د.حيدر العبادي |  رئيس وزراء جمهورية العراق

اثبتت الاحتجاجات الأخيرة ان هناك فرصة لإثبات أن الإصلاحات السلمية بامكانها أن تسود على التطرف العنيف.

في خضم صيف لاهب، بينَ العراقيون أنه بامكان انشاء مجتمع حر في قلب الشرق الأوسط بعد عقود من الاستبداد واليأس. في الأسابيع الأخيرة خرج العراقيون من جميع الفئات إلى الشوارع في مظاهرات سلمية تدعو ممثليهم من السياسيين لإحداث تغيير ذو معنى لوضع حد للمحسوبيات والفساد اللذان خنقا قدرة بلادنا على تلبية كامل إمكانياتها. مستوحاة من التضحيات اليومية لمواطنينا في الخطوط الأمامية في المعركة ضد ارهابيي داعش.

 تحدى المتظاهرون ثلاث وجهات نظر شائعة من قبل الغرباء: إن المجتمعات المختلفة في العراق تفتقر إلى الحس الوطني الانتمائي السليم، أن البلاد مقسمة على أسس عرقية وطائفية، وأن العراق بلد لا يصلح للديمقراطية.  تحشد العراقيون من جميع الخلفيات تحت راية واحدة داعيين لإصلاحات شاملة التي من شأنها وفي جوهرها ان تحقق التطلعات الديمقراطية التي جاءت في دستورنا. تتقاطع هذه المطالب مع الفكر العرقي والطائفي وتهدف إلى رفع مستويات المعيشة لجميع العراقيين.

رفع المتظاهرون العراقيون علماً وطنياً كبيراً وهم يهتفون بشعارات ضد الفساد خلال مظاهرة في ساحة التحرير في بغداد- العراق يوم الجمعة 4 ايول. وقال ممثل المرجعية خلال صلاة الجمعة ان على الحكومة أن تبدأ بملاحقة “الرؤوس الكبيرة” كجزء من حملة مكافحة الفساد التي بدأتها داعيتاً الى “خطوات مقنعة ومضمونة” كدليل على جدية الحكومة في تنفيذ خطة الإصلاح. لا تستجيب حكومتنا لهذه المطالب بالقمع ولكن مع إصلاحات تهدف إلى تعزيز برنامج التجديد السياسي والاقتصادي البعيد المدى.

بعد تولي زمام الحكم قبل عام خلال انتخابات حرة وانتقال سلمي للسلطة، وفي خضم النضال ضد داعش، تدرك حكومتنا الحاجة الملحة للتغيير. من “الجنود الأشباح” الذين يحصلون على رواتبهم وهم بعيدون عن جبهات القتال إلى “عدم الحضور” الموظفين الذين إثراوا أنفسهم على الجبهة المنزلية، يجرد الفساد العراق من الموارد اللازمة للدفاع الوطني والخدمات الأساسية. يحتاج العراق إلى حكومة نزيهة وفعالة من شأنها أن توفر الخدمات لجميع العراقيين. بموافقة البرلمان، ودعم المتظاهرين، والمشورة الحكيمة من المرجعية الدينية في النجف، نقوم الان بترشيق الحكومة، لاستبدال المناصب الفخرية المكلفة والمحاصصة الطائفية الانقسامية بالاصرار على الجدارة والمساءلة.

نحن نقوم باتخاذ تدابير جذرية لمعالجة الأزمة المالية التي تفاقمت بسبب الاعتماد المفرط على عائدات النفط، كما قمنا بتوسيع القاعدة الضريبية، ونستثمر مليارات الدولارات في قطاعات الصناعة، والإسكان، والزراعة لتحفيز نمو الاقتصاد العراقي بحيث لا يتأثر بتقلبات أسعار النفط. كما ونسعى ايضاً لخصخصة الشركات المملوكة للدولة، التي تفتقر الى الكفاءة، وتقديم الحوافز لتعزيز روح المبادرة والاستثمار الخاص المحلي والدولي.

