بيتر والدمان ، مراسل لوكالة انباء بلومبرج في سان فرانسيسكو

هل باستطاعة إلهام حسن زاده جعل النفط الايراني يتدفق من جديد؟

في مطعم صغير في طهران يدعى مونسون ، يقدم وجبات مختلفة كالسوشي و لحم البقر سيتشوان وطبق جبن الغودا والحبار على قطعة خبز من القمح الكامل المحمص، ان هذا الاندماج في النكهات يعد تحدياً كبيراً. كذلك هو الامر في موضة النساء، مثل الجلباب الضيق والسيقان المكشوفة والحجاب الذي بالكاد يغطي تسريحات الشعر المصبوغ باللون الاشقر والحناء. ان تصميم المطعم ذي الجدران الخرسانية والمناضد الحمراء والمزين بتماثيل الآلهة البوذية والهندوسية يعطي طابعاً لمطعم في مدينة مانهاتن وليس في الجمهورية الايرانية الاسلامية. تجلس على طاولة في زاوية المطعم السيدة الهام حسن زاده ، ذات العيون الداكنة التي يبلغ طولها 6 اقدام تقريبا وتمتلك حواجب كثيفة وخصلة من شعرها الكستنائي الظاهر من حجابها. يرافقها في المطعم رجلين متوسطي العمر و هم مدراء شركتين ايرانيتين للهندسة و البناء.

تربت إلهام حسن زاده في عائلة تعمل في زراعة الفستق ذوي التفكير التقليدي جنوبي ايران ، حصلت حسن زاده ذات ال (31) عاماً على شهادة الماجستير في القانون وشهادة الدكتوراه في الطاقة من المملكة المتحدة  بعد حصولها على بعثتين دراسيتين . وقد قامت بكتابة كتاب نشرته مطبعة جامعة اكسفورد العام الماضي عن صناعة الغاز الطبيعي الايراني منذ الثورة الاسلامية عام 1979. عادت الهام حسن زاده الى طهران لتترأس شركة استشارية “شركة انرجي بايونيرز” التي مقرها في طهران ولندن. هذه الشركة في طليعة الشركات التي اقنعت ايران الى جذب المستثمرين الاجانب مرة اخرى وذلك بعد رفع العقوبات المتوقع في الاشهر المقبلة. اذ تعتمد ايران على التكنولوجيا الغربية و تأمل على رفع التمويل بمقدار 100 مليار دولار من الخارج لمضاعفة انتاج النفط والغاز في الاعوام الخمس القادمة. تقوم حسن زاده بتأسيس عمل يقوم على استثمار المعرفة العميقة لموارد الطاقة الايرانية ، وعلى العلاقات الوثيقة مع حكومة التكنوقراط وقادة الصناعة في طهران، وكذلك من خلال الاتصالات رفيعة المستوى مع شركات النفط الكبرى والشركات القانونية بالاضافة الى استثمار المنازل في الغرب.

ان موكليها يفتقرون للصبر، فان احد مرافقيها في المطعم ب. م. هزراتي ،  وهو مدير شركة أرسا الدولية للبناء (Arsa International Construction) ورئيس مجموعة تجارة المقاولين يقول ” ان على الشركات الاجنبية فتح مكاتب لها في طهران على الفور و شراء اسهم شركات محلية الذين بامكانهم ان يكونوا وكلائهم ومساعدتهم في الادارة ولسوء الحظ ، فانهم لايزالون ينظرون الينا بعين الخمسة عشر سنة الماضية”.

ذكرت حسن زاده ” ان العالم قد مضى قدماً” ، اذ تستبعد فكرة ان المستثمرين الغربيين ، في الوقت الذي يتخم السوق في النفط ، على استعداد للتوجه الى طهران دون دراسة التفاصيل الصغيرة.  وكانت تتنقل مؤخراً بين ايران والغرب للتحدث في المؤتمرات التجارية ولحضور اجتماعات مع المسؤولين التنفيذيين الغربيين للنفط ومدراء الصندوق المالي ، والمصرفيون ، بالاضافة الى المحاميين وذلك للتحدث حول عودة بروز بلادها.

