سيمور هيرش

منذ أربع سنوات اغتالت مجموعة من البحرية الأمريكية أسامة بن لادن في غارة ليلية على مجمع عالي الجدران في أبوت آباد، باكستان. تعد عملية القتل هذه نقطة قوية في ولاية أوباما الأولى، وعاملا رئيسا في إعادة انتخابه. لا يزال البيت الأبيض يصر على أن العملية كانت أميركية بامتياز، إذ لم يتم إخبار الجنرالات الكبار في الجيش الباكستاني ووكالة المخابرات الباكستانية بالعملية. هذا غير صحيح، فهناك عناصر أخرى كثيرة في حساب إدارة أوباما. ربما كتبت قصة البيت الأبيض بواسطة لويس كارول: هل يعقل أن يسكن ابن لادن، وهو هدف دولي مطارد، في بلدة تقع على بعد أربعين ميلا من إسلام آباد وستكون المكان الأكثر أمانا للعيش وقيادة عمليات تنظيم القاعدة؟ لقد كان يختبئ في العراء. كما تقول أمريكا.

إن أكثر كذبة فاضحة للغاية هي إن اثنين من كبار قادة الجيش الباكستاني – الجنرال أشفق برويز كياني، رئيس أركان الجيش، والجنرال أحمد شجاع باشا، المدير العام لوكالة المخابرات الباكستانية لم يتم إبلاغهما أبدا بمهمة الولايات المتحدة. ويستمر موقف البيت الأبيض هذا على الرغم من مجموعة التقارير التي طرحت تساؤلات بشأن القيام بذلك، بما في ذلك مقال كارلوتا غال في مجلة نيويورك تايمز في 19 آذار 2014. كتبت غال، التي أمضت 12 عاما كمراسلة في أفغانستان،بان مسؤولاً باكستانياً اخبرها بأن باشا كان يعلم بوجود ابن لادن في أبوت آباد قبل الغارة. لكن تم نفي القصة من قبل مسؤولين أمريكيين وباكستانيين، ولم تذهب إلى أبعد من ذلك. في كتابه باكستان: قبل وبعد أسامة (2012) ،كتب امتياز غول، المدير التنفيذي لمركز البحوث والدراسات الأمنية، وهي مؤسسة بحثية في إسلام آباد،بأنه تحدث مع أربعة ضباط مخابرات سريين، والذين عكسوا الرأي المحلي بشأن العملية، وأكدوا أن الجيش الباكستاني كان على علم بالعملية. وقد أثيرت هذه المسألة مرة أخرى في شباط، عندما صرح الجنرال المتقاعد أسد دوراني، الذي كان رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية في بداية التسعينيات، في مقابلة مع قناة الجزيرة بأنه“من الممكن جدا” عدم معرفة كبار ضباط المخابرات الباكستانية بمكان اختباء ابن لادن،“لكن الاحتمال الأكثر أنهم فعلوا [يعلمون]. وكانت الفكرة بأن يكشف عن مكان وجوده في الوقت المناسب. وكان الوقت المناسب سيكون عندما يمكنك الحصول على ما يلزم لإجراء مقايضة – إذا كان لديك شخص مثل أسامة بن لادن، فأنت لن تسلمه ببساطة إلى الولايات المتحدة.

في هذا الربيع، اتصلت بدوراني وقلت له بالتفصيل عما كنت اعلمه عن عملية الاعتداء على أبن لادن من مصادر أمريكية: أن أبن لادن كان سجينا لدى المخابرات الباكستانية في مجمع أبوت أباد منذ عام 2006، وأن كياني وباشا عرفا بأمر الغارة في وقت مبكر، وحرصا على التأكد من أن المروحيتين المتجهتين إلى أبوت آباد بإمكانها عبور المجال الجوي الباكستاني من دون إثارة أية إنذارات. لم تعلم وكالة المخابرات المركزية بمكان وجود أبن لادن من خلال تتبع البريد السريع الخاص به، كما زعم البيت الأبيض منذ أيار 2011، ولكن من ضابط باكستاني كبير سابق في الاستخبارات باح بالسر في مقابل الحصول على مبلغ 25 مليون دولار والتي قدمتها الولايات المتحدة ،في حين لم يأمر أوباما بتنفيذ العملية، ولكن الفريق نفذها،واظهر ان العديد من الادعاءات الأخرى للإدارة كانت كاذبة.

“عندما يأتي الإصدار الخاص بك -إذا كنت ستفعل ذلك، سيكون الناس في باكستان ممتنون جدا”، قال دوراني لي. “لفترة طويلة توقف الناس عن الثقة بما يخرج عن أبن لادن من الأفواه الرسمية. سيكون هناك بعض التعليق السياسي السلبي وبعض الغضب، ولكن الناس يحبون أن تقال الحقيقة، وما قلته لي هو أيضا ما سمعته من زملاء سابقين كانوا في مهمة لتقصي الحقائق منذ هذه الحلقة “. كرئيس لوكالة المخابرات الباكستانية السابق ، قال: انه قد تم إخباره بعد وقت قصير من الغارة بواسطة “الناس في “المجتمع الاستراتيجي”من الذين علموا” بأن هناك مخبرا أبلغ الولايات المتحدة بمكان وجود أبن لادن في أبوت آباد، وبعد قتله، نقضت الولايات المتحدة العهد وتركت كياني وباشا عرضة للخطر.

إن المصدر الأمريكي الرئيس لهذه الشهادة الآتية هو مسؤول استخباراتي بارز متقاعد كان على دراية بالمعلومات الأولية عن وجود أبن لادن في أبوت آباد. كما انه كان مطلعا على كثير من جوانب التدريب للغارة، ومختلف التقارير بعد العمل. وان اثنين من المصادر الأمريكية الأخرى، والذين تمكنوا من الوصول إلى معلومات موثقة،عملوا كمستشارين لمدة طويلة لقيادة العمليات الخاصة. كما وردت معلومات من داخل باكستان عن استياء واسع النطاق بين كبار وكالة المخابرات الباكستانية والقيادة العسكرية – رددت في وقت لاحق من قبل دوراني – على قرار أوباما بالإعلان للعالم على الفور عن خبر وفاة أبن لادن. إلا أن البيت الأبيض لم يستجب لطلبات للحصول على تعليق.

بدأت مع المشي. في آب 2010 ذهب ضابط مخابرات باكستاني كبير سابق إلى بانك جوناثان، ثم إلى رئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية في السفارة الأمريكية في إسلام آباد. وأراد تقديم خدمة بإخبار وكالة الاستخبارات المركزية عن كيفية العثور على أبن لادن مقابل المكافأة التي عرضتها واشنطن عام 2001. افترضت وكالة الاستخبارات ان هذه المعلومات غير موثوق بها، وكان الرد من المقر الرئيس للوكالة أن يخضع الضابط الباكستاني لاختبار كشف الكذب. تمكن الضابط من اجتياز الاختبار. وقال لي مسؤول مخابرات أمريكي كبير ومتقاعد  “حتى الآن نحن قد حصلنا على دليل على عيش أبن لادن في مجمع في أبوت آباد، ولكن كيف لنا أن نعرف حقا من هو؟” كان هذا هو محور قلق وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الوقت.

أبقت الولايات المتحدة في البداية على ما عرفته سرا ولم تخبر الباكستانيين. “كان الخوف من أنه إذا تم الكشف عن وجود مصدر، فإن الباكستانيين أنفسهم سينقلون أبن لادن إلى موقع آخر، لذلك لم يطلع على هذه الأخبار إلا القليل”، قال مسؤول متقاعد. “وكان هدف المخابرات الأول هو الإطلاع على نوعية المعلومات والمخبر.” لذلك وضع المجمع تحت المراقبة بالأقمار الصناعية، واستأجرت وكالة المخابرات المركزية منزلا في أبوت آباد لاستخدامه كقاعدة للمراقبة وملأته  بموظفين باكستانيين ورعايا أجانب. في وقت لاحق، ستعمل القاعدة بمثابة نقطة اتصال مع وكالة الاستخبارات الباكستانية. اجتذبت هذه الحركة اهتماما قليلا وذلك لان أبوت آباد بقعة يقضي فيها الناس العطل، وهي منطقة مملؤة بالبيوت التي يتم استئجارها لوقت قصير. وقد تم تحرير تقرير نفسي عن المخبر. (لقد تم تهريب المخبر وعائلته من باكستان ونقله إلى منطقة في واشنطن. وهو الآن مستشار لوكالة المخابرات المركزية).

“بحلول تشرين الأول، كان مجتمع الجيش والمخابرات يناقش الخيارات العسكرية المحتملة. هل نسقط قنبلة على الدار أو نقتله بواسطة طائرة بدون طيار؟ ربما نرسل أحدا لقتله، قاتل واحد؟ ولكن بعد ذلك لن يكون لدينا أي دليل على هوية المقتول؟”قال المسؤول المتقاعد “. “يمكننا أن نرى أن هناك رجلا يتجول ليلا، ولكن ليس لدينا أي تأكيد لأنه ليس قادما من المجمع.”

في تشرين الأول، تم إطلاع أوباما على هذه المعلومات الاستخباراتية. وقال المسؤول المتقاعد ان الرئيس كان حذرا في رده. “لا يوجد أي معنى لعيش أبن لادن في أبوت آباد. إن هذا مجرد جنون. كان موقف الرئيس مؤكد: “لا تتحدث معي أكثر عن أي من هذا ما لم يكن لديك دليل على أنه حقا هو أبن لادن”“. إن الهدف المباشر لقيادة وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة هو الحصول على دعم أوباما. لقد اعتقدوا إنهم سيحصلون على هذا إذا حصلوا على أدلة الحمض النووي، وإذا تمكنوا من أن يؤكدوا له بأن أي هجوم ليلي على المجمع لن يحمل أي خطر. وقال المسؤول المتقاعد ان السبيل الوحيد لإنجاز كل شيء،“كانت باطلاع الباكستانيين على العملية“.

