هارون شتاين، محلل أقدم لدى المجلس الاطلسي التابع لمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط

لقد أظهرت هجمات تنظيم داعش الإرهابي في باريس وبلجيكا مواطن الضعف الرئيسة في وكالات فرض القانون والوكالات الإستخباراتية الأوروبية. خلال عدة سنوات، انتقل المسؤولين عن تلك الهجمات من شبكة التنظيم الإرهابي من قواعدهم في أوروبا عبر تركيا لينضموا إلى التنظيم في سوريا. منذ بداية الصراع السوري، كان التعاون التركي-الأوروبي بشأن هذه المسألة ضعيفاً، إذ حجبت السلطات الأوروبية معلومات عن مقاتلين محتملين بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية، كما لم تبذل السلطات التركية أي جهد في منع عبور مقاتلي التنظيم عبر حدودها من وإلى سوريا حتى أواخر عام 2014 – وفي نفس الوقت تم تمرير قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذو الرقم (20178) الذي تناول قضية المقاتلين الأجانب.

ينصب اهتمام تركيا والغرب على التهديد القادم من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي المسافرين من أوروبا عبر تركيا وصولاً إلى سوريا وبالعكس، إلا أن تركيا تواجه مخاطر قادمة من مقاتلي التنظيم الإرهابي الأتراك الذين قضوا وقتاً طويلاً في سوريا وتمكنوا من العودة إلى مدنهم في تركيا. نفذ مقاتلوا التنظيم الإرهابي الذين يدعمون التنظيم سبعة هجمات في تركيا منذ كانون الثاني لعام 2015، وتم ربط المقاتلين الذين نفذوا خمسة من هذه الهجمات لخلية تنظيم داعش الإرهابي النشطة في تركيا التي كان مقرها في مدينة أديامان جنوب شرق تركيا. عملت هذه الخلية في المدينة لما يقارب العام ولم تتدخل السلطات التركية بأنشطتهم على الرغم من الشكاوى التي قدمها أهالي المنطقة للشرطة حول منزل كانت تستخدمه الخلية كمركز لتجنيد مقاتلين للتنظيم الإرهابي. ويقال أن زعيم الخلية المزعوم ،إلهام بالي، قد فر إلى سوريا في آذار 2015 قبيل بدء حملة ضد شبكات التنظيم الإرهابي داخل تركيا.

أمّا بالنسبة للمقاتلَين الآخرَين الذين شاركوا في الهجمات على تركيا ، فقد كانت أحدهما امرأة حامل تبلغ من العمر 18 عاماً من داغستان التي يقال أن زوجها كان مقاتلاً لتنظيم داعش الإرهابي والذي قتل خلال المعركة في البلدة الكردية (كوباني). قامت المرأة الداغستانية، وتدعى ديانا رامازنوفا، بقتل ضابط شرطة واحد عندما قامت بتفجير نفسها في عملية انتحارية خارج مركز للشرطة في مدينة السلطان أحمد التي تعد الوجهة الأكثر استقطاباً للسياح في اسطنبول. أمّا بالنسبة للمقاتل الآخر فقد كان رجلاً من المملكة العربية السعودية يدعى نبيل الفضلي ويبلغ من العمر 28 عاماً والذي يقطن في سوريا  فقد قام بتفجير نفسه باستخدام حزام ناسف وأسفر عن مقتل 11 سائحاً في بيزنطية (ميدان سباق الخيل الأثري) والتي تقع بجانب المسجد الأزرق المعروف في اسطنبول.

