تقرير : سيمور هيرش حول تبادل المعلومات الاستخباراتية الأميركية في الحرب السورية

أدى إصرار باراك أوباما المتكرر أن على بشار الأسد يجب أن يترك منصبه، وأن هناك جماعات متمردة معتدلة في سوريا قادرة على هزيمته، الى استفزاز هادئ في السنوات الاخيرة، بل وحتى المعارضة العلنية، في أوساط  كبار الضباط في هيئة الأركان المشتركة في البنتاغون. وقد تركزت انتقاداتهم على ما يعتبرونه اصرار الادارة على حليف الأسد الرئيس، فلاديمير بوتين. ويرى هؤلاء الضباط أن أوباما لا يزال أسير تفكير الحرب الباردة حيال روسيا والصين، وأنه لم يعدل من موقفه من سوريا إلى حقيقة أن كلا البلدين يعانيان من نفس القلق الذي تعاني منه واشنطن بشأن انتشار الإرهاب في سوريا وخارجها، وأنهما، مثل واشنطن، يعتقدان أن الدولة الإسلامية يجب أن يتم ردعها.

تعود معارضة العسكر الى صيف عام 2013، عندما تنبأ تقييم سري للغاية، وضعته وكالة استخبارات الدفاع وهيئة الأركان المشتركة، آنذاك بقيادة الجنرال مارتن ديمبسي، أن سقوط نظام الأسد سوف يؤدي إلى الفوضى، وربما سيطرة المتطرفين الجهاديين على سوريا، بشكل مشابه لما يحدث في ليبيا.  وقال مستشار كبير سابق لهيئة الأركان المشتركة لي شخصيا أن الوثيقة كانت تقييما عن مصادر، مستندة الى معلومات من إشارات واستخبارات من الأقمار الصناعية ومن أشخاص، والقت نظرة قاتمة على إصرار إدارة أوباما الاستمرار في تمويل وتسليح ما يسمى الجماعات المتمردة المعتدلة. في ذلك الوقت، كانت وكالة الاستخبارات المركزية تتآمر لأكثر من سنة مع الحلفاء في المملكة المتحدة، والمملكة العربية السعودية وقطر لشحن المدافع والبضائع – التي سيتم استخدامها للإطاحة بالأسد – من ليبيا، عبر تركيا، ومن ثم الى سوريا.  وقد خص التقرير الاستخباراتي الجديد تركيا باعتبارها عائقا رئيسا لسياسة أوباما تجاه سوريا. وأظهرت الوثيقة، أن المستشار قال، “أن ما بدأ كبرنامج الولايات المتحدة السري لتسليح ودعم المتمردين المعتدلين من اجل القتال ضد الأسد قد اختار تركيا، وأن الأمر تحول الى برنامج يعمل على مرور التقنية والأسلحة والدعم اللوجستي لكل المعارضة، بما في ذلك جبهة النصرة والدولة الإسلامية. وأن من يسمون بالمعتدلين قد تبخروا، وأن الجيش السوري الحر كان مجموعة رديفة متمركزة في قاعدة جوية في تركيا “. كان التقييم كئيبا، ولم يكن هناك أي معارضة معتدلة لنظام للأسد، وهكذا فقد كانت الولايات المتحدة تسلح المتطرفين.

وقد أكد الجنرال مايكل فلين، مدير وكالة استخبارات الدفاع بين عامي 2012 و 2014، أن وكالته قد أرسلت دفقاً مستمراً من التحذيرات السرية إلى القيادة المدنية حول العواقب الوخيمة لإسقاط الأسد.وقال فلين أن الجهاديين، كانو يسيطرون على المعارضة،  وأن تركيا لا تقوم بما يكفي لوقف تهريب المقاتلين الأجانب والأسلحة عبر الحدود. وأخبرني فلين ما يلي: “إذا رأى الرأي العام الأميركي العمل الاستخباراتي الذي نقوم به يوميا، على المستوى الأكثر حساسية، فإنهم سيصابون بالجنون. لقد فهمنا استراتيجية تنظيم الدولة الاسلامية على المدى البعيد وخطط حملتها، كما ناقشنا أيضا حقيقة أن تركيا كانت تنظر الى الاتجاه الآخر عندما كان الأمر يتعلق بنمو الدولة الإسلامية داخل سوريا. لقد تجاهلت ادارة الرئيس اوباما تقارير وكالة استخبارات الدفاع، وشعرتُ شخصيا أنهم لا يريدون سماع الحقيقة.”

“كما قال المستشار السابق في هيئة الأركان المشتركة أن “سياسة تسليح المعارضة للأسد كانت فاشلة، وذات تأثير سلبي. كانت هيئة الأركان المشتركة  تعتقد أن الأسد لا ينبغي أن يحل محله الأصوليين، فيما  كانت سياسة الإدارة الأمريكية متناقضة.  لقد أرادوا رحيل الأسد ولكن المتطرفين سيطروا على المعارضة. من الذي سيحل محل الأسد إذاً؟ إن القول أن الأسد يجب أن يرحل كلام جميل، ولكنك إذا ما تمعنت في الأمر ، ستقول أن أي شخص سيأتي بعده سيكون أفضل. هذه الـ (أي شخص سيكون أفضل)  كانت نقطة الخلاف بين هيئة الأركان المشتركة وبين سياسة أوباما”.  شعرت هيئة الأركان المشتركة أن تحديا مباشرا لسياسة أوباما ستكون نتيجة نجاحه صفرا”.لهذا فإنهم قرروا في خريف عام 2013 اتخاذ خطوات ضد المتطرفين من دون المرور عبر القنوات السياسية، من خلال توفير الاستخبارات الاميركية لجيوش الدول الأخرى، على أن يكون مفهوما أنه سيتم نقلها إلى الجيش السوري ويتم استخدامها ضد العدو المشترك ، جبهة النصرة والدولة الإسلامية.

كانت ألمانيا وإسرائيل وروسيا على اتصال مع الجيش السوري، وقادرة على ممارسة بعض التأثير على قرارات الأسد – ومن خلالهم كان يتم مشاركة الاستخبارات الاميركية. كان لكل منهم أسبابه للتعاون مع الأسد: كانت ألمانيا تخشى مما يمكن أن يحدث لسكانها المسلمين الذين يبلغ عددهم قرابة ستة ملايين نسمة، إذا ما توسعت الدولة الإسلامية. أما إسرائيل فقد كانت معنية بأمن حدودها، فيما كانت روسيا داخلة في تحالف قديم جدا مع سوريا، وكانت ايضا قلقة من أي تهديدات لقاعدتها البحرية الوحيدة في المتوسط، في طرطوس. وذكر المستشار ” لم نكن عازمين على الانحراف عن سياسات أوباما، ولكن تبادل تقييماتنا عن طريق العلاقات العسكرية بين القوات المسلحة لبلدان أخرى كان من الممكن أن يكون مثمرا.  كما كان واضحا أن الأسد بحاجة الى استخبارات تكتيكية أفضل ومشورة عملياتية. واستنتجت هيئة الأركان المشتركة أنه إذا تمت تلبية تلك الاحتياجات، فإنه يمكن تعزيز الحملة الشاملة ضد الإرهاب الإسلامي. لم يكن أوباما يعلم بالأمر، ولكن أوباما لا يعرف ماذا تفعل هيئة الأركان المشتركة في كل ظرف من الظروف، وهذا الأمر ينطبق على جميع الرؤساء.

