ماياسزالفتز

 

لماذا نتذلل لأندادنا البشر، ولماذا يُعد ذلك مهماً

قد يبدو التعاطف على أنه شيء إسفنجي، أو كلمة ليبرالية غامضة، أو فضيلة وجدانية ذات أهمية ثانوية، ولكن كلما تعلمنا أكثر عن علم الأعصاب وعلم النفس، يبدو أن التعاطف يشغل جزءاً كبيراً من الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبشر، ناهيك عن صحة الفرد، الذي يعتمد عليه بشكل أساسي. مما يجعل ازدياد عدم المساواة وهذا شيء يهدد التعاطف- شيئاً مثيراً للقلق.

يدمج مصطلح التعاطف قدرتين بشريتين منفصلتين، إلا إنهما بالقدر نفسه من الأهمية الأولى هو ببساطة القدرة على معرفة أن الناس الاخرين لديهم عقول متميزة وأجندات ووجهات نظر وامتلاك القدرة على تخيل هذه الحقوق ويسمي علماء النفس هذا النوع من التاعطف بالتعاطف المعرفي، أو نظرية العقل،ان التعاطف المعرفي محايد من الناحية الأخلاقية، شيءيحتاجه الطبيب في تعامله مع مرضاه وطريقة يستخدمها المحتالون لنيل أهدافهم.

أما القدرة الثانية هي ما يعرف بالتعاطف الوجداني، الذي يشير إلى ميلنا لامتلاك رد فعل ما وقت التعرف على ألم شخص آخر أو استغاثته، لنهتم لهذه الاختلافات في التجربة، بفضل هذه القدرة تمتلك المجتمعات في جميع أنحاء العالم شكلاً من أشكال القاعدة الذهبية،وبعبارة أخرى فان التعاطف العاطفي هو الركيزة الأساسية للأخلاق.

كلما قلت الثقة والتعاطف بين المواطنين في بلد ما، كلما قلت كفاءة هذا البلد على الصعيد الاقتصادي، وازداد الاعتماد على الضوابط والقوانين والشرطة، وتدابير أخرى خارجية لتنفيذ القانون.

قبل مدة طويلة بدأ علماء الأعصاب بكشف جذور بيولوجية للتعاطف، أدلى الاقتصادي الاسكتلندي من القرن 18 (آدم سميث) الملاحظة الآتية بشأن ما يحدث عندما يلاحظ البشر عملا من أعمال العنف “عندما نرى ضربة تقع على ساق شخص آخر أو ذراعه ، فنحن بطبيعة الحال نقلص ونرجع ساقنا أو ذراعنا الى الوراء،وعندما تحدث الضربة، فإننا نشعر بها، ونتأذى مثلنا مثل الشخص الذي تلقى الضربة”.

اقترح سميث -وأكد ذلك علم الأعصاب -أن هذه الأصداء من الأحاسيس للآخرين هي أساس الرحمة. في الدماغ، تحاكي خلايا المرآة العصبية تجارب الآخرين، جسديا وعاطفيا،تبدأ هذه القدرة بالتطور في مرحلة الطفولة، إذ تبدأ في المواليد الجدد عند تقليد تعابير الوجوه،يضع هذا التقليد الأعمى في وقت مبكر الأساس للتعاطف المعرفي.

سيبكي حديثو الولادة أيضا عندما يسمعون صرخات الأطفال الآخرين، لأنهم لايمتلكون القدرة في البداية على فصل محنتهم الخاصة عن الآخرين، يمثل هذا الشعور جذور التعاطف الوجداني. (في البداية، نحن نشعر حقا بالأشخاص الآخرين) في نهاية المطاف نتعلم أن نفصل أنفسنا عن الآخرين، ولكن هذا الشعور من الترابط عليه ان يستمر. بواسطة رياض الأطفال، سيحاول الأطفال في كثير من الأحيان تهدئة البالغين الذين يبدون مستاءين.

ولكن التعاطف ليس مجرد بعض بقايا من حالة الحلم الطفولي،انها جزء حاسم لكيفية تنظيم ردودنا على الإجهاد. في وقت مبكر من الحياة، لا يمتلك الأطفال القدرة على الاستجابة للتوتر،ويعتمدون كلياً على الآباء والأمهات ومقدمي الرعاية لتهدئتهم،ينمو التعاطف ويتطور حينما يتعلم الأطفال أن الآخرين سيحاولون تخفيف آلامهم، ومع مرور الوقت، قد نتعلم طرقاً أخرى لتنظيم نوبات الغضب التي تنتابنا، ولكن حتى للبالغين، فالاتصال التعاطفي وتلقي الدعم هي احد أفضل الترياقات للصدمات والإجهاد، في الواقع إذا سلب هذا الأساس من الرعاية في وقت مبكر، يمكن لمرونة الشخص أن تنكسر في جميع أنواع الطرق. كلما قل التعاطف من وجود الطفل في وقت مبكر من خلال الصدمة وسوء المعاملة والإهمال أو العزلة الاجتماعية  فان هذا سيجعله أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكري والإدمان والسمنة والأمراض العقلية.

إن التعاطف أمر حاسم أيضا لحسن سير الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في جزء كبير منها لأنه يرتبط بشكل وثيق بالثقة إذ كلما قلت الثقة والتعاطف بين المواطنين في بلد ما، كلما قلت كفاءة هذا البلد على الصعيد الاقتصادي، و ازداد الاعتماد على الضوابط والقوانين والشرطة وتدابير أخرى خارجية لتنفيذ القانون.

كل هذا يجعل ازدياد ظاهرة عدم المساواة مخيفة خصوصاً، وذلك لأن عدم المساواة تتدخل بشكل مباشر مع التعاطف إذ يخلق مسافة اجتماعية أكبر بين الأغنياء والبقية، وكلما قل التفاعل لديك مع الناس على عكس نفسك، سيقل التعاطف الذي تشعر به نحوهم. ان الخوف السائد من تقلص عدد الفرص يدفع الناس ليصبحوا أكثر منافسة وأقل تعاوناً ،إن تزايد الضغط على الآباء يجعلهم أقل استجابة لأطفالهم، مما يلحق الضرر بقدرة الاطفال على تعزيز قدرة التعاطف في المستقبل.

قد نجد أنفسنا بعد ذلك، عند نقطة انعطاف مثيرة للقلق. وتشير الدراسات الحديثة إلى أنه خلال مسار طويل من التاريخ ازداد نطاق التعاطف الإنساني، إذ انحسرت أشياء مثل العنف والعنصرية. سيكون من العار جدا أن نرى هذه الموجة تعود مرة اخرى.

رابط المصدر :

http://www.psmag.com/health-and-behavior/empathy-for-the-rest-of-us