لدى تنظيم داعش الإرهابي جذور عميقة في المجتمع التركي ولديه أيضاً روابط مع المنظمات الجهادية الأخرى حول العالم. واستفاد المقاتلين الأتراك في التنظيم الإرهابي من الثغرات القانونية في النظام القانوني التركي لتفادي الإعتقال أو السجن لفترات طويلة. لا تزال تلك الثغرات موجودة في ذلك النظام، وباجتماع هذين الأمرين فإن تنظيم داعش الإرهابي يشكل تهديداً قوياً لتركيا في المستقبل القريب. على الرغم من هذه المخاطر، فهناك معلومات قليلة عن الأسباب الرئيسة للتطرف في تركيا وإضافة إلى ذلك فإن أعضاء تنظيم داعش الإرهابي المشاركين في موجة الإرهاب الحالية يتلقون تدريبهم الديني المتطرف في تجمعات غير رسمية خارج نطاق المساجد الرئيسة التركية. وبعد فترة من تلقيهم التدريب، فإن المجندين الجدد لديهم حرية التحرك على الحدود إذ يمكنهم عبورها إلى سوريا بكل سهولة حتى أواخر عام 2014 وبداية عام 2015.

شبكة تنظيم داعش الإرهابي في تركيا

تتمركز الشبكات الخاصة بالتنظيم الإرهابي في تركيا بشكل قوي ، وتتوزع تلك الشبكات في اسطنبول وأنقرة وقونيا وأضنة وأزمير وسانليورفا وغازي عنتاب. تقوم هذه الشبكات بإرسال المجندين والمساعدات المادية للتنظيم الإرهابي في سوريا ، وتعمل مدينة غازي عنتاب كمركز رئيسي للتجارة عبر الحدود وتقوم بصنع الأحزمة الناسفة والمتفجرات والتي تم استخدام على الأقل حزامين في الهجمات الإرهابية للتنظيم في تركيا. اعتاد التنظيم الإرهابي على الاعتماد على بلدة أقجة قلعة البوابة الحدودية والتي تقابل المدينة السورية (تل أبيض) وذلك قبل تولي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السيطرة على البلدة في حزيران عام 2015. ترتبط مدينتي غازي عنتاب وشانلي أورفا بالنقاط الساخنة المعروفة للتنظيم الإرهابي وتتفرع إلى جميع أنحاء البلاد من الغرب لتصل إلى اسطنبول ومن الشرق لتصل إلى ديار بكر.

يبدو أن تنظيم داعش الإرهابي مرتبط بشبكات تنظيم قديم ومنظم يدعى “القاعدة” في تركيا. ويظهر ذلك على الأقل في الحالتين الآتيتين ؛ أولهما (عثمان كاراهان في اسطنبول ) وثانيهما شخص كنيته (مصطفى جينس) وهما رجلين من تركيا ساعدا في تجنيد مقاتلين لتنظيم القاعدة، وكذلك لدى هذين الرجلين صلة بمحاربين قدامى في الجهاد الأفغاني في الثمانينيات. وفي مثال أخر، رجل مقره في مدينة اضنة يقوم بتجنيد المقاتلين والذي يعرف باسم (أيوب هوكا) ولديه أيضا صلة مع أفغانستان على الرغم من أنه ليس واضحاً فيما إذا كان مرتبطاً بالحرب ضد الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات أو بالتمرد الحالي الذي تقوده حركة طالبان ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

يرتبط جينس بشخص يدعى ميتين كابلان، وهو سلفي سابق متشدد ومقره كولونيا في ألمانيا، والتقى بأسامة بن لادن في عام 1997، وهو مسجون حاليا في تركيا بعد أن قامت ألمانيا بتسلميه عام 2005. عُرف مصطفى جينس بتاريخه الطويل في دعم تنظيم القاعدة وهو متهم بالتخطيط لمهاجمة أهداف يهودية وغربية، وذلك قبل أن قامت الشرطة التركية عام 2008 بمداهمة شبكة من المخابئ بالقرب من مدينة اسطنبول والتي ترتبط به. يقال أن جينس قد فر إلى مصر، ولكنه عاد إلى تركيا، حيث أقام دورات دينية في متجر الكتب الذي يملكه في مدينة قونية والتي تعد من أكثر المدن التركية ذات النزعة الإسلامية . عمل هذا المتجر كمركز تجنيد لتنظيم داعش الإرهابي وذلك وفقا لشهادة تسربت من لمقاتلة انتحارية حضرت تلك المحاضرات والتي لم يكشف عن اسمها . تتشابه منهجية مصطفى جينيس مع خلية أخرى مقرها “أديامان” حيث ألقى كل من أحمد قرقماز ومصطفى دوكماجى محاضرات عن تنظيم الدولة الإسلامية وقاموا بعملية التجنيد وذلك قبل بدء هجمات الخلية في تركيا. وفي أزمير كانت هناك شبكة أخرى تحت قيادة رجل يدعى ساري مراد وكان أيضاً قائد الخلية التي قامت بجعل سافاش يلدز متطرفاً والمسؤول عن هجومين مرتبطين بتنظيم داعش الإرهابي في تركيا عام 2015.