خلال أواخر خريف عام 2010، واصلت الولايات المتحدة الحفاظ على السرية بينما تتقدم في التخطيط للعملية، واستمر كياني وباشا بالإصرار لنظرائهم الأميركيين بأنهم لا يمتلكون أي معلومات عن مكان وجود أبن لادن. “وكانت الخطوة التالية هي معرفة كيفية إخبار كياني وباشا بشأن ذلك – كيف سنقول لهم أننا قد حصلنا على معلومات استخباراتية بأن هناك هدفا ثمينا في المجمع، ونطلب منهم ما يعرفونه عن هذا الهدف،“ قال المسؤول المتقاعد. “لم يكن المجمع مسلحاً – لا رشاشات حوله، لأنه كان تحت سيطرة المخابرات الباكستانية”. وكان صاحب المعلومات قد اخبر الولايات المتحدة بان أبن لادن عاش في مكان لم يتم كشفه من 2001-2006 مع بعض زوجاته وأولاده في جبال كوش الهندية، وتمكنت وكالة المخابرات الباكستانية من الوصول له من خلال دفع بعض أبناء القبائل المحليين ليسلموه “. (وقد قالت التقارير انه وبعد الغارة تم نقله إلى مواضع أخرى في باكستان خلال هذه الفترة.) كان أبن لادن مريضا جدا، وأنه في وقت مبكر من احتجازه في أبوت آباد،أمرت وكالة المخابرات الباكستانية أمير عزيز، وهو طبيب ورائد في الجيش الباكستاني، للتحرك لتوفير العلاج له. “والحقيقة هي أن أبن لادن لم يكن سليماً، لكننا لا نستطيع أن نقول ذلك” قال المسؤول المتقاعد. “هل تعني إنكم أطلقتم النار على رجل مشلول؟ الذي كان على وشك إطلاق النار من  AK-47؟”

“لم يستغرق الحصول على التعاون الذي كنا بحاجة له وقتاً طويلا، وذلك لأن الباكستانيين أرادوا أن يضمنوا استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية، وكانت نسبة جيدة منها لتمويل مكافحة الإرهاب الذي يمول الأمن الشخصي، مثل سيارات الليموزين الواقية من الرصاص،وحراس شخصيين ومساكن لقيادة وكالة المخابرات الباكستانية“. قال المسؤول المتقاعد،وأضاف أن هناك أيضا ” الحوافز” الشخصية تحت الطاولة والتي تم تمويلها خارج دفاتر صناديق طوارئ البنتاغون. “عرف مجتمع الاستخبارات ما يحتاجه الباكستانيون لكي يوافقوا، كانت هناك جزرة، وقد اختاروا هذه الجزرة. انه اتفاق فائز لكلا الطرفين. كما قمنا بابتزازهم قليلا. قلنا لهم بأننا سوف نسرب حقيقة أنهم كانوا يخفون أبن لادن في الفناء الخلفي الخاص بهم. كنا نعرف أصدقاءهم وأعداءهم”- ان ذلك لن يعجب طالبان والجماعات الجهادية في باكستان وأفغانستان”.

وهناك عامل مثير للقلق في هذه المرحلة المبكرة، وفقا للمسؤول المتقاعد، والذي كان متمثلا بالمملكة العربية السعودية، والتي مولت مداراة أبن لادن منذ القبض عليه من قبل الباكستانيين. “ لا يريد السعوديون كشف وجود أبن لادن لنا لأنه كان سعودياً، وهذا الذي قالوه للباكستانيين لإبقائه خارج الصورة. لقد خشي السعوديون إننا إذا عرفنا فأننا سنضغط على الباكستانيين للسماح لأبن لادن بالبدء بالتحدث معنا بشأن علاقة السعوديين بتنظيم القاعدة، وأنهم كانوا يزودون التنظيم بالمال – الكثير من ذلك. شعر الباكستانيون بدورهم  بالقلق من ان السعوديين قد يخبروا أمريكا بشأن أبن لادن. لقد خافوا من أن معرفة الولايات المتحدة بمكان أبن لادن من الرياض سيفتح أبواب الجحيم. ان معرفة الأميركيين عن مكان أبن لادن عن طريق مخبر لم يكن أسوأ شيء“.

وعلى الرغم من العداء العام مستمر، إلا ان الأجهزة العسكرية والمخابرات الأمريكية والباكستانية عملت معا بشكل وثيق لعقود على مكافحة الإرهاب في جنوب آسيا. وقد وجد كلا الجانبين انه من المفيد الانخراط في النزاعات العامة “لتغطية مؤخراتهم”، على حد قول المسؤول المتقاعد، لكنهما يتشاركان المخابرات باستمرار والتي تؤدي إلى شن هجمات بواسطة الطائرات بدون طيار، ودائما ما يتعاونان على العمليات السرية. في الوقت نفسه، من المفهوم في واشنطن أن بعض العناصر من وكالة الاستخبارات الباكستانية يعتقدون أن الحفاظ على العلاقة مع قيادة طالبان داخل أفغانستان أمر ضروري للأمن القومي. الهدف الاستراتيجي لوكالة المخابرات الباكستانية هو تحقيق التوازن مع النفوذ الهندي في كابول. وينظر إلى حركة طالبان في باكستان أيضا كمصدر لقوات الصدمة الجهادية الذين سيدعمون باكستان ضد الهند في المواجهة بشأن كشمير.

وما يزيد من التوتر هو الترسانة النووية الباكستانية،والتي غالبا ما تصور في وسائل الإعلام الغربية بوصفها “القنبلة الإسلامية” التي يمكن نقلها من باكستان إلى البلدان المضطربة في الشرق الأوسط في حالة حدوث أزمة مع إسرائيل. نظرت الولايات المتحدة إلى الجهة الأخرى عندما بدأت باكستان ببناء نظام أسلحتها في السبعينيات، ويعتقد على نطاق واسع ان لديها الآن أكثر من مائة رأس نووي. من المفهوم في واشنطن أن أمن الولايات المتحدة يعتمد على الحفاظ على العلاقات العسكرية الاستخباراتية القوية مع باكستان. وهذا هو الاعتقاد نفسه في باكستان.

“يرى الجيش الباكستاني نفسه كأسرة” قال المسؤول المتقاعد. “ينادي الضباط الجنود بأبنائهم وجميع الضباط هم “إخوان”. وهذا موقف مختلف في الجيش الأمريكي. يعتقد الضباط الباكستانيون أنهم من كبار النخبة، وان عليهم حماية كل الناس، وحفظهم من لهب الأصوليين الإسلاميين. يعرف الباكستانيون أيضا أن ورقتهم الرابحة ضد العدوان من الهند هي علاقتهم القوية مع الولايات المتحدة. فإن أمريكا لن تقطع علاقاتها معنا“.

مثل كل رؤساء المحطات في وكالة المخابرات المركزية، عمل بانك بشكل سري، ولكن هذا انتهى في أوائل كانون الأول عام 2010 عندما اتهم علنا ​​بالقتل في شكوى جنائية في إسلام آباد قدمت بواسطة كريم خان، وهو صحفي باكستاني لقيا ابنه وشقيقه، وفقا لتقارير إخبارية محلية،مصرعهم في غارة أمريكية لطائرة بدون طيار. ان السماح بالكشف عن اسمه يشكل انتهاكا للبروتوكول الدبلوماسي من جانب السلطات الباكستانية، وقد جلب هذا موجة دعائية غير مرغوب فيها. وأمرت الوكالة بانك بمغادرة باكستان، وقد أخبرت السلطات في وقت لاحق وكالة اسوشيتد برس ان السبب الرئيس وراء نقله هو الخوف على سلامته. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن هناك “شكوك قوية” ان وكالة المخابرات الباكستانية لعبت دورا في تسريب اسم بانك لخان. قال المسؤول المتقاعد، كانت هناك تكهنات بأن هذا جاء كرد على نشر اسم احد ضباط المخابرات الباكستانية في دعوة قضائية في نيويورك في الشهر السابق والذي كان على اتصال مع مدبر هجمات مومباي الإرهابية في عام 2008. ولكن كانت هناك أسباب جانبية لرغبة CIA بإرسال بانك إلى أمريكا. أراد الباكستانيون غطاءً في حال أصبح تعاونهم مع الأمريكان للتخلص من أبن لادن معروفا. يمكن للباكستانيين أن يقولوا: “أنت تتحدث عني؟ لقد طردنا للتو رئيس المحطة الخاص بك. ““

يبعد مجمع أبن لادن بأقل من ميلين من الأكاديمية العسكرية الباكستانية، وثلاثة أميال من مقر الكتيبة القتالية للجيش الباكستاني. تبعد أبوت آباد أقل من 15 دقيقة بطائرة هليكوبتر من تاربيلا غازي، قاعدة هامة للعمليات السرية لوكالة المخابرات الباكستانية ومرفق حيث يتم تدريب الذين يحرسون ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية. “ان غازي هي سبب وضع وكالة المخابرات الباكستانية بن لادن في أبوت آباد في المقام الأول”قال المسؤول المتقاعد،“لإبقائه تحت المراقبة المستمرة .”

وكانت المخاطر عالية بالنسبة لأوباما في هذه المرحلة المبكرة، خصوصا بسبب وجود سابقة مثيرة للقلق، إلا وهي فشل محاولة إنقاذ الرهائن الأمريكيين في طهران عام 1980. وكان هذا الفشل عاملا في خسارة جيمي كارتر لرونالد ريغان. قال المسؤول المتقاعد كانت مخاوف أوباما واقعية. “هل كان أبن لادن هناك؟ هل ان القصة كلها نتاج خدعة باكستانية؟ ماذا عن ردة الفعل السياسية السلبية في حال فشلت المهمة؟”وبعد كل شيء، كما قال المسؤول المتقاعد،” إذا فشلت المهمة،سيكون أوباما مجرد جيمي كارتر اسود وسينتهي كل شيء لإعادة انتخابه”.