بالرغم من صغر سنها ، الا انها اسست شبكة واسعة تضم لاعبين في الصناعة في اوروبا وذلك خلال سنوات عملها في معهد اوكسفورد لدراسات الطاقة، وان البعض من معارفها قد تجاهلوا القانون الامريكي بمجرد مناقشة اعمال مع ايران . ولذلك فان حسن زاده لا تفصح عن اي من الاسماء فيما تتشارك مع الاخرين ما تعلمته وذلك ان الاستثمار الغربي المؤثر في قطاع النفط الايراني لن يفعّل الا بعد 18 الى 24 شهراً على الاقل و ربما اكثر من ذلك . الشركاء المحتملون وحسب ما تقول حسن زاده لا يثقون في المعلومات القادمة من طهران ، كما ان البنوك المهمة وصناديق الاستثمار”لا يزالون بحاجة الى الضوء الاخضر” من وزارة الخزانة الامريكي قبل تقديم المال لايران. وتقول حسن زاده بالنسبة اليهم ، ان استقرار ايران لا يزال امرا مشكوك فيه. ” فماذا سيحصل اذا لم يتم انتخاب (الرئيس الاصلاحي حسن روحاني) مرة اخرى بعد سنتين ؟؟

ان التقييم الصارم يثير مخاوف غاما مهرداد مترجمى الضيف الثاني للسيدة حسن زاده وهو المدير التنفيذي لشركة غاما الواقعة في طهران التي انجزت مؤخرا أكبر وحدة إنتاج للغاز الطبيعي الايراني في الخليج الفارسي، والتي تدعى حقل فارس الجنوبي (مرحلة 12). يقول المدير التنفيذي ذو (60) عاماً وصاحب الشعر الاشيب ” بامكانك دائما ان تضع لائحة طويلة من التساؤلات” ان ابتسامته وصوته الهادئ يناقضان طبعه اللاذع. ويقول ” ماذا لو أصبح دونالد ترامب الرئيس القادم للولايات المتحدة؟”

تغيرت المحادثات الى نقاش حول موضوع اخر وهو التوتر داخل الصناعة النفطية الايرانية، اذ يزعم البعض ان (المرحلة 12) وغيرها من الانجازات خلال اربع سنوات من العقوبات العالمية اثبتت ان ايران لاتحتاج الى مساعدات خارجية . ويقول المدراء التنفيذيين مثل مترجمى ان التكنولوجيا العالمية والخبرات الادارية لا غنى عنها. ان انجاز (المرحلة 12) يعد انتصاراً للاكتفاء الذاتي في ايران. فقد كلَف هذا المشروع ضعف ما ينبغي انفاقه بسبب العقوبات  ووفقا لمترجمى ” لا يمكنك ان تتصور كم كان امراً صعباً” ، فقد فرضت البنوك في دبي وآسيا فوائد رِبَوِيّة عند نقل الاموال الايرانية، كما رفض الموردون الغربيون بيع الادوات المختلفة مثل الانانيب والصمامات “ذات الاستخدام المزدوج” لايران وذلك لاعتبراها مواد قد تستخدم في المجالات العسكرية او التكنولوجيا النووية. ولم تصل قطع غيار لبعض الاجهزة الحيوية كالمضخات، ولايزال (المُكَثِف الضخم) على المرسى في دبي وذلك بسبب العقوبات المتراكمة على ايران .

ويقول مترجمى خلال تناوله طبق التحلية (لفائف المانجا المقلية مع مثلجات بنكهة جوز الهند) “لقد رأينا كيف ان الادارة تعمل بشكل افضل عندما تكون هناك شركة اوروبية تعمل معنا” واضاف قائلاً ” نحن نرغب بنسيان كراهية الماضي، ايٍ كانت ، وفتح صفحة جديدة” .

1
فاطمة بهبودي لبلومبيرغ بيزنس

ان احتدام المشاكل في هذا الشهر مع المنافس الطائفي “المملكة العربية السعودية” عبر الخليج الفارسي ، لم يمنع ايران من اعادة بناء قطاع الطاقة. وقد سال لعاب الغرب منذ بدء حل مشكلة رفع العقوبات في شهر تموز عام 2015. في مؤتمر عقد في طهران اواخر شهر تشرين الثاني ، أثار وزير النفط الايراني ، بيجان نامدار زنكنه، اكثر من 300 مدير تنفيذي للطاقة الاجنبية و ذلك بالافصاح عن 70 مشروعاً للتنقيب و التطوير حتى الآن، التي تستهدف 30 مليار دولار في استثمارات جديدة. يَعِد مسؤولون في الوزارة انه سيكون هناك شروط افضل للمنتجين الاجانب مما كان عليه سابقاً في العقود النفطية الايرانية السابقة، التي خصصت رسوماً ثابتة للشركات بغض النظر عن كمية النفط التي تنتجها ، ولم تدفع شيئاً للشركات التي انفقت اكثر مما اتفق عليه في الميزانية لتطوير حقول النفط. اما العقود الجديدة ستكون صالحة لمدة 25 عاماً ، مقارنة مع العقود القديمة التي كانت صالحة لمدة 7 سنوات. ترغب ايران التي ستكشف المزيد من التفاصيل في شهر شباط ، بتوقيع اول صفقة لها في ربيع هذا العام.