إن انتشار الأفراد التابعين لتنظيم القاعدة في تركيا قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 ، وإنشاء حركة جبهة النصرة ودخول تنظيم داعش الإرهابي إلى سوريا من العراق ، يؤكدان مدى تعقيد التحدي الذي تواجهه تركيا وأوروبا. إذ يستفيد تنظيم داعش الإرهابي من النزاعات السابقة لصقل مهاراتهم التشغيلية وتطوير تقنيات جديدة لتجنب الإمساك بهم أو أن يتم الكشف عنهم من قبل القوات الأمنية. إن ذلك يدل على أن شبكات التنظيم الإرهابي الذي يعتمد عليها المقاتلين الترك والأجانب متأصلة في تركيا، والتي يعود تاريخها إلى الجهاد الأفغاني في الثمانينيات بالإضافة إلى الأحداث الحديثة كالصراع في العراق (من 2003- حتى الآن) وسوريا (من 2011- حتى الآن).

تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في تركيا: العمليات الإرهابية

بالنسبة للعديد من المقاتلين الأتراك في التنظيم الإرهابي فقد ساهم حدثين مترابطين باتخاذهم قرار مهاجمة مناطق تركية ؛ إحداهما هو فشل التنظيم الإرهابي في الاستيلاء على بلدة كوباني التي يسيطر عليها الأكراد، والحدث الآخر هو الهجوم الكردي الذي دعمته الولايات المتحدة لإعادة السيطرة على بلدة تل أبيض. كان لهذا الهجوم الذي حدث  في سوريا صدىً كبير داخل تركيا، مما أدى إلى زيادة حدة التوتر بين المحافظين العلمانيين، وحزب الاتحاد الديمقراطي ، وهم جزء من السكان الكرد في تركيا (وكثير من المتابعين للشؤون التركية لا يدركون أنه على الرغم من البروز العلماني لحزب العمال الكردستاني فإن الأكراد هم من أكثر الجماعات المحافظة دينياً في المجتمع التركي).

أدت المعركة لتحرير كوباني بقيادة حزب الإتحاد الديمقراطي إلى تحريك مشاعر الأكراد في تركيا. وقد أثارت أيضا رد فعل من جانب الاسلاميين المعادين لحزب الاتحاد الديمقراطي. وفي تشرين الأول عام 2014، دعا أحد قياديي حزب الشعب الديمقراطي اليساري، ذو الأغلبية الكردية، أنصار الحزب للاحتجاج على سياسة تركيا تجاه الصراع في كوباني، إذ قامت تركيا بنشر قوات عسكرية إضافية على الحدود، ولكنهم لم يتدخلوا في المعركة باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، ولم يسمحوا للأكراد في تركيا بالقتال للدفاع عن المدينة.

تحول الاحتجاج إلى أعمال شغب وأسفر عن مقتل أكثر من 30 شخص، وكانت الغالبية العظمى من القتلى هم من أعضاء حزب الدعوة الحرة، وهو حزب سياسي سلفي مرتبط بحزب الله الكردي (الميليشيا التي حاربت حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا خلال فترة التسعينيات). ساعدت هذه الاشتباكات على تطرف عضو واحد على الأقل في تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في تركيا  ويدعى (أورهان جوندر)، الذي قام بتفجير عبوتين متفجرتين في عشية الانتخابات التركية بتجمع سياسي في ديار بكر في حزيران وأسفر الإنفجار عن مقتل أربعة أشخاص.

