جوشوا جورج وكر – أندرو بوين 

تم الاشارة الى مواجهة الأسبوع الماضي بين داعش و وتركيا، والتي خلفت قتيلين من الطرفيين، في الغرب كأول مواجهة عسكرية تركية مباشرة مع منظمة إرهابية منذ بدء الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد التي بدأت في عام 2011.

بعد وقت قصير من الهجوم، أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن البلاد ستشن حملة عسكرية لاحقة، عملية يالجين، التي تم تسميها بهذا الاسم تكريما للجندي الذي قتل، والتي ستكون “ضد جميع المنظمات الإرهابية”. وبين من خلال حديثة ان هذه العملية لن تقتصر على داعش فقط، ولكن يمكن أيضا ان تستهدف اعداء تركيا الآخرين، مثل حزب العمال الكردستاني، المنظمة الانفصالية الكردية الموالية للمتشددين. على الرغم من أن المراقبين توقعوا حدوث مثل هكذا تصعيد لبعض الوقت، الان ان هناك عدة عوامل دفعت أردوغان للتفكير بالقيام بخطوة كبيرة كهذه. على الرغم من هذا، يجب علينا الانتظار لنرى ما إذا كانت هذه المخاطرة المحسوبة ستؤتي بثمارها من خلال امن اكثر، والمزيد من النفوذ الإقليمي، والمزيد من السلطة في تركيا، أو سوف تأتي بنتائج عكسية.

ويأتي نشاط أنقرة المفاجئ بعد شهور من الضغط من واشنطن. في غضون أسبوع، رفعت تركيا تبادل المعلومات الاستخباراتية، ورفعت القيود المفروضة على الطائرات الأمريكية التي تحلق من قاعدة انجرليك العسكرية في تركيا إلى سوريا، كما دعت تركيا أيضا الى عقد اجتماع طارئ لحلف شمال الاطلسي، مما أدى إلى إظهار تضامن مع حق تركيا في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، ولكن لم يتم الاتفاق على الخطوات المقبلة. اقترحت تركيا إنشاء منطقة حظر للطيران حول الحدود السورية، لكن واشنطن لم توافق على هذه الخطة، ولكن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والرئيس الاميركي باراك اوباما اتفقا على زيادة تنسيق الولايات المتحدة مع تركيا بشأن الغارات الجوية ضد داعش، والاستمرار في تدريب مقاتلي المعارضة السورية، لدعم الجهود التركية.

ان رغبة تركيا في اقامة مناطق عازلة في شمال سوريا ليست جديدة، ولكن الجديد هو الإرادة السياسية لتحويل هذه الخطة الى واقع. طوال فترة الصراع، اصرت تركيا لأن هناك حاجة إلى منطقة عازلة للدفاع عن حدودها والسماح للاجئين السوريين بالعودة إلى ديارهم. أكد وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو على الفكرة يوم السبت الماضي، عندما قال إنه “عندما يتم طرد داعش من المناطق، فان المناطق العازلة ستشكل نفسها بنفسها. وسيستقر النازحين في هذه المناطق “. واستبعدت أنقرة نشر قوات برية لدعم العملية، ولكن أردوغان كد على التزام تركيا لتأمين هذه المناطق. على الرغم من أنه من السابق لأوانه معرفة مدى تجاوز هذه الوعود الغارات جوية والعمليات الخاصة لمساعدة المعارضة، فمن المرجح أن تركيا ستحتاج إلى أن تكون مستعدة لمواجهة قوات الأسد، إذا ما هاجمت قوات الاخير المنطقة الآمنة، أو يحتمل أن ترسل قوات برية إذا لم تستطع المعارضة السورية تأمين المنطقة.

أما العامل الآخر وراء توقيت أردوغان هو عدم ارتياحه من صعود داعش المتنامي، في الشهور التي تلت الصعود الأول لداعش، لخصت أنقرة إلى أن هذه المنظمة مثلها مثل أي جماعة معارضة أخرى في سوريا- ليست بأفضل ولا بأسوأ- ولذلك اختاروا أن تكون الأولوية للأسد وللأكراد الذين يشكلون الخطر الاكبر الذي يهدد استقرار تركيا، حتى قال أردوغان أن هوس الغرب مع داعش هو نتيجة لكراهية متجذرة تجاه الإسلام والتحيز ضد الأتراك. بعد كل هذا، أشار اردوغان، الى ان وسائل الإعلام الغربية اختارت التركيز على طرق تجارة السوق السوداء لداعش عبر حدود تركيا، بدلا من التركيز على البلدان التي ينشأ فيها المقاتلين في الواقع.