لقد كان أوباما حريصا على الاطمئنان إلى أن الولايات المتحدة على وشك الحصول على الرجل المناسب. وعلى الدليل أن يأتي بشكل DNA أبن لادن. توجه المخططون إلى كياني وباشا للحصول على المساعدة، الذين طلبوا من عزيز الحصول على العينات. بعد وقت قصير من الغارة وجدت الصحافة أن عزيز كان يعيش في منزل بالقرب من مجمع ابن لادن: اكتشف المراسلون المحليون اسمه باللغة الأردية على لوحة على الباب. ونفى مسؤولون باكستانيون ان يكون عزيز لديه أي اتصال مع أبن لادن، ولكن المسؤول المتقاعد قال لي ان عزيز تحصل على حصة من المكافأة البالغ قيمتها 25 مليون دولار والتي وضعتها الولايات المتحدة،بسبب حصوله على عينة من الحمض النووي توضح بشكل قاطع أن ابن لادن في أبوت آباد . (في شهادته إلى لجنة التحقيق الباكستانية في غارة أبن لادن،قال عزيز انه شهد الهجوم على أبوت آباد، ولكن ليس لديه علم عن الذي كان يعيش في المجمع، وقد تم أمره من قبل الضابط بالبقاء بعيدا عن المشهد.)

تواصلت المناقشات على الطريقة التي سيتم بها تنفيذ المهمة. “قال كياني نعم لنا في نهاية المطاف، لكنه يقول لنا بأنه لا يمكن أن تكون القوة الضاربة كبيرة. علينا أن نأتي بفريق صغير ومتخصص، وعلينا قتله، أو لم يكن هناك اتفاق”،قال المسؤول المتقاعد. وقد ضرب الاتفاق بحلول نهاية كانون الثاني 2011، وأعدت قيادة العمليات الخاصة المشتركة قائمة بالأسئلة التي يتعين على الباكستانيين الإجابة عليها: “كيف يمكننا ان نتأكد من عدم وجود تدخل خارجي؟ ما هي الدفاعات داخل المجمع وأبعادها بالضبط؟ أين هي غرفة أبن لادن وبالضبط؟ كم يبلغ حجمها؟ كم هو عدد الخطوات في الدرج؟ أين هي أبواب الغرف التي تؤدي له، وهل هي معززة بالصلب؟ كم يبلغ سمكها؟ “وافق الباكستانيون بالسماح لخلية أمريكية من أربعة أشخاص – احد أعضاء البحرية الأميركية، و ضابط في وكالة المخابرات المركزية،واثنين من المتخصصين في الاتصالات – لإقامة مكتب اتصال في تاربيلا غازي للهجوم القادم. بحلول ذلك الوقت، شيد الجيش نموذجاً للمجمع في أبوت آباد في موقع سري سابق للتجارب النووية في ولاية نيفادا، وبدأ فريق من النخبة التمرن على الهجوم.

بدأت الولايات المتحدة بخفض المساعدات لباكستان -“إيقاف الصنبور”،بعبارة المسؤول المتقاعد. تأخر تقديم 18 طائرة مقاتلة جديدة من طراز F-16، وعُلقت الدفعات النقدية السرية لكبار القادة. في نيسان 2011، التقى باشا، مدير وكالة المخابرات المركزية، ليون بانيتا في مقر الوكالة. “حصل باشا على ضمانات التزام الولايات المتحدة بشأن تحويل الأموال مرة أخرى، وحصلنا على ضمان أنه لن يكون هناك أي معارضة باكستانية خلال المهمة”، قال المسؤول المتقاعد. “أصر باشا على ان تكف واشنطن عن الشكوى من عدم تعاون باكستان مع الحرب الأمريكية على الإرهاب”. في ذلك الربيع، قدم باشا شرحا وافياً للأميركيين بشأن سبب أبقاء باكستان لأمر القبض على أبن لادن سرا،كان لابد لدور الاستخبارات الباكستانية أن يظل سريا،والسبب في ذلك “نحن في حاجة إلى رهينة لمراقبة تنظيم القاعدة وحركة طالبان”،قال باشا، وفقا للمسؤول المتقاعد.“إن الاستخبارات الباكستانية كانت تستخدم ابن لادن كورقة ضغط ضد أنشطة طالبان والقاعدة في أفغانستان وباكستان. سمحوا لطالبان وقيادة القاعدة بمعرفة أنهم إذا اجروا عمليات تتعارض مع مصالح المخابرات الباكستانية، فإنها ستحول ابن لادن إلى الولايات المتحدة. لذلك إذا أصبح معروفا أن الباكستانيين عملوا معنا للحصول على ابن لادن في أبوت آباد، سيدفعون الكثير نتيجة لعملهم هذا.

في أحد لقاءاته مع بانيتا، وفقا للمسؤول المتقاعد ومصدر في وكالة الاستخبارات المركزية، سئل باشا من قبل مسؤول كبير في وكالة المخابرات المركزية ما إذا كان يرى نفسه يتصرف كوكيل لتنظيم القاعدة وحركة طالبان. “فأجاب لا، لكنه قال لوكالة المخابرات الباكستانية ان تحضا ببعض السيطرة.”ان الرسالة، كما قرأتها وكالة المخابرات المركزية، وفقا للمسؤول المتقاعد، هي ان كياني وباشا ينظران إلى ابن لادن “كمورد، وكانوا أكثر اهتماما بالإبقاء على أنفسهم سالمين، أكثر من اهتمامهم بالولايات المتحدة”.

اخبرني شخص باكستاني مع علاقات وثيقة مع القيادة العليا لوكالة المخابرات الباكستانية:“كان هناك اتفاق مع كبار الشخصيات الأمريكية. كنا مترددين جدا، ولكن كان لا بد من القيام به – ليس بسبب الإثراء الشخصي، ولكن لأن كل برامج المساعدات الأمريكية ستقطع. لقد هددونا بالتجويع إذا لم نفعل ذلك، وقد أعطي الأذن، في الوقت الذي كان فيه باشا في واشنطن. لم يكن الاتفاق للحفاظ على الصنابير مفتوحة فقط، ولكن قيل لباشا بأنه سيكون هناك المزيد من الأشياء الجيدة بالنسبة لهم”. وقال الباكستاني أن زيارة باشا أدت أيضا إلى التزام الولايات المتحدة بمنح باكستان“حرية أكبر” في أفغانستان إذا تبدأ القوات العسكري الأمريكية بالانسحاب من هناك. “وهكذا برر الصفقة بالقول ان هذا لمصلحة بلدنا”.

باشا وكياني كانا مسؤولين عن التأكد من أن قيادة الجيش والدفاع الجوي الباكستاني لن يتتبعا أو يشتبكا مع طائرات الهليكوبتر الأمريكية المستخدمة في هذه المهمة. واتهمت الخلية الأمريكية في تاربيلا غازي بتنسيق الاتصالات بين وكالة الاستخبارات الباكستانية، وكبار ضباط الولايات المتحدة في موقع قيادتهم في أفغانستان، وطيارتين من طراز بلاك هووك. كان الهدف هو ضمان عدم وجود طائرة مقاتلة باكستانية ضالة في دورية على الحدود لرصد المتسللين واتخاذ الإجراءات لوقفهم. تضمنت الخطة الأولية ان نبأ الغارة لا ينبغي أن يعلن على الفور. وتعمل كل وحدة في قيادة العمليات الخاصة المشتركة تحت سرية صارمة، وأمنت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، كما فعل كياني وباشا،بأن مقتل ابن لادن لن يعلن إلا بعد سبعة أيام، وربما لمدة أطول. ثم ستصدر القصة البديلة بعناية: يقوم أوباما بإعلان تأكيد تحليل الحمض النووي بان ابن لادن قد قتل في غارة طائرة بدون طيار في منطقة هندو كوش، على الجانب الأفغاني من الحدود. أكد الأمريكيون الذين خططوا للعملية لكياني وباشا بأن تعاونهم لن يعلن عنه. كان مفهوما من قبل الجميع أنه إذا عرف الدور الباكستاني، ستكون هناك احتجاجات عنيفة – عُدّ ابن لادن بطلا من قبل العديد من الباكستانيين – وسوف يكون باشا وكياني وأسرهم في خطر، وسيهان الجيش الباكستاني علنا.

قال المسؤول المتقاعد، لقد كان واضحا للجميع أن ابن لادن لن يبقى على قيد الحياة: “قال لنا باشا في اجتماع عقد في نيسان إنه لا يستطيع ترك ابن لادن في المجمع الآن لأننا نعرف انه هناك. تعرف الكثير من الناس في سلسلة القيادة الباكستانية عن المهمة. وقد اجبر هو وكياني على رواية القصة بأكملها لمدراء قيادة الدفاع الجوي وعدد قليل من القادة المحليين.

“وبطبيعة الحال فإن الرجال يعرفون ان الهدف هو ابن لادن، وانه تحت السيطرة الباكستانية” قال المسؤول المتقاعد. “وإلا، فإنهم لن يجروا العملية من دون غطاء جوي. كان من الواضح بان هذه العملية عملية قتل عمد مع سبق الإصرار”. أكد لي قائد عمليات سابق، الذي قاد العشرات من المهمات المماثلة وشارك فيها على مدى العقد الماضي، بأننا “لم نذهب للحفاظ على ابن لادن على قيد الحياة – للسماح للإرهابي بالعيش . وبموجب القانون،نحن نعرف ما نفعله داخل باكستان، انه القتل. إننا نستطيع التعامل مع ذلك. كل واحد منا، عندما نقوم بمثل هذه المهمات، نقول لأنفسنا،“دعونا نواجه الأمر. ونحن في طريقنا إلى ارتكاب جريمة قتل ““. ادعى التبرير الأولي للبيت الأبيض أن ابن لادن كان يلوح بالسلاح. تهدف القصة إلى تشتيت أولئك الذين شككوا في شرعية برنامج الاغتيالات للإدارة الأمريكية. حافظت الولايات المتحدة على الدوام، على الرغم من تصريحات العديد من الأشخاص الذين شاركوا في المهمة،على ادعائها بأن ابن لادن كان سيؤخذ على قيد الحياة، إذا ما استسلم على الفور.