في عام 2014 سافر جوندر إلى سوريا مع اثنين من رفاقه في التنظيم، أحدهما يدعى شيخ عبد الرحمن والآخر يدعى يونس أمرة آلاجوز. كان شيخ هو من هاجم مدينة سروج، في حين كان يونس أمرة أحد منفذي العملية الإنتحارية التي استهدفت تجمعاً في محطة قطار أنقرة، أما بالنسبة للشخص الآخر الذي قام بتفجير محطة القطار فلم يتم التعرف عليه بعد، وتشير التقارير إلى أنه ليس مواطناً تركياً. واعتقلت الشرطة التركية ستة مواطنين سوريين مكلفين بتنفيذ هجمات في تركيا وذلك في مداهمة جرت مؤخراً في مدينة غازي عنتاب، وكان واحداً من المعتقلين على الأقل له صلة بالمهاجم الثاني الذي اشترك بعملية تفجير محطة قطار أنقرة.

تشير هذه الاعتقالات أن المقاتلين السوريون والأتراك في التنظيم الإرهابي لديهم روابط عملياتية، مما يدل على أن زعيم مقره سوريا هو المسؤول عن العمليات الإرهابية في تركيا. وتظهر الهجمات فهماً عميقاً للمجتمع التركي، ولا سيما الانشقاقات بين القومية الكردية والإسلاميين، وكلاهما قد تحالفوا لمصالح سياسية مع الحزب اليساري بقيادة الأتراك وحزب اليمين بقيادة المحافظين الإسلاميين. إن هجمات التنظيم الإرهابي في أضنة ومرسين و ديار بكر وسروج ومحطة قطار أنقرة تشكل جميعها مناطق رئيسية للحركة السياسية الكردية في تركيا، الأمر الذي يعكس التوترات بين حزب الإتحاد الديمقراطي و تنظيم داعش الإرهابي داخل سوريا.

أدت هذه الهجمات ضد الأكراد في تركيا  إلى انتقام حزب العمال الكردستاني من الحكومة التركية، التي يعتقد الحزب أنها تدعم تنظيم داعش الإرهابي – وبالتالي متواطئة في هذه الهجمات. وفي آذار، قام حزب العدالة والتنمية “بتجميد” محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني. في وقت لاحق في شهر تموز، قام رجلين لهما صلة  مع حزب العمال الكردستاني بقتل ضباط شرطة أتراك في شانلي اورفا وذلك انتقاما لهجوم تنظيم داعش الإرهابي على مدينة سروج. ساعد هذا التصاعد في أعمال العنف في تموز بتقويض هدنة حزب العمال الكردستاني مع الحكومة التركية والتي استمرت لمدة عامين ، وتبع ذلك عدة أحداث أدت إلى استئناف التمرد الذي يقوده حزب العمال الكردستاني – وعمليات أمنية متشددة لقمع التمرد في جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية .

كان لتنظيم داعش الإرهابي يد في إثارة تلك التوترات، مما يدل إلى أن منفذي الهجمات لديهم إطلاع على الأوضاع المحلية في البلاد  (ولكن الهجوم الانتحاري في مدينة ديانا رامازنوفا يبدو أنه كان حالة خاصة). ووفقاً لروكميني كاليماشي والتي تعمل في صحيفة نيويورك تايمز، إن فرع العمليات الخارجية للتنظيم الإرهابي يقوم بتجنيد الأجانب لشن الهجمات في دول العالم الثالث، ويمنح التنظيم منفذي العمليات استقلالية كبيرة فور وصولهم إلى مناطق تنفيذ الهجمات. قام تنظيم داعش الإرهابي بتعديل تكتيكاته مع مقاتلين فرنسيين وبلجيكيين على مدى فترة من الزمن وذلك قبل أن تعلن الخلية مسؤوليتها عن الموجة الأخيرة من الهجمات في كلا البلدين،  والتي أثبتت ناجحها.