حالما بدأ تدفق الاستخبارات الأمريكية، بدات كل من ألمانيا وإسرائيل وروسيا تمرر معلومات عن مواقع ومقاصد الجماعات الجهادية المتطرفة ضد الجيش السوري. في المقابل، قدمت سوريا معلومات حول قدراتها الذاتية ونواياها. ولم يحدث أي اتصال مباشر بين الولايات المتحدة والجيش السوري. وقال المستشار أنهم بدلاً من ذلك، ‘قدمنا ​​المعلومات – بما في ذلك التحليلات بعيدة المدى بشأن مستقبل سوريا، وهي تقارير وضعت من قبل متعاقد او متعاقدين من كليات الحرب، وأن تلك الدول يمكن أن تفعل ما يحلو لها، بما في ذلك مشاركتها مع الأسد. كنا نقول للألمان وغيرهم: “إليكم بعض المعلومات المثيرة للاهتمام، وتصب في مصلحتنا المتبادلة.” وتمكنت هيئة الأركان المشتركة أن نستنتج أن شيئا مفيدا قد يأتي من ذلك، لكنه كان شيئا من  جيش الى جيش، وليس نوعا من مؤامرة شريرة لهيئة الأركان المشتركة “ليرحل أوباما ويُدعم الأسد.  كانت أذكى من ذلك بكثير.  إذا بقى الأسد في السلطة، فإنه لن يكون لأننا أردنا ذلك، بل لأنه كان ذكيا بما يكفي لاستخدام المعلومات الاستخباراتية والمشورة السليمة التكتيكية التي قدمناها ​​للآخرين “.

لقد كان التاريخ العام للعلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا خلال العقود القليلة الماضية يطغى عليه جانب العدائية. أدان الأسد هجمات الحادي عشر من ايلول، لكنه عارض الحرب على العراق.  كما أن جورج بوش كان يصف سوريا دائما بأنها أحد أضلاع محور الشر الى جانب العراق وإيران وكوريا الشمالية – طوال فترة رئاسته. وتشير برقيات وزارة الخارجية التي نشرها موقع ويكيليكس، إلى أن إدارة الرئيس بوش حاولت زعزعة استقرار سوريا، واستمرت هذه الجهود في سنوات أوباما. وقد قدم  وليام روبوك، الذي كان وقتها المسؤول عن السفارة الاميركية في دمشق، تحليلا، في كانون الأول 2006، لنقاط ضعف حكومة الأسد، والأساليب التي من شأنها تحسين احتمالات فرص زعزعة الاستقرار.  وأوصى روبوك، بأن عمل واشنطن مع المملكة العربية السعودية ومصر لزيادة التوتر الطائفي والتركيز على نشر “الجهود السورية ضد الجماعات المتطرفة” – وهي الفصائل السنية الراديكالية والأكراد الانفصاليين – بطريقة توحي بأن ضعف، وعلامات عدم الاستقرار، والنكسة غير المنضبطة،  و “عزل سوريا” ينبغي أن يتم تشجيعه من خلال الدعم الأميركي لجبهة الخلاص الوطني بقيادة عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق الذي شكل حكومة في المنفى في الرياض برعاية السعوديين والإخوان المسلمين. كما أظهرت برقية أخرى في عام 2006 أن السفارة قد أنفقت 5 ملايين دولار على تمويل المنشقين الذي رشحوا أنفسهم كمرشحين مستقلين لمجلس الشعب.  وقد استمرت الدفعات حتى بعد أن أصبح واضحا أن المخابرات السورية تعرف بما يجري.  وحذرت برقية في عام 2010 أن التمويل لشبكة تلفزيون مقرها لندن تديرها مجموعة المعارضة السورية لن ينظر اليها من قبل الحكومة السورية “كبادرة سرية وعدائية تجاه النظام”.

غير أنه كان هناك أيضا تاريخ موازٍ للتعاون الغامض بين سورية والولايات المتحدة خلال نفس الفترة، إذ تعاونت الدولتان ضد تنظيم القاعدة، العدو المشترك. وقال مستشار عمل لفترة طويلة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية أنه بعد الحادي عشر من أيلول، ‘في الوقت الذي كان فيه بشار، لسنوات، مفيدا للغاية بالنسبة لنا في ذلك الوقت، برأيي، كنا في المقابل، غير دقيقين في استخدامنا للذهب الذي  اعطانا إياه. واستمر هذا التعاون الهادئ بين بعض العناصر، حتى بعد قرار [ادارة بوش] الحط من قدره “. وفي عام 2002 أذِنَ الأسد للمخابرات السورية بتسليم مئات من الملفات الداخلية على أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا وألمانيا. وفي وقت لاحق من ذلك العام، أحبطت المخابرات السورية هجوما شنه تنظيم القاعدة على مقر الاسطول الخامس الامريكي في البحرين، ووافق الأسد على إعطاء وكالة المخابرات المركزية الامريكية اسم مخبر تنظيم القاعدة الحيوي. وفي انتهاك لهذا الاتفاق، اتصلت وكالة الاستخبارات المركزية بالمخبر مباشرة، لكنه  رفض التعاون، وبذلك قطع العلاقات مع السوريين. كما زوَّد الأسد أيضا بشكل سري الى الولايات المتحدة، اسماء أقارب صدام حسين الذين لجأوا الى سوريا، وقام، مثل حلفاء أميركا في الأردن ومصر وتايلاند وغيرها – بتعذيب الارهابيين المشتبه بهم لصالح وكالة المخابرات المركزية في سجن دمشق.