في مجمع أبوت تم نشر حراس وكالة المخابرات الباكستانية على مدار الساعة للحفاظ على مراقبة ابن لادن، وزوجاته، وأولاده. لقد أمروا بالمغادرة بسرعة حالما يسمعون صوت المروحيات الأمريكية. كانت المدينة مظلمة. تم قطع الكهرباء بناء على أوامر من وكالة المخابرات الباكستانية قبل ساعات من بدء الهجوم. تحطمت مروحية من طراز بلاك هووك داخل جدران المجمع، مما أدى إلى إصابة العديد من الذين كانوا على متن الطائرة. “إن الرجال يعرفون ان [الوقت على الهدف] يجب ان يكون ضيقا لأن البلدة قد تستيقظ إذا ما استمرت الجلبة لوقت طويل”، قال المسؤول المتقاعد. كان على القوات تحطيم قمرة قيادة البلاك هووك، مع وسائل الاتصال الملاحية والعتاد الذي في داخلها. كان تدميرها يحتاج إلى استخدام قنابل يدوية، وهذا من شأنه أن يخلق سلسلة من الانفجارات ولهب النار يمكن ان يرى من بعد أميال. توجهت طائرتي هليكوبتر من طراز شينوك جوا من أفغانستان إلى قاعدة المخابرات الباكستانية المجاورة لتقديم الدعم اللوجستي، وأرسلت واحدة منها إلى أبوت آباد على الفور. ولأن المروحية كانت مجهزة بكميات إضافية من الوقود لمروحيتي بلاك هووك، كان يجب إعادة تهيئتها وتحويلها إلى ناقلة جند. ان تحطم طائرة بلاك هووك، والحاجة إلى إرسال طائرة أخرى كان مرهقا للأعصاب ويتطلب وقتاً طويلاً، ولكن القوات واصلت مهمتها. لم يكن هناك تبادل لإطلاق النار لأن الجنود دخلوا إلى المجمع، وترك حراس وكالة المخابرات الباكستانية مواقعهم قبل قدوم المروحية. “يمتلك الجميع في باكستان بندقية رفيعة المستوى، ولدى الناس الأثرياء مثل أولئك الذين يعيشون في أبوت آباد حراس شخصيين مسلحين، وحتى الآن لم تكن هناك أسلحة في المجمع،” قال المسؤول المتقاعد. إذا كان هناك أي معارضة،فان الفريق كان ضعيفا للغاية. بدلا من ذلك، قال المسؤول المتقاعد،ذهب ضابط اتصال من وكالة المخابرات الباكستانية مع الجنود المنفذين للمهمة،وهداهم إلى البيت المظلم وحتى إلى الدرج الذي يقود لمكان ابن لادن. حُذر الجنود من قبل الباكستانيين بوجود أبواب حديدية ثقيلة على الدرج في الطابق الأول والطابق الثاني. كانت غرف ابن لادن في الطابق الثالث. استخدمت الفرقة المتفجرات لتفجير الأبواب وفتحها، دون إصابة أحد. كانت إحدى زوجات ابن لادن تصرخ بشكل هستيري، وأصابتها رصاصة -ربما ضالة – في ركبتها. وبصرف النظر عن تلك التي أطلقت على ابن لادن، ولم تطلق رصاصة أخرى. (عكس ما تقوله إدارة أوباما)

“كانوا يعلمون بمكان تواجد ابن لادن، الطابق الثالث، الباب الثاني على اليمين”، قال المسؤول المتقاعد. “اذهبوا مباشرة إلى هناك. كان أسامة يجثم مرتعدا وقد تراجع إلى غرفة النوم. جاء اثنان من الرماة وفتحوا الباب”. صرح بعض الجنود في وقت لاحق في تعليق البيت الأبيض الأولي على أن أطلاقهم النار على ابن لادن كان دفاعا عن النفس. “ستة من خيرة الجنود الأكثر خبرة وانضباطاً  واجهوا مدنياً اعزلاً مسناً، وكان قتلهم له دفاعا عن النفس؟ كان المنزل رثا، وكان ابن لادن يعيش في زنزانة مع وجود قضبان على النوافذ، وأسلاك شائكة على السطح. كانت قواعد الاشتباك تنص إذا ما اظهر ابن لادن أي معارضة، يحق للجنود اتخاذ إجراءات مميتة. ولكن إذا ما اشتبهوا في أنه قد يكون لديه بعض وسائل المعارضة، مثل سترة ناسفة تحت ثوبه، فإنهم يستطيعون قتله أيضا. هنا يجلس هذا الرجل في رداء غامض،وقد أطلقوا عليه النار. لم يحدث هذا لأنه أراد الوصول للسلاح. قال المسؤول المتقاعد: “لقد أعطيت لهم السلطة المطلقة لقتل الرجل”. “ان زعم البيت الأبيض في وقت لاحق على أن رصاصة أو اثنتين قد أطلقتا على رأسه “هراء”. “دخل الفريق من خلال الباب وأطلقوا عليه الرصاص. كما يقول الجنود،“لقد ركلنا مؤخرته وأخذنا الغاز”.

بعد قتل ابن لادن،“كانت القوات،مع بعض الإصابات الجسدية من الحادث، بانتظار مروحية الإغاثة “،قال المسؤول المتقاعد. “عشرون دقيقة مملؤة بالتوتر، ولا تزال البلاك هووك مشتعلة. لا توجد أضواء في المدينة، لا كهرباء، لا شرطة، لا سيارات إطفاء، ولا حتى سجناء”. تركت زوجات أسامة بن لادن وأبنائه لوكالة المخابرات الباكستانية للاستجواب والترحيل. “وعلى الرغم من كل الكلام،” استمر المسؤول المتقاعد،“لم يكن هناك أي أكياس قمامة مملؤة بأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التخزين. قام الرجال بحشو بعض الكتب والأوراق التي وجدوها في غرفته في حقائبهم. لم يكن الجنود هناك لأنهم ظنوا ان ابن لادن يدير مركز لقيادة عمليات القاعدة، كما قال البيت الأبيض في وقت لاحق لوسائل الإعلام. لم يكن هؤلاء خبراء الاستخبارات في جمع المعلومات داخل هذا المنزل“.

في مهمة هجومية عادية، قال المسؤول المتقاعد، لن يكون هناك انتظار إذا ما انفجرت المروحية. “عند تلك الحالة تنتهي المهمة،يخلع الجنود أسلحتهم والعتاد، ويتكدسون في المروحيات التي بقت. سيخرجون من هناك، مع تواجد الرفاق على الأبواب. لن يفجروا المروحية – لا عتاد يستحق التضحية بعشرة أشخاص – إلا إذا كانوا يعرفون أنهم لم يصابوا بأذى. بدلا من ذلك وقفوا خارج المجمع، في انتظار الحافلة لتصل”. لقد أوفى باشا وكياني بكل وعودهم.

بدأ النقاش خلف الكواليس داخل البيت الأبيض تماما بعد نجاح البعثة في انجاز المهمة. لقد افترض إن جسد ابن لادن كان في طريقه إلى أفغانستان. هل على أوباما الإبقاء على الاتفاق مع كياني وباشا؟ والتظاهر بعد أسبوع أو أكثر بان ابن لادن قد قُتل في هجوم بطائرة بدون طيار في الجبال، أو أن يذهب إلى الجمهور مع الخبر على الفور؟ إن المروحية الساقطة سهلت على مستشاري أوباما السياسيين الحث على الخطة الأخيرة. سيستحيل إخفاء الانفجار والنار إذا ما تقرر تدمير الطائرة، وكان لا بد من كلمة ما أن تتسرب. كان على أوباما  “الخروج بالقصة”قبل أن يفعلها شخص في البنتاغون، إذ أن الانتظار سيقلل من التأثير السياسي للعملية.

لم يوافق الجميع. روبرت غيتس، وزير الدفاع، كان الأكثر صراحة من أولئك الذين أصروا على أن الاتفاقات مع باكستان لا بد من أن تُكرّم ويلتزم بها. في مذكراته،“واجب”، لم يخفِ غيتس غضبه:

وقبل أن ينفض الاجتماع، ويصعد الرئيس للطابق العلوي لنقل ما حدث للتو للشعب الأمريكي، قمت بتذكير الجميع بأن التقنيات، والتكتيكات، والإجراءات التي استخدمت في عملية ابن لادن، قد تم استخدامها كل ليلة في أفغانستان … لذا كان من الضروري أن نتوافق على عدم التحدث عن أي تفاصيل بشأن كيفية تنفيذ الغارة. قلت لهم، أننا قتلناه هو كل ما كنا بحاجة إلى قوله. وافق الجميع في تلك الغرفة على التزام الصمت بشأن التفاصيل. استمر هذا الالتزام لنحو خمس ساعات، ولكن بعض التسريبات الأولية خرجت من البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية. لم يستطيعوا الانتظار. لقد كان همهم الوحيد هو التباهي وادعاء إنهم هم المسؤولون. كانت الحقائق، في كثير من الأحيان، خاطئة … ومع ذلك استمرت المعلومات بالتدفق. أصبت بالغضب في احد المرات، وقلت [لمستشار الأمن القومي، توم] دونيلون،“لماذا لا يسكت الجميع؟”ولكن دون جدوى.