كم مرة في حياة الشخص قد يرى قوة عظمى منتجة للنفط والغاز ان تستأنف نشاطها مرة اخرى ؟” سؤال قد طرحه غانيش بيتانا بهتله، المستثمر في الاسهم الخاصة في صفقات النفط والغاز التي مقرها في مدينة هيوستن. وكمواطن امريكي ، فهو الوحيد في سعيه للاستثمار في فرص التنقيب وانتاج النفط في ايران بعد رفع العقوبات بشكل كامل عن طريق شركات انتاج نفط امريكية متوسطة الحجم التي دعمها في السابق . ولمجرد حديثه معي ، فقد اصر على عدم ذكر اسم شركته في هذه المقالة. وبصفته مؤيدا كبيرا لجيب بوش و كنائب وطني لرئيس مجلس شركة مافريك (Maverick PAC) وهي مجموعة تقوم بجمع التبرعات من الجمهوريين الاثرياء الذين تقل اعمارهم عن الاربعين عاماً، فان بيتانا بهتله قد تحمل سخرية اصدقائه الجمهوريون حول سعيه للاستثمار بالنفط الايراني “هذه القضية تستحق” كما قال “ولكن بدفع ثمن”.

ان مشكلة بيتنا بهتله الاكبر تكمن في غموض المعلومات وشحتها حول الايداعات الايرانية الهيدروكربونية. ويقول :” لم يقم اي شخص في مجال التنقيب وانتاج النفط بالوصول الى ايران منذ 36 عاماً “. لكن السيدة حسن زاده قد ساعدت بيتنا بهتله في البحث ، كما رتبت شركتها اجتماعات له مع مسؤولين ايرانيين في نيويورك واوروبا . ومن مصادر معلوماتها محاميين اثنين في الثلاثينيات يعملون في شركات الخدمات المهنية الرائدة ، واحدهما (امير غافي) و يعمل في (ويلكي فار آند غالاغار)  للمحاماة ومقرها نيويورك. ومن مصادرها ايضا المدير التنفيذي لشركة تجارة سلع ضخمة في سويسرا بالاضافة الى رئيس تطوير واحدة من اكبر الشركات المنتجة للنفط في اوروبا.

اصبحت الهام حسن زاده مفتونة بمجال الطاقة اثناء دراستها للحصول الى شهادة البكالوريوس في القانون في جامعة آزاد الاسلامية في طهران حين تتلمذت على يد شخص من ابرز المحامين في ايران في مجال النفط و الغاز.  و قد تدربت ايضاً في مكتب المحاماة الخاص به، اذ عملت مع المدراء التنفيذيين في شركات النفط الكبرى في انحاء العالم. ان خبرتها قد ساعدتها على الفوز بمنحة دراسية من شركة رويال داتش شل (Royal Dutch Shell) للحصول على شهادة الماجستير في القانون في جامعة كامبردج في انجلترا في عامي 2008 – 2009. ويقول مشرفها في رسالة الماجستير ومؤسس ورئيس مجلس ادارة معهد اكسفورد لبرنامج ابحاث الغاز الطبيعي الخاص بدراسات الطاقة ، جوناثان ستيرن :”ان الغرب على وجه الخصوص معجبين بها حقاً” ، ” فهي امرأة ايرانية شابة متمكنة من اللغة الانجليزية، و لديها خلفية اكاديمية و خبرة كبيرة في العالم الحقيقي، و حاصلة على شهادة في القانون، و هذا امر لم يألفوه من قبل”.

