انجيلي رافال |مراسل صحيفة الفايننشال تايمز– لندن

قليلة هي المناطق التي اشتكت من انهيار أسعار النفط هذا العام مثلما اشتكت كردستان العراق، حيث قوَّض تضاؤل ​​الاستثمار ومبيعات النفط الخام غير القانونية طموحات كردستان القديمة في الاستقلال عن بغداد، وخوض معركة فاصلة على طول حدودها. وقد برزت الدولة الوليدة على مدى الأشهر الـ 18 الماضية، على أنها مصدر رئيس للنفط، يبيع مئات الملايين من براميل النفط خارج القنوات الرسمية باستخدام شبكة غامضة من الأدلاء ورجال الأعمال، سعياً الى تحقيق طموحاتها الإقليمية.

مهندس هذه المبيعات النفطية هو وسيط النفط الباكستاني مرتضى لاخاني، الذي كان يوماً ما وكيل شركة جلينكور في العراق، والذي يعمل الآن لدى حكومة إقليم كردستان التي تسيطر على الجيب شبه المستقل في شمال البلاد. يتضمن عمل السيد لاخاني، الذي كان فعالاً في تحويل شحنات جزئية الى مؤسسة دولية، ترتيب الشحنات عبر خط الأنابيب إلى تركيا، والتنسيق مع التجار الدوليين الذين يسعون إلى تخطي محاولات بغداد لوقف مبيعات النفط الكردي. يقول لاخاني البالغ من العمر 53 عاماً من لندن ، حيث يقسم وقته بين أربيل وفانكوفر “لقد تلطخت يداي”.واضاف “لقد عملت في العراق لـ 16 عاما، وفي كردستان لوقت أطول من أي شخص آخر. أنا أدير مبيعات النفط في إقليم كردستان “.

وقد تعززت شبكة معارف السيد لاخاني قبل سنوات من بدء كردستان العراق تصدير ما يقرب من نصف مليون برميل يومياً، بعد أن كانت المبيعات حوالي صفر في بداية العام الماضي. وبعد تأسيس قاعدة له في عاصمة الإقليم أربيل، بعد أشهر فقط من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، أنشأ السيد لاخاني مركزاً لاستقطاب اولئك الذين يسعون لاستغلال واحد من آخر الاحتياطيات الكبيرة غير المستغلة في العالم، والتي تحوي نفطاً من السهل الوصول إليه. يقول مستشار حكومي، “إذا أردت أي شيء، فإن مرتضى في خدمتك”. الحفلات في منزل السيد لاخاني بأربيل عامرة بكؤوس الشمبانيا لأولئك الذين يتطلعون للحصول على موطئ قدم في هذه الصناعة. أما الضيوف فتقدم لهم المأكولات البحرية التي تنقل جواً من دبي. كما يمكنك أن تمتع ناظريك بأعمال سلفادور دالي الفنية هناك.

يتحدث السيد لاخاني بهدوء، وهو يرتدي قميصاً منغماً بلونين، وحذاءً بلا جوارب، وهو يصف نشأته الأولى. لقد ولد في كراتشي، لكنه ترعرع في لندن قبل أن يأخذه الحظ إلى فانكوفر. يقول السيد لاخاني “لقد صنعت شيئاً من نفسي من لا شيء. لقد بدأت حياتي العملية بتنظيف أحواض الكبريت في كندا “. كانت عائلة السيد لاخاني مقربة من عشيرة بوتو القوية في باكستان، ومن مارك ريتش، تاجر النفط الكبير الذي أسس الشركة التي أصبحت تسمى، فيما بعد، جلينكور.

توجه السيد لاخاني الى بغداد في بداية العام 2000،  وكان متورطاً في مخطط معقد للحصول على النفط العراقي بسبب القيود التي يفرضها برنامج الأمم المتحدة للنفط مقابل الغذاء بعد حرب الخليج الأولى. مع هذا لم توجه الى السيد لاخاني ولا الى شركة جلينكور أي تهم بالقيام بأي انتهاكات. كان برنامج النفط مقابل الغذاء مصمماً للسماح لبغداد بالحصول على الغذاء والدواء في زمن العقوبات الدولية، وجنى العراق مئات الملايين من الدولارات بشكل غير مشروع من خلال إلزام مشتري النفط الخام بدفع “رسوم إضافية”.

1

وقد كشف السيد لاخاني للجنة التحقيق المستقلة التي تحقق في البرنامج، أنه حصل على عمولات اعتيادية للمدفوعات نيابة عن التاجر. وقالت جلينكور أنه تم إغلاق التحقيق “بسبب عدم وجود دليل يشير الى مخالفة من جانب شركة جلينكور”. بدأت حكومة إقليم كردستان، منذ شهر آيار 2014، ضخ شحنات النفط على نطاق واسع عبر خطوط الأنابيب الى تركيا، وكان السيد لاخاني على تواصل مع وزارة الموارد الطبيعية للمساعدة في إدارة عملياتها اللوجستية.