استخدم التنظيم الإرهابي تكتيك مشابه في تركيا لما حصل في فرنسا وبلجيكا، إذ أنشأت وحدات تتكلم اللغة التركية واستعانت بأئمة ومدربين عسكريين أتراك. لا توجد تقارير من جهة مستقلة حول التدريبات العسكرية للتنظيم الإرهابي بشكل واضح، ولكن من المؤكد أن مقاتلي التنظيم الإرهابي يأخذون الاحتياطات اللازمة لتجنب الكشف الإلكتروني. فعلى سبيل المثال ؛ قبل يومين من تنفيذ الهجوم في مدينة ديار بكر، أعطي لرورهان جوندر ثلاثة هواتف ذكية تركية مدفوعة مسبقا وتعليمات حول كيفية السفر من غازي عنتاب إلى ديار بكر دون أن يتم الكشف عنه – وهو تكتيك استخدمه التنظيم الإرهابي في أوروبا أيضاً. تم اعتقال جوندر قبل تنفيذ هجوم انتخابات 7 حزيران، ولكن تم اعتقاله بسبب تهربه من الخدمة العسكرية وليس لاشتباه بأن لديه صلة مع تنظيم داعش الإرهابي وأطلق سراحه وتم إعتقاله مرة أخرى في طريق عودته لسوريا في مدينة غازي عنتاب وذلك بعد تنفيذه للهجوم. يوحي اعتقاله الأول إلى أن السلطات التركية لا تملك صورة شاملة عن أعضاء التنظيم الإرهابي المحتملين ، وهي مشكلة تواجهها أيضاَ أجهزة الأمن الفرنسية والبلجيكية.

ومع ذلك ، فهناك اختلافات رئيسية بين هجمات التنظيم الإرهابي في تركيا عن تلك التي حدثت في فرنسا وبلجيكا. إذ قام المفجرون الفرنسيون والبلجيكيون بصنع متفجراتهم بأنفسهم باستخدام مادة (TATP) المتفجرة ، بينما اعتمد المفجرون الأتراك على الأحزمة الناسفة التي صنعت من مادة (TNT) و المكون (B) المتفجر، وهو خليط متفجر من مادتي (TNT) و (RDX) المتفجرة. إن هذا الاختلاف في المتفجرات يعود إلى أن المقاتلين الأوروبيون في التنظيم الإرهابي يصعب عليهم تهريب مثل تلك المتفجرات على متن رحلة جوية متجهة إلى أوروبا. ومع ذلك، فإن الإنفجارين في مدينتي (سروج وأنقرة) قد تم باستخدام أحزمة ناسفة صنعت في مستودع  في مدينة غازي عنتاب، وليس في سوريا. ومع ذلك فإنه من  غير الواضح  الجهة التي تم شراء المتفجرات منها، وهذا يشير إلى أن التنظيم الإرهابي متواجد في تركيا بشكل قوي، والذي من المحتمل أن يكون قد ثبّت نفسه حول شبكات التهريب في البلاد والتي يعتمد عليها التنظيم للمساعدة في الحفاظ على الخلافة التي يدعون إليها. تشير الإعتقالات الأخيرة للسوريون الذين يشتبه بأن لديهم علاقة مع خلية آديامان وأن هذه العلاقات لا تزال مستمرة على الرغم من ارتفاع نسبة الإعتقالات المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي في تركيا منذ آذار عام 2015 والجهود التركية المتزامنة لإغلاق الحدود.