“إنني بحاجة الى كسر تلك الحدود، للدخول الى مجال كان و لايزال يفرض الرجال هيمنتهم عليه”

ان الصدمة لا تكمن لكون الهام حسن زاده امرأة تعمل في عالم النفط والغاز الذي يسيطر عليه الرجال بشكل كبير، بل يكمن في تصريحاتها. فهي تقول لعملائها الايرانيين – المدراء التنفيذين الذين يحاولون بشكل مستميت ان يحصلوا على شركاء اجانب بعد رفع العقوبات – انهم غير مستعدين لذلك. وبالتأكيد، فان الشركات الايرانية ذات العلاقات الجيدة بامكانها ان تحصل على حصص صغيرة في صفقات التطوير والتنقيب عن النفط ، والتنازل عن السيطرة التشغيلية لشركات النفط الدولية، والتوقف عن العمل وجمع الارباح فيما لو نجحت المشاريع. ولكن من وجهة نظر حسن زاده ، فان ايران تحتاج الى التكنولوجيا والمعرفة ، ووظائف جيدة ، ومثل هذه الامور لا تحدث من علاقات “شبه استعمارية” السائدة في اماكن اخرى في الشرق الاوسط.

من وجهة نظر حسن زاده فان على ايران ان تعمل على بناء “بنية تحتية للاستثمار” واعتماد مدققين مستقلين ومحامون ومستشارون ومحاكم يستطيع ان يعتمد عليها الاجانب لجعل الشركات الغربية تعمل في مشاريع مشتركة مع شركاء ايرانيون بشروط متساوية بشكل اكبر. ان هذا سيستغرق وقتاً طويلاً والتزاماً مجتمعياً لسيادة القانون، وبالنسبة للوقت الحالي ، فان ايران لاتمتلك نظام اسناد ائتماني موثوق. “اننا نحاول بناء هذه الركيزة”  واضافت قائلة: ” اننا نخبر الناس ان يهدأوا ويسترخوا، فهناك ما يكفي من الطعام للجميع. لا تفعلوا شيئا الآن قد تندمون عليه فيما بعد”.

وبالنسبة للمستثمرين الغربيين المحتملين لديهم طموح يماثل الطموح الايراني لإقامة علاقات مشتركة، فهي تنصح بالتحلي بالصبر. في كتابها الموسوم ” صناعة الغاز الطبيعي الايراني في مرحلة ما بعد الثورة – التفاؤل والشك والامكانية ، هناك فصل كامل يتحدث عن الفساد و حاجة ايران الماسة للاصلاح القانوني. حقق كتابها نجاحاً باهراً لدى قادة العديد من شركات النفط الاوروبية الكبرى الذي نشره معهد اكسفورد لدراسات الطاقة وذلك وفقاً لهوارد روجرز، الذي عمل لمدة 29 عاماً لدى شركة بريتيش بتروليوم (BP) ، ان معهد الابحاث الرصين كان منطلقاً لتأثيرها خارج ايران. فبعد نشر كتابها ، كسبت إلهام حسن زاده احترام الاجانب وذلك لحصولهم على نظرة واضحة لمشاكل ايران، و عدم محاولتها للحصول على تفويض سريع للعمل كوسيط.  يقول روجرز : “ان وجهة نظر الهام غير مليئة بالتفاؤل بشكل خالص ، بل لديها حس عملي واقعي للتحديات المقبلة”.

حسن زاده في مكتبها في طهران. تصوير : فاطمة بهبودي لبلومبيرغ بيزنس
حسن زاده في مكتبها في طهران. تصوير : فاطمة بهبودي لبلومبيرغ بيزنس

في حين يتصدر الرجال المسنون المعممون عناوين الصحف، الا ان الشباب هم من يقود اعادة اندماج ايران مع الغرب. ان ثلثي هذه الامَة البالغ عددها 78 مليون نسمة هم تحت سن 35 ، وبنسبة 60% من خريجي الثانوية العامة يلتحقون بالجامعات ، وهو ما يقارب نفس النسبة في بريطانيا وفرنسا. ان الطلب على فرص العمل والاحساس بالحياة الطبيعية من هذه الطبقة الديموغرافية المتعلمة المتزايدة يشكل اخطر تهديد طويل المدى للنظام الاسلامي – وكذلك هو اعظم ثروة للانسانية ، وفقا لإلهام حسن زاده.

وزير النفط الايراني زنكنه، هو رجل تكنوقراطي صارم، احاط نفسه مع عاملين صغار السن في العشرينيات والثلاثينيات ، الذين لهم علاقة وثيقة مع اساتذتهم السابقين و زملائهم في الدراسة واصدقاء من جميع انحاء الجالية الايرانية الواسعة.

