الاجتماعات.

طرح رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في شهر آذار ميزانية تضمنت تقليص المساهمات المقدمة لصندوق البنك الدولي بمقدار 650 مليون دولار، وتخفيض المساهمات الأميركية المقدمة لصندوق النقد الدولي أيضاً. وفي الوقت الذي يتراجع فيه الدعم الأميركي على الساحة العالمية تحرز الصين تقدماً ملحوظاً، فمنذ نشوب الأزمة المالية قدمت الصين -ولا تزال تقدم- المساعدات للدول الأجنبية، بإعطاء مليارات الدولارات لتنمية التمويل.

يؤدي البنك المركزي الصيني (بنك الشعب في الصين) دوراً متزايداً في تقديم الدعم للسيولة الدولية، فبعد الأزمة المالية أبدى مدير البنك تشو شياو تشوان استغرابه منها قائلاً: “إن الهدف المناسب لإصلاح النظام النقدي الدولي… إنشاء عملة احتياطية دولية غير متصلة بالدول المستقلة وقادرة على أن تبقى مستقرة لمدة طويلة؛ وبالتالي سيؤدي هذا إلى إزالة العجز الناتج عن استخدام العملات الوطنية المبنية على الائتمان”، لقد اتخذ تشوان بعض الخطوات الجادة في هذا الشأن على الرغم من طرحه بعض الكلمات الحادة؛ وبهذا أكد البروفيسور في جامعة سيراكيوز دانييل ماكدويل في ورقة بحثية له أن بنك الشعب الصيني قام بتوفير ما يقارب 550 مليار دولار لمقايضات العملات المحلية حول العالم، ليشير بعده الخبير الاقتصادي في جامعة كورنيل إسوار براساد -في كتاب له- إلى أن هذه المقايضات لا تعني أن الرنمينبي -العملة الرسمية للصين- في طريقها إلى الهيمنة، إذ لا يزال الدولار الأميركي العملة الأساسية في العالم ولاسيما بعد أن وفر النظام الاحتياطي الفدرالي -البنك المركزي للولايات المتحدة- كميات غير محددة من الدولارات بعد الأزمة المالية، ومع ذلك تُعدُّ المقايضات الصينية ضخمة، وهي ستساعد على تسهيل التجارة، وربما تمهد الطريق أيضاً لأشياء أكبر في المستقبل.

تُعدُّ قيادة الصين لهذه المفاوضات مثالاً يحتذى به، إذ قام بنك الشعب الصيني -في خطوة هي أكثر انسجاماً مع اتفاق بريتون وودز- بإعادة تنظيم تدفقات رأس المال؛ للتخفيف من انعدام الاستقرار المالي، ومنع حدوث انخفاض كبير في قيمة العملة الصينية، لكن في الوقت نفسه تعهدت إدارة الرئيس ترامب بالتراجع عن التنظيمات المالية التي تم إقرارها بعد حدوث الأزمة.

برزت الصين أيضاً كمرشد في مجال التمويل الإنمائي، إذ يمتلك الجناح العالمي لبنك التنمية الوطني الصيني سِجل قرض يقترب من 400 مليار دولار، أما بنك الاستيراد والتصدير الصيني فيمتلك ما يقارب 300 مليار دولار، فهذان البنكان يمتلكان أكبر سلة من المدخرات مقارنةً بالبنك الدولي وجميع البنوك الإنمائية الإقليمية متعددة الأطراف مجتمعةً.

تمتلك الصين -فضلاً عن البنكين المذكورين آنفاً- 161 مليار دولار في الصناديق الثنائية والإقليمية كصندوق طريق الحرير (Silk Road Fund) -الذي سيستثمر في خطة “مارشال” الصينية- ومبادرة (Belt and Road)، وهنالك صناديق أخرى كصندوق التنمية الأميركي اللاتيني-الصيني، وصندوق التنمية الأفريقي-الصيني اللذين يقدمان الدعم للبنية التحتية والتحوّل الصناعي.

أخذت الصين زمام المبادرة لإنشاء مصرفين تنمويين جديدين هما: البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، والبنوك التنموية الجديدة التي بدأت برأس مال استثماري بقيمة 50 مليار دولار، ولكنها تتطلع لامتلاك ما يقرب من 350 مليار دولار بحلول عام 2020.

تظهر المؤسسات الصينية وكأنها تمتلك مرونة أكثر، إذ أشار كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي جوستين ييفو لين في كتابه (الذهاب إلى أبعد من المساعدات: التعاون الإنمائي من أجل التحول الهيكلي) إلى أن المؤسسات الإنمائية الصينية تجمع بين الأدوات المالية الامتيازية وغير الامتيازية، فضلاً عن مساهمة المساعدات والقطاع التجاري بطرق فعالة يصعب على المؤسسات التي تدعمها واشنطن تخيُّلها.

صرّح رئيس بنك AIIB لصحيفة فاينناشال تايمز قائلاً: “الآن قد تطورت الصين وقد حان دورنا للمساهمة”.

لا يمكن أن تأتي المساهمات الصينية في وقت أفضل من ذلك، إذ أثبتت الأزمة المالية حاجة كل من صندوق النقد الدولي والنظام الاحتياطي الفدرالي إلى مزيد من العمل الجاد لتخفيف الأزمة، وبنحو أكثر من ذلك يحتاج العالم الاقتصادي لاستثمار 6 ترليونات دولار على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة؛ لسد الثغرات في البنى التحتية للدول النامية، وإعادة بناء البنى التحتية المهملة في البلدان الاقتصادية، وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه إلا أن هناك أكثر من 700 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع على هذا الكوكب، ويبدو أن نية إدارة ترامب بتقليص المساهمات المالية للمؤسسات الاقتصادية العالمية تُعَدُّ إشارة أخرى على توجُّه الولايات المتحدة نحو الانعزالية، ويجب على واشنطن أن تقوم بتبني الجهود الصينية، وتحديد سبل التعاون مع الصين لمساعدة الاقتصاد العالمي بدلَ الانسحابِ من ذلك.


المصدر:

https://www.ft.com/content/16edc70e-10b9-11e7-b030-768954394623