ولكن في الأشهر الستة الماضية، تغيرت الحسابات السياسية لاردوغان عندما صعدت داعش خطابها حول إقامة الخلافة “المناسبة” مرة أخرى في اسطنبول. وكانت مثل هذه التعليقات مزعجة لا سيما في الفترة التي تسبق الانتخابات الوطنية، التي حدد فيها أردوغان موقع حزبه الاسلامي المحافظ كقوة من أجل النهوض الديمقراطي في تركيا وتمثيلها كقوة إقليمية تتجاوز التراث العثماني التابع لها. والأسوأ من ذلك هو التفجير الانتحاري الذي قام به احد مقاتلي داعش الاتراك في بلدة سروج. سيتحتم ان يكون التفجير الذي قتل أكثر من 30 شخصا وإصاب مئات آخرين وهم يستعدون للذهاب إلى معقل الأكراد في كوباني في سوريا القشة التي قصمت ظهر البعير.

ادرك اوردغان ان مواجه ثلاثة تهديدات – الأسد، الأكراد، داعش- وتزايد الآثار غير المباشرة للصراع، أنه لم يعد من الممكن الحفاظ على الأمن التركي اذا لم يتم القيام بإجراء استباقي، وللتأكد من ذلك، سار أردوغان إلى منطقة مجهولة من خلال فتح حرب على جبهتين، واحدة ضد حزب العمال الكردستاني والاخرى ضد داعش. سترهق هذه العملية بالتأكيد الخدمات العسكرية والأمنية في تركيا، مما سيجعلها أكثر اعتماداً على المساعدات الأميركية. في الأشهر المقبلة، سيتمكن حزب العمال الكردستاني وداعش من تكثيف عمليات العنف ضد الحكومة التركية، والبنى التحتية، والمدنيين. إذا تصاعدت هجمات المجموعتين، فان الاقتصاد التركي قد يضرر بشكل كبير

في نفس الوقت، قد تضر الحسابات السياسية لأردوغان بعلاقة بلاده مع واشنطن فقط عندما يحتاج دعم الولايات المتحدة أكثر من غيرها. بالرغم من ان واشنطن دعمت العمليات ضد داعش ، الا ان أوباما لا يتفق مع أردوغان في قراره على ضرب حزب العمال الكردستاني. وتعتقد واشنطن أن المجتمعات الكردية في سوريا والعراق شركاء مفيدون في مكافحة داعش. ستصبح إدارة الاختلافات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا أكثر صعوبة إذا ما صعدت أنقرة حملتها ضد الجماعات الكردية جنوب حدودها.

ان كيفية خدمة هذه الاجراءات لأردوغان شخصياً لا تزال غامضة، وكان الرئيس السابق على استعداد للمراهنة على السلام مع الأكراد. يمكن لإجراءات تركيا ضد حزب العمال الكردستاني وخطابها القوي أن يقوض الوحدة الكردية في الداخل وإقليمياً، ويمكن أن تخلق المزيد من عدم الاستقرار الداخلي لتركيا في الوقت الذي تضع فيه البلاد قوة عسكرية كبيرة على المحك ضد المجموعات الإرهابية التي تسيطر على مساحات من سوريا. في الوقت نفسه، على الرغم من كونها قادرة على إثبات قيادة قوية بينما تتشاحن الأحزاب السياسية التركية فيما بينها في المفاوضات الائتلافية على السلطة، الا ان هذا سيعد فوزاً واضحاً لأردوغان، ويمكن أن يجعل من المفيد اجراء انتخابات وطنية في وقت مبكر، ويمكن لأردوغان استخدام مثل هذه الانتخابات لاستعادة أغلبية مقاعد حزبه وأيضا، تأمين الحصول على المزيد من المقاعد في البرلمان للتحرك من أجل القيام بإصلاحات دستورية لتحويل تركيا إلى نظام رئاسي. في هذا المعنى، سيكون أردوغان اما المستفيد الاكبر او الخاسر الاكبر من هذا الصراع الجديد في البلاد، وسينهي اردوغان توتر علاقاته مع الولايات المتحدة بغض النظر عن النتائج.


جوشوا جورج وكر|هو زميل في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، والمستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية

أندرو بوين |هو زميل أقدم ومدير دراسات الشرق الأوسط في مركز نيكسون

رابط المصدر :

https://www.foreignaffairs.com/articles/turkey/2015-07-29/erdogans-war