ثمة امر اخر يشكل ضغطاً على النساء، على الرغم من ان النساء في ايران تشكل نسبة 60% من مجمل عدد طلاب الجامعات في البلاد ، الا ان 18% فقط هم من مجمل القوة العاملة لديها. يعد التعليم امراً ثميناً في ايران، ولكن الزواج والامومة والبقاء في المنزل هو امر مفضل بشكل اكبر لدى الزوج على وجه الخصوص. وتقول حسن زاده ، وهي امرأة عزباء ، ان اسوأ تمييز شعرت به كان في اجتماعات مع كبار المدراء التنفيذيين اللعوبين ” الذين يعتقدون بانه لكونكِ امرأة يجب ان تكوني متفتحة اجتماعياً”.هناك بالطبع استثناءات مع معظم الرجال العاملين في مجال النفط الذين يبذلون جهدهم للمساعدة. وتقول ايضاً ” يبدو انه ليس باستطاعتنا ان نصدق حقاً بان امرأة بامكانها ان تصل الى مستواك من الصراحة”.

في اجتماع عقد صباحاً في شركة نامفاران (Namvaran) وهي شركة مختصة بهندسة البترول، تتعامل كل من إلهام حسن زاده و باريناز تهباز، مديرة تطوير الاعمال في الشركة ، مع حدث نادر في الشرق الاوسط تهباز كانت واحدة من اربع نساء تخرجوا من كلية الهندسة من جامعة طهران عام 1996 جنباً الى جنب مع 78 رجلاً. اما الآن ، فان 70% من خريجي كلية العلوم في ايران هم من النساء. وتقول تهباز، حين انضممت الى نامفاران (Namvaran) في السنة التي تخرجت فيها من الجامعة ، كان هناك مهندستين من اصل 40 مهندساً في قسمها . اما اليوم تشكل النساء 45% من مجمل العاملين في الشركة، وتعد تهباز اول امرأة ضمن الخمس اشخاص ممن يحملون اسهم الشركة وواحدة من اعضاء مجلس الادارة. ولكي تكسب ثقة الرجال فقد اضطرت للعمل مدة 14 ساعة باليوم وقضاء فترات طويلة على الطريق في مواقع العمل. و لقد اضطرت للتخلي عن فكرة انجاب الاطفال وتقول :” ان زوجي يعلم ان شركة نامفاران (Namvaran) هي عائلتي الاولى”.

لم تقرر حسن زاده اذا ما سيكون لها اسرة بعد. فالرجال الايرانيين ليسوا مهتمين بالزواج من نساء متعلمات ومستقلات مادياً وتقول :” فكيف سيسطر الرجال على النساء اذا؟ ” فيجب على النساء ان يتزوجن بعمر 17 عاماً ، قبل ان تشكلن تهديدا قوياً ، او ان يتخلين عن مهنتهن. وقد علمت الهام حسن زاده انها ترغب بالحصول على شهادة الدكتوراه قبل ان تستقر في حياتها الاجتماعية  وتقول : ” لقد قيل لي ، فيما لو التقيت بشخص يعجبني، فيجب الا اخبره عن طبيعة عملي”.

تستهوي حسن زاده الفوز على الرجال في لعبتهم الخاصة  وكتبت في رسالة في البريد الالكتروني :”إنني بحاجة الى كسر تلك الحدود، للدخول الى مجال كان ولايزال يفرض الرجال هيمنتهم عليه”. ان الشعور بالقوة والابتهاج والاثارة الذي يقدمه هذا القطاع لي كامرأة للقتال وجه لوجه مع الرجال، في تلك اللحظة بالذات، فانك لم تتجاوزين الحدود فحسب بل قد تقدّمت على جميع الرجال . ففي تلك اللحظة ايضا عندما تكونين العضوة الوحيدة في لائحة تتضمن سبعة او ثمانية  من الرجال ذوي العيار الثقيل الذين التزموا الهدوء معربين عن اعجابهم ببصيرتك”.