تم تحضير خطاب أوباما على عجل،قال المسؤول المتقاعد، وكان ينظر لهذا الخطاب من قبل مستشاريه على انه وثيقة سياسية وليست رسالة يجب تقديمها للتخلص من بيروقراطية الأمن القومي. ان هذه السلسلة من البيانات التي تدور حول خدمة مصالح ذاتية وغير دقيقة خلقت حالة من الفوضى في الأسابيع التالية. قال أوباما ان إدارته قد اكتشفت أن ابن لادن كان في باكستان من خلال “تسرب معلوماتي” في أب الماضي. للكثيرين في وكالة المخابرات المركزية، أشار البيان إلى حدث معين، ألا وهو حدث قدوم المخبر الذي أعطى المعلومات عن مكان وجود ابن لادن. وأدت هذه الملاحظة إلى قصة غلاف جديدة مدعية بأن المحللين الرائعين لوكالة الاستخبارات المركزية قد كشفوا عن شبكة السعاة المسؤولين عن التعامل مع التدفق المستمر لأوامر ابن لادن لتنظيم القاعدة. كما أشاد أوباما بالفريق الصغير من الأميركيين لتجنبهم لقتل المدنيين، وقال: “بعد تبادل لإطلاق النار،قتلوا أسامة بن لادن، وتولوا الوصاية على جسده”. يجب الآن تزويد معلومتين أخريين لا لقصة البديلة : وصف لمعركة لم تحدث أبدا، وقصة ما حدث للجثة. بدأ أوباما بالثناء على الباكستانيين: “من المهم أن نلاحظ أن تعاوننا في مكافحة الإرهاب مع باكستان قادنا إلى ابن لادن والمجمع الذي كان يختبئ به.”هدد هذا البيان بفضح كياني وباشا. وكان الحل في البيت الأبيض هو تجاهل ما قاله أوباما، وأمر أي شخص يتحدث إلى الصحافة بالإصرار على عدم لعب الباكستانيين لأي دور في قتل ابن لادن. ترك أوباما انطباعا واضحا بأنه ومستشاريه لم يعرفوا على وجه اليقين أن وجود ابن لادن في أبوت آباد، ولكنهم امتلكوا معلومات “حول إمكانية”وجوده هناك فقط. أدى ذلك للتحدث عن قصة أن الفريق الذي أجرى العملية قد قرر انه يريد قتل الرجل المناسب من خلال وجود وضع رجل طويل القامة بجوار الجثة للمقارنة (كان طول ابن لادن يتراوح بين ستة أقدام فاصل أربعة)،ثم الادعاء بأن اختبار الحمض النووي قد أجري على الجثة، وأثبت بشكل قاطع أن الفريق قد قتل ابن لادن. ولكن، وفقا للمسؤول المتقاعد، أنه لم يتضح من تقارير الفريق في وقت مبكر، هل تم نقل جسد ابن لادن، أو جزء منه، إلى أفغانستان أو لا؟

لم يكن جيتس المسؤول الوحيد الذي عارض قرار أوباما بالتحدث من دون تنقيح تصريحاته بالبداية، قال المسؤول المتقاعد،“لكنه كان الوحيد الذي احتج. لقد تجاهل أوباما الجميع. لم يكن هذا ضباب الحرب. ان حقيقة وجود اتفاق مع الباكستانيين وعدم وجود أي تحليل وتبرير إذا ما حدث شيء خاطئ، لم يتم مناقشته حتى. وبمجرد أن يحدث خطأ ما، كان عليهم أن يأتوا بقصة جديدة بديلة بشكل مستعجل”. لقد كان هناك سبب شرعي لبعض الخداع. لقد كان علينا حماية المخبر الباكستاني.

قيل السلك الصحفي في البيت الأبيض في مؤتمر صحفي بعد وقت قصير من إعلان أوباما، أن وفاة ابن لادن كان “تتويجا لسنوات من العمل الاستخباراتي الدقيق والمتقدم للغاية”،والذي ركز على تتبع مجموعة من السعاة، بما في ذلك الشخص الذي كان من المعروف أنه على مقربة من ابن لادن. وقيل للصحفيين ان فريقا من محللي وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي قد تم إنشاؤه خصيصا لنقل الساعي إلى مجمع آمن للغاية بقيمه مليون دولار في أبوت آباد. بعد أشهر من المراقبة، كانت المخابرات الأمريكية على “ثقة عالية”بأن هدفها يعيش في المجمع، وكان “التقييم بأن هناك احتمالاً قوياً بأن يكون الهدف [هو] أسامة بن لادن”. بدأ فريق الهجوم الأمريكي بتبادل لإطلاق النار لدخول المجمع. قتل ثلاثة ذكور بالغين، يعتقد ان اثنان منهم يعملون كسعاة، جنبا إلى جنب مع ابن لادن. وردا على سؤال بشأن دفاع ابن لادن عن نفسه، كانت إحدى الإجابات من احد المسؤولين، نعم،“لقد قاوم القوة المهاجمة،وقتل في تبادل لإطلاق النار“.

في اليوم التالي، كانت مهمة جون برينان، ثم كبير مستشاري أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب، بالتحدث ببسالة لأوباما في محاولة للتخفيف من البيانات غير الصحيحة في خطابه. لقد قدم وصفا أكثر تفصيلا ولكن مضللا أيضا عن الغارة وكيفية التخطيط لها. وقال برينان في حديث مسجل،وهو الذي نادرا ما يفعل ذلك،بان المهمة قد نفذتها مجموعة من قوات البحرية، الذين تلقوا تعليمات بالقبض على ابن لادن حيا، إذا كان ذلك ممكنا. وقال: إن الولايات المتحدة لم تمتلك معلومات تشير إلى أن أحدا في الحكومة الباكستانية أو الجيش يعرف مكان وجود ابن لادن: “نحن لم نتصل بالباكستانيين، إلا بعد مغادرة جنودنا وطائراتنا جميعها المجال الجوي الباكستاني”، وشدد على شجاعة قرار أوباما بأمر الضربة، وقال إن البيت الأبيض ليس لديه معلومات “أكدت على أن ابن لادن كان في مجمع” قبل بدء الهجوم. وقال: أوباما “قام بما أعتقد أنه كان واحدا من أشجع المكالمات لأي رئيس في الذاكرة الحديثة”. قام برينان بزيادة عدد الذين قتلوا على يد القوة المهاجمة داخل المجمع إلى خمسة: ابن لادن،وساعي، وشقيقه، ونجل ابن لادن، وإحدى النساء اللاتي يقال بأنهن كنَّ يحمين ابن لادن.

وردا على سؤال عما إذا كان ابن لادن قد أطلق النار على الفريق، كما قيل لبعض الصحفيين، كرر برينان ما أصبح تعويذة للبيت الأبيض: “لقد كان يشارك في معركة بالأسلحة النارية ضد تلك المجموعة التي دخلت المكان الذي يتواجد فيه في المنزل. إني لا اعلم إذا ما تمكن من إطلاق العديد من الرصاص، … هنا يقبع ابن لادن، والذي يدعو لهذه الهجمات … يعيش في منطقة بعيدة عن الجبهة، ويختبئ وراء النساء اللواتي وضعت أمامه كدرع … إن هذا يشير فقط إلى طبيعة الفرد الذي كان هو عليه“.

اعترض غيتس أيضا على الفكرة، التي جاء بها برينان وليون بانيتا، أن الاستخبارات الأمريكية قد علموا عن مكان وجود بن لادن من المعلومات التي حصل عليها بواسطة التعذيب. “كان كل هذا يجري في الوقت الذي كان فيه الفريق الذي أدى العملية في طريق عودتهم من مهمتهم. إن رجال الوكالة يعرفون القصة كلها”،قال المسؤول المتقاعد. “لقد كانت مجموعة من العملاء المتقاعدين والذين يعملون بعقد مع المخابرات الأمريكية هم الذين قاموا بهذه المهمة”. “لقد دعوا من قبل بعض مخططي المهمة في الوكالة للمساعدة في القصة البديلة. وبالتالي جاء القدامى وقالوا لماذا لا نعترف بأننا حصلنا على بعض المعلومات بشأن ابن لادن من التحقيقات؟”في ذلك الوقت، كان لا يزال هناك حديثاً في واشنطن بشأن احتمال وجود محاكمة لعملاء الوكالة المركزية من الذين قاموا بالتعذيب.

“وقال غيتس لهم ان هذا لن يحدث”، قال المسؤول المتقاعد. “لم يكن أبدا جزءاً من الفريق. كان يعرف في الساعة الحادية عشرة في مسيرته بان لا يكون طرفا في هذا الهراء. ولكن الدولة ووزارة الدفاع الأمريكية قد اشترت القصة البديلة. لم يعتقد أي من الفريق الذي شارك في العملية بأن أوباما كان على وشك الظهور على التلفزيون الوطني وإعلان الغارة. سكتت قيادة القوات الخاصة.وهم يفخرون بالحفظ على أمن العمليات”. كان هناك خوف في العمليات الخاصة، قال المسؤول المتقاعد،“من تسرب القصة الحقيقية، والذي سيقود بيروقراطيو البيت الأبيض إلى إلقاء اللوم على الفريق”.

كان الحل في البيت الأبيض هو إسكات الفريق. في 5 أيار، عاد كل أعضاء الفريق إلى قاعدتهم في جنوب ولاية فرجينيا. قدم لبعض أعضاء القيادة في قيادة العمليات الخاصة المشتركة تعليمات مصاغة من المكتب القانوني للبيت الأبيض، وتعد هذا التعليمات بإنزال عقوبات مدنية وقضائية لمن يناقش ما جرى في البعثة، في القطاع العام أو الخاص. “لم يكن الفريق سعيدا”، قال المسؤول المتقاعد. ولكن معظمهم بقى صامتاً، كما فعل الأدميرال وليام مكرافن، الذي كان آنذاك مسؤولا عن قيادة العمليات الخاصة المشتركة. “كان مكرافن كتوم. كان يعلم انه اُستُغِل من قبل البيت الأبيض، لكنه جزء من الفريق، وناشط سياسي، وكان يعرف بعدم حصوله على أي مجد أو فائدة من معارضة الرئيس. عندما أخبر أوباما العالم بمقتل ابن لادن، كان الجميع يتبارى للحصول على قصة جديدة ذات معنى. وكان المخططون يمسكون الحقيبة بقوة“.

