ستيف كول: عميد كلية الصحافة للدراسات العليا في جامعة كولومبيا، ومؤلف كتاب “الإمبراطورية الخاصة: إكسون موبيل والقوة الأمريكية”.

إن الأنباء حول ترشيح ريكس تيلرسون -رئيس  مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل- لتولي منصب وزير الخارجية الأمريكية يعد أمراً مفاجئاً على كافة الأصعدة. وباعتبارها ممارسة للدبلوماسية العامة، فإنها –وبلا شك- ستؤكد افتراضات العديد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم بأن القوة الأميركية هي ممارسات استعمارية جديدة وخام تسعى بجميع السبل لتأمين الموارد.

يعد تيلرسون شخصية بارزة في كتاب “الإمبراطورية الخاصة: إكسون موبيل والقوة الأمريكية” الذي الفه كاتب المقال، إلا أن تيلرسون رفض طلب الكاتب في اجراء مقابلة معه حول موضوع الكتاب الأمر الذي دفع الكاتب إلى طرح الأسئلة عليه في مؤتمرات صحفية، ودراسة تصريحاته العامة وأنشطته التي تمت الإشارة إليها في موقع ويكيليكس (WikiLeaks) فضلاً عن اجراء مقابلات مع الرؤساء التنفيذيين الآخرين والمتقاعدين في شركة إكسون موبيل، والأصدقاء، والمنافسين، ونشطاء المجتمع المدني، والشركاء التجاريين في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.

تشكلت حياة تيلرسون إلى حد كبير بواسطة مؤسستين: إكسون موبيل والكشافة الأمريكية. نشأ تيلرسون في ولاية تكساس، حيث كان والده رئيساً للكشافة. حصل تيلرسون على وسام (الصقر) في الكشافة، وحصل على شهادة الهندسة من جامعة تكساس في مدينة أوستن –عاصمة تكساس-، وانضم تيلرسون إلى شركة إكسون موبيل في عام 1975 ولم يسبق له العمل في أي مكان آخر. تقوم شركة إكسون –إلى يومنا هذا- بترقية العاملين في الشركة لمنصب الرؤساء التنفيذيين؛ وحينما حصل تيلرسون على أعلى منصب في الشركة عام 2004 فقد اتجهت معظم نشاطاته الخيرية نحو الكشافة الأمريكية. ذكر تيلرسون بأن أحد الروايات المفضلة لديه هي رواية الكاتبة آين راند (الأطلس المستهجن) والتي أصبحت الحجر الأساس لأنصار الليبرالية والمروجون للرأس مالية، وحين مقارنته مع الشخصيات الذين يحيطون بالرئيس المنتخب –دونالد ترامب- فإن تيلرسون يعد الشخصية الوحيدة الذي يمتلك نزاهة مهنية؛ إذ لطالما ما التزمت شركة إكسون موبيل بالقوانين، الأمر الذي جعل سجلها نظيفاً وخالياً من المحاكمات التي تقوم على قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة بالرغم من عملها في الدول التي ينتشر فيها الفساد.

يرجع نجاح تيلرسون في شركة إكسون موبيل إلى حد كبير من خلال العمل الذي قام به في روسيا، إذ أنشأ علاقات وثيقة مع الرئيس الروسي -فلاديمير بوتين- وحليف بوتين رئيس شركة روسنفت –إيجور سيتشين. ذهب تيلرسون إلى منتجع سوتشي في البحر الأسود للتوقيع على اتفاقية مشتركة مع بوتين التي تنص على وجود تعاون بين شركة إكسون موبيل وشركة روسنفت لإنتاج النفط من منطقة القطب الشمالي –قام الاحتباس الحراري بإذابة الجليد مما أدى إلى تسهيل القيام بهذا المشروع-، ولكن العقوبات الإقتصادية المفروضة على روسيا نتيجة أزمة شبه جزيرة القرم والتدخل العسكري في أوكرانيا أدت إلى إبطاء سير هذه الاتفاقية.

تتضمن السمات الرئيسية “للإمبراطورية الخاصة” بأنها شركة ذات سيادة ومستقلة عن الحكومة الأمريكية وتكرس جميع طاقاتها لصالح حاملي الأسهم فضلاً عن امتلاكها لسياسة خارجية خاصة بها. يعد تأثير السياسة الخارجية لشركة إكسون موبيل كبيراً جداً مقارنة مع تأثير السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية، على سبيل المثال؛ كان مجمل المساعدات الأمريكية لدولة تشاد –إحدى أفقر الدول في أفريقيا- تصل إلى أقل من عشرين مليون دولاراً سنوياً، في حين وصلت قيمة مساعدات شركة إكسون موبيل إلى حكومة التشاد كجزء من اتفاقية النفط إلى أكثر من 500 مليون دولاراً، لم يكن من الصعب على إدريس ديبي –رئيس التشاد- أن يدرك بأن شركة إكسون موبيل أكثر أهمية لتأمين مستقبله من الحكومة الأمريكية.