كان تاريخ التعاون هذ هو الذي جعل دمشق، في عام 2013، توافق على ترتيب جديد لتقاسم المعلومات الاستخباراتية غير المباشرة مع الولايات المتحدة. وقد أعلمت هيئة الأركان المشتركة السوريين، أن عليهم بالمقابل، أن يقدموا  للولايات المتحدة أربعة أمور: أولها أن على الأسد أن يكبح جماح حزب الله في مهاجمة اسرائيل. وثانيها أن عليه استئناف المفاوضات المتعثرة مع إسرائيل للتوصل إلى تسوية بشأن هضبة الجولان. أما ثالثها فكان أن عليه أن يوافق على قبول المستشارين العسكريين الخارجي الروس وغيرهم. أما رابعها فهو أنه يجب عليه الالتزام بإجراء انتخابات مفتوحة بعد الحرب، وشمول مجموعة واسعة من الفصائل. وقد قال لي مستشار هيئة الأركان المشتركة “كان لدينا ردود فعل إيجابية من الإسرائيليين، الذين كانوا على استعداد لتبني الفكرة، لكنهم بحاجة لمعرفة ما سيكون عليه رد فعل إيران وسوريا. قال لنا السوريون ان الاسد لن يتخذ قرارا من جانب واحد، وأنه يحتاج الى الحصول على دعم من حلفائه العسكريين والعلويين.  كان الأسد قلقاً من أن إسرائيل ستوافق، ومن ثم تتملص من  الأمر خلال التفاوض على الصفقة:.  وقد قال لي كبير مستشاري الكرملين لشؤون الشرق الأوسط، في أواخر عام 2012،  أن الأسد، وبعد تعرضه لسلسلة من الانتكاسات في ساحة المعركة والانشقاقات العسكرية، قد حاول الاقتراب من إسرائيل من خلال موسكو، وأنه عرض استئناف المحادثات على مرتفعات الجولان، لكن الاسرائيليين رفضوا العرض، وقالوا أن الأسد قد انتهى. واضاف المسؤول الروسي لي أنه كان قريبا من النهاية، وأن الاتراك قالوا  لموسكو الشيء نفسه.  وبحلول منتصف عام 2013، اعتقد السوريون أن الأسوأ قد أصبح خلفهم، وأرادوا تأكيدات بأن الأميركيين وغيرهم جادون في عروضهم للمساعدة.

قال لي المستشار، أن هيئة الأركان المشتركة قد حاولت في المراحل الأولى من المحادثات اعطاء الأسد دليل على حسن نواياهم. وتم إرسال الإجابة من خلال واحد من أصدقاء الأسد، وهو أن نحضر له رأس الأمير بندر بن سلطان. ولم تلتزم هيئة الأركان المشتركة بذلك. كان بندر بن سلطان قد خدم المملكة العربية السعودية على مدى عقود في مجال المخابرات وشؤون الأمن القومي، وقضى أكثر من عشرين عاما سفيرا لبلاده في واشنطن. وقد أصبح في الآونة الأخيرة، من دعاة الإطاحة بالأسد من منصبه بأي وسيلة. ويقال ايضا أنه في حالة صحية سيئة، حيث استقال العام الماضي من منصب مدير مجلس الأمن الوطني السعودي. ولا تزال المملكة العربية السعودية المزود الرئيس للأموال إلى المعارضة السورية، والتي وصلت، بحسب تقديرات المخابرات الامريكية العام الماضي الى 700 مليون  دولار.

وقد وجدت هيئة الأركان المشتركة، في تموز 2013،  طريقة مباشرة أكثر ليعرفوا الأسد بمدى جديتهم في مساعدته.  في ذلك الوقت كان الاتفاق السري الذي ترعاه وكالة المخابرات المركزية بشأن التدفق السري للأسلحة من ليبيا الى المعارضة السورية، عبر تركيا، مستمرا منذ أكثر من سنة (بدأ البرنامج بعد وفاة القذافي في 20 تشرين الاول 2011). كانت العملية تدار إلى حد كبير من قبل ملحق سري في بنغازي، بموافقة وزارة الخارجية. وفي 11 أيلول 2012 قتل سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا، كريستوفر ستيفنز، خلال تظاهرة مناهضة للولايات المتحدة أدت إلى إحراق القنصلية الامريكية في بنغازي. ووجد صحفيون من صحيفة واشنطن بوست نسخا من جدول السفير تحت أنقاض المبنى، وتبين أن السفير ستيفينز قد التقى في 10 أيلول رئيس ملحق عملية وكالة المخابرات المركزية. وفي اليوم التالي، قبل فترة وجيزة من وفاته، تبين انه التقى ممثلا عن شركة المرفأ للشحن والخدمات البحرية، وهي شركة مقرها طرابلس، وهي التي قال عنها مستشار هيئة الأركان المشتركة، أنه كان معروفا لهيئة الأركان المشتركة أنها تتعامل بشحنات الأسلحة.

وبحلول أواخر صيف عام 2013، تم تعميم تقييم وكالة استخبارات الدفاع على نطاق واسع، ولكن على الرغم من أن الكثيرين في دوائر المخابرات الأمريكية كانوا على علم بأن المعارضة السورية قد سيطر عليها المتطرفون، استمر تدفق الأسلحة التي يرعاها ملحق وكالة المخابرات المركزية، وهو ما مثَّـل مشكلة مستمرة لجيش الأسد.  وقد خلق مخزون القذافي من الأسلحة سوقا دولية، رغم أسعاره المرتفعة. ولم يكن هناك من وسيلة لوقف شحنات الأسلحة التي أذن بها الرئيس” . وقال لي مستشار هيئة الأركان المشتركة أن ” الحل تضمن اللجوء الى كتاب الجيب. وفاتحت هيئة الأركان المشتركة وكالة الاستخبارات المركزية  باقتراح: كان هناك القليل من الأسلحة قليلة التكلفة المتوفرة في الترسانة التركية التي يمكن أن تصل إلى المتمردين السوريين خلال أيام، ومن دون ركوب سفينة. وقال المستشار أنه لم تكن وكالة المخابرات المركزية هي الوحيدة التي استفادت، فقد ” عملنا مع أتراك كنا نثق أنهم لم يكونوا موالين لأردوغان، وتم شحنها الى الجهاديين في سوريا، وشمل بنادق M1 القصيرة التي لم تستخدم منذ الحرب الكورية، فضلا عن الكثير من الاسلحة السوفيتية. لقد كانت رسالة للأسد التي استطاع أن يفهمها: “لدينا القدرة على تقليص السياسة الرئاسية في مساراتها.”

ووصل تدفق الاستخبارات الامريكية الى للجيش السوري، والحط من نوعية الأسلحة التي يتم إرسالها الى المتمردين، الى مرحلة حرجة. لقد عانى الجيش السوري من خسائر فادحة في ربيع عام 2013 في القتال ضد جبهة النصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة لأنه فشل في المحافظة على عاصمة محافظة الرقة.  واستمرت غارات الجيش وسلاح الجو السوري المتفرقة في المنطقة لعدة أشهر، من دون نجاح يذكر، حتى قررت الانسحاب من الرقة وغيرها من المدن التي من الصعب الدفاع عنها، والمناطق غير المزدحمة بالسكان في الشمال والغرب، والتركيز بدلاً من ذلك على تعزيز سيطرة الحكومة على دمشق والمناطق المكتظة بالسكان التي تربط العاصمة باللاذقية في شمال شرق البلاد. ولكن ما أن اكتسب الجيش قوة بدعم من هيئة الأركان المشتركة، حتى زادت المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا من تمويلها وتسليحها لجبهة النصرة والدولة الإسلامية، والتي حققت في نهاية عام 2013 مكاسب هائلة على جانبي  الحدود في سوريا والعراق. أما المتمردون غير الأصوليين فقد وجدوا أنفسهم في خضم القتال، وهم يخسرون ضد المتطرفين.  سيطرت الدولة الاسلامية في كانون الثاني 2014، بشكل كامل على الرقة والمناطق القبلية حولها من جبهة النصرة وأنشأوا قاعدة لهم في المدينة. كان الأسد لا يزال يسيطر على 80% من سكان سوريا، ولكنه فقد كمية هائلة من الأراضي.