3

عندما ذهبت الهام حسن زاده الى جامعة كامبريدج لاول مرة للحصول على شهادة الماجستير . استطاعت تكوين صداقات بشكل سريع مع طلاب امريكيين ، اما الطلاب البريطانيين فقد وضعوا حدوداً لعلاقاتهم. وقامت بزيارة الولايات المتحدة الامريكية للمرة الاولى والاخيرة في كانون الاول عام 2007، الرحلة التي كان من المفترض ان تستمر لمدة اسبوعين، فقد استمرت لمدة 10 ايام فقط. سافرت حسن زاده، ذات 23 عاماً، بمفردها عبر مطار واشنطن دالاس الدولي، وتم اختيارها من المسار الامني الى جهاز فحص ثانوي يدعى “جهاز البخاخ”. ادى الهواء المندفع من الجهاز الى رفع قميصها،  واصيبت حسن زاده بالرعب داخل الغرفة الزجاجية . ومشرف ادارة امن المطار الذي حاول تهدئتها ، اصبح ودياً اكثر من اللازم ، و تقول :” هل هذه هي الطريقة التي تعامل فيها شابة ليس لديها ادنى فكرة عمّا يحصل ؟ ، ان تغازلها؟” . ولكنها انهت رحلتها بعدما تعرضت لتعبير لفظي من رجال مضطربين يحتفلون بليلة رأس السنة الجديدة في تايمز سكوير. تقول الهام حسن زاده” انني لا ارغب بالعودة الى الولايات المتحدة الامريكية مرة اخرى.

بعد حصولها على شهادة الماجستير من جامعة كامبريدج ، تم تعيين حسن زاده ذات (25) عاماً، كأصغر مدرس في القانون في جامعتها على الاطلاق. في ذلك الوقت ، كان الرئيس المحافظ محمود احمدي نجاد في ذروة قوته، بعد ان قام هو والمرشد الاعلى آية الله علي الخامنئي بالقضاء على ثوار التحرك الاخضر الايراني عام 2009 باستخدام الميليشيات المسلحة بالهراوات والاعتقالات الجماعية لنشطاء الديمقراطية. تجنبت حسن زاده مناقشة الامور السياسية داخل القاعات الدراسية ، مدركة انها كانت تحت تدقيق خاص لكونها عاشت في الغرب. ولم تفضل جهة على جهة اخرى كذلك . ولقد قامت بمساعدة ابن قائد الباسيج (او ميليشيا اسلامية)  المواضب بالحصول على فرصة للعمل في الغرفة التجارية كمتدرب، ولكنها رسّبت الابن المهمل لعائلة ميليشياوية اخرى، الذي قام بتهديدها بالتبليغ عنها كمخربة لفرع الاستخبارات في الجامعة مالم تغير من درجته. و لكنها طردته من القاعة الدراسية و ابلاغ أمن الحرم الجامعي.

قام ضابط في الاستخبارات باستدعاء حسن زاده لاستجوابها. وقد ابلغها انها متهمة بالتحدث ضد النظام الاسلامي. وقدم لها ملف سميك خاص برحلاتها خلال السنوات الخمس الماضية . وسألها ” لماذا تغادرين ايران كثيراً؟ ” واخبرته عن دراساتها العليا و زيارة الولايات المتحدة الامريكية المحبطة، ثم قدمت تسجيلات صوتية لجميع محاضراتها في الجامعة التي قامت بتسجيلها لمثل هذا الاجراء. وفي نهاية المطاف ، تم طرد الطالب الذي اتهمها ، وتلقت اعتذارا رسمياً من ضابط الاستخبارات ، معرباً عن أمله الشديد ببقاءها في ايران لمواصلة خدمة الشعب.

كان واقع اعادة انتخاب أحمدي نجاد بمثابة الاصابة بأزمة قلبية ، و قالت حسن زاده ” انهار كل شيء ، كان الجميع يشك ببعضهم البعض ” وقلت لنفسي انني ذاهبة من هنا . فذهبت الى اكسفورد.

كان توقيتاً مثالياً، عندما انهت حسن زاده اطروحتها حول الطاقة عام 2013، كان روحاني قد استلم الرئاسة، ولكنها ضاقت ذرعاً من كلام الايرانيين في الخارج الذين كانوا يتذمرون بشأن النظام ولكنهم لم يذهبوا لمساعدة بلدهم . عادت حسن زاده الى طهران لبدء شركتها انرجي بايونيرز (Energy Pioneers) وكان شريكها في تأسيس الشركة نعمه فتح، ذي 44 عاما، احد كبار مستشاري محمد خاتمي ، الرئيس الاصلاحي السابق.