وفي غضون أيام، بعد أن أصبحت بعض المبالغات المبكرة والتشوهات واضحة،أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية سلسلة من البيانات للتوضيح. لا، لم يكن ابن لادن مسلحا عندما أطلق عليه النار، ولم يستخدم ابن لادن واحدة من زوجاته كدرع. تقبلت الصحافة وعلى وجه العموم التفسير بأن الأخطاء كانت لا مفر منها، نتيجة لرغبة البيت الأبيض باستيعاب الصحفيين الراغبين في الحصول على تفاصيل المهمة.

إحدى الأكاذيب التي استمرت هي ان الفريق قاتل لشق طريقه إلى هدفه. قام شخصان فقط من الفريق بالإدلاء ببيان رسمي: تم نشر “لا يوم سهل”،وهي شهادة مباشرة للغارة من قبل  مات بسسونيت، في أيلول 2012. وبعد عامين تم مقابلة روب أونيل من قبل فوكس نيوز. وكان كلا الرجلين قد استقالا من البحرية، وكلاهما أطلقا النار على ابن لادن. تتناقض شهادتهما مع بعضها البعض في الكثير من التفاصيل، ولكن قصصهم تؤيد عموما نسخة البيت الأبيض، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحاجة إلى قتل أو التعرض للقتل بينما شق الفريق طريقه إلى ابن لادن. حتى إن أونيل صرح لفوكس نيوز بأنه وزملاءه اعتقدوا “بأنهم ذاهبون للموت”. كلما تدربنا على ذلك، كلما أدركنا بان هذه المهمة ستكون في اتجاه واحد.”

لكن المسؤول المتقاعد قال لي أنه ،وفي استخلاص المعلومات الأولية، لم يشر الفريق إلى تبادل لإطلاق النار، أو في الواقع إلى أي معارضة. قال المسؤول المتقاعد إن الدراما والخطر الذي صوره بيسونيت و أونيل كان مقصودا وذا مغزى: “لا يمكن للفريق أن يعيش مع حقيقة أنهم قتلوا ابن لادن من دون معارضة تماما، ولهذا كان يجب أن يكون هناك دليل على شجاعتهم في مواجهة الخطر. هل سيجلس الرجال في الحانة ويقولون انه كان يوما سهلا؟ هذا لن يحدث“.

وقال المسؤول المتقاعد أن هناك سبباً آخر للمطالبة بوجود تبادل لإطلاق النار داخل المجمع: لتجنب مساءلة لا مفر منها،والتي قد تنشأ من شن هجوم بلا وجود قوات منازع له من الطرف المقابل. أين كان حراس ابن لادن؟ بالتأكيد إن اكبر إرهابي في العالم سيمتلك حماية على مدار الساعة. “احد الذين قتلوا كان الساعي، لأنه لم يتمكن من الخروج، ولم نستطع نحن حمايته. لم يمتلك الباكستانيون أي خيار سوى مجاراتنا في هذه اللعبة”. بعد يومين من الغارة، نشرت رويترز صورا لثلاثة رجال ميتين، قالت إنها اشترتها من مسؤول في وكالة المخابرات الباكستانية.  حددت هوية أثنين من الرجال في وقت لاحق من قبل المتحدث باسم وكالة المخابرات الباكستانية، وقد كان هذان الرجلان هما الساعي المزعوم وشقيقه.

بعد خمسة أيام من الغارة،قـُدم للسلك الصحفي في البنتاغون سلسلة من أشرطة الفيديو التي قال مسؤولون أمريكيون انه الفريق الذي شن الغارة أخذها من المجمع مع ما يصل إلى 15 جهاز كمبيوتر. أظهرت مقتطفات من احد أشرطة الفيديو ابن لادن وهو ملفوف في بطانية، ويشاهد ما يبدو أنه شريط فيديو لنفسه على شاشة التلفزيون. قال مسؤول، لم يكشف عن اسمه، للصحفيين :إن الغارة أسفرت عن “كنز دفين … واحد من أكثر المواد من المجموعات الإرهابية في أي وقت مضى”، والذي من شأنه أن يوفر رؤى حيوية لما ستبدو عليه خطط تنظيم القاعدة. وقال المسؤول ان المواد أظهرت ان ابن لادن لا يزال زعيما نشطا في تنظيم القاعدة، ويوفر الإرشادات الإستراتيجية، والعملية، والتكتيكية للجماعة … لقد كان بعيدا كل البعد من ان يكون قائدا رمزيا،فقد واصل تقديم التوجيهات التكتيكية والأوامر للمجموعة، وكان يديرها“مما وصف بأنه مركز القيادة والسيطرة في أبوت أباد”. وهو الذي كان لاعبا نشطا، مما يجعل العملية الأخيرة حتى أكثر أهمية لأمن أمتنا “وقال المسؤول. كانت المعلومات حيوية جدا، وأضاف، أن الإدارة بصدد تأسيس فرقة عمل مشتركة بين الوكالات المختصة لمعالجة ذلك: “لم يكن مجرد شخص يكتب إستراتيجية تنظيم القاعدة،كان يأتي بأفكار عملية، ويوجه أعضاء القاعدة الآخرين”.

لم تكن هذه التصريحات سوى افتراءات، إذ ان ابن لادن لم يمارس الكثير من النشاط فيما يتعلق بالقيادة والسيطرة . قال مسؤول المخابرات المتقاعد أن التقارير الداخلية لوكالة الاستخبارات المركزية تبين أنه ومنذ انتقال ابن لادن إلى أبوت آباد في عام 2006 ، لا يمكن ربط سوى عدد قليل من الهجمات الإرهابية لبقايا القاعدة بابن لادن.“وقيل لنا في البداية “،قال المسؤول المتقاعد،“أن الفريق الذي شن الغارة جمع أكياس قمامة من الأشياء الموجودة في المجمع، ويعتمد الآن على هذه الأشياء لكتابة تقارير المخابرات اليومية. ثم قيل لنا أن الخبراء يجمعون كل شيء معا، ويحتاجون إلى ترجمته، ولكن لم يتم الحصول على أي معلومات إلى الآن،إذ ان كل شيء استنتجوه، تبين عدم صحته فيما بعد. إنها خدعة كبيرة – مثل رجل بلتداون”، قال المسؤول المتقاعد بعد ان حولت معظم المواد من أبوت آباد إلى الولايات المتحدة من قبل الباكستانيين، الذين دمروا المبنى في وقت لاحق. تولت وكالة المخابرات الباكستانية مسؤولية رعاية زوجات ابن لادن وأبنائه، ولم تتاح الفرصة للولايات المتحدة لاستجواب أيا منهم.

وقال المسؤول المتقاعد “لماذا خلقت قصة الكنز الدفين؟”“لقد كان على البيت الأبيض إعطاء الانطباع بأن ابن لادن كان لا يزال مهما من الناحية العملية. وإلا، لماذا قتله؟ تم إنشاء القصة البديلة – أن هناك شبكة من السعاة يأتون ويذهبون مع بطاقات ذاكرة وتعليمات. كل ذلك لإظهار ان ابن لادن لا يزال مهما“.

في تموز 2011، نشرت صحيفة واشنطن بوست ما يزعم أن يكون ملخصا لبعض من هذه المواد. كانت التناقضات في القصة فاضحة وصارخة. لقد قال الملخص إن الوثائق المجموعة من مكان ابن لادن نتجت عن أكثر من أربعمائة تقرير استخباراتي في غضون ستة أسابيع،فضلا عن انه حذر من مؤامرات لتنظيم القاعدة، كما وذكر القبض على المشتبه بهم الذين تم تسميتهم أو وصفهم في رسائل البريد الإلكتروني التي تلقاها ابن لادن”. لم يحدد التقرير المشتبه بهم أو التوفيق بين هذا والتفاصيل السابقة للإدارة الأمريكية التي تشير إلى عدم وجود انترنت في مجمع أبوت آباد. على الرغم من ادعائهم بأن الوثائق قد أسفرت عن مئات التقارير،تقول واشنطن بوست، نقلا عن مسؤولين أيضا، أن قيمتها الأساسية لم تكن في المعلومات الاستخباراتية التي تتضمنها، ولكن لأنها مكنت المحللين من بناء صورة أكثر شمولا لتنظيم القاعدة“.

في أيار 2012، اصدر مركز مكافحة الإرهاب في وست بوينت، وهو مجموعة أبحاث خاصة، ترجمات قامت بها بموجب عقد مع الحكومة الاتحادية ل 175 صفحة من وثائق ابن لادن. لم يجد الصحفيون أياً من الدراما التي وصفت في الأيام التي أعقبت الغارة. كتب باتريك كوكبيرن عن التناقض بين المزاعم التي ساقتها الإدارة الأولية بأن ابن لادن كان “العنكبوت في مركز شبكة تآمرية” وما أظهرته الترجمة في الواقع: أن ابن لادن كان “وهمياً”، وكانت“اتصالاته محدودة مع العالم الخارجي خارج مجمعه”.

نفى المسؤول المتقاعد صحة مواد ويست بوينت: “ليس هناك صلة بين هذه الوثائق ومركز مكافحة الإرهاب في الوكالة. لم يكن هناك أي محلل استخباراتي. متى كانت آخر مرة قامت بها وكالة المخابرات المركزية: بالإعلان عن اكتشاف معلومات استخباراتية مهمة، أو كشف مصدر، أو وصف طريقة معالجة المواد، أو كشف الخط الزمني للإنتاج، أو وصف من أجرى التحليل؟ وأين اجري؟ أو نشر نتائج حساسة بشأن التصرف بالمعلومات ؟ لن تقوم أي وكالة مهنية بدعم هذه خرافة”.