بناء وصف كامل للتنظيم الإرهابي: تحد صعب

إن تورط خلية آديامان في أنشطة تنظيم داعش الإرهابي هو أمر واضح ومباشر: إذ أن الخلية هي المسؤولة عن الهجمات الخمس والهجوم الفاشل في ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة. عملت هذه الخلية بشكل علني لما يقارب العام في آديامان، وذلك قبل فرار الأعضاء الرئيسيين إلى سوريا. وقضى عدد كبير من أعضاء هذه المجموعة وقتاً طويلاً في سوريا في عامي 2013 و2014. وفي إحدى الحالات؛ قام أحمد قرقماز ، والذي كان يعمل في مخيم للاجئين بالقرب من الحدود، بالإنضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، وقبل أن يتم تجنيده وحضوره للدورات الدينية المتطرفة قام أحمد والذي أصبح الزعيم الروحي في خلية آديامان ، بتعليم نفسه الدين المتطرف في منزله . من الواضح أن الحرب في سوريا قد ساهمت في عملية التطرف. إذ قام جميع أعضاء تنظيم داعش الإرهابي بحضور دورات دينية والتي كانت تدرَس من قبل متطرفين. في آدييامان، كان أحمد قرقماز يعمل على تجنيد مقاتلين جدد وكمرشد روحي لهم. وفي قونية، عمل مصطفى جينيس بنفس الطريقة.

على غرار جينيس وقرقماز، قام ساري مراد بإدارة مجتمع ديني غير رسمي حيث قام بتجنيد مقاتلين لصالح التنظيم الإرهابي، و بعد أربعة أشهر من التدريب الديني، أرسل مراد المجندين إلى سوريا للانضمام لتنظيم داعش الإرهابي، حيث تلقوا تدريب ديني وعسكري أكبر بالقرب من سد الطبقة والذي يقع على الحدود الخارجية لمدينة الرقة. كانت جماعة مراد معروفةً لدى عناصر من الجماعة السلفية في تركيا. اعتقلت الشرطة التركية مراد ورفاقه المعروفين مؤخراً، وذلك بعد أن قامت وحدات حماية الشعب (YPG) بنشر تسجيل فيديو لاستجواب يلدز على الانترنت. إن القواسم المشتركة في جهود التجنيد عبر عدة مدن تركية مختلفة تشير إلى أن على السلطات التركية التحرك بسرعة أكبر لاعتقال مسؤولي التجنيد والمرشدين الروحيين، أو أن يتحملوا خطر تعرض أعداد كبيرة لأيدولوجية تنظيم داعش الإرهابي .

ومع ذلك، لا يبدو أنه من الممكن تكوين نظرة عامة للمجندين أو المقاتلين، مما يجعل العملية التي ذكرت سابقاً أمراً أكثر صعوبة. فإن أعضاء تنظيم داعش الإرهابي هم أتراك وكرد وسُنة ويأتون من عائلات متعلمة جدا أوسيئة. إذ كان أحد أعضاء التنظيم طالب دكتوراه  في الفيزياء الفلكية، وعضو آخر كان مدمن مخدرات، وهو الآن يعمل في موقف للسيارات في أنقرة بعد أن أمضى فترتين مختلفتين مع تنظيم داعش الإرهابي في سوريا لمساعدته في التوقف عن إدمانه. ويظهر أن مقاتلي التنظيم الإرهابي أصغر سناً من أنصار تنظيم القاعدة الأتراك، ولكن هذا أيضا  ليس أمر ثابتاً: فإن المقاتل الذي قبض عليه بعملية تفجير في ليلة رأس السنة الميلادية ،عدنان يلدرم يبلغ 40 عاماً ، بينما يبلغ عمر شريكه موسى قانوز 28 عاماً.

هذا يدل إلى أن دعوة التنظيم الإرهابي مستمر عبر الأجيال وعبر الطوائف ولا تقتصر على منطقة واحدة داخل تركيا. ومع ذلك، فإن الأشخاص الرئيسيين المسؤولين عن التجنيد لصالح تنظيم داعش الإرهابي والمقاتلين  المنضمين في التنظيم الإرهابي أو جبهة النصرة، لهم علاقات مع الجهاد الأفغاني. وإذا أُخذت تلك المعلومات معاً فإن ذلك يشير إلى أن العمود الفقري لشبكات تنظيم داعش الإرهابي له تاريخ سابق قبل الحرب على سوريا ، وتشير البيانات أيضاً إلى أن الصراع الحالي قد وسّع صفوف المجندين المحتملين. كان شيخ عبد الرحمن آلاجوز يبلغ  20 عاماً عندما فجر حزامه الناسف، في حين أن زعيم الخلية ، مصطفى دوكماجى  كان من مواليد عام 1985. في بداية النزاع السوري، كان آلاجوز يبلغ 15 عاماً فقط ، ومصطفى دوكماجى كان يبلغ 26 عاماً . فالنتينا سلابوديايونك وهي مواطنة ألمانية من أصول كازاخستانية تزوجت مقاتلا تركياً من التنظيم الإرهابي في مراسم دينية في سوريا، وكانت تبلغ من العمر 16 عاماً فقط عندما بدأ الصراع في سوريا.