وتشمل هذه المساعدة، في الغالب، إدارة الجدول الزمني لتحميل النفط الخام من ميناء جيهان التركي، ومراقبة الخزانات، والتنسيق مع مُلاك السفن والمفتشين والوزارة والشركة التجارية الحكومية التركية التي تدير خطوط الانابيب. بالاضافة الى كل هذا، يصفه محققي الشركات بأنه مستشار ذو نفوذ لدى وزير الموارد الطبيعية، آشتي هورامي. ويدعي السيد لاخاني أنه، بسبب أزمة الميزانية في أربيل، تم تخفيض الراتب السنوي له من مليون دولار إلى ربع مليون دولار لوظيفته التي يصفها مازحاً بأنه “عامل ميناء مُجِد”.  وقال السيد لاخاني أنه، مثل العديد من الشركات العاملة في الإقليم، ينتظر أن يدفع له.

وبينما تواجه حكومة إقليم كردستان أزمة الميزانية، ويزداد حجم الشقاق السياسي، يتعرض الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم لانتقادات من سياسيين منافسين ومدراء تنفيذيين في قطاع الطاقة بسبب الغموض الذي يلف عائدات النفط. وقد انعكس هذا التدقيق ايضاً على دور السيد لاخاني. يقول علي حمه صالح، أحد أعضاء المعارضة في البرلمان، والذي يترأس لجنة النفط والغاز. “هناك تكهنات عن تورط مرتضى في هذه الصفقات النفطية، ومعروف عنه أن له صلات تجارية مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، نحن حريصون على العمل من أجل تحسين الشفافية.” ويزعم الحزب الديمقراطي الكردستاني أن السيد صالح يسعى وراء مكاسب شخصية من علاقاته مع صناعة النفط، وهي تهمة ينفيها.

          وعلى الرغم من أن السيد لاخاني يقول انه مثَّل في السابق، الوزارة في مشروع مشترك مع الشركات الأجنبية، فإنه ليس لديه روابط تجارية حالية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم. منذ عام 2006 كان لديه شركة توفر معدات مرافق التخزين للشركات الدولية العاملة في المنطقة، والتي كانت على رأس أولوياته كما يقول. يقول السيد لاخاني “لدي الكثير من المال والوقت المستثمر في عملي، وهذا هو السبب في أنني أقدم المشورة للحكومة “.

2

ويقول مسؤولو حكومة إقليم كردستان أن بإمكانهم عدُّ كل دولار يأتي من النفط، وأن أفراداً مثل السيد لاخاني ضروريون عندما يحاول بلد ما تأسيس أعمال تجارية دولية بسرعة. ويضيف المسؤولون أن انهيار العلاقة بين حكومة إقليم كردستان وبغداد، التي أدت الى اعتبار مبيعات النفط في حكومة إقليم كردستان غير قانونية، والتهديد الذي يطالها بامكانية اتخاذ إجراءات قانونية ضد المشترين، هو ما يفسر انعدام الشفافية.

وكانت بغداد قد حجبت، في العام الماضي، أموالاً من ميزانية الإقليم بعد خلاف حول حقوق تصدير النفط، مما جعل حكومة إقليم كردستان تعتمد على عائدات النفط لتمويل رواتب الموظفين المدنيين والجيش والبيشمركة. يقول مسؤول في حكومة إقليم كردستان ، ” اننا نخوض حرباً مع تنظيم الدولة الاسلامية بينما نعاني من حرب اقتصادية ضد إقليم كردستان من قبل بغداد. أولويتنا الآن هي الحصول على عائدات النفط لكي ندفع رواتب شعبنا ونحارب الارهاب” .

          وذكر السيد لاخاني انه التقى مع تجار نفط دوليين كبار، من ضمنهم فيتول، وترافيجورا، الذين يساعدون حكومة إقليم كردستان في المبيعات المباشرة أو التي تتم عن طريق وسطاء. لكنه قال أن وزارة الموارد الطبيعية هي التي تتولى مهمة التفاوض بشأن تلك العقود. وأضاف السيد لاخاني أنه لا يهتم بمسائل كيف يحصل هؤلاء على رواتبهم، وما السعر المحدد للنفط، لأنه ليس من شأنه، وأن كل ما يقوم به هو أنه تعطى له نسخة من العقد، ويطلب منه بيان الرأي حول امكانية تنفيذ العقد من الناحية اللوجستية.

          ويؤكد السيد لاخاني أنه “لا يوجد لديه تأثير خاص” على السيد هورامي، لكنه يقول أنه يتعامل بشكل يومي مع المستشار التجاري في الوزارة، وأنه قد اعترض على صفقات في الماضي. يقول السيد لاخاني، الذي يفضل مصطلح “مستشار” بدلاً من “وسيط” ، “أنا متحمس لهذه العملية اليوم، ولكن الأمور تتغير”، “وينهي السيد لاخاني كلامه بالقول أنه “في غضون ستة إلى سبعة أشهر لن تكون حكومة إقليم كردستان في حاجة لي بعد الآن، ما أن تستقر الأمور، ويؤسسون قسم الخدمات اللوجستية الخاص بهم. أما عن وجهته التالية، فيقول السيد لاخاني أنه يحاول “الوصول إلى إيران بعد ذلك.”

المصدر :

 http://www.ft.com/intl/cms/s/0/02a7065a-78cd-11e5-933d-efcdc3c11c89.html?ftcamp=published_links%2Frss%2Fcompanies_energy%2Ffeed%2F%2Fproduct#axzz3pt6ZbzQO