في حزيران 2011، نُشر في صحيفة نيويورك تايمز،وواشنطن بوست، وجميع الصحف الباكستانية أن أمير عزيز قد احتجز لاستجوابه في باكستان . كان يعمل، كما قيل، مخبراً لوكالة المخابرات المركزية ، وكان يتجسس على الخارجين والداخلين في مجمع ابن لادن. أطلق سراح عزيز،قال المسؤول المتقاعد ، لكن أجهزة الاستخبارات الأميركية لم تتمكن من معرفة الشخص الذي سرب هذه المعلومات السرية للغاية بشأن تورطه مع البعثة. قرر المسؤولون في واشنطن انه“لا يمكن أن يصبح دور عزيز في الحصول على DNA ابن لادن معروفا”. هناك حاجة للتضحية، فوقع الاختيار على شاكيل أفريدي، وهو طبيب باكستاني يبلغ من العمر 48 عاما وأحيانا كمخبر لوكالة المخابرات المركزية. اعتقل من قبل الباكستانيين في أواخر شهر أيار بتهمة مساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. “ذهبنا إلى الباكستانيين وقلنا لهم ان عليهم ملاحقة أفريدي” قال المسؤول المتقاعد. “كان علينا تغطية كل ما يتعلق بقضية كيفية حصولنا على الحمض النووي”. ذكر فيما بعد أن وكالة الاستخبارات المركزية قد نظمت برنامج تلقيح وهمي في أبوت أباد بمساعدة أفريدي في محاولة فاشلة للحصول على DNA ابن لادن. تمت العملية الطبية الشرعية لافريدي بشكل مستقل عن السلطات الصحية المحلية،وتم تمويلها بشكل جيد، وقدمت اللقاحات المجانية ضد التهاب الكبد الفايروسي.تم تعليق ملصقات تروج للبرنامج في جميع أنحاء المنطقة. اتهم أفريدي في وقت لاحق بالخيانة وحكم عليه 33 عاما في السجن بسبب علاقاته مع احد المتطرفين. خلقت أخبار البرنامج الذي ترعاه وكالة المخابرات المركزية غضبا واسعا في باكستان، وأدت إلى إلغاء برامج التطعيم الدولية الأخرى التي كان ينظر إليها الآن كغطاء للتجسس الأمريكي.

وقال المسؤول المتقاعد أن أفريدي تم تجنيده قبل مدة طويلة من مهمة ابن لادن كجزء من الجهد الاستخباراتي المنفصل للحصول على معلومات بشأن الإرهابيين المشتبه بهم في أبوت آباد والمنطقة المحيطة بها. “كانت الخطة هي استخدام اللقاحات بوصفها وسيلة للحصول على دم من المشتبه بهم في صلتهم بالإرهاب في القرى”. لذلك وضع التقرير على عجل“كغطاء للوكالة لخلق “حقائق” في محاولة خرقاء لحماية عزيز ومهمته الحقيقية”.“الآن، نحن نواجه العواقب”، وأضاف “لقد تم اختراق مشروع إنساني عظيم لفعل شيء مفيد للفلاحين وتحويله إلى خدعة ساخرة”. تم رفع التهم عن أفريدي، لكنه لا يزال في السجن بتهمة القتل.

وقال أوباما في خطابه الذي أعلن فيه عن الغارة، بعد مقتل ابن لادن قام الجنود“بتولي الوصاية على جسده”. خلقت هذه الجملة مشكلة. في الخطة الأولية، كان من المقرر أن يعلن مقتل ابن لادن بعد أسبوع أو أكثر في غارة طائرة بدون طيار في مكان ما في الجبال على الحدود الباكستانية الأفغانية، وإن رفاته قد تم التأكد منها عن طريق اختبار الحمض النووي، ولكن مع إعلان أوباما عن مقتل ابن لادن من خلال علمية عسكرية على الميدان، من المتوقع أن يكون هناك وجود لجثة. بدلا من ذلك، قيل للمراسلين إن جثة ابن لادن نقلت إلى مطار عسكري أمريكي في جلال آباد، أفغانستان، ومن ثم مباشرة إلى يو أس أس كارل فينسون، وسوبر كرير في دورية روتينية في شمال بحر العرب. كما ودفن ابن لادن في البحر، بعد ساعات فقط من وفاته. كانت اللحظات المشككة الوحيدة في اللقاءات الصحفية هي خلال جلسة  الاستماع  لجون  برينان     في 2 أيار في ما يتعلق بالدفن . كانت أسئلة قصيرة، ونادرا ما تم الإجابة عنها. “متى تم اتخاذ القرار بأنه سيدفن في البحر إذا قتل؟”“كان هذا جزءا من الخطة على الدوام؟”““هل تستطيع أن تقول لنا لماذا تعد هذه فكرة جيدة؟”““جون، هل استشرت مسلماً خبيراً بهذا الموضوع ؟”“هل هناك تسجيل مرئي لهذا الدفن؟”عندما سئل هذا السؤال الأخير، جاي كارني، السكرتير الصحفي أوباما،جاء لإنقاذ برينان:”علينا إعطاء الفرصة للآخرين هنا. “

“كنا نظن أن أفضل طريقة لضمان دفن جسده بالطريقة الإسلامية المناسبة”، قال برينان” هو عدم المضي بتلك الإجراءات التي من شأنها أن تسمح لنا بالدفن في البحر”. وقال انه قد تم التشاور مع “المتخصصين والخبراء”، وأن الجيش الأمريكي كان قادرا تماما على تنفيذ عملية دفن “تتفق مع الشريعة الإسلامية”. لم يذكر برينان أن القانون الإسلامي يدعو لان تجري عملية الدفن بوجود إمام، ولم يكن هناك ما يشير إلى تصادف وجود احدهم على متن كارل فينسون.

في إعادة بناء عملية ابن لادن لمجلة فانيتي فير،كتب مارك بودين، الذي تحدث مع العديد من كبار المسؤولين في الإدارة، ان جسد ابن لادن نظف وصور في جلال أباد. تم تنفيذ الإجراءات الأخرى الضرورية لدفن المسلمين على الناقل، وكتب،“مع غسل جسد ابن لادن مرة أخرى ولفه بالكفن الأبيض. سجل مصور البحرية عملية الدفن في وضح النهار صباح اليوم الاثنين، المصادف 2 أيار”. يصف بودين الصور:

تظهر احد الصور الجسد وهو ملفوف في كفن،ويظهر في صورة أخرى وهو ممدد على مسطبة. في الصورة التالية يظهر الجسد وهو يضرب الماء. في الصورة التي تلتها، كانت الجثة مرئية فقط تحت السطح،متحركة مع الأمواج إلى الخارج. في الصورة الأخيرة، هناك موجات دائرية على السطح. اختفى رفات أسامة ابن لادن من أجل الخير.

كان بودين حريصا على عدم الادعاء بأنه قد رأى الصور التي وصفها فعلا. قال لي مؤخرا انه لم ير أيا من هذه الصور: “اشعر دائما بخيبة أمل عندما لا أستطيع أن انظر إلى شيء ما بنفسي، لكني تحدثت مع شخص موثوق قال لي انه رأى الصور بنفسه، ووصفها بالتفصيل“. ويضيف بيان بودين إلى الأسئلة  التي طرحت حول الدفن المزعوم في عرض البحر، والتي أثارت سيلا من المطالب حسب قانون حرية طلب المعلومات،لم ينتج معظمها أي معلومات. سعى واحد منهم للحصول على الصور. ردت وزارة الدفاع الأمريكية أن التفتيش في جميع السجلات المتوفرة لم يسفر عن إيجاد أي دليل على اخذ الصور لعملية الدفن. لم تكن الطلبات الأخرى المتعلقة بالغارة منتجة أيضا على حدٍ سواء. ولم يعرف سبب لعدم الاستجابة الواضحة بعد أن عقدت وزارة الدفاع الأمريكية تحقيقا في مزاعم أن إدارة أوباما قد وفرت فرصة الوصول إلى مواد سرية لصناع الفيلم “صفر الظلام ثلاثون”. وأشار تقرير البنتاغون، الذي وضع على الانترنت في حزيران 2013، أن الأدميرال مكرافن أمر بان تتلف الملفات بشأن الغارة ويتم حذفها من جميع أجهزة الكمبيوتر العسكرية ونقلها إلى وكالة المخابرات المركزية، إذ أنها ستكون محمية من طلبات قانون حرية المعلومات من قبل الوكالة،“الإعفاء التشغيلي”.

عنت تصرفات مكرافن بأن الغرباء لا يمكن لهم الحصول على السجلات السرية في سفينة كارل فينسون. تعد السجلات مقدسة في البحرية، ويتم الاحتفاظ بوحدات منفصلة للعمليات الجوية، وسطح السفينة ، وقسم الهندسة ، والمكتب الطبي ، ولمعلومات القيادة والسيطرة. تظهر هذه السجلات تسلسل الأحداث يوما بعد يوم على متن السفينة، إذا كان هناك دفن في البحر على متن كارل فينسون، سيتم تسجيله.

لم يكن هناك أي قيل وقال بشأن عملية الدفن بين بحارة كارل فينسون. أكملت السفينة عملية إبحارها لستة أشهر في حزيران 2011، عندما رست السفينة في قاعدتها الرئيسة في كورونادو، كاليفورنيا. قال الأميرال صامويل بيريز، قائد مجموعة حاملة كارل فينسون، للصحفيين بأن الطاقم قد أمر بعدم التحدث عن عملية الدفن. وقال الكابتن بروس ليندسي، ربان كارل فينسون، للصحفيين بأنه لا يتمكن من مناقشة الموضوع. وقال كاميرون شور، احد العاملين في طاقم كارل فينسون، لكوميرشل نيوز لدانفيل، إلينوي، أن الطاقم لم يقل أي شيء عن الدفن. “ كل ما يعرفه هو ما رآه على الأخبار“،ذكرت الصحيفة.

قامت وزارة الدفاع بالإفراج عن سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني إلى وكالة اسوشيتد برس. في واحدة منها، ذكرت الأميرال تشارلز جاوتيه أن الطقوس التي جاءت بعد “الإجراءات التقليدية للدفن الإسلامي”، وقال انه لم يسمح لأي من البحارة على متنها بمراقبة الإجراءات. ولكن لم يكن هناك أي مؤشر على الذين غسلوا وكفنوا الجسد، أو من الذي أجرى الطقوس باللغة العربية.

