ماريا فانتابي ، فورين أفيرز

كيف قوضت المعونات الأمريكية إضفاء الطابع المهني على القوات بعد سنوات من التقدم.

يعتقد الغرب أن القوات الكردية في العراق، المعروفة باسم البيشمركة، هي أفضل أمل لهم في العراق، فقد تم إرسال الملايين من الدولارات إليها على شكل أسلحة وتدريب. ولكن بسبب الطريقة التي تم فيها توجيه تلك الأسلحة إلى الكرد، ساعدت على تقويض الحملة التي تقودها الولايات المتحدة وهددت بتراجع عقد من التقدم في تحويل البيشمركة إلى قوات محترفة. في نهاية المطاف، سوف تجعل الكرد شريكاً أقل فعالية.

المساعدات العسكرية غير منسقة، غير متوازنة وغير مشروطة، وغير خاضعة للرقابة بسبب عدم وجود الرقابة على توزيع الاسلحة، ولأن الأسلحة تأتي من دون شروط، فان المسؤولين يمكنهم توجيهها إلى قوات البيشمركة الخاصة بهم والتابعة لهم، وتمكن الضباط الموالين وتورط بقية الضباط في الاشتراك بالمنافسات الصغيرة. كل هذا التصرفات تبعد البيشمركة عن المهمة الحقيقية: التقييم والتحضير، ومواجهة التهديدات الإرهابية. لعلاج هذه المشكلة، يجب على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ان تضع أي مساعدة تحت قيادة واحدة، تحت سيطرة مدنية، وبعيداً عن الخصومات السياسية.

فوضى التسعينات

الجهود المبذولة في إصلاح البيشمركة إلى قوة دفاع مهنية كانت جارية منذ فترة طويلة قبل ان تأخذ داعش مساحات شاسعة من الأراضي الممتدة على طول الحدود مع كردستان العراق في حزيران يونيو 2014. في التسعينات، بعد ان اكتسبت المنطقة الكردية الحكم الذاتي الفعلي من بغداد، وبعد عدة سنوات من الصراع الداخلي، بين أقوى حزبين كرديين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، أنشأت أكاديميات عسكرية متنافسة في المعاقل الإقليمية لكل منهما في قلعة جولان وزاخو.

التحق بكلا الطرفين الكرديين ضباط الجيش العراقي السابق الذين انشقوا عن الجيش العراقي خلال حكم صدام حسين، ساعدوا في تنظيم مقاتلي البيشمركة في الكتائب وقيادة كبار الموظفين من الرتب العسكرية وركزت كل قوة على الدفاع عن أراضيها من عمليات توغل الجيش العراقي، مما أدى إلى زيادة الحكم الذاتي في كردستان عن بغداد واستقلال واستعداء بعضهم للبعض.

بعد الاطاحة بنظام صدام في عام 2003، بدأت قوات البيشمركة تحمل زخارف جيش حقيقي. تحولت قلعة جولان وزاخو إلى أكاديميات عسكرية للجيش العراقي الجديد، وجهزت جيل كامل من الضباط الكرد بالتعاليم العسكرية، وتم دمج بعضهم في الجيش العراقي الجديد. بدأت قيادة البيشمركة بضم كلا من كبار مسلحي الحزب وصغار الضباط الذين وإن دخلوا الأكاديميات من خلال علاقاتهم بالحزب، لكن ليس بالضرورة ان يكونوا أعضاء بالحزب. وكانت النتيجة النهائية جيل جديد من الضباط الكرد الموالين لحكومة إقليم كردستان ككل وليس إلى أي من الأحزاب المتنافسة. الاطراف الكردية الصغيرة وجهت انتقادات متزايدة لسيطرة الحزبين على مؤسسات حكومة إقليم كردستان بما عزز هذا الاتجاه.

إصلاح العلاقات المدنية – العسكرية كان أكثر صعوبة بكثير. بغض النظر عما إذا كان الضباط أعضاء في الحزب فمن المتوقع أن يأخذوا أوامرهم من قادة الحزب حيث يدينون لهم بحياتهم المهنية. في عام 2009، وافق الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على إنشاء وزارة شؤون البيشمركة المشتركة لتركز على المهام الإدارية، وإنشاء قيادة مشتركة لخريجي أكاديميات الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وزيادة التعاون بين وكالات الاستخبارات الخاصة بهما. مع ذلك، وعلى الرغم من تأسيس هذه المؤسسة الجديدة، واصلت السياسة الحزبية إملاء توظيف الضباط، الترقيات، نشر القوات، والتعامل مع المعلومات الحساسة.

لعبة التنسيق

هجوم داعش المفاجئ في حزيران يونيو الماضي كشف عن هذه المشاكل العميقة المتجذرة، وخلق مشاكل أخرى جديدة. حيث تخرج منها مجموعة من كبار الضباط وقادة الحزب الأصغر سنا إلى مناصب قيادية على الخطوط الأمامية، مهمشين خريجي الأكاديمية من الذين لا يتمتعون بعلاقات مماثلة مع الحزبين. وفي الوقت نفسه، مع قادة الطرفين من المسنين، دخل الفصيلان في صراع على الخلافة الداخلية. المتنافسون الناشئون إلتمسوا الدعم الخارجي، ولا سيما من تركيا وإيران، لمساعدتهم في تأمين الأراضي والموارد في المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية وتسليح القوات التابعة لهم التي تعمل تحت مظلة قوات البيشمركة.على سبيل المثال، في المدينة الغنية بالنفط كركوك، نشر القادة البارزين من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني شبكة من الضباط، وكل منهم يتبع أجندة مختلفة.