كما فشلت جهود وكالة المخابرات المركزية في تدريب قوات المتمردين المعتدلين. وقال لي مستشار هيئة الأركان المشتركة أن معسكر وكالة المخابرات المركزية للتدريب في الأردن قد سيطرت عليه مجموعة قبلية سورية. كان هناك شك في أن بعض الذين سجلوا أسماءهم للتدريب هم في الواقع من افراد الجيش النظامي السوري ما عدا بزاتهم العسكرية. وقد  حدث هذا من قبل، في ذروة حرب العراق، عندما تبين أن المئات من أفراد ميليشيا شيعية من الذين وصلوا الى معسكرات التدريب الأمريكية للحصول على البزات الجديدة والأسلحة، وبعد بضعة أيام من التدريب، اختفوا في الصحراء. كما شكلت وزارة الدفاع الأمريكية برنامجا تدريبيا مستقلا في تركيا، لكنه لم يكن افضل من الاول. وقد أقرت وزارة الدفاع في ايلول ان “أربعة أو خمسة” فقط من المتطوعين لا يزالون يقاتلون الدولة الإسلامية،  وبعد بضعة أيام انشق 70 منهم لصالح جبهة النصرة على الفور بعد عبورهم الحدود إلى سوريا.

وفي كانون الثاني 2014، بعد أن وصل بهم اليأس من عدم إحراز تقدم، استدعى جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية، مسؤولو الاستخبارات العرب السنة والأمريكيين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط إلى اجتماع سري في واشنطن، بهدف إقناع السعودية بوقف دعم المقاتلين المتطرفين في سوريا. وقال لي مستشار هيئة الأركان المشتركة أنهم كانوا سعداء بالاستماع. لذلك جلس الجميع في واشنطن لسماع برينان يقول لهم أن عليهم أن يجلسوا مع المعتدلين. كانت رسالته واضحة، مفادها أنه إذا ما توقف الكل في المنطقة عن دعم جبهة النصرة  وتنظيم الدولة الاسلامية بالعتاد والأسلحة، فإنها ستنتهي وسيربح المعتدلون. وقال لي المستشار أن رسالة برينان قد تجاهلها السعوديون عادوا وزادوا من جهودهم مع المتطرفين، وطلبوا منا تقديم المزيد من الدعم التقني. وبعد أن كنا نوافقهم، انتهى بنا الأمر الى دعم المتطرفين.

غير أن السعوديين كانوا بعيدين عن المشكلة الوحيدة، وهي أن الاستخبارات الامريكية قد راكمت الاعتراض والاستخبارات مما يدل على أن حكومة أردوغان كان تدعم جبهة النصرة لسنوات، وتفعل الأمر نفسه الآن مع الدولة الإسلامية. وقال المستشار “يمكننا التعامل مع السعوديين كما يمكننا التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين. وقد يزعم البعض أن التوازن في الشرق الأوسط يقوم على شكل من أشكال التدمير المتبادل المؤكد بين إسرائيل وبقية دول الشرق الأوسط، ويمكن لتركيا أن تحدث خللا في التوازن الذي هو حلم أردوغان.  قلنا له اننا نريد منه إيقاف تدفق الجهاديين الأجانب الى تركيا.  لكنه كان يحلم كثيرا باستعادة الإمبراطورية العثمانية، ولم يدرك إلى أي مدى كان يمكنه النجاح في ذلك.”

أحد الثوابت في الشؤون الامريكية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي كان العلاقة العسكرية العسكرية مع روسيا. وقد أنفقت الولايات المتحدة بعد عام 1991، مليارات الدولارات لمساعدة روسيا على تأمين مجمع الأسلحة النووية، بما في ذلك عملية مشتركة سرية للغاية لإزالة أسلحة يورانيوم من مستودعات التخزين غير المضمونة في كازاخستان. واستمرت البرامج المشتركة لمراقبة أمن مواد الأسلحة على مدى العقدين القادمين. كما منحت روسيا للطائرات الامريكية، أثناء الحرب الأمريكية على أفغانستان، حقوق التحليق لناقلات البضائع الأمريكية، وكذلك ايصال الأسلحة والذخيرة والطعام والماء الى آلة الحرب الامريكية يوميا. كما قدم الجيش الروسي معلومات استخباراتية عن مكان وجود أسامة بن لادن، وساعدت الولايات المتحدة على التفاوض على حق استخدام قاعدة جوية في قرغيزستان. وكانت هيئة الأركان المشتركة في تواصل مستمر مع نظيرتها الروسية طوال الحرب السورية، والعلاقات بين الجيشين كانت ذات مستوى عالي. وقد قام الجنرال ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في شهر آب، قبل بضعة أسابيع من تقاعده بزيارة وداعية إلى مقر قوات الدفاع الايرلندية في دبلن، وقال لمستمعيه انه كان حريصا عندما كان في منصبه على البقاء في تواصل مستمر مع رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف. وقال ديمبسي ” لقد اقترحت عليه أن لا ينتهي عملنا كما بدأناه، مثل قائد دبابة في ألمانيا الغربية، وآخر في المانيا الشرقية.

          عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الدولة الإسلامية، فإن روسيا والولايات المتحدة لديهما الكثير لتقدماه لبعضهما البعض. كان الكثير من قيادات الدولة الاسلامية ومراتبها قد قاتلوا ضد الجيش الروسي في حروب الشيشان التي بدأت عام 1994 واستمرت لأكثر من عقد من الزمن. واستثمرت حكومة بوتين بشكل كبير في مكافحة الإرهاب الإسلامي.  وقال مستشار هيئة الأركان المشتركة، “روسيا تعلم قيادة الدولة الاسلامية، ولديها نظرة ثاقبة بالتقنيات العملياتية، ولديها الكثير من الاستخبارات لمشاركتها . في المقابل، لدينا مدربين متميزين لديهم سنوات من الخبرة في تدريب المقاتلين الاجانب، وهي الخبرة  التي لا تمتلكها روسيا. ولم يناقش المستشار ما هي الاستخبارات الأمريكية التي يعتقد أيضا أن لها القدرة على الحصول على بيانات الاستهداف، على الاغلب من خلال دفع مبالغ ضخمة من مصادر داخل الميليشيات المتمردة.