كان معظم عملهم يتمحور على مساعدة الشركات الايرانية في اعداد وثائق مالية و وثائق الجدوى الاقتصادية التي ستسهل على الغرب فهمهم والوثوق بهم. ان التوترات السعودية لم تسبب ضررا لنا حتى الآن. ولا تزال الشركات الاوروبية تسعى للحصول على استشارات ، ولكن يشعر الجانبين بالحيرة . وتقول :” ان كلا الجهتين يتحدثان اللغة الانكليزية ، ومع ذلك فانهما من كوكبين مختلفين”. فعلى سبيل المثال ، يعتقد العديد من زبائنها الايرانيين ، انه بعد رفع العقوبات عن ايران انهم سيحصلون على اموال من الخارج لتغطية المشاريع النفطية بنفس قيمة “علاوة تحمل المخاطرة” التي دفعوها سابقا في فترة احمدي نجاد قبل 15 عاماً. ويقولون ان ايران هي البلد الوحيد المستقر مقارنة مع بقية دول الشرق الاوسط، واذا كانت علاوة تحمل المخاطرة في ذلك الوقت 2 الى 4 ، فهذا يعني انه بامكان الايرانيين اقتراض المال لمشاريعهم بسعر الفائدة مضافاً اليه 2 الى 4 نسبة مئوية، وتقول حسن زاده بان النسبة قد اصبحت الان اكثر من 10 %. نقلا عن محادثة جرت مع مصرفي مستثمِر في لندن :”انني اقول للعملاء ، اصدقائي لا تكونوا متوهمين”.

مشروع حسن زاده الاكثر تقدماً هو مجمع ضخم من مصافي الغاز الطبيعي الذي خطط ليكون الاكبر عالمياً. يقع هذا المشروع في ميناء قرية سيراف القديمة على الخليج الفارسي ويتكون من ثمانية مصافي مترابطة .سيتم بناء هذا المجمع الذي سيمتلكه ثمانية شركات خاصة استثمرت كل واحدة منها بمبلغ 350 مليون دولار. وتوفر الحكومة الغاز من حقل فارس الجنوبي وانفقت مبلغ مليار دولار في اعادة بناء البنية التحتية. وقامت ثلاث من الشركات بتعيين إلهام حسن زاده للبحث عن شركاء اجانب.

ولكنها ارادت التوقيع على عقود اكثر من ذلك، وهذا ما جعلها تقابل باريناز تهباز في شركة نامفاران (Namvaran)، شركة هندسة البترول في طهران، هي احدى الشركات التي اختارتها الحكومة لتطوير حقل سيراف. وقد اتفقتا على الحاجة لبناء صورة جديدة للوضع الايراني. وتصف حسن زاده “الكارثة المتوقعة” من خلال قرائتها لوثيقة الجدوى الاقتصادية لاحدى عملائها في مشروع تطوير حقل سيراف بأنها (غير مكتملة ، ومتحيّزة وانهم غير مستعدين مهنياً )  قبل لقائها للمستثمرين الاجانب المحتملين.

وتقول تهباز ان شركتها ليست مستعدة لتوظيف خبراء اجانب لمساعدة الشركة. فشركة نامفاران (Namvaran) تريد في بادئ الامر ان تضيّق لائحة الشركاء الاجانب المحتملين والشركات الامريكية على وجه الخصوص تحاول العمل مع الشركة وذلك عن طريق طرف ثالث. وتقول تهباز ” بالنسبة للشركات الامريكية فهناك مصلحة اكبر لهم من الشركات الاخرى، فهو سوق ذو فرص هائلة لم يستثمروا فيه من قبل”. وتقول :” قد يستغرق الامر بعض الوقت ، ولكن الناس سيدركون ان ايران هو بلد بامكانهم الاعتماد عليه”.

تتفق حسن زاده مع رأي تهباز، ولكنها ترجح ان التمويل سيأتي اولا من الشركات اليابانية والكورية والصينية قبل الشركات الاوروبية او الامريكية. وعلى الرغم من سنتها الجديدة الحزينة في امريكا الا انها تعلم ان الايرانيين يحبون التكنولوجيا الامريكية ويفضلون السلع الامريكية على السلع الاوروبية و اليابانية . وتقول انه في غضون بضع سنوات ، فان منتجي النفط الامريكيين سيعودون الى ايران، وسيتم استقبالهم باذرع مفتوحة، “فهم سيحصلون على الاولوية بين باقي الدول”.


ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .


المصدر :

http://www.bloomberg.com/news/articles/2016-01-13/the-woman-shaping-iran-s-oil-future