مع هذه الحكومة الأصغر حجماً، سنقوم بإعادة بناء البنى التحتية بما في ذلك الطرق والطرق السريعة، والمستشفيات والمدارس. ان هدفنا الآخر هو الحد من البطالة، وخاصة بين الشباب الذين قد ينجذبوا إلى التطرف، وتحسين الخدمات العامة الأساسية مثل الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب. سنقوم أيضا بمساعدة الملايين من المشردين داخلياً من الذين فروا من وحشية وهمجية داعش.

نحن نسعى للقيام بهذه الإصلاحات مع احترام سيادة القانون والحفاظ على الدستور العراقي، ان التجاوز على نظام الضوابط والتوازنات يسبب الفوضى فقط ، ويقوض شرعية الدولة. بينما يؤيد العراقيون بأغلبية ساحقة هذه الإصلاحات المطلوبة التي طال انتظارها، أعرب بعض المراقبين عن مخاوفهم بشأن إلغاء نظام المحاصصة الطائفية، بحجة أن من شأنه أن يهدد حقوق الأقليات. ولكن معظم العراقيين، من كل الخلفيات يفهمون أن حقوق الجميع مضمونة، ليس من خلال إضفاء طابع المحسوبية، ولكن من خلال التمسك بسيادة القانون، والعدالة المتساوية للجميع، بغض النظر عن الأصل العرقي أو الديني.

 سيخدم المهنيون الأكفاء الذين يتم اختيارهم على أساس الجدارة وبدافع الخدمة العامة، وليس الخدمة الذاتية أو الانتماءات الطائفية، مصالح جميع العراقيين بشكل افضل. بينما نقوم باتخاذ خطوات كبيرة نحو اللامركزية، بما في ذلك الموافقة على قانون صلاحيات المحافظات المعدل في الشهر الماضي، تجري عملية تقوية المجتمعات على المستوى المحلي، حتى يتمكنوا من تحديد الأماكن الأكثر حاجة إلى الموارد.

يعاني جميع العراقيون من سوء الخدمات العامة، وسوف يستفيد جميع العراقيون من حكومة أفضل. ان التطلع لحكومة نزيهة وفعالة ومحترمة للقانون هو مطلب موحد، وليس منقسم عن طريق الوفاء بهذا الوعد، ستتمكن حكومتنا من حرمان الإرهابيين من الارضية التي يحتاجون إليها للعمل.

يمكن للأمريكان وشركائنا الدوليين الآخرين الذين يشاركوننا اهتمامنا في هزيمة داعش وبناء عراق مستقر وديمقراطي، أن يساعدوننا أيضاً من خلال تقديم الخبرات في مجال ترشيق البيروقراطية، ومكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة. من خلال تعزيز الاتصالات الوطنية والإقليمية والمحلية في بلادنا، بما في ذلك قوات الأمن، فان هذه الإصلاحات ستخلق عراق موحد بامكانه أن يهزم داعش. لكن لايمكن لهذه الإصلاحات أن تنجح إلا إذا وضع الزعماء السياسيين من كل الفرقاء مصالحهم الشخصية جانبا، وسعوا الى مصلحة مشتركة من خلال بناء عراق يخدم جميع مواطنيه ويستحق الدفاع عنه من خطر داعش.

اليوم، هناك فرصة تاريخية لتحقيق المصالحة الوطنية إذا ما التزم جميع الأطراف بالعملية الديمقراطية، ورفضوا العنف كوسيلة للحصول على مكاسب سياسية، قد يكون من الممكن التوصل الى تسوية شاملة بامكانها ضمان مستقبل مزدهر للأجيال العراقية المتعاقبة. معاً نستطيع أن نثبت أن الإصلاحات السلمية بامكنها أن تسود على التطرف العنيف، والتأكد من أن تضحيات السنوات ال 12 الماضية لن تذهب سدى

المصدر:

 http://www.wsj.com/articles/we-have-heard-the-iraqi-people-1441754816?cb=logged0.7436617789790034