أمّا في كردستان العراق، تحدى تيلرسون الحكومة الأمريكية بعقد اتفاقية نفط مع الحكومة الإقليمية الكردية، الأمر الذي أدى إلى تقويض الحكومة العراقية في بغداد. وبعد عقد الاتفاقية، صرّح تيلرسون في مؤتمر صحفي بأنه فعل ما هو ضروري لضمان مصلحة حاملي الأسهم في الشركة.

تهدف السياسة الخارجية المستقلة لشركة إكسون موبيل إلى تعريف العالم بما هو جيد لإنتاج النفط والغاز، وذلك لأن المشاريع النفطية تحتاج إلى كميات كبيرة من رأس المال التي ستعود بالفائدة بعد مرور عقود من الزمن. يفضل تيلرسون العمل في البلدان المستقرة سياسياً حتى ولو تطلب تحقيق هذا الاستقرار إلى وجود حكم استبدادي. يقول تيلرسون: “إننا نفكر حقاً بما سيكون عليه الحال بعد خمسة عشر سنة أو بعد عشرين سنة من الآن؟” لدى الشركة قسم خاص للتحليلات الاستخباراتية السياسية مقره في إيرفينغ/تكساس ويعمل بها مسؤولين حكوميين سابقين، الذين يحاولون التنبؤ باستقرار البلدان لسنوات عديدة في المستقبل من خلال تحليل التركيبة السكانية، والعمالة، والسيطرة السياسية. على الرغم من إعلان شركة إكسون موبيل عن سياستها لتعزيز حقوق الإنسان، إلا أنها تعمل كشريك للحكام المستبدين تحت شعار عدم تدخلها في سياسات البلدان المضيفة. إذ بالنسبة لشركة إكسون فإن الحكومات الدكتاتورية يسهل التنبؤ بنشاطاتها وأكثر ربحاً من الحكومات الديمقراطية، فقد تمكنت الشركة من تحقيق ربح أكبر في غينيا –الدولة النفطية الصغيرة التي حكمتها عائلة واحدة لعقود من الزمن- بنحو أكبر من ألاسكا إذ كان من الصعب على شركة إكسون موبيل الحصول على اتفاقية مستقرة بسبب السياسة الانتخابية فيها. تميل شركة إكسون موبيل إلى تعزيز سيادة القانون في جميع أنحاء العالم، على وجه الخصوص الجزء المتعلق في تفضيل الاستثمار الدولي الذي يجعل العقود الدولية واجبة النفاذ.

على الرغم من أن شركة اكسون موبيل تقوم بتوظيف مسؤولين سابقين في الوزارة الخارجية والبنتاغون، وجهاز المخابرات، إلا أن بعض المدراء التنفيذيين في الشركة تحدثوا عن الحكومة الأمريكية بازدراء، إذ يرون أن الوزارة الخارجية لم تكن ذات منفعة بالنسبة لهم، ويعتبرون الأشخاص العاملين فيها بأنهم دبلوماسيين ليبراليين منحازين ضد اتفاقيات النفط. إن عملية ترشيح تيلرسون، فإن ترامب يسلّم وزارة الخارجية لرجل عمل طوال حياته بإدارة شبه دولة -بنحوٍ مواز للحكومة الأمريكية- تعمل لصالح حاملي الأسهم، وتشكيل علاقات مع الزعماء الأجانب التي قد تتفق أو لا تتفق مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. في حياته المهنية في شركة إكسون موبيل، لا يوجد شك بأن تيلرسون قد كسب العديد من المهارات التي يجب أن تتوافر لدى وزير الخارجية، مثل: التحليل السياسي المعقد، وتقييم الزعماء الأجانب، وحضور المناسبات الاحتفالية، والتفاوض مع الأصدقاء والخصوم. يعد تيلرسون من محبي أبراهام لنكولن، لذلك ربما كان تيلرسون يجهز نفسه بخفاء لكي يصبح رجل دولة حقيقي. ومع ذلك، فمن الصعب أن نتصور بعد أربعة عقود من العمل في شركة إكسون موبيل وعقد كامل من الزمن في إدارة الشركة بأن تيلرسون سيقوم وبنحوٍ مفاجئ احترام الدبلوماسية الأميركية عند استلامه المنصب أو تبني فكرة تعزيز مكانة أميركا في العالم وتفضيل المصالح الوطنية على مصالحه الخاصة.


ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

المصدر:

http://www.newyorker.com/news/news-desk/rex-tillerson-from-a-corporate-oil-sovereign-to-the-state-department