وقال مستشار سابق للبيت الأبيض في الشؤون الروسية لي أن بوتين كان يقول لنا قبل الحادي عشر من أيلول “لدينا نفس الكوابيس في أماكن مختلفة.” وكان يشير الى مشاكله مع الخلافة في الشيشان وقضايانا المبكرة مع تنظيم القاعدة. أما في هذه الأيام، وخصوصا  بعد تفجير طائرة متروجت في سماء سيناء، ومجازر باريس وغيرها، فقد اصبح من الصعب تجنب الاستنتاج الذي مفاده أن لدينا في الواقع نفس الكوابيس في نفس الأماكن.”

غير أن إدارة أوباما تواصل إدانة روسيا بسبب دعمها الأسد. وقد عبر دبلوماسي بارز متقاعد كان قد خدم في السفارة الأميركية في موسكو، عن تعاطفه مع معضلة أوباما كقائد لقوات التحالف الغربي المناهض للعدوان الروسي ضد أوكرانيا: “أوكرانيا مسألة خطيرة، وأوباما يتعامل معها بحزم من خلال العقوبات. ولكن سياستنا مع روسيا تكون في كثير من الأحيان غير مركزة. ولا يتعلق الأمر بسوريا، بل التأكد من أن لا يخسر بشار.  الواقع هو أن بوتين لا يريد أن يرى الفوضى تنتشر في سورية، ومنها إلى الأردن أو لبنان، كما انتشرت عبر العراق، وأنه لا يريد أن يرى سوريا في نهاية المطاف تقع في أيدي الدولة الاسلامية.  وقد فعل اوباما عكس الشيء تماما، وهذا قد يضر بجهودنا لإنهاء القتال، كان يقول أن “الأسد يجب أن يرحل كفرضية للتفاوض” . كما ردد اوباما ايضا كلمات البعض في البنتاغون عندما ألمح إلى عامل جانبي وراء قرار روسيا إطلاق الضربات الجوية لدعم الجيش السوري يوم 30 ايلول: رغبة من بوتين لمنع وصول الأسد الى  نفس مصير القذافي. وقد قيل له إن بوتين قد شاهد شريط فيديو الذي يظهر تعرض القذافي لموت وحشي، ثلاث مرات، وتعرضه للطعن بحربة.  وقال مستشار هيئة الأركان المشتركة لي أيضا من تقييم الاستخبارات الأمريكية خلص إلى أن بوتين قد راعه مصير القذافي: “لام بوتين نفسه على ترك القذافي، لأنه لم  يلعب دورا قويا وراء الكواليس” في الأمم المتحدة عندما كان التحالف الغربي يحشد للحصول على  تصريح أممي للقيام بالضربات الجوية التي دمرت النظام. اعتقد بوتين أنه إذا لم يتدخل، فإن بشار سيلاقي المصير نفسه، وأنه سيشهد دمار حليفته سوريا”.

وأعلن أوباما، في خطاب ألقاه في 22 تشرين الثاني، أن الأهداف الرئيسة للضربات الجوية الروسية كان في الحقيقة مواقعا للمعارضة المعتدلة، وهو ما لم تبتعد عنه معظم وسائل الإعلام الأميركية السائدة. ويصر الروس أنهم يستهدفون كل الجماعات المتمردة التي تهدد استقرار سوريا – بما في ذلك الدولة الإسلامية.  وأوضح مستشار الكرملين حول الشرق الأوسط في مقابلة أن الجولة الاولى من الضربات الجوية الروسية تهدف الى تعزيز الامن حول القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية، التي هي معقل العلويين. أما الهدف الاستراتيجي فكان، كما قال، لإنشاء ممر خال من الجهاديين من دمشق إلى اللاذقية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس، ومن ثم تحويل التركيز من القصف تدريجيا إلى الجنوب والشرق، مع تركيز أكبر في حملة القصف على الاراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية. وقد تم الإبلاغ عن ضربات روسية على أهداف في وبالقرب من الرقة في وقت مبكر من بداية تشرين الأول. وفي تشرين الثاني، كان هناك المزيد من الضربات على مواقع بالقرب من المدينة التاريخية تدمر وفي محافظة إدلب، وهي معقل متنازع عليه بمرارة على الحدود التركية.

وبدأت التعرضات الروسية للمجال الجوي التركي قريبا بعد أن أعطى بوتين الإذن بذلك، ونشرت القوات الجوية الروسية أنظمة التشويش الإلكترونية التي تداخلت مع الرادارات التركية.  وقال مستشار هيئة الأركان المشتركة أنه كان يتم ارسال رسالة الى سلاح الجو التركي، مفادها “نحن في طريقنا لإطلاق طائرات مقاتلة حيث نريد ومتى نريد وسنربك الرادار الخاص بك. لا تعبث معنا. كان بوتين يعلم الأتراك بأنه ضدهم. وأدى العدوان الروسي الى شكاوى قدمتها تركيا ونفتها روسيا، جنبا إلى جنب مع دوريات حدودية أكثر عدوانية من قبل سلاح الجو التركي. ولم تحدث أي حوادث كبيرة حتى 24 تشرين الثاني عندما اسقطت  طائرتين مقاتلتين تركيتين من نوع F-16 ، وفقا لقواعد أكثر صرامة للاشتباك، طائرة روسية من نوع  سو-24 كانت قد عبرت المجال الجوي التركي لمدة لا تتجاوز 17  ثانية. وبعد أيام من الحادثة، تم قتل الطيار، وأعرب أوباما عن دعمه لأردوغان، وقال في مؤتمر صحفي عقب لقاء سري جمعهما، في الاول من كانون الاول، ان ادارته “ملتزمة كثيرا بأمن تركيا وسيادتها”.  كما قال أنه طالما بقيت روسيا متحالفة مع الاسد، فإن “الكثير من الموارد الروسية مستمرة في استهداف جماعات المعارضة التي ندعمها.  لذلك فإنني لا أعتقد أننا يجب أن نخضع لأي أوهام بطريقة أو بأخرى حول أن روسيا تضرب فقط أهدافا للدولة الاسلامية. لم يحدث هذا الأمر قط، ولن يحدث خلال الاسابيع القليلة “.