هذه الفئة العمرية قد تكون أكثر عرضة لدعاية تنظيم داعش الإرهابي الذين استفادوا من سهولة السفر من وإلى سوريا عبر تركيا بين عامي 2011 و2015، والذين انجذبوا إلى العناصر المتطرفة داخل تركيا. تواجه تركيا وأوروبا مشكلة مشتركة: وهي الآثار المترتبة على المدى الطويل من التطرف الذي تعرض له مواطنيهم الذين قاتلوا في سوريا أو المواطنين الذين دعموا الطموحات الدينية لتنظيم داعش الإرهابي.

في الأول من شهر نيسان ذكرت وسائل الإعلام التركية أن السلطات تبحث عن خمسة انتحاريين محتملين ؛ أبو أيمن المغربي (أمريكي من أصول مغربية)، وراشد العبدالله الجعجان ( يقال أن له صلة مع نبيل فضلي مفجر السلطان أحمد) ، وعيسى توبوليف (وهو أذربيجاني لديه جواز سفر روسي)، وفرقان أوركميز وحسن حسين أوغور (كلاهما مواطنين تركيين) . قتل شقيق فرقان (محمد أوركميز) وهو يقاتل مع التنظيم الإرهابي في تموز عام 2015. يبدو أن المشتبه بهم الأتراك مقيمين في سوريا ، أما الأجانب فتشير البيانات إلى أنهم قد دخلوا إلى تركيا من الخارج. إن هذه المجموعة من الأفراد تضفي المزيد من المصداقية لفكرة أن هناك شبكة  تابعة لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا تقوم بتوجيه الهجمات في تركيا. يبدو أن هذه الشبكة تضم جنسيات متعددة ولكنها تعتمد على الأتراك في تنفيذ استراتيجيتها. ومع ذلك، فإن هذا لا يمكن أن يتم التأكد منه – وتبقى فرضية يجب ان يتم إثباتها.

لا تشير الحالة التركية إلى وجود نمط محدد من التطرف، بل إن أعضاء تنظيم داعش الإرهابي لديهم خلفيات متنوعة. ويبدو أن أعضاء التنظيم الإرهابي الأتراك لهم علاقات مع عدد من الأجانب، ويبدو أن الكثير منهم قد سافر عبر تركيا في مرحلة ما قبل عام 2015. إن هذه الخلية في سوريا تتبع استراتيجية مجموعات تنظيم القاعدة السابق، وترتبط مع الجهات الجهادية العالمية الساخنة الأخرى. هذه المشكلة ليست جديدة بالنسبة لتركيا، لكن الحملة ضد هذه الشبكات لم تبدأ إلا في أواخر عام 2014 وأوائل عام 2015. لذلك وعلى المدى الطويل فإن كل من أوروبا وتركيا عليهما أن يواجها معا مجموعة مشتركة من التحديات المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، سواء كان ذلك بالتعاون الإستخباراتي أو بفرض تشريعات داخلية. لدى تركيا قدرة لمعالجة القضية الثانية وذلك بفرض تشريعات داخل البلاد في الوقت الذي تواصل جهودها في منع المقاتلين الأجانب من استخدام أراضيها للعبور إلى سوريا. ومع ذلك، فعند هزيمة تنظيم داعش الإرهابي ستزال قضية التطرف تشكل تهديداً لتركيا في ظل انعدام وجود سياسة ميّسرة لحل هذه المشكلة.


ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

 

المصدر:

http://warontherocks.com/2016/04/the-islamic-state-in-turkey-a-deep-dive-into-a-dark-place/