في غضون أسابيع من الغارة، قيل لي من قبل مستشارين اثنين لقيادة العمليات الخاصة،من الذين حصلوا على المعلومات الاستخباراتية الحالية، أن الجنازة على متن كارل فينسون لم تحدث. قال لي احد المستشارين :إن ابن لادن لا يزال موجودا حيث تم تصويره وتحديد هويته بعد نقله جوا إلى أفغانستان. وأضاف المستشار: “عند هذه النقطة، تولت وكالة المخابرات المركزية السيطرة على الجسد. كانت القصة البديلة تشير إلى أنه قد نقل جوا إلى كارل فينسون “. واتفق المستشار الثاني بأنه لم يكن هناك”دفن في البحر“. وأضاف أن “مقتل بن لادن كان مسرحا سياسيا يهدف إلى صقل المؤهلات العسكرية لأوباما … وكان يجب على الفريق الذي شن العملية توقع المواقف السياسية. انه لمن الصعب مقاومة هذه المعلومات بالنسبة للسياسي. أصبح ابن لادن مهما للعمل. “في وقت مبكر من هذا العام، تحدث المستشار الثاني إلي مرة أخرى، عدت إلى الدفن في البحر. ضحك مستشار وقال: “هل تعني، انه لم يصل إلى المياه؟“

قال المسؤول المتقاعد بان هناك مضاعفات أخرى: إن بعض أعضاء الفريق تفاخروا لزملائهم وغيرهم بأنهم قد مزقوا جسد ابن لادن إلى القطع بواسطة نيران البنادق. ألقيت بقايا، بما في ذلك رأسه، الذي لا يجود فيه إلا على عدد قليل من ثقوب الرصاص، في كيس الجثث، وأثناء الرحلة المروحية إلى جلال آباد، قذف بعض من أجزاء الجسد على جبال هندو كوش – أو هكذا ادعى الفريق . في ذلك الوقت، قال المسؤول المتقاعد، لم يعتقد الفريق بأن أوباما سيطلع الجمهور على المهمة في غضون ساعات قليلة: “إذا كان الرئيس قد اتفق على القصة البديلة، فإنه لم يكن هناك حاجة إلى وجود جنازة بعد ساعة من عملية القتل. متى تم نشر القصة البديلة، وأصبح خبر مقتل بن لادن عاما، سيواجه البيت الأبيض مشكلة“أين الجثة؟” الخطيرة. يعرف العالم ان القوات الأمريكية قتلت ابن لادن في أبوت أباد، مدينة الذعر. ما الذي يجب القيام به؟ نحن بحاجة إلى “جهاز وظيفي” لأنه يجب ان نكون قادرين على القول بأننا حددنا هوية ابن لادن عن طريق تحليل الحمض النووي. سيكون ضباط البحرية هم الذين جاءوا بقصة“الدفن في البحر”. الكمال،عدم وجود جثة،الدفن حسب الشريعة الإسلامية،وغمر الجمهور بقدر كبير من التفاصيل، ولكن تم رفض حرية التأكد من معلومات الوثائق حول عملية دفن لأسباب تتعلق“بالأمن القومي”. إنها طريقة كلاسيكية لنشر قصة بديلة بنيت بطريقة سيئة – أن هذا يحل مشكلة فورية، ولكن نظرا للتحقيق القليل، لا توجد أي خطة دعم احتياطية. وقال المسؤول المتقاعد أنه لم تكن هناك خطة أبدا، في البداية، لأخذ الجسد إلى البحر. إذا تم تصديق الشهادات للفريق الذي أجرى العملية، لم يبقَ هناك ما يكفي من جثة ابن لادن لدفنها في البحر على أية حال.

كان لا بد من أن تخلق أكاذيب، إدارة أوباما وتحريفاته، وخيانته ردة فعل عنيفة. ، لقد كان لدينا انقطاع دام أربع سنوات من دون تعاون “قال المسؤول المتقاعد. “لقد اخذ هذا وقتاً طويلاً لاستعادة ثقة الباكستانيين بنا مرة أخرى في العلاقة بين الجيشين في مكافحة الإرهاب –في الوقت الذي ازداد فيه الإرهاب في جميع أنحاء العالم … شاهدوا أوباما وهو يبيعهم ويتخلى عنهم. لقد عادوا الآن لأن تهديد داعش، والذي ظهر حاليا هناك في باكستان، أكبر بكثير، وحدث ابن لادن بعيد بما فيه الكفاية لتمكين شخص مثل الجنرال دوراني للخروج والتحدث عن ذلك.” تقاعد الجنرالان باشا وكياني، وتشير التقارير إلى أنهم قيد التحقيق بتهمة الفساد خلال مدة وجودهم في السلطة.

وثق تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الذي طال انتظاره بشأن استخدام المخابرات للتعذيب،والذي صدر في كانون الأول الماضي، تكرر حالات الكذب الرسمي، واقترح أن معرفة وكالة الاستخبارات المركزية بساعي ابن لادن كانت سطحية في أحسن الأحوال واستنكر استخدام المخابرات لمحاكاة الغرق وغيرها من أشكال التعذيب. وأدى التقرير إلى امتلاء عناوين الصحف العالمية عن الوحشية والإيهام بالغرق، جنبا إلى جنب مع تفاصيل مريعة بشأن أنابيب التغذية في المستقيم في المؤخرة، وحمامات الثلج،والتهديدات بالاغتصاب أو قتل أعضاء الأسرة المحتجزين الذين يعتقد أنهم يحجبون المعلومات. وعلى الرغم من الدعاية السيئة، وكان التقرير انتصارا لوكالة الاستخبارات المركزية.من النتائج الرئيسة – أن استخدام التعذيب لم يؤد إلى اكتشاف الحقيقة – سبق أن كان موضوع نقاش عام لأكثر من عقد من الزمان. احد النتائج الرئيسة الأخرى – أن التعذيب الذي أجرته الوكالة كان أكثر وحشية مما قاله الكونغرس، نظرا لحجم التقارير العامة والمقالات التي نشرت من قبل المحققين السابقين وضباط وكالة المخابرات المركزية المتقاعدين. يصور التقرير التعذيب الذي يتنافى وبشكل واضح مع القانون الدولي بشأن انتهاكات قواعد أو “أنشطة غير لائقة”، أو في بعض الحالات “فشل إدارة”. إذا ما كانت الإجراءات الموصوفة تشكل جرائم حرب أم لا، لم يشر التقرير إلى وجوب التحقيق مع أي من محققي الوكالة بتهمة النشاط الإجرامي. لم تواجه الوكالة أي عواقب وخيمة بسبب التقرير.

وقال المسؤول المتقاعد لي أن قيادة وكالة الاستخبارات المركزية قد أصبحت خبيرة في عرقلة التهديدات الخطيرة من الكونجرس: “إنهم يخلقون شيئاً فظيعاً ولكن ليس بهذا السوء. أعطوهم شيئا يبدو رهيبا. “يا إلهي، كنا نطعم السجناء عن طريق شرجهم!” وفي الوقت نفسه، لا يخبرون اللجنة عن عمليات القتل وغيرها من جرائم الحرب، والسجون السرية مثل التي لا نزال نمتلكها في دييغو غارسيا. ان الهدف هو المماطلة لأطول وقت ممكن، وهذا ما فعلوه“.

ان الموضوع الرئيس ذو 499 صفحة للملخص التنفيذي للجنة هو أن وكالة الاستخبارات المركزية كذبت بشكل ممنهج بشأن فعالية برنامج التعذيب في كسب المعلومات الاستخباراتية التي يمكن أن توقف الهجمات الإرهابية المستقبلية في الولايات المتحدة. وتضمنت الأكاذيب بعض التفاصيل المهمة بشأن أحد عناصر تنظيم القاعدة ويدعى أبو أحمد الكويتي الذي قيل انه ساعي تنظيم القاعدة الرئيس، والمتابعة اللاحقة  له لأبوت أباد في أوائل عام 2011. وأصبح ضباط المخابرات الذين تمكنوا، من خلال الصبر والمهارة، من إيجاد الكويتي-أساطير بعد درامية زريو دارك ثيرتي.

طرح تقرير مجلس الشيوخ مرارا وتكرارا أسئلة بشأن نوعية اتصالات وكالة المخابرات المركزية ودرجة الثقة بها بشأن الكويتي. في عام 2005 أشار تقرير وكالة المخابرات المركزية الداخلي بشأن مطاردة بن لادن أن “المعتقلين قدموا القليل من الخيوط التي تشير إلى ابن لادن، وعلينا أن ننظر في إمكانية خلقهم لشخصيات وهمية لتشتيت انتباهنا أو لتبرئة أنفسهم من المعرفة المباشرة بابن لادن [كذا] . “ذكر تقرير للوكالة في السنة التالية“إننا لم ننجح في انتزاع معلومات استخباراتية عن مكان ابن لادن من أي من المعتقلين “. كما أبرز التقرير حالات عدة من ضباط وكالة المخابرات المركزية، بما في ذلك بانيتا، الذي أدلى بأقوال كاذبة إلى الكونغرس والجمهور بشأن قيمة “تقنيات الاستجواب المحسنة” في البحث عن سعاة ابن لادن.

لا يواجه أوباما اليوم حملة إعادة انتخابه كما كان في ربيع عام 2011. إن الموقف المبدئي عن الاتفاق النووي المقترح مع إيران يقول الكثير، وكذلك قراره في العمل من دون دعم من الجمهوريين المحافظين في الكونغرس. إلا ان مستويات الكذب العالية،ومع ذلك، لا تزال طريقة عمل السياسة الأمريكية، جنبا إلى جنب مع السجون السرية،وهجمات الطائرات بدون طيار،والغارات الليلية للقوات الخاصة، وتجاوز سلسلة القيادة، والاستغناء عن أولئك الذين قد يقولوا لا.


سيمور هيرش –هو المحقق والصحفي والكاتب الأمريكي السياسي القائم في واشنطن DC وهو مساهم منتظم في مجلة نيويوركر في المسائل العسكرية والأمنية.

المصدر:

http://www.lrb.co.uk/v37/n10/seymour-m-hersh/the-killing-of-osama-bin-laden