لقد فشل الغرب في النظر إلى التطور الحاصل لدى البيشمركة والسياسة الكردية بشكل عام. واشترط أن تسلم شحنات الأسلحة إلى حكومة إقليم كردستان بعد موافقة بغداد، وهي سياسة تهدف إلى الحفاظ على سيادة العاصمة العراقية وعدم تشجيع الاستقلال الكردي. ولكن هذه السياسة قد عفا عليها الزمن. اليوم، يوجد في بغداد حضور قوي للاتحاد الوطني الكردستاني، لذلك توجيه الأسلحة إلى الحكومة العراقية لا يؤدي إلا إلى زيادة نفور الحزب الديمقراطي الكردستاني من الحكومة المركزية. في المقابل، جعلت مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني يدعون بشكل متزايد واستفزازي إلى الاستقلال والتماس التسليح المباشر دون الرجوع إلى بغداد، فيما تعتبره هيمنة إيرانية. صانعوا السياسة الغربيين قد تغاضوا، معتبرين أن مثل هذه الانقسامات على الأقل ستمنع الأطراف من الاتحاد معا بنجاح للضغط من اجل كردستان عراقية مستقلة. في الواقع، هذه الانقسامات تمنع الأحزاب الكردية من المشاركة الفعالة في الدولة العراقية.

الامور أكثر تعقيدا بعد موافقة بغداد على المساعدات الغربية. بعد تلقي التحالف موافقة بغداد، سيتم توجيه المساعدات العسكرية عن طريق وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان، مع عدم وجود متابعة للأسلحة إلى أين تذهب في الواقع. ليس من المستغرب أن قادة الحزب يستخدمون الأسلحة لتسليح الحرس الخاص، أو لتمكين الضباط الموالين لهم على حساب من هم أكثر مهنية.

كل هذا يقوض كفاح الغرب ضد داعش بينما هدف حكومة إقليم كردستان الحفاظ على الأمن النسبي للمنطقة الخاصة بها. وتبقى وكالات الاستخبارات منقسمة، معلومات أقل تصل إلى خط المواجهة في وقتها المحدد. أي كسر في سلسلة المعلومات يمكن أن يؤدي إلى سوء تقدير ويسبب نكسات كبيرة، كما حدث في آب أغسطس الماضي، عندما اجتاحت قوات داعش خط المواجهة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، واقترب من عاصمة كردستان العراق أربيل. كان قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني متسرعين في وضع اللوم على الضباط الأصغر سنا لقلة خبرتهم، أو عدم وجود ترسانة كافية لهم، ولكن كان السبب الجذري لهؤلاء القادة هو الخصومات الداخلية. في أب أغسطس الماضي، سبب فشل في تبادل المعلومات الاستخبارية (داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) عن قرب هجمات داعش في سنجار ومناطق نينوى الشرقية في ان يجعل مقاتلي قوات البيشمركة للحزب الديمقراطي الكردستاني غير مستعدين، مما مهد الطريق للمتشددين الجهاديين المضي قدما نحو أربيل.

لهذا السبب يجب أن يربط الغرب المساعدات العسكرية بإصلاح العلاقة بين المدنيين والعسكريين. يجب أن يتم تسليم الأسلحة حصراً إلى اللواء المشترك بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي تم تأسيسه في عام 2009 ومراجعة طريقة اعطاء الصلاحيات لضباط الأكاديمية والاعتماد على جهود قادة الحزب السابقين في تنحية خلافاتهم جانباً ودمج قواتهم. حتى الآن، موافقة بغداد على شحنات الأسلحة قد حافظ على سيادتها اسمياً فقط دون منع القوات الكردية من عمليات أحادية الجانب في المناطق المتنازع عليها. سياسة “عراق واحد” يجب أن تبدأ مع استراتيجية مشتركة للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في بغداد، وتنسيق عمليات الحكومة المركزية العسكرية مع القوات الكردية وتشجيع نظام سياسي مستدام في البلاد.

ركز التحالف بشكل ضيق على المدى الطويل لمخاطر الاستقلال الكردي، لكنه تجاهل مدى الانقسامات داخل الكرد التي تغذي الآن الصراعات داخل حدود العراق. نظام الحكم الكردي المقسم سيمهد حتماً الطريق لاقامة إقطاعيات شخصية، التي قد تلجأ إلى الميليشيات التابعة لها وتتنافس مع بعضها البعض ومع الفصائل العراقية الأخرى على الأرض والموارد. في الوقت الذي يستمر فيه العمل السياسي، ينبغي لحكومة إقليم كردستان الاستثمار في جيل من ضباط البيشمركة وأن يبقوا بعيدين عن مؤامرات الحزب. هناك أجهزة الأمن المقسمة، التنافسية، تحركها دوافع شخصية وضعت كردستان العراق مما لا شك فيه في خطر أكبر بكثير مما كان داعش قد سببه من أي وقت مضى.

رابط المصدر :

The Peshmerga Regression