يرفض مستشار الكرملين في الشرق الأوسط، مثل هيئة الأركان المشتركة، (المعتدلين) الذين يدعمهم أوباما، ويرى فيهم جماعات إسلامية متطرفة تحارب جنبا إلى جنب مع جبهة النصرة والدولة الاسلامية (ليس هناك حاجة للعب بالكلمات وفصل الإرهابيين وتقسيمهم إلى معتدلين وغير معتدلين، جاء هذا في كلمة بوتين التي ألقاها في 22 تشرين الأول). يراهم الجنرالات الأمريكيين ميليشيات مستهلكة أجبرت على إجراء تسوية مع جبهة النصرة أو الدولة الاسلامية من أجل البقاء على قيد الحياة.  قال يورغن نودنهوفر في نهاية عام 2014، وهو صحفي ألماني سمح بقضاء عشرة أيام في الأرض  التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا،  لقناة  CNN، أن قيادة الدولة الاسلامية “تضحك على الجيش السوري الحر، وأنها لا تأخذهم على محمل الجد، وتقول “إن أكثر بائعي الاسلحة لدينا هم الجيش السوري الحر ، إذ أنهم كلما حصلوا على سلاح جيد، يبيعونه لنا. واضاف تودنهوفر”هم لا يأخذونهم على محمل الجد، ويستهينون بالجميع باستثناء الأسد. كما أنهم ياخذون القنابل على محمل الجد، لكنهم لا يخشونها ، والجيش السوري الحر ليس له دور يلعبه”.

أثارت حملة بوتين سلسلة من المقالات المعادية لروسيا في الصحافة الأميركية.  وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، يوم 25  تشرين الاول، نقلا عن مسؤولون في إدارة أوباما، أن الغواصات الروسية وسفن التجسس كانت تعمل بالقرب من الكوابل البحرية التي تحمل الكثير من حركة المرور على الإنترنت في العالم، على الرغم أنه، كما ذكرت هذه المادة الى القول، لا يوجد هناك ” دليل حتى الآن” على أي محاولة روسية في الواقع للتتداخل مع حركة المرور. وقبل عشرة أيام، نشرت صحيفة نيويورك تايمز ملخصا لعمليات الاقتحام الروسية في جمهوريات سوفيتية سابقة، ووصفت القصف الروسي في سوريا بأنه “في بعض النواحي يعود إلى تحركات عسكرية طموحة من الماضي السوفيتي ولم يذكر التقرير ملاحظة أن إدارة الأسد قد دعت روسيا إلى التدخل، مثلما لم يذكر الغارات الأمريكية داخل سوريا التي كانت جارية منذ أيلول الماضي، من دون موافقة سوريا. أما افتتاحية مايكل ماكفول، سفير أوباما إلى روسيا بين عامي 2012 و 2014، فقد أعلنت أن الحملة الجوية الروسية كانت لمهاجمة “الجميع باستثناء الدولة الإسلامية.”  لم تهدأ وتيرة القصص المعادية لروسيا بعد  كارثة  سقوط طائرة متروجت، التي أعلنت الدولة الاسلامية مسؤوليتها عنها. وكان قليلون في الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام قد تساءلوا لماذا استهدفت الطائرة الروسية التي كانت تحمل 224 راكبا بالاضافة الى طاقم الطائرة، إذا كان سلاح الجو الروسي لا يهاجم إلا المعارضة السورية «المعتدلة».

إن العقوبات الاقتصادية، في هذه الاثناء، لا تزال سارية المفعول ضد روسيا لأن عددا كبيرا من الأميركيين يذكرون جرائم الحرب التي ارتكبها بوتين في أوكرانيا، كما تفرض وزارة الخزانة الامريكية عقوبات ضد سوريا وضد  الأميركيين الذين يتعاملون معها هناك. وقد أحيت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير بشأن العقوبات في أواخر تشرين الثاني، التوكيد القديم الذي لا أساس له، قائلة أن إجراءات وزارة الخزانة تؤكد “حجة أن الإدارة تبذل جهودا متزايدة حول الأسد، كما أنها تسعى للضغط على روسيا للتخلي عن دعمها له، وعلى الرغم من أنه يعترف أنه في حالة حرب مع الإرهابيين الإسلاميين، إلا أن لديه علاقة تكافلية مع الدولة الإسلامية التي سمح لها أن تزدهر حتى يتشبث بالسلطة.

تبقى العناصر الأساسية الأربعة لسياسة أوباما حول سوريا على حالها اليوم: إصرار على أن الأسد يجب أن يرحل، وأن التحالف مع روسيا ضد الدولة الاسلامية أمر ممكن، وأن تركيا هي الحليف الثابت في الحرب ضد الإرهاب، وأن هناك حقا قوات معارضة معتدلة كبيرة تدعمها الولايات المتحدة.  ولم تغير هجمات باريس في 13 تشرين الثاني التي قتل فيها 130 شخصا، الموقف العام للبيت الأبيض، على الرغم من أن العديد من القادة الأوروبيين، بما في ذلك فرانسوا هولاند، قاموا بزيادة التعاون مع روسيا، ووافقوا على تنسيق وثيق مع قواتها الجوية.  كان هناك حديث أيضا عن الحاجة إلى مرونة أكثر بشأن توقيت خروج الأسد من السلطة. وفي 24 تشرين الثاني، وصل هولاند إلى واشنطن لمناقشة كيفية تعاون فرنسا والولايات المتحدة لمكافحة الدولة الإسلامية. وقال اوباما لهولاند في مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض، أنهما اتفقا على أن “الضربات الروسية ضد المعارضة المعتدلة تعزز نظام الأسد، الذي ساعدت وحشيته في اذكاء جذوة الدولة الاسلامية. ولم يذهب هولاند بعيدا الى هذا الحد، لكنه قال إن العملية الدبلوماسية في فيينا يجب  أن “تؤدي إلى رحيل بشار الأسد … وأن المطلوب هو حكومة وحدة وطنية.” وفشل المؤتمر الصحفي في التعامل مع هذا المأزق الأكثر إلحاحا الآن بين الرجلين حول مسالة أردوغان. دافع أوباما عن حق تركيا في الدفاع عن حدودها؛ وقال هولاند أن على تركيا اتخاذ اجراءات سريعة ضد الإرهابيين. وقد قال لي مستشار هيئة الأركان المشتركة أن أحد الأهداف الرئيسية لزيارة هولاند الى واشنطن كانت محاولة إقناع أوباما بالانضمام الى بيان مشترك مع الاتحاد الاوروبي في الحرب ضد الدولة الإسلامية.  رفض أوباما هذا الأمر. ولم يذهب الأوروبيون الى حلف شمال الأطلسي، الذي تنتمي تركيا إليه، من اجل هذا الإعلان. وأضاف مستشار هيئة الأركان المشتركة بالقول أن تركيا هي المشكلة.

أما الأسد، فإنه بطبيعة الحال، لا يقبل أن يقرر مجموعة من الزعماء الاجانب اتخاذ قرار بشأن مستقبله. عماد مصطفى، الذي يشغل الآن منصب السفير السوري لدى الصين، وعميد كلية تكنولوجيا المعلومات في جامعة دمشق سابقا، ومساعد مقرب من الأسد، تم تعيينه في عام 2004، سفيرا لسوريا في الولايات المتحدة، وهو المنصب الذي شغله لمدة سبع سنوات.  ويعرف عن عماد مصطفى أنه لا يزال قريبا من الأسد، ويمكن الوثوق به بما يفكر فيه قال لي عماد مصطفى ان موافقة الأسد على تسليم السلطة قد يعني الاستسلام إلى “جماعات إرهابية مسلحة” وأن الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية – بحسب  اقتراح الأوروبيين – سينظر إليهم على  أنهم مدينين للقوى الأجنبية التي عينتهم. ويمكن لهذه القوى تذكير الرئيس الجديد ‘أنه يمكن استبداله بسهولة كما فعلوا من قبل مع سلفه … الأسد مدين لشعبه فقط: ولا يمكنه أن يترك الرئاسة لمجرد أن الأعداء التاريخيين لسوريا يطالبون برحيله “.

كما أتى مصطفى أيضا على ذكر الصين، وهي حليف الأسد، ويقال أنها تعهدت بأكثر من 30 مليار دولار لإعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب في سوريا. تنظر الصين، أيضا، بقلق حيال الدولة الإسلامية. وقال عماد مصطفى أن الصين تنظر الى الأزمة السورية من ثلاث وجهات نظر هي القانون الدولي والشرعية الدولية، والموقع الاستراتيجي العالمي، وأنشطة اليوغور الجهادية، وهم من مقاطعة شينجيانغ في أقصى غرب الصين. تقع شينجيانغ على الحدود مع ثماني دول، هي منغوليا وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان والهند، وترى الصين، أنهم بمثابة نقطة للإرهاب في جميع أنحاء العالم وداخل الصين.  ومن المعروف أن العديد من المقاتلين اليوغور يقاتلون الآن في سوريا،  وهم أعضاء في الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية – وهي منظمة انفصالية تلجأ في كثير من الأحيان الى العنف لإقامة دولة إسلامية لليوغور في شينجيانغ. وقال مصطفى أن “المخابرات التركية قد ساعدتهم على الانتقال من الصين عبر تركيا الى سوريا، وأن ذلك تسبب في قدر هائل من التوتر بين المخابرات الصينية والتركية. وتشعر الصين بالقلق من أن الدور التركي في دعم المقاتلين اليوغور في سوريا يمكن تمديده في المستقبل لدعم أجندة تركيا في شينجيانغ. وأننا نقدم لجهاز المخابرات الصينية معلومات عن هؤلاء الإرهابيين والطرق التي عبروا من خلالها للسفر إلى سوريا “.

وقد ردد نفس مخاوف مصطفى، محلل الشؤون الخارجية في واشنطن الذي تابع عن كثب مرور الجهاديين عبر تركيا الى سوريا. وأخبرني المحلل، الذين تحظى وجهات نظره بإهتمام كبار المسؤولين الحكوميين، أن “أردوغان قد جلب الإيغور إلى سوريا بواسطة وسائل النقل الخاص في حين أن حكومته كان تحرض لصالح نضالهم في الصين. كما حصل اليوغور والإرهابيين المسلمين البورميين الذين يفرون إلى تايلند بطريقة أو بأخرى، على جوازات سفر تركية ومن ثم يتم نقلهم جوا إلى تركيا للعبور إلى سوريا “. وأضاف المحلل أن هناك أيضا ما يرقى إلى” خط الجرذان ” هذا لعبور اليوغور ، حيث تتراوح التقديرات ما بين بضع مئات إلى عدة آلاف، من الصين إلى كازاخستان ليصلوا في نهاية المطاف إلى تركيا، ومن ثم إلى الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الاسلامية في سوريا. وأضاف المحلل أن “الاستخبارات الأمريكية لم تحصل على معلومات جيدة عن هذه الأنشطة، لأن هؤلاء المطلعين غير راضين على سياستنا. كما أنه من غير الواضح أن المسؤولين عن السياسة السورية في الإدارة  الامريكية والبيت الأبيض لديهم تلك المعلومات” . وقدرت مجلة  جينز ديفنس الأسبوعية في تشرين الاول ان ما لا يقل عن خمسة آلاف من اليوغور هم من بين المقاتلين الذين وصلوا إلى تركيا منذ عام 2013، وأنه ربما يمر الآن ألفين منهم الى سوريا.  وقال مصطفى أن لديه معلومات أن “ما يقرب من 860 من مقاتلي اليوغور موجودون حاليا في سوريا”.

إن القلق المتزايد للصين حول مشكلة اليوغور وارتباطهم بسوريا والدولة الإسلامية قد شغلت كريستينا لين، وهي باحثة تتعامل مع الشؤون الصينية منذ عقد من الزمن أثناء خدمتها في وزارة الدفاع في عهد دونالد رامسفيلد. وقد أخبرتني لين “لقد نشأت في تايوان وجئت الى وزارة الدفاع الأمريكية كناقد عن الصين. لقد اعتدت على تشويه صورة الصينيين وإيديولوجيتهم، وأنهم ليسو مثاليين.  غير أنني بمرور السنين، ومع الانفتاح والتطور، بدأت في تغيير وجهة نظري. أنا  أرى الصين كشريك محتمل لمواجهة التحديات العالمية المختلفة، وخاصة تلك الموجودة في منطقة الشرق الأوسط.  هناك العديد من الأماكن هناك، وسوريا واحدة منها ، حيث يمكن للولايات المتحدة والصين أن يتعاونوا في مجالات الامن الاقليمي ومكافحة الارهاب”. وقالت لي لين قبل بضعة اسابيع أن “الهند والصين، أعداء الحرب الباردة،  اللذان يكرهان بعضهما البعض أكثر مما تكره الصين و الولايات المتحدة بعضهما البعض، قد أجريا سلسلة من المناورات المشتركة لمكافحة الإرهاب. أما اليوم فإن الصين وروسيا تريدان التعاون بشأن قضايا الإرهاب مع الولايات المتحدة “. وترى الصين، بحسب لين، أن المتشددين اليوغور الذين شقوا طريقهم الى سوريا يجري تدريبهم من قبل الدولة الإسلامية على تقنيات البقاء على قيد الحياة بهدف  مساعدتهم للقيام برحلات سرية للعودة الى الصين، والقيام بهجمات إرهابية في المستقبل هناك. وكتبت لين في شهر أيلول أنه “إذا فشل الأسد فإن المقاتلين الجهاديين من الشيشان في روسيا، وشينجيانغ في الصين وكشمير في الهند ستتحول أنظارهم نحو الجبهة الداخلية لمواصلة الجهاد، بدعم من مركز عمليات جديد في سوريا التي ستصبح قاعدة في قلب الشرق الأوسط “.

لقد بقي الجنرال ديمبسي وزملائه في هيئة الأركان المشتركة معارضة خارج القنوات البيروقراطية، ونجا في منصبه. وقال باتريك لانغ، وهو عقيد عسكري متقاعد كان قد خدم سابقا لما يقرب من عشر سنوات كضابط مخابرات لوكالة استخبارات الدفاع في الشرق الأوسط، أن الجنرال مايكل فلين لم يفعل ذلك، وتحمل غضب البيت الأبيض بسبب الإصرار على قول الحقيقة حول سوريا، وأنه أي فلين، اعتقد ان قول الحقيقة أفضل شيء، وأدى ذلك الى إخراجه من منصبه. لكن فلين لم يسكت، وأخبرني أن مشاكله تتعدى سوريا” . كان يهز الأمور في وكالة استخبارات الدفاع وليس مجرد تحريك المقاعد على سطح سفينة تيتانيك.  كان إصلاحا جذريا. ويقول أنه شعر أن القيادة المدنية لا تريد أن تسمع الحقيقة، وقد عانى من ذلك كثيرا، ولكنه مطمئن حول ما فعل. وكان فلين قد ذكر في مقابلة مع مجلة دير شبيغل مؤخرا، أنه كان صريحا حول انضمام روسيا الى الحرب السورية، ‘علينا أن نعمل بشكل بناء مع روسيا. سواء أحببنا ذلك أم لا، لدى روسيا قرار بالتواجد العسكري والتصرف هناك. إنهم هناك، وهذا الوضع قد غير ديناميكية الوضع بشكل كبير.  لذلك لا يمكنك أن تقول أن روسيا سيئة، وأن عليها أن تخرج، لأن هذا لن يحدث واقعا.”

القليل في الكونغرس الأمريكي مقتنعون بهذا الرأي. والاستثناء الوحيد هو تولسي غابارد، وهي ديمقراطية من هاواي وعضو لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب، وكانت رائدا في الحرس الوطني التابع للجيش، وخدمت مرتين في الشرق الأوسط. وقد ذكرت غابارد، في مقابلة مع CNN  في تشرين الأول، “إن الولايات المتحدة ووكالة المخابرات المركزية يجب أن توقف هذه الحرب غير المشروعة وغير المنتجة للإطاحة بالحكومة السورية، ويجب الاستمرار في التركيز على القتال ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة”.

سألها المحاور: “هل هذا لا يعنيك؟ لقد كان نظام الأسد وحشيا، وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 200000 وربما 300000 من شعبه”.

وأجابت غابارد: “الأشياء التي تقال عن الأسد الآن، هي نفسها التي كانت تقال عن القذافي، وهي نفس الأشياء التي كانت تقال عن صدام حسين من قبل أولئك الذين كانوا يبشرون بدور الولايات المتحدة في إسقاط تلك الأنظمة.  اذا ما حدث ذلك هنا في سوريا،  فإننا سوف ينتهي بنا الوضع بمعاناة أكبر، ومع حجم أكبر من اضطهاد الأقليات الدينية والمسيحيين في سوريا، وسوف يكون عدونا أقوى بكثير.”

ثم سالها المحاور:”أنت إذاً تقولين أن التدخل العسكري الروسي في الجو،  والتورط الإيراني على الأرض يصب في مصلحة الولايات المتحدة؟”

وأجابت غابارد:”إنهم يعملون على هزيمة عدونا المشترك”.

وقالت غابارد لي لاحقا أن العديد من زملائها في الكونغرس، من الديمقراطيين والجمهوريين، قد شكروها اسراً للتعبير عن رأيهم. ” وقالت غابارد “هناك الكثير من عامة الناس، وحتى في الكونغرس، يحتاجون إلى شرح واضح، لكن ذلك صعب عندما يكون هناك الكثير من الخداع حول ما يجري”. انه أمر غير عادي بالنسبة لسياسي أن يتحدى السياسة الخارجية لحزبه بشكل مباشر وعلني. بالنسبة لشخص ما في الداخل، لديه إمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية الأكثر سرية ويتحدث علانية وبشكل حاسم، فإن ذلك قد ينهي مهنته. يمكن نقل الاعتراض عن طريق علاقة ثقة بين أحد الصحفيين ومن في الداخل، ولكنه لا يتضمن توقيعا في أغلب الأحوال. المعارضة موجودة في كل الأحوال. ولم يستطع المستشار لفترة طويلة في قيادة العمليات الخاصة المشتركة أن يخفي احتقاره عندما سألته عن رأيه في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، وقال لي “ان الحل في سوريا هو أمام أنوفنا الحق قبل أنوفنا، وأن  التهديد الرئيس لنا جميعا في الولايات المتحدة وروسيا والصين هو الدولة الاسلامية، وأن هناك ضرورة للعمل معا لمواجهة هذا التهديد. الحل هو أن يبقى بشار في منصبه، وبعد استقرار البلاد، ستكون هناك انتخابات. ليس هناك خيار آخر “.

اختفى مسار الجيش غير المباشر نحو الأسد مع تقاعد ديمبسي في أيلول. وقد أدلى  بديل ديمبسي في قيادة هيئة الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، بشهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ في تموز، قبل شهرين من توليه منصبه قائلا ” إذا كنتم راغبين في الحديث عن الأمة التي يمكن أن تشكل تهديدا وجوديا للولايات المتحدة، فإنه يهمني أن أشير إلى روسيا، إذا نظرتم الى سلوكهم، فإن أي شيء  منهم قد يثير قلقنا”. كما رفض دانفورد في تشرين الأول، الجهود العسكرية الروسية في سوريا، وقال أمام نفس اللجنة أن روسيا “لا تحارب الدولة الاسلامية وأن على أمريكا “العمل مع الشركاء الأتراك لتأمين الحدود الشمالية لسوريا” والقيام بكل ما في وسعنا لتمكين قوى المعارضة السورية المعتدلة لمحاربة المتطرفين.

لدى أوباما الآن وزارة دفاع طيِّعة.  لن يكون هناك المزيد من التحديات غير المباشرة من القيادة العسكرية لسياسته لازدراء الأسد ودعم أردوغان. ولا يزال  ديمبسي ورفاقه مندهشين كثيرا جراء استمرار دفاع أوباما عن أردوغان بشكل عام، نظرا الى حالة مجتمع الاستخبارات الأميركية القوية ضده – والدليل على أن أوباما يقبل سراً بهذه الحالة. وكان الرئيس اوباما قد قال لرئيس مخابرات أردوغان في لقاء متوتر في البيت الأبيض، “إننا نعرف ما تفعلونه مع المتطرفين في سوريا”، (وردت في LRB ​​في  17 نيسان 2014 ). كانت هيئة الأركان المشتركة ووكالة استخبارات الدفاع يقولون باستمرار للقيادة في واشنطن عن التهديد الجهادي في سوريا، ودعم تركيا لذلك التهديد. غير أن الرسالة لم يستمع لها أحد. لم لا؟

المصدر :

http://www.lrb.co.uk/v38/n01/seymour-m